الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«قيل: يا رسولَ اللهِ، أيُّ الكسبِ أطيبُ ؟ قال: عملُ الرجلِ بيدِهِ، وكلُّ بيعٍ مبرورٍ».


رواه أحمد برقم: (17265)، والحاكم في المستدرك برقم: (2160)، من حديث رافع بن خَدِيج -رضي الله عنه-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (607)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (1691).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الكسب»:
الكَسْب: الطَّلَب، والسَّعْي في طلبِ الرِّزْقِ والمعِيشة...، يُقالُ: كَسَبْتُ مالًا وكَسَبْتُ زيدًا مالًا، وأَكْسَبْتُ زيدًا مالًا: أي: أعَنْتُه على كَسْبِه، أو جَعَلْتُه يَكْسِبُه. النهاية، لابن الأثير (4/ 171).

«أطيب»:
أي: أحل وأفضل. مرقاة المفاتيح (5/ 1904).

«بيع»:
البيع: مُبَادلَة مالٍ بمال. الفروق اللغوية، للعسكري (ص:175).

«مبرور»:
الذي لا شبهة فيه ولا خيانة. غريب الحديث، لابن الجوزي(1/65)


شرح الحديث


قوله: «قيل: يا رسول الله، أيُّ الكسب أطيب؟»:
قال المناوي -رحمه الله-:
أي: أفضل طرق الاكتساب. فيض القدير (1/ 547).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
أحله وأبركه وأكثره ثوابًا. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 443).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
الكسب: ما يكتسبه الإنسان ويربح فيه؛ من تجارة أو إجارة أو شركة أو غير ذلك، فهو شامل، والإنسان قد يكتسب الشيء بالبيع أو بالإجارة أو بالمشاركة أو بتملك المباحات؛ كالصيد والحشيش ونحو ذلك؛ فأيُّهما أطيب؟ فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/ 458).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
أي: أفضل وأحل وأبرك وأشرف. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (5/ 4).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
قوله: «أي الكسب أطيب؟» الكسب: هو السعي في طلب الرزق والمعيشة، وقال الشيباني: الاكتساب: تحصيل المال بما يحل من الأسباب. قوله: «أطيب» ‌أي: ‌أَحَلُّ ‌وأبرك؛ ‌لأن ‌الطيب ‌هو ‌الحلال. منحة العلام في شرح بلوغ المرام (6/ 9).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
والفرق بين الكسب والاكتساب: أن الكسب فيما ينفع الإنسان، والاكتساب فيما يضره؛ ولذا جاء في قوله -جل وعلا-: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} البقرة: 286. شرح بلوغ المرام (74/ 7).
وقال الشيخ عطية سالم -رحمه الله-:
ولماذا كانوا يسألون عن أطيبه؟ لأنهم يعلمون بأن طيب الكسب صحة في البدن، وعون على الطاعة. شرح بلوغ المرام (184/ 3).

قوله: «قال: عمل الرجل بيده»:
قال الشيخ زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
كناية عن عمله بنفسه، بيده أو غيرها من فعل أو قول. فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام (ص:417).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
أي: يعمل بنفسه لا عبده وولده -وإن كان ذلك أيضًا كسبه في الحقيقة-؛ لكون الكلام هنا في الأطيب لا في الطيب. لمعات التنقيح (5/ 510).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: من زراعة أو تجارة أو كتابة أو صناعة. مرقاة المفاتيح (5/ 1904).
وقال المناوي -رحمه الله-:
في صناعته وزراعته ونحو ذلك من الْحِرَفِ الجائزة غير الدنيئة التي لا تليق به، وذكر اليد بعد العمل من قبيل قولهم: رأيتُ بعيني، وأخذتُ بيدي، والمقصود منه: تحقيق العمل وتقريره، والتكسب بالعمل سنة الأنبياء؛ كان داود -عليه السلام- يعمل الزَّرَدَ فيبيعه بقُوتِهِ، وكان زكريا نجارًا. فيض القدير (1/ 547).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«عمل الرجل بيده» إلا الحجامة، فإنها مستثناة، وإن كان من أعمال اليد، فإن الشارع نص على أنها أخبث الكسب. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 580).
وقال العيني -رحمه الله-:
وأكثر الأحاديث تدل على أفضلية الكسب باليد...، وإذا كان كذلك فينبغي أن يختلف الحال في ذلك باختلاف حاجة الناس، فحيث كان الناس محتاجين إلى الأقوات أكثر، كانت الزراعة أفضل، للتوسعة على الناس، وحيث كانوا محتاجين إلى المتجر؛ لانقطاع الطرق كانت التجارة أفضل، وحيث كانوا محتاجين إلى الصنائع أشد، كانت الصنعة أفضل، وهذا حسن. عمدة القاري (12/ 155).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
قوله: «عمل الرَّجل بيده» من أهل العلم من رجح الزراعة، ومنهم من رجح الصناعة، ومنهم من رجح حِرفًا أُخرى حسب انتفاع الناس بها، وما ورد فيها من نصوص، والذي رجحه ابن القيم والحافظ ابن حجر: أن أفضل المكاسب الغنائم، وهي كسب النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وجعل رزقي تحت ظل رمحي»، ولما في ذلك من إعلاء الدين وشأنه.
المقصود: أن المسألة وتفاضل الأعمال إنما يكون بحسب ما يقر في قلب العبد، وبحسب حاجة الناس إلى هذا العمل، لو قيل: إن الزراعة أفضل الأعمال فاتجه الناس كلهم إلى الزراعة، وأهملوا الجوانب الأخرى...، نقول: هذه الأمور الأخرى أفضل من الزراعة..
وعلى كل حال: المسألة ليس فيها قول فصل، وإنما تتفاوت هذه الأعمال بحسب ما يقر في قلب العامل، وبحسب ما يُحتاج إليه من الأعمال. شرح بلوغ المرام (74/ 7).
وقال الماوردي -رحمه الله-:
واختلف الناس في أطيبها (أي: المكاسب)؛ فقال قوم: الزراعات، وهو عندي أشبه؛ لأن الإنسان فيها متوكل على الله في عطائه، مستسلم لقضائه.
وقال آخرون: التجارة أطيبها، وهو أشبه بمذهب الشافعي؛ لتصريح الله تعالى بإحلاله في كتابه بقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} البقرة: 275، واقتداء بالصحابة -رضي الله عنهم- في اكتسابهم بها، وقال آخرون: الصناعة لاكتساب الإنسان فيها بِكَدِّ يديه. الحاوي الكبير (15/ 342).
وقال النووي -رحمه الله- مُعلقًا:
فالصواب: ما نص عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عمل اليد؛ فإن كان زراعًا فهو أطيب المكاسب وأفضلها؛ لأنه عمل يده؛ ولأن فيه توكلًا كما ذكره الماوردي، ولأن فيه نفعًا عامًّا للمسلمين والدواب؛ ولأنه لا بد في العادة أن يؤكل منه بغير عوض، فيحصل له أجره، وإن لم يكن ممن يعمل بيده، بل يعمل له غلمانه وأُجَرَاؤه؛ فاكتسابه بالزراعة أفضل؛ لما ذكرناه. المجموع شرح المهذب (9/ 59).
وقال المناوي -رحمه الله-:
واعلم أن أصول المكاسب ثلاثة: زراعة وصناعة وتجارة، والحديث يقتضي تساوي الصناعة باليد والتجارة، وفضل أبو حنيفة التجارة، ومال الماوردي إلى أن الزراعة أطيب الكل، والأصح -كما اختاره النووي-: أن العمل باليد أفضل، قال: فإن كان زراعًا بيده فهو أطيب مطلقًا؛ لجمعه بين هذه الفضيلة وفضيلة الزراعة. فيض القدير (1/ 547).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
والراجح: أن أحلها الكسب الذي جعل منه رزق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو كسب الغانمين، وما أبيح لهم على لسان الشارع، وهذا الكسب قد جاء في القرآن مدحه أكثر من غيره، وأثنى على أهله ما لم يُثْنِ على غيرهم؛ ولهذا اختاره الله لخير خلقه، وخاتم أنبيائه ورسله؛ حيث يقول: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجُعِلَ رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري»، وهو الرزق المأخوذ بعزة وشرف وقهر لأعداء الله، وجعل أحب شيء إلى الله، فلا يقاومه كسب غيره -والله أعلم-. زاد المعاد (5/ 703).
وقال الصنعاني -رحمه الله- معلقًا:
قلتُ: ويدل له ما يأتي: «أطيب كسب المسلم سهمه في سبيل الله»، وعلى هذا: فيكون التفصيل فيه حقيقي وفي غيره إضافي. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 443).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وفوق ذلك من عمل اليد ما يكتسب من أموال الكفار بالجهاد، وهو مكسب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وهو أشرف المكاسب؛ لما فيه من إعلاء كلمة الله تعالى، وخذلان كلمة أعدائه، والنفع الأخروي. فتح الباري (4/ 304).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
والحديث: دليل على تقرير ما جُبِلَتْ عليه الطبائع من طلب المكاسب، وإنما سئل -صلى الله عليه وسلم- عن أطيبها، أي: أحلها وأبركها، وتقديم عمل اليد على البيع المبرور دالٌّ على أنه الأفضل، ويدل له حديث البخاري، ودل على أطيبية التجارة الموصوفة. سبل السلام (2/ 3).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«عمل الرجل بيده» خصَّ الرجل لأنه المحترف غالبًا، لا لإخراج غيره، واليد لكون أكثر مزاولة العمل بها. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 187).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«عمل الرجل بيده» والمرأة داخلة في ذلك؛ لأن الأصل ما ثبت في حق الرجل يثبت في حق المرأة، وما ثبت في حق المرأة ثبت في حق الرجل إلا ما خص بدليل. فتح ذي الجلال والإكرام(3/٤٦١)
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
أي: الإنسان بنفسه، وليس المراد: خصوص الرجل؛ بل المرأة كذلك، وذكر الرجل لأنه المسؤول عن العمل غالبًا؛ ولذلك كان الصحابة -رضي الله عنهم- عمال أنفسهم؛ كما رواه البخاري من حديث عائشة -رضي الله عنها-. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (5/ 4).
وقال الشيخ عطية سالم -رحمه الله-:
يقولون: لفظة (الرَّجل) وصف طَرْدِيٌّ لا مفهوم له؛ فالمرأة في بيتها قد تغزل وتبيع الغزل، وتنسج، وتخيط الثياب، فإذا كان للمرأة عمل فكذلك: أطيب كسبها عملها بيدها...شرح بلوغ المرام (184/3).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
لفظ «الرَّجل» خرج مخرج الغالب؛ لأن الرجل هو المطالب بتهيئة القوت والمسكن وتوابع ذلك، والمرأة مثل الرجل في ذلك إذا احتاجت للإنفاق على نفسها أو أولادها.
وعمل اليد: كالزراعة والصناعة والنجارة والحدادة والكتابة، ونحو ذلك. منحة العلام في شرح بلوغ المرام (6/ 9).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
«عمل الرَّجل» التصريح بالرجل قيد مؤثر أو لا تأثير له؟ فالمرأة مثله؟ نعم؟ يعني: التنصيص على الرجل لا شك أن له دلالة، وهو أن الأصل في الأعمال الرجال، لكن إن احتاجت المرأة إلى الكسب في حدود ما يبيحه الشرع لها دخلت في الحديث...شرح بلوغ المرام (74/ 7).

قوله: «وكل بيع مبرور»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«مبرورٍ» بالجر صفة بيع، و«كل» عطف على «عمل»، والمراد بالمبرور: أن يكون سالِمًا من غش وخيانة، أو مقبولًا في الشرع بأن لا يكون فاسدًا ولا خبيثًا -أي: رديئًا-، أو مقبولًا عند الله بأن يكون مثابًا به. مرقاة المفاتيح (5/ 1904).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«مبرورٍ» أي: مقبول عند الله بأن يكون مثابًا به، أو في الشرع بأن لا يكون فاسدًا ولا غش فيه ولا خيانة؛ لما فيه من إيصال النفع إلى الناس بتهيئة ما يحتاجونه، ونبه بالبيع على بقية العقود المقصود بها: التجارة. فيض القدير (1/ 547).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
هو ما خلص عن اليمين الفاجرة لتنفيق السلعة، وعن الغش في المعاملة. سبل السلام (2/ 3).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
البيع المبرور: هو الذي لم يخالطه شيء من المأثم، كالكذب، والخداع، واليمين الكاذبة، ونحو ذلك.
قال ابن القيم: البر: كلمة جامعة لجميع أنواع الخير، والكمال المطلوب من العبد، وفي مقابلتها كلمة الإثم: الجامعة لأنواع الشر، ورديء العيوب. توضيح الأحكام من بلوغ المرام (4/ 219).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
«بيع مبرورٍ» هو ما توفرت فيه شروطه وأركانه، وانتفت موانعه ومفسداته، وقام على الصدق وبيان الحقيقة، وخلا من الغش والخداع. منحة العلام في شرح بلوغ المرام (6/ 9).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ما هو البيع المبرور؟ البيع المبرور بينته السنة في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «إن صَدَقَا وبَيَّنَا بورك لهما في بيعهما»؛ فالبيع المبرور هو: ما كان مَبْنيًّا على الصدق والبيان، الصدق: في الوصف، والبيان: في العيب؛ يعني مثلًا: لا يقول لك: هذا طيب وهو رديء، ولا يكون هذا الشيء معيبًا ثم يكتمه؛ بل يُبَيِّنُ: «إن صدقا وبَيَّنَا بورك لهما في بيعهما»؛ فهذا هو البيع المبرور المبني على الصدق والبيان، نزيد شيئًا ثالثًا: ووافق الشرع، فإن خالف الشرع فهو وإن كان مَبْنيًّا على الصدق والبيان فليس بمبرور، لو باع لشخص ما يحرم بيعه، وصدقه في وصفه وفي عيبه؛ لا نقول: هذا بيع مبرور.
إذن: ما وافق الشرع واشتمل على الصدق والبيان فهو البيع المبرور، وعكس ذلك ما خالف الشرع؛ كبيع المحرمات كالملاهي وغيرها...فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/ 459).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
«وكل بيع مبرور» خالص من شوائب الغش والخداع والتدليس، والعقود المحرمة، والأيمان الفاجرة لتنفيق السلع، هذا أيضًا من أنفع ومن أفضل الأعمال، وأطيب المكاسب. شرح بلوغ المرام (74/9).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فيه: أن هذين النوعين مستويان في الأطيبة، وأنهما أطيب الكسب.التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 443).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
في هذا الحديث عدة فوائد:
الفائدة الأولى: حرص الصحابة -رضي الله عنهم- على السؤال عن أفضل الأعمال؛ لقوله: «سئل أي الكسب أطيب؟»، والصحابة -رضي الله عنهم- إذا سألوا عن الكمال لا يريدون مجرد العلم بالكمال؛ لكنهم يطبقون ويعملون...
ومن فوائد الحديث: أن المكاسب تختلف؛ فمنها الطيب والخبيث، والأطيب دليله: «أي الكسب أطيب؟»؛ فأقرهم على التفاضل.
ومن فوائده أيضًا: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أعطي جوامع الكلم، وهذا مما اختصه الله به، فإنه أعطي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارًا، من أين يؤخذ؟ من هاتين الكلمتين: «عمل الرجل بيده»، تشمل أشياء كثيرة ليس لها حصر...
ومن فوائد الحديث: أن البيوع منها: بيع مبرور، ومنها: بيع غير مبرور؛ لقوله: «وكل بيع مبرور». فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/ 460).
وقال الشيخ البسام -رحمه الله-:
ما يؤخذ من الحديث:
1- الحديث دليل على ما في الإسلام من حث على الحركة والعمل، وطلب المكاسب الطيبة، وأنه دين ودولة، فكما يأمر العبد بالقيام بحق الله تعالى عليه، يأمره أيضًا بطلب الرزق والسعي في الأرض؛ لعمارتها واستثمارها، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} الملك: 15.
2- يدل على أن أفضل المكاسب عمل الرجل بيده، فقد جاء في صحيح البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما أكل أحد طعامًا قط خير من أن يأكل من عمل يده».
3- يدل على أن التجارة من أطيب المكاسب، إذا سلمت من العقود المحرمة، كالربا والغرر والخداع والتدليس، ونحو ذلك من أكل أموال الناس بالباطل.
4- يدل الحديث على أن البر كما يكون في العبادات، يكون أيضًا في المعاملات، فإذا نصح المسلم في بيعه وشرائه وصناعته وعمله وحرفته، فإن عمله هذا من البر والإحسان، الذي يثاب عليه في الدنيا والآخرة.
5- يدل على أن أي عمل يقوم به المسلم ليعف به نفسه، ويستغني به عما في أيدي الناس أنه من المكاسب الطيبة، وكل إنسان مهيّأ لما يناسبه من الأعمال، والحرف، والصناعات.
6- عدم تخصيص الشارع وتعيينه عملًا بعينه، دليل على قصد تنفيذ الإرادة الكونية في عمارة هذا الكون؛ وذلك بأن يقوم كل إنسان، وكل طائفة بالعمل الذي لا تقوم به الطائفة الأخرى، فالله -تبارك وتعالى-: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} طه: 50.
7- الرجل في الحديث ليس مقصودًا، وإنما سيق مساق الغالب، فإن الرجال غالبًا هم أصحاب الكسب والإنفاق.
8- البيع المبرور هو الذي يعقد على مقتضى الشرع، باجتماع شروطه وأركانه ومتمماته، وانتفاء موانعه ومفسداته، فتجتمع فيه الشروط المتقدمة، وتنتفي عنه موانعه، من الغرر والجهالة والمقامرة والمخاطرة وعقود الربا، والغش والتدليس، وإخفاء العيوب. توضيح الأحكام من بلوغ المرام (4/ 219).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
من فوائد الحديث:
الحديث دليل على أن التكسب والسعي في طلب الرزق الحلال لا ينافي التوكل على الله تعالى، بل هو من فعل الأسباب المأمور بها شرعًا؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أقر السائل عن أطيب الكسب، وأجابه عن سؤاله فأرشده إلى أطيب المكاسب.
والتكسب هو طريق المرسلين الذين أمرنا الله تعالى بالاقتداء بهديهم، قال تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} الأنعام: 90، وقد كان زكريا -عليه السلام- نجارًا، وكان داود -عليه السلام- لا يأكل إلا من عمل يده، والنبي -صلى الله عليه وسلم- رعى الغنم على قراريط لأهل مكة، واتَّجر بمال خديجة -رضي الله عنها-.
ومنها: حرص الصحابة -رضي الله عنهم- على الكسب الحلال وعلو همتهم؛ حيث لم يسألوا عن الأكثر، وإنما سألوا عن الأطيب، وهذا هو الواجب على كل مسلم يتعاطى البيع والشراء أن يكون هدفه المال الطيب الحلال؛ فإن فيه بركة، لا أن تكون الكثرة هي همّه؛ لأنه قد لا يكون فيها بركة.
ومنها: أن عمل الرجل بيده أصل المكاسب؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قدمه على البيع المبرور، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده…».
(ومنها): في تمجيد الإسلام للعمل والترغيب فيه إعزاز للعمال أنفسهم، وإشادة بالجهد القيم الذي يبذلونه في سبيل طلب الرزق، وإكرام أنفسهم عن ذل السؤال ومنن الرجال. منحة العلام في شرح بلوغ المرام (6/ 9).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
ولا شك أن الإسلام قد حض على أن يكتسب الإنسان ويعمل بيده، ولا يعيش عالة على غيره، فقد روى البخاري في باب كسب الرجل وعمله بيده من حديث المقدام -رضى الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود -عليه السلام- كان يأكل من عمل يده»، كما روى البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه»، في لفظ للبخاري من حديث الزبير بن العوام -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لأن يأخذ أحدكم أحبله»، وفي لفظ للبخاري في باب الاستعفاف عن المسألة من كتاب الزكاة من حديث الزبير بن العوام -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لأن يأخذ أحدكم حبله؛ فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها؛ فيكف الله بها وجهه- خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه». فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (5/ 6).


ابلاغ عن خطا