الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«نَهَى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ثَمَنِ الكلبِ، ومَهْرِ البَغِيِّ، وحُلْوَانِ الكاهِنِ».


رواه البخاري برقم: (5761)، ومسلم برقم: (1567)، من حديث أبي مسعود -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«مهر ‌البَغِيِّ»:
بتشديد الياء، قبلها كسرة، هي: الزانية، ومهرها: ما تُعطاه...على الزنا، وأصل البِغَاء: الطلب، وأكثر ما يُستعمل في الشر. فتح الباري، لابن حجر (1/ 89).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
«‌البغي»: الزانية، ومهرها: أجرُها، وقال مالك: يعني بمهر ‌البغي: ما تُعطى المرأة على الزنا. جامع الأصول (10/ 585).

«‌حُلْوَان»:
بضم الحاء المهملة، مصدر: حلوته إذا أعطيته، شبه بالحلو من حيث إنه يأخذه بلا تعب. التيسير للمناوي (2/ 55).

«‌الكاهن»:
هو الذي يتعاطى الأخبار المغيبة، ويخبر بها..، وأما الذي كان يدعي معرفة ذلك بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله، فهو الذي يُسمَّى عَرَّافًا. عمدة القاري، للعيني (17/ 7).


شرح الحديث


قوله: «نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ثمن الكلب»:
قال ابن عبد البر -رحمه الله-:
«ثمن الكلب»، وأما ثمن الكلب فمختلف فيه، فظاهر الحديث: يشهد لصحة قول من نهى عنه وحرّمه، وأما اختلاف العلماء في ذلك، فقال مالك في (موطئه): أكره ثمن الكلب الضاري وغير الضاري؛ لنهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ثمن الكلب.
قال أبو عمر: روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن ثمن الكلب من خمسة أوجه: من حديث علي بن أبي طالب، وابن عباس، وأبي مسعود، وأبي هريرة، وأبي جحيفة.
قال مالك: لا يجوز بيع شيء من الكلاب، ويجوز أن يقتنى كلب الصيد والماشية والزرع، وقد روي عن مالك: إجازة بيع كلب الصيد والزرع والماشية، فوجه إجازة بيع كلب الصيد وما أبيح اتخاذه من الكلاب: أنه لما قرن ثمنها في الحديث مع مهر البغي وحلوان الكاهن، وهذا لا إباحة في شيء منه؛ فدل على أن الكلب الذي نهي عن ثمنه: ما لم يبح اتخاذه، ولم يدخل في ذلك ما أبيح اتخاذه -والله أعلم-.
ووجه النهي عن ثمن الضاري وغير الضاري من الكلاب: عموم ورود النهي عن ثمنها، وأن ما أمر بقتله معدوم وجوده منها، ولا خلاف عن مالك: أن من قتل كلب صيد أو ماشية أو زرع؛ فعليه القيمة، وأن من قتل كلبًا ليس بكلب صيد، ولا زرع، ولا ماشية، فلا شيء عليه. التمهيد (6/ 75).
وقال ابن حجر –رحمه الله-:
‌‌
قوله: «باب ‌ثمن ‌الكلب» أورد فيه (البخاري) حديثين: أحدهما عن أبي مسعود أنه -صلى الله عليه وسلم-: «‌نهى عن ‌ثمن ‌الكلب، ومهر ‌البغي، وحلوان الكاهن» ثانيهما حديث أبي جحيفة: «نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وكسب الأمَة» الحديث، وقد تقدم في باب (موكل الربا) في أوائل البيع، واشتمل هذان الحديثان على أربعة أحكام أو خمسة إن غايرنا بين كسب الأمة ومهر ‌البغي: الأول: ‌ثمن ‌الكلب، وظاهر النهي تحريم بيعه، وهو عامٌّ في كل كلب معلّمًا كان أو غيره، مما يجوز اقتناؤه أو لا يجوز، ومن لازم ذلك: أن لا قيمة على مُتْلِفِهِ، وبذلك قال الجمهور، وقال مالك: لا يجوز بيعه، وتجب القيمة على مُتْلِفِه، وعنه كالجمهور، وعنه كقول أبي حنيفة: يجوز وتجب القيمة، وقال عطاء والنخعي: يجوز بيع كلب الصيد دون غيره، وروى أبو داود من حديث ابن عباس مرفوعًا:‌ «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ‌ثمن ‌الكلب وقال: إن جاء يطلب ‌ثمن ‌الكلب فاملأ كفه ترابًا»، وإسناده صحيح، وروي أيضًا بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعًا: «لا يحل ثمن الكلب، ولا حلوان الكاهن، ولا مهر البغي»، والعلة في تحريم بيعه عند الشافعي: نجاسته مطلقًا، وهي قائمة في المعلَّم وغيره، وعلّة المنع عند من لا يرى نجاسته: النهي عن اتخاذه والأمر بقتله؛ ولذلك خصّ منه ما أُذِنَ في اتخاذه. فتح الباري (4/ 426).
وقال القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «الكلب» هنا هو: غير المنتفَع به منها، التي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتلها. اختصار صحيح البخاري وبيان غريبه (4/ 260).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
«نهى عن ثمن الكلب» مقتضى النهي عن ‌ثمن ‌الكلب تحريم بيعه، والعموم في كل كلب، سواء المعلَّم وغيره، وسواء ما يجوز اقتناؤه وغيره، وهو صريح في أنه لا يحل ثمنه، ويلزم من ذلك: أنه لا قيمة على مُتْلِفِه، وبهذا قال جمهور العلماء: منهم أبو هريرة والحسن البصري وربيعة والأوزاعي والحكم وحماد والشافعي وأحمد وداود وابن المنذر وغيرهم، وقال أبو حنيفة: يصح بيع الكلاب التي فيها منفعة، وتجب القيمة على متلفيها.
وحكى ابن المنذر عن عطاء وجابر والنخعي: جواز بيع كلب الصيد دون غيره، وعن مالك روايات: أحدها: لا يجوز بيعه، لكن تجب القيمة على مُتْلِفه، ثانيها: يصح بيعه وتجب القيمة، وثالثها: لا، فيهما، ونقل الفاكهي عن بعضهم: أنه حكى عن مالك: جواز بيع الكلب في ثلاثة مواضع: في الشركة، وفي التفليس، وفي المغنم ... ، واختلف أيضًا قول مالك في ما أبيح منها، فقيل: بالإجازة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وقيل: بالمنع.
قلت: وحجة الجمهور: هذا الحديث والذي بعده وغيرها من الأحاديث الصحيحة، كحديث ابن عباس -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ثمن الكلب، وقال: «إن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفَّه ترابًا» رواه أبو داود بإسناد صحيح، وكحديث أبي هريرة رفعه: «لا يحل ثمن الكلب ولا حلوان الكاهن ولا مهر البغي» رواه أبو داود بإسناد حسن، وصح من حديث ابن عباس: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: «إن الله إذا حرَّم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه» رواه أبو داود بإسناد صحيح ... ، قلت: وأما الأحاديث الواردة في النهي عن ثمن الكلب إلا كلب صيد فرواية: «ثلاث كلهن سحت» فذكر «كسب الحجام، ومهر البغي، وثمن الكلب إلا كلبًا ضاريًا»، وعن عثمان -رضي الله عنه- أغرم إنسانًا ثمن كلب قتله عشرين بعيرًا، وعن ابن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- التغريم في إتلافه، فقضي في كلب صيد قتله رجل بأربعين درهمًا، وفي كلب ماشية بكبش، وكلها ضعيفة باتفاق أئمة الحديث، كما نقله عنهم النووي في شرح مسلم. الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (7/ 107).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «نهى عن ثمن الكلب»، وهو بإطلاقه يتناول جميع أنواع الكلاب. [عمدة القاري (12/ 58)
.
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «نهى عن» أكل «‌ثمن ‌الكلب» مطلقًا. إرشاد الساري (4/ 141).
وقال القسطلاني -رحمه الله-أيضًا:
قوله: «‌نهى النبي -صلى الله عليه وسلم-» ‌نهي تحريم، «عن ‌ثمن ‌الكلب» المعلَّم وغيره؛ لنجاسته، وقال الحنفية وسحنون من المالكية: يجوز بيع المنتفع به من الكلاب. إرشاد الساري (8/194).
وقال محمد أشرف آبادي -رحمه الله-:
«‌نهى عن ‌ثمن ‌الكلب» فيه دليل على تحريم بيع الكلب، وظاهره: عدم الفرق بين المعلَّم وغيره، سواء كان مما يجوز اقتناؤه أو مما لا يجوز، وإليه ذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: يجوز، وقال عطاء والنخعي: يجوز بيع كلب الصيد دون غيره. عون المعبود (9/ 271).
وقال ابن القاسم -رحمه الله-:
قوله: «نهى -صلى الله عليه وسلم-» أي: أتى بعبارة تفيد النهي وإن لم يذكرها، وبدأ بالنهي «عن ثمن الكلب» معلَّمًا كان أو غيره مما يجوز اقتناؤه أو لا يجوز، وهذا مذهب جمهور العلماء، والنص على تحريم ثمنه يدل باللزوم على تحريم بيعه، وروي: «إلا كلب صيد»، وقال الحافظ: لا يصح. الإحكام شرح أصول الأحكام (3/ 98).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «نهى عن ثمن الكلب» أي: عن عقد البيع عليه المتضمن للثمن، ونحن قلنا هذا لفائدة نذكرها -إن شاء الله تعالى- في الفوائد، وهي ما إذا أُتْلِفَ الكلب هل يضمن بقيمة أو لا؟.
وقوله: «الكلب» هو: حيوان معروف سبُع يفترس، وهو أخبث الحيوانات وأنجسها؛ لأن نجاسته لا بد فيها من سبع غسلات إحداها بالتراب، والخنزير كغيرة من الحيوانات الأخرى يغسل حتى تزول النجاسة بدون تسبيع وبدون تراب، وقوله: «الكلب» (أل) هنا للعموم؛ فيشمل كل كلب، سواء كان أسود أم غير أسود، معلَّما أم غير معلَّم، يجوز اقتناؤه أو لا يجوز اقتناؤه؛ لأن الحديث عام: «ثمن الكلب» عامٌّ لكل كلب. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/ 480).
وقال الشيخ محمد الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «عن ‌ثمن ‌الكلب» ظاهره حرمة بيعه، وعليه الجمهور، وهو الحق، ولعل من لا يقول به يحمله على أنه كان حين كان الأمر بقتله، وقد علم نسخه. ذخيرة العقبى (35/ 238).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
النهي هنا (نهى عن ثمن الكلب)، هل هو نهي للباذل أو للآخذ؟ يعني: نهى أن نُعْطِي ثمنًا على الكلب أو أن نأخذه؟ مَنِ الذي سينتفع؟ كلٌّ منهما سينتفع، لكن الذي سينتفع بالثمن هو الآخذ، فيكون النهي مُنْصَبًّا عليه بالذات، لكنه يشمل البائع؛ لأنه مُعين على الباطل، والمعين على الباطل مشارك لفعله؛ ولهذا لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله، فمثلًا: النهي في الأصل منصبٌّ على الآخذ وهو الذي يأخذ الثمن، لكن المعطي -وهو البائع- يدخل من باب أنه ساعد هذا وأعانه على الشيء المحرم. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 480).

قوله: «ومهر البَغِيِّ»:
قال ابن عبد البر -رحمه الله-:
في هذا الحديث ما اتُّفق عليه، وفيه ما اختُلف فيه، فأما مهر ‌البغي -والبغي: الزانية، ومهرها ما تأخذه على زناها- فمجتمع على تحريمه، تقول العرب: بغت المرأة: إذا زنت، تبغي بغاء، فهي بَغِيٌّ، وهنَّ البَغايا، قال الله: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} مريم: 28، يعني: زانية، وقال: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} النور: 33، يعني: الزنا، وهو مصدر. التمهيد (6/ 75).
وقال الروياني -رحمه الله-:
والبَغيُّ: المرأة الفاجرة تكري نفسها، وجمعها: بغايا. بحر المذهب (5/ 87).
وقال النووي -رحمه الله-:
أما مهر ‌البغي فهو: ما تأخذه الزانية على الزنا؛ وسماه مهرًا لكونه على صورته، وهو حرام بإجماع المسلمين. شرح صحيح مسلم(10/ 231).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«مهر البغي» وهو: ما تأخذه الزانية على الزنا؛ سماه مهرًا مجازًا، والبَغِيّ -بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتانية-، وهو فعيل بمعنى: فاعلة، وجمع البَغِي: بغايا، والبغاء -بكسر أوله-: الزنا والفجور، وأصل البِغاء: الطلب غير أنه أكثر ما يستعمل في الفساد، واستدل به على أن الأَمَةَ إذا أُكْرِهت على الزنا فلا مهر لها. فتح الباري (4/ 427).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «ومهر البغي»، وفي حديث علي: «وأجر البغي»، وجاء: «وكسب الأمَة»: هو مهر البغي، لا الكسب الذي تكتسبه بالصنعة والعمل، وإطلاق المهر فيه مجاز، والمراد: ما تأخذه على زناها، والبغي بفتح الباء الموحدة وكسر الغين المعجمة وتشديد الياء، وقال ابن التين: نُقِلَ عن أبي الحسن أنه قال: بإسكان الغين وتخفيف الياء، وهو الزنا، وكذلك البِغاء بكسر الباء ممدودًا، قال الله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} النور: 33، يقال: بغت المرأة تبغي بغاء، والبَغْيُ يجيء بمعنى الطلب، يقال: أبغني، أي: اطلب لي، قال الله تعالى: {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} التوبة: 74. عمدة القاري (12/ 58).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «و» عن «مهر ‌البغي» بكسر الغين المعجمة وتشديد الياء، وفي الفرع بسكون الغين، والذي في (اليونينية) كسرها، وإطلاق المهر فيه مجاز، والمراد: ما تأخذه على الزنا؛ لأنه حرام بالإجماع، فالمعاوضة عليه لا تحل؛ لأنه ثمن عن محرم. إرشاد الساري (4/ 141).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
قوله: «مهر ‌البغي» فالمراد به: ما تأخذه الزانية على الزنا؛ سماه مهرًا لكونه على صورته، وهو حرام بإجماع المسلمين. صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري (4/ 746).
وقال ابن القاسم -رحمه الله-:
قوله: «و» نهى عن «مهر البغيِّ» بتشديد الياء، وهو: ما تأخذه الزانية في مقابل زناها؛ وسماه مهرًا لكونه على صورته، وأجمعوا على تحريمه، وأصل البَغْيِ: الطلب، غير أنه أكثر ما يستعمل في الفساد، وذكر ابن القيم أنه في جميع كيفياته يجب التصدق به، ولا يُرَد إلى الدافع؛ لأنه دفعه باختياره في مقابل عوض لا يمكن صاحب العوض استرجاعه، فهو كسب خبيث يجب التصدُّق به، ولا يُعَانُ صاحب المعصية على حصول غرضه واسترجاع ماله. الإحكام شرح أصول الأحكام (3/ 98).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
المراد بذلك: أجرة الزنا؛ وسمي مهرًا لأنه يعطى الزانية عوضًا عن الاستمتاع بها، فأشبه المهر الذي يبذله الإنسان في النكاح الصحيح. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 480).

قوله: «وحلوان الكاهن»:
قال الخطابي -رحمه الله-:
«حلوان ‌الكاهن» هو: ما يأخذه الْمُتَكَهِّن عن كهانته، وهو محرم، وفعله باطل، يقال: حلوت الرجل شيئًا، يعني: رشوته، وأخبرني أبو عمر قال: حدثنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: ويقال لحلوان الكاهن: الشنع والصهيم.
قال الشيخ: وحلوان العرَّاف حرام كذلك، والفرق بين الكاهن والعراف: أن الكاهن إنما يتعاطى الخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان، ويدّعي معرفة الأسرار، والعرَّاف هو: الذي يتعاطى معرفة الشيء المسروق، ومكان الضالة ونحوهما من الأمور. معالم السنن (3/ 104).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وأما «حلوان ‌الكاهن» فمجتمع أيضًا على تحريمه، قال مالك: وهو ما يُعطى الكاهن على كهانته، والحلوان في كلام العرب: الرِّشوة والعطية، تقول: منه حلَوتُ الرجل حلوانًا: إذا رشوته بشيء. التمهيد (6/ 75).
وقال النووي -رحمه الله-:
أما‌ «حلوان ‌الكاهن» فهو: ما يُعْطاه على كهانته، يقال: منه حلوته حلوانًا إذا أعطيته، قال الهروي وغيره: أصله: من الحلاوة؛ شُبِّهَ بالشيء الحلو من حيث إنه يأخذه سهلًا بلا كُلفة، ولا في مقابلة مشقة، يقال: حلوته إذا أطعمته الحلو؛ كما يقال: عسلته إذا أطعمته العسل، قال أبو عبيد: ويطلق الحلوان أيضًا على غير هذا، وهو أن يأخذ الرجل مهر ابنته لنفسه. شرح صحيح مسلم(10/ 231).
وقال عبد الغني المقدسي -رحمه الله-:
قوله: «حلوان ‌الكاهن» الكاهن: هو الذي يدَّعي علم الأشياء المغيبة المستقبلة، وحلوانه: ما يعطاه من المال مقابل دَجَلِهِ وكذبه. عمدة الأحكام (ص180).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
قوله: «حلوان ‌الكاهن» الكاهن معروف، وحلوانه: ما يعطى من الهدية والأجر إذا سُئِل عن شيء ليخبرهم به مما يجهلونه، وقال مالك: وحلوان الكاهن: رشوته، وما يعطى على أن يتكهَّن. جامع الأصول (10/ 585).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «وحلوان» بضم الحاء «الكاهن» هو: ما يأخذه على تكهُّنه، يقال: حلوت الرجل أحلوه: إذا أعطيته شيئًا يستحليه، كما يقال: عسلته أعسله: إذا أطعمته عسلًا، ومنه قيل للرشوة ولِمَا يأخذه الرجل من مهر ابنته: حلوانًا؛ لأنها كلها عطايا حلوة مستعذبة، وفيه ما يدل على تحريم ما يأخذه الحُسّاب، والمنجِّمون في الرمل والخط والحصا، ونحو ذلك؛ لأن ذلك كله تعاطي علم الغيب، فهو في معنى الكهانة، وما يؤخذ على ذلك محرم بالإجماع على ما حكاه أبو عمر (أي: ابن عبد البر). شرح سنن أبي داود (14/ 290).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«حلوان الكاهن» وهو حرام بالإجماع؛ لما فيه من أخذ العِوَض على أمر باطل، وفي معناه: التنجيم والضرب بالحصى وغير ذلك مما يتعاناه العرَّافون من استطلاع الغيب. فتح الباري (4/ 427).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
والإجماع قائم على تحريم هذين (ثمن البغي والكاهن)؛ لما في ذلك من بذل الأعراض فيما لا يجوز مقابلته بالعوض، أما الزنا: فظاهر، وأما الكهانة: فبطلانها وأخذ العوض عنها من باب أكل المال بالباطل، وفي معناها: كل ما يمنع منه الشرع. كشف اللثام (4/ 527).
وقال ابن القاسم -رحمه الله-:
قوله: «و» نهى عن «حلوان الكاهن» مصدر: حلوتُه حلوانًا إذا أعطيتُه، وأصله: من الحلاوة؛ شُبّه بالشيء الحلو من حيث إنه يؤخذ سهلًا بلا كُلفة، وأجمعوا على تحريم حلوان الكاهن، والكاهن: الذي يدَّعي علم الغيب، ويخبر الناس عن الكوائن مِن منجم وغيره، فلا يحل له ما يعطاه، ولا يحل لأحد تصديقه فيما يتعاطاه، ولهما أيضًا من حديث أبي جحيفة: «نهى عن ثمن الدم» قيل: نفس الدم، وهو حرام بالإجماع. الإحكام شرح أصول الأحكام (3/ 98).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «وحلوان الكاهن» يعني: عطيَّته، وهو: ما يعطاه الكاهن على كهانته؛ وسمي حلوانًا مأخوذ من الحلو؛ لأنه يكسبه بدون تعب وبدون مشقة، فهو حلو في اكتسابه، والكاهن: من يتعاطى الكهانة، وهو الذي يخبر عن المغيبات، هذا هو الكاهن، مثل أن يقول للشخص: سيأتيك ولد، ستربح اليوم كذا وكذا، سيحدث بعد أيام كذا وكذا، وما أشبه ذلك من علوم الغيب... فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 480).
قال النووي -رحمه الله-:
قوله: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‌نهى عن ‌ثمن ‌الكلب، ومهر ‌البغي، وحلوان الكاهن»، وفي الحديث الآخر: «شرُّ الكسب مهر ‌البغي، وثمن الكلب، وكسب الحجام»، وفي رواية: «‌ثمن ‌الكلب خبيث، ومهر ‌البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث»، وفي الحديث الآخر: «سألت جابرًا عن ‌ثمن ‌الكلب والسنور؛ فقال: زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه». شرح صحيح مسلم (10/ 231).
وقال العيني -رحمه الله-:
فيه: أن ‌ثمن ‌الكلب حرام...
الثاني: فيه: أن مهر ‌البغي حرام، وهو ما يعطى على النكاح المحرم، وإذا كان محرمًا ولم يُسْتَبَحْ بعقد؛ صارت المعاوضة عليه لا تحل؛ لأن ما حرم الانتفاع به فكأنه لا منفعة فيه أصلًا، وقال القاضي: لم يختلف العلماء في تحريم أجر ‌البغي وحلوان الكاهن؛ لأنه ثمن عن محرم، وقد حرم الله الزنا، وكذلك أجمعوا على إبطال أجر المغَنِّيَة والنائحة.
الثالث: فيه: أن ‌حلوان ‌الكاهن حرام؛ لأنه -عليه السلام- ‌نهى عن إتيان الكُهَّان مع أن ما يأتون به باطل وجُلُّه كذب، قال تعالى: {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} الشعراء: 222، 223، وأَخْذُ العِوَضِ على مثل هذا -ولو لم يكن منهيًّا عنه- من أكل المال بالباطل، ولأن الكاهن يقول ما لا يُنْتَفَع به، ويُعانُ بما يُعطاهُ على ما لا يحل. نخب الأفكار (12/ 67).
وقال الشيخ إسماعيل الأنصاري -رحمه الله-:
يستفاد منه:
1) تحريم ‌ثمن ‌الكلب، وظاهر الحديث عدم التفرقة بين المعلّم وغير المعلم، وما ورد في استثناء المعلم ضعيف.
2) النهي عن مهر ‌البغي؛ وذلك لما فيه من بذل العوض في ما لا تجوز مقابلته بالعوض وهو الزنا.
3) النهي عن ‌حلوان ‌الكاهن؛ وذلك لما فيه من بذل العوض في ما لا يجوز مقابلته بالعوض، بل أخذ العوض عنه من باب أكل المال بالباطل، وفي معنى الكهانة: التنجيم والضرب بالحصى وغير ذلك مما يتعاطاه العرَّافون من استطلاع الغيب. الإلمام بشرح عمدة الأحكام (2/ 15).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا