«مَن قرأ آيةَ الكرسي في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ؛ لم يمنعْهُ من دخولِ الجنةِ إلا أنْ يموتَ».
رواه النسائي في الكبرى برقم: (9848)؛ والطبراني في الأوسط برقم: (8068) من حديث أبي أُمَامَة الحارثي الأنصاري الخزرجي -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (6464)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (972).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«في دُبُرِ»:
الدُبُر : دُبر كلِّ شيءٍ خلاف قُبُله. العين، للفراهيدي(8/31).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
دُبر كُلّ شيء: وراءه وعقِبه، والمراد به: الفراغ من الصلوات.جامع الأصول في أحاديث الرسول(4/141).
شرح الحديث
قوله: «من قرأ آية الكرسي»:
قال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
سميت آية الكرسي؛ لذكر الكرسي فيها: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} سورة البقرة: 255. شرح بلوغ المرام (33/ 2).
قوله: «في دُبُر كل صلاة مكتوبة»:
قال ابن القيم -رحمه الله-:
ودبر الصلاة يحتمل قبل السلام وبعده، وكان شيخنا (ابن تيمية) يرجِّح أن يكون قبل السلام، فراجعته فيه، فقال: دبر كل شيء منه، كدبر الحيوان. زاد المعاد (1/ 295).
وقال ابن القيم -رحمه الله- أيضًا:
وبلغني عن شيخ الإسلام ابن تيمية قال: ما تركته عقيب كل صلاة إلا نسيانًا، أو نحوه. الوابل الصيب (1/ 286).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
روي أن من أدمن قراءة آية الكرسي عقب كل صلاة؛ فإنه لا يتولى قبض روحه إلا الله تعالى. إرشاد الساري (3/ 354).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قيل: دبر الصلاة يحتمل قبل السلام وبعده، ورجح ابن تيمية كونه قبله، وفيه بُعْدٌ، ودبر كل شيء منه في دبر كدبر الحيوان. فيض القدير(6/ 197).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«مكتوبة» مفروضة -فتخرج النوافل- عقيب الفراغ منها. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 348).
وقال الشيخ البسام -رحمه الله-:
والمراد بهذين الحديثين («من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين…»؛ وحديث: «مَن قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة»): بعد السلام، فصار الدبر يراد به: آخر جزء من الصلاة، ويراد به: ما بعد السلام، والأفضل أن يكون الدعاء فيما قبل السلام، وأما الذِّكر ففيما بعد السلام ...؛ قال في (الشرح): دبر الصلاة يشمل ما بعدها، وبعد التشهد، والظاهر هنا الأول.
أما شيخ الإسلام: فيرجح أن الدعاء يكون في الصلاة قبل السلام منها، فقد قال -رحمه الله تعالى-: والدعاء في آخر الصلاة قبل الخروج منها مشروع بالسنة المستفيضة، وإجماع المسلمين، وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها -عليه السلام- فيها، وهو اللائق بحال المصلي المقبل على ربه يناجيه. توضيح الأحكام من بلوغ المرام (2/ 309).
قوله: «لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
يعني: الموت حاجز بينه وبين دخول الجنة، فإذا تحقق وانقضى حصلت الجنة. شرح المشكاة (3/ 1064).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: على الشقاوة أو إلا عدم الموت ...؛ وقال التفتازاني: معنى الحديث: أنه لم يبق من شرائط دخول الجنة إلا الموت، فكأن الموت يمنع ويقول: لا بد من حضوري أولًا ليدخل الجنة، أقول: ويمكن أن يقال: المقصود: أنه لا يمنع من دخول الجنة شيء من الأشياء ألبتة، فإن الموت ليس بمانع من دخول الجنة، بل قد يكون موجبًا لدخولها فهو من قبيل: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ...
وهذا ليس بعيب؛ فلا عيب فيهم أصلًا، فيكون من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم ...؛ ويمكن أن يكون المعنى: لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت كافرًا -والعياذ بالله-، إشارة إلى أن سائر المعاصي لم يمنعه -والله أعلم-. مرقاة المفاتيح (2/ 772).
وقال المناوي -رحمه الله-:
يعني: لم يبق من شرائط دخول الجنة إلا الموت؛ فكأنه يمنع ويقول: لا بد من حضوري أولًا لتدخل الجنة. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 436).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
استشكل هذا الكلام بأن الظاهر أن يقال: لم يمنعه إلا الحياة، فإنها الحابس عن دخول الجنة، والموت سبب ووسيلة يوصل إلى دخولها، وأجيب بأن المراد بالموت ها هنا الحياة الدنياوية الفانية المنتهية بالموت، وهذا الجواب ضعيف بعيد عن الفهم جدًّا، وقيل: المراد: تأخير الموت وعدم مجيئه، وقيل: المراد بالموت: كون العبد في القبر قبل البعث، فإذا بعث دخل الجنة، وقيل: المراد: أن المانع من دخول الجنة عاجلًا في الدنيا وجود الموت، وكونه شرطًا، ودخول الجنة وهو مؤجل يكون في الآخرة، ولولا وجود الموت وشرطيته له لدخل الآن، فالمراد على هذا: دخول الجنة في إنشاء الحياة عاجلًا، وفي ذلك مبالغة، وعلى هذا: يمكن أن يقال: المعنى: لولا وجوب الموت وذوق كل نفس إياه لدخل تالي آية الكرسي الجنة الآن مؤجلًا، ولكن لو دخل لزم وجود الموت في الجنة، والجنة ليست مكان الموت، أو يلزم الخروج من الجنة بعد دخولها، فمن هذه الجهة تأخر دخول الجنة وتأجل، وهذا الوجه من إفادات الولد الأعز نور الحق -أطال الله عمره ودام فضله-...؛ وفي شرح الشيخ (ابن حجر الهيتمي): فهو حاجز بينه وبين دخول الجنة، فعقيب وجوده يحصل للروح دخولها ببركة ملازمته على تلك الآية، فتدبَّر. لمعات التنقيح (3/ 104).
وقال المغربي -رحمه الله-:
هو على تقدير مضاف محذوف، والمعنى: عدم الموت؛ حذف لانسياق المعنى إليه، واختصت آية الكرسي بالفضيلة؛ لما جمعت من أصول الأسماء والصفات من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة، وهذه السبعة هي أصول الأسماء والصفات، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} الإخلاص: 1؛ مُتَمَحِّضَة لذكر صفات الرب -تبارك وتعالى-. البدر التمام شرح بلوغ المرام (3/ 177).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
العائق من دخوله الجنة أن يموت، فإذا مات دخل الجنة، هل يدخل الجنة مباشرة أو يمكث في قبره في البرزخ قبل دخول الجنة؟ لكن يأتيه من مقدمات الدخول في قبره ما يستحق أن يسمى دخولًا، فيفسح له في قبره مدَّ بصره، يكون قبره عليه روضة من رياض الجنة -نسأل الله من فضله-.
مقدمات الدخول لا يقول قائل: إنه يدخل الجنة مجرد أن يموت، ولا يمر بالبرزخ؛ لا، هناك حياة برزخية مكانها القبر، بين الحياة الدنيا وبين الآخرة، فهنا سمى مقدمة الدخول دخول، كما أن مقدمات الفتح فتح، فصلح الحديبية باعتباره مقدمة للفتح -لفتح مكة- سمي فتحًا، ونزلت فيه سورة الفتح، وهنا مقدمة الدخول وهو هذه الحياة البرزخية التي ينعم فيها هذا الذي واظب على آية الكرسي ينعم فيها في قبره. شرح بلوغ المرام (33/ 2).
وقال الشيخ عطية سالم -رحمه الله-:
هذا مما يدل على فضل هذه الآية الكريمة، وقد جاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سأل أُبي بن كعب: «أي آية أعظم في كتاب الله؟ قال: آية الكرسي، قال: ليهنك العلم»؛ وقالوا: آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله؛ لأنها اشتملت على صفات المولى -سبحانه وتعالى-، فموضوعها ذات المولى -عز وجل-، كما أن سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} الإخلاص: 1؛ موضوعها ذات الله -سبحانه وتعالى-، وهي تعدل ثلث القرآن...شرح بلوغ المرام (70/ 8).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
آية الكرسي هي التي ذكر فيها الكرسي، وهي قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} البقرة: 255، هذه آية الكرسي، أما قوله: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} البقرة: 256، فهي ليست من آية الكرسي؛ لأن آية الكرسي آية واحدة وهي هذه، وقد سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أبيّ بن كعبٍ قال: «أي آية أعظم في كتاب الله؟ قال: آية الكرسي، فضرب على صدره وقال: ليهنك العلم أبا المنذر»؛ يعني: هنَّأه بعلمه؛ حيث علم أن أعظم آيةٍ في كتاب الله هي آية الكرسي، وأما أعظم سورة؟ فإن سورة الفاتحة هي أعظم سورةٍ في كتاب الله، هذه الآية العظيمة من قرأها في ليلةٍ لم يزل عليه من الله حافظ؛ ولا يقربه شيطان حتى يصبح ...فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/ 186-187).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
الحديث دليل على فضل قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة، وهي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} إلى قوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} البقرة: 255، وأن قراءتها سبب من أسباب دخول الجنة، ومع أن الدبر يحتمل ما قبل السلام أو ما بعد السلام إلا أن المراد هنا: ما بعد السلام؛ لأن ما قبل السلام ليس محلًّا للقرآن، وإنما محله القيام، فهذه قرينة على أن المراد: ما بعد السلام. منحة العلام في شرح بلوغ المرام (3/ 198).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
المواظبة على آية الكرسي دُبر كُل صلاة سبب من أسباب دخول الجنة، والسبب قد تترتب عليه آثاره فيحصل المسبب، وقد يتخلف الأثر لوجود مانع، قد يكون عند الشخص ما يمنعه من دخول الجنة، ما يستحق به دخول النار؛ إما مؤبدًا إن كان عنده ما يخرجه من الدين بالكلية، أو مؤقتًا إن كان عنده شيء من الكبائر. شرح بلوغ المرام (33/ 2).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله- أيضًا:
فقراءة آية الكرسي والمحافظة عليها، والمداومة عليها سبب كغيرها من الأسباب، فلا نتَّكِل على مثل هذا؛ ولذا جاء: «من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له -إلى آخره- دخل الجنة من أي أبوابها الثمانية شاء»؛ ثم قال في الحديث: «ولا تغتروا»؛ يعني: ما نغتر بمثل هذه النصوص، نترك الواجبات، ونقترف الكبائر والمحرمات؛ لا، هذه أسباب، ومعلومٌ أن السبب قد ترتب عليه آثاره إذا انتفت الموانع، وقد لا تترتب عليه الآثار إذا وجدت الموانع، قد يلبس المرء من الثياب خمسة ثياب، ستة، عشرة، وفروة وبشتًا؛ ويدخله البرد؛ لأنه سبب، فليس السبب موجبًا ولا مستقلًا بحصول المسبب، لكن علينا أن نعمل بمثل هذه الأمور التي جاء الحث عليها من قبل الشارع، لكن لا نغتر فنعتمد عليها. شرح بلوغ المرام (33/ 3).
وينظر حكم قراءة آية الكرسي بصورة جماعية من (هنا)
وينظر حكم الجهر بالقراءة من (هنا)