«ائذنوا للنساءِ بالليلِ إلى المساجدِ».
رواه البخاري برقم: (899)، ومسلم برقم: (442)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
وفي رواية عند مسلم برقم: (442) «لا تمنعوا النساء ...».
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «ائذنوا للنساءِ»:
قال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «ائذنوا» أي: أجيزوا. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (6/ 19).
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-:
فيه إشارة إلى أن الإذن المذكور لغير الوجوب؛ لأنه لو كان واجبًا لانتفى معنى الاستئذان؛ لأن ذلك إنما يتحقق إذا كان المستأذن مخيّرًا في الإجابة أو الرد. فتح الباري (2/ 347).
وقال الشيخ محمد بن آدم الإتيوبي -رحمه الله- معلقًا:
قوله (ابن حجر): لأن ذلك إنما يتحقق. . . إلخ؛ فيه نظر؛ إذ لا يلزم ذلك، قال الله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} الآية البقرة: 232، فهذا النهي للتحريم قطعًا، فلا قائل بأن الولي مخير في الإجابة والرد، فكذا هنا، فتأمله -والله تعالى أعلم-. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (10/ 305).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «ائذنوا»، أمْرٌ من أَذِنَ يأذَنُ. شرح سنن أبي داود (3/ 52).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ائذنوا للنساء» اللاتي لا تخافون عليهن أو منهن فتنة ... أن يذهبن ...، والأمر للندب باعتبار ما كان في الصدر الأول من عدم المفاسد، أما بعد ذلك فحديث آخر؛ ولهذا قالت عائشة لو علم رسول الله ما أحدث النساء بعده لمنعهن من المساجد كما مُنِعَتْ نساء بني إسرائيل. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 14).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ائذنوا للنساء» إذا لم تخافوا عليهن الفتنة ...، والأمر يحتمل الإباحة والندب. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 229).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
«ائذنوا للنساء» أي: إذا طلبن الإذن؛ كما يدل عليه ما في مسلم عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- يقول: «إذا استأذنكم نساؤكم إلى المساجد فائذنوا لهن». المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (4/ 266).
قوله: «بالليلِ»:
قال البرماوي -رحمه الله-:
«ائذنوا للنساء بالليل»؛ أي: فالنهار أولى؛ لأن الليل مظِنَّة الفتنة؛ تقديمًا لمفهوم الموافقة على المخالفة، بل هو مفهوم لا يعمل به أصلًا على الراجح. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (4/ 275).
قال الكرماني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: لفظ «بالليل» مفهومه أن لا يؤذن في الخروج بالنهار.
قلتُ: إذا جاز خروجهن بالليل الذي هو محلّ الوقوع في الفتن؛ فجواز الخروج بالنهار بالطريق الأولى، وتقرر في الأصوليات أنه إذا وجد المفهوم الموافق تقدم على المفهوم المخالف، مع أن مفهوم المخالف إذا كان للَّقَبِ لا للصِّفَة ونحوها لا اعتبار لها أصلًا. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (6/ 19).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
ولبعض الشارحين هنا كلام: وذلك أنه سأل أن قوله: «ائذنوا للنساء بالليل» هل يدل على عدمه في النهار؛ فأجاب بالمنع؛ وأنه إذا جاز في الليل ففي النهار أولى، وأيَّد ما ذكره بأنه تقرر في الأصول أن مفهوم الموافقة يقدم على مفهوم المخالفة إذا كان لقبًا لا صفة ...، وبيان فساده أن قوله: «ائذنوا للنساء بالليل» ليس هو من قِبَلِ مفهوم اللقب، بل من القيود التي هي بمثابة الأوصاف؛ كقوله: «صلاة الليل مثنى»، و«قيام ليلة القدر يوجب الغفران»، و«صوم يوم عرفة كفارة سنتين»؛ ولهذا قال به من لا يقول بالمفهوم، ألا ترى أن أبا حنيفة جوّز خروج العجائز بالليل دون النهار، وهو ممن لا يقول بالمفهوم، ومنع الشافعي خروج النساء مطلقًا؛ فسقط قوله: إنه إذا جاز ليلًا ففي النهار أولى ...، وفي قوله: «ائذنوا للنساء بالليل»، وشهود امرأة عمر صلاة الصبح والعشاء دليل للبخاري على أن لا شهود لهن الجمعة؛ وأي فائدة في قيد صلاة الصبح والعشاء؛ إذ لو كان النهار أولى لعمري إن التعرض لإبطال أمثال هذا كاد أن يكون عَبَثًا، إلا أنا نُفَنِّد حججه لكل مسلم؛ فنخاف أن يقربه القاصرون. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (3/ 23).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وخصّ الليل بالذكر لما فيه من الستر، وظلمة الغلس مثله؛ كما زاده البخاري في التبويب عليه. شرح سنن أبي داود (3/ 590).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال نافع مولى ابن عمر: إنما ذلك بالليل، وكأن اختصاص الليل بذلك لكونه أستر، ولا يخفى أن محل ذلك إذا أُمِنَتِ المفسدة منهنَّ وعليه. فتح الباري (2/ 347).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «بالليل» أي: في الليل، والمراد منه: حضورهن في المغرب والعشاء والصبح؛ كما هو مذهب أبي حنيفة. شرح سنن أبي داود (3/ 52).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«بالليل» فيه جواز خروج المرأة إلى الصلاة في المساجد في الليل للجماعة، ويأتي أحاديث في ذلك، وأنها لا تخرج إلا غير متطيبة ...، والتقييد بالليل، إما لأنه محل للستر، أو لأنه كان مظنة منعهن؛ لما فيه من انتشار أهل الريبة، فعلى الأول لا يؤذن لهن بالنهار، وعلى الثاني يؤذن لهن ... «ائذنوا للنساء بالليل»، أي: لتأدية الصلاة جماعة. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 229).
قوله: «إلى المساجد»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«إلى المساجد» للصلاة، وهذا عامٌّ في كلها. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 14).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
مفهومه: أنه لا يؤذن لهنَّ بالنهار، والجمعة نهارية، فدل على أنها لا تجب عليهن. التوشيح شرح الجامع الصحيح (2/ 837).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قَيَّدَ الإذن بالليل؛ لكون الفساق في شغل بفسقهم أو نومهم، بخلاف النهار، فإنهم ينتشرون فيه، فلا يخرجن فيه، والجمعة نهارية. إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (2/ 170).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
عُلِمَ منه بمفهوم الموافقة: أنهم يأذنون لهن بالموافقة بالنهار أيضًا؛ لأن الليل مظنة الفتنة؛ تقديمًا لمفهوم الموافقة على مفهوم المخالفة؛ بل «الليل» لقب فلا مفهوم له أصلًا. منحة الباري بشرح صحيح البخاري (2/ 610).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وعُلِم منه ومما قبله بمفهوم الموافقة: أنهم يأذنون لهن بالنهار أيضًا؛ لأن الليل مظنة الفتنة؛ تقديمًا لمفهوم الموافقة على مفهوم المخالفة. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 14).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
«بالليل» والتقييد بالليل ليس للاحتراز عن النهار؛ بل للنص على الوقت الذي يظن أنهن يمنعن فيه من الخروج؛ لأنه مظنة الريبة؛ ولذا قال ابن عبد الله بن عمر: لا نأذن لهن فيتخذنه دَغَلًا، وإذا أذن لهن بالليل الذي هو مظنة الريبة فالإذن لهن في غيره بالأولى. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (4/ 266).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
وكأن اختصاص الليل بذلك؛ لكونه أسترَ، ولا يخفى أن محلَّ ذلك إذا أُمِنَتِ المفسدةُ منهنَّ وعليهنَّ.
وفي رواية عند الطبراني: عن بلال، قال: فقلت: أَمّا أَنا، فأمنع أهلي، فمَن شاء، فليسرحْ أهلَه، وكأنه قال ذلك لما رأى من فساد بعض النساء في ذلك الوقت، وحمله على ذلك الغيرةُ. كشف اللثام، شرح عمدة الأحكام(2/١٢٠)
قوله: «لا تمنعوا النساء..»
قال الشوكاني -رحمه الله-:
مقتضى هذا النهي أنّ منع النساء من الخروج إلى المساجد مطلقًا، إما في الأزمان أو مقيدًا بالليل، أو مقيدا بالغلس كما في بعض الأحاديث يكون محرمًا على الأزواج. وقال النووي: إنّ النهي محمول على التنزيه.نيل الأوطار(3/١٥٧).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وفيه: ابن عمر قال: كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد، فقيل لها: لِـمَ تخرجين، وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: فما يمنعه أن ينهاني؟ قال: يمنعه قول رسول الله: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» ...، وقوله -عليه السلام-: «ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد» حجة في أنه لا جمعة على النساء؛ لأنه -عليه السلام- جعل لأزواجهن الإذن لهم بالليل إلى المساجد ولا جمعة في الليل، ولو لزمتهن الصلاة في المساجد كما تلزم الرجال لما خصَّ الليل دون النهار، ولم يخاطب أزواجهن بالإذن لهن؛ بل خاطبهن آمرًا لهن بذلك. شرح صحيح البخاري (2/ 490).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
فقد اختلف العلماء في حضور النساء مساجد الجماعات للصلاة مع الرجال فمنهم من كرهه بكل حال، وهو ظاهر المروي عن عائشة -رضي الله عنها-، وقد استدلت بأن الرخصة كانت لهن؛ حيث لم يظهر منهن ما ظهر، فكانت لمعنى، وقد زال ذلك المعنى، قال الإمام أحمد: أكره خروجهن في الزمان؛ لأنهن فتنته، وعن أبي حنيفة رواية: لا يخرجن إلا للعيدين خاصة، وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي قال: حقٌّ على كل ذات نطاق أن تخرج للعيدين، ولم يكن يرخص لهن في شيء من الخروج إلا في العيدين، ومنهم من رخَّص فيه للعجائز دون الشَّوابِّ، وهو قول مالك -في رواية- والشافعي وأبي يوسف ومحمد، وطائفة من أصحابنا أو أكثرهم، حكاه ابن عبد البر عن العلماء، وحكاه عن مالك من رواية أشهب: أن العجوز تخرج إلى المسجد ولا تكثر التردد، وأن الشابة تخرج مرة بعد مرة، وقال ابن مسعود: ما صلت امرأة صلاة أفضل من صلاتها في بيتها، إلا أن تصلي عند المسجد الحرام، إلا عجوزًا في منقلها، خرَّجه وكيع وأبو عبيد، وقال: يعني: خفّها، وخرّجه البيهقي وعنده: إلا في مسجد الحرام، أو مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومنهم من رخص فيه للجمع إذا أُمِنَتِ الفتنة، وهو قول مالك -في رواية ابن القاسم، ولم يذكر في المدونة سواه، وقول طائفة من أصحابنا المتأخرين.
ثم اختلفوا: هل يرخص لهنّ في الليل والنهار، أم في الليل خاصة؟ على قولين:
أحدهما: يرخص لهن في كل الصلوات، وهو المحكي عن مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد، وقول أصحابنا، واستدلوا بعموم الأحاديث المطلقة، وبخروجهن في العيدين، فأما المقيدة بالليل فقالوا: هو تنبيه على النهار من طريق الفحوى؛ لأن تمكُّن الفساق من الخلوة بالنساء والتعرض لهن بالليل أظهر، فإذا جاز لهن الخروج بالليل ففي النهار أولى، وقالت طائفة: إنما يرخص لهن في الليل، وتبويب البخاري يدل عليه، وروي مثله عن أبي حنيفة؛ لكنه خصَّه بالعجائز، وكذا قال سفيان: يرخص لهن في العشاء والفجر، قال: وينهى عن حضورهن تراويح رمضان، ومذهب إسحاق كأبي حنيفة والثوري في ذلك، إلا أنه رَخَّصَ لهنَّ في حضور التراويح في رمضان، وهؤلاء استدلوا بالأحاديث المقيدة بالليل، وقالوا: النهار يكثر انتشار الفساق فيه، فأما الليل فظلمته مع الاستتار تمنع النظر غالبًا فهو أستر، وروي عن أحمد ما يدل على أنه يكره للمرأة أن تصلي خلف رجل صلاة جهرية، وهذا عكس قول من رخص في خروج المرأة إلى المسجد بالليل دون النهار، قال مهنّا: قال أحمد: لا يعجبني أن يؤمّ الرجل النساء، إلا أن يكون في بيته، يؤم أهل بيته، أكره أن تسمع المرأة صوت الرجل، وهذه الرواية مبينة -والله أعلم- على قول أحمد: إن المرأة لا تنظر إلى الرجل الأجنبي، فيكون سماعها صوته كنظرها إليه، كما أن سماع الرجل صوت المرأة مكروه كنظره إليها؛ لما يخشى في ذلك من الفتنة، وإن صلى الرجل بنساء لا رجل معهنَّ، فإن كُنَّ محارم له أو بعضهنَّ جاز، وإن كُنَّ أجنبيات فإنه يكره، وإنما يكره إذا كان في بيت ونحوه، فأما في المسجد فلا يكره؛ لا سيما إن كان فيه رجال لا يصلون معهم، فقد روي أن عمر -رضي الله عنه- جعل للنساء في قيام رمضان إمامًا يقوم بهن على حدة؛ كما جعل للرجال إمامًا، وأما في بيت ونحوه فيكره؛ لما فيه من الخلوة، فإن كان امرأة واحدة فهو محرم، وإن كان امرأتان فهل يمنع ذلك الخلوة؟ فيه لأصحابنا وجهان، ومتى كثر النساء فلا يحرم؛ بل يكره، ومن أصحابنا من علل الكراهة بخشيه مخالطة الوسواس له في صلاته، ومذهب الشافعي: إن صلى بامرأتين أجنبيتين فصاعدًا خاليًا بهن فطريقان، قطع جمهورهم بالجواز، والثاني: في تحريمه وجهان، وقيل: إن الشافعي نَصَّ على تحريم أن يؤم الرجل نساء منفردات، إلا أن يكون فيهن محرم له، أو زوجة، وإن خلا رجلان أو رجال؛ فالمشهور عندهم تحريمه، وقيل: إن كانوا ممن يبعد مواطأتهم على الفاحشة جاز، فإن صلي بهن في حال يكره، كرهت الصلاة وصحت، وإن كان في حال تحريم، فمن أصحابنا من جزم ببطلان صلاتهما، وكره طائفة من السلف أن يصلي الرجل بالنساء الأجنبيات وليس خلفه صف من الرجال؛ منهم: الجزري، وكذلك قال الإمام أحمد -في رواية الميموني-: إذا كان خلفه صف رجال صلى خلفه النساء؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بِأَنَسٍ واليتيم وأم سليم وراءهم، قيل له: فإن لم يكن رجال، كانوا نساء؟ قال: هذه مسألة مشتبهة، قيل له: فصلاتهم جائزة؟ قال: أما صلاته فهي جائزة، قيل له: فصلاة النساء؟ هذه مسألة مشتبهة، فتوقف في صحة صلاتهن دونه. فتح الباري (8/ 41).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
فيه حضّ الرجال على هذا، وفيه: دليل على أن للرجل منع امرأته من الخروج إلا بإذنه، وأن خروج النساء للمساجد مباح لهن؛ ولكن على شروط كما جاء الحديث، وقاله العلماء: ألا يخرجن متطيبات ولا متزينات ولا مزاحمات للرجال، وأن يكون ذلك بالليل، ومنع من ذلك الشابة منهن التي تُخْشَى فتنتُها ...، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- النساء عن الخروج إلى المساجد إذا تطيبن أو تبخرن؛ لأجل فتنة الرجال بطيب ريحهن وتحريك قلوبهم وشهواتهم بذلك، وذلك لغير المساجد أحرى، وفي معنى الطيب: ظهور الزينة وحسن الثياب وصوت الخلاخيل والحي، وكل ذلك يجب منع النساء منه إذا خرجن بحيث يراهن الرجال، وقد قال محمد بن سلمة: يمنع الخروج إلى المسجد الجميلة المشهورة لما يخشى من فتنتها، وقول عائشة: لو رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أحدث النساء لمنعهن المسجد، قيل: من حسن الملابس والزينة والطيب، وقيل: يحتمل ما اتَّسَعْنَ فيه من حسن الثياب، وإنما كنّ أولًا في المروط والشمائل والأكْسِيَة. إكمال المعلم (2/ 353).
وقال الشيخ محمد بن آدم الإتيوبي -رحمه الله-:
هذا القول (أي: قول محمد بن سلمة السابق) غيرُ صحيح، فإنّ النصّ عامّ يتناول الجميلة وغيرها، ومما يردُّه: ما أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «كانت امرأة تصلي خلف النبي -صلي الله عليه وسلم- حسناء من أحسن الناس، فكان بعض القوم يستقدم في الصف الأول؛ لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع قال هكذا، ينظر من تحت إبطه؛ فأنزل الله: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} الحجر: 24 في شأنها»؛ فقد ثبت أن هذه المرأة الجميلة كانت تحضر الصلاة مع النبي -صلي الله عليه وسلم-، ولم تمنع من ذلك فتَبَصَّر بالإنصاف. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (10/ 308).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
فيه: أن المرأة لا تخرج من بيتها إلا بإذن الزوج.
فإن قلتَ: ما وجه تعلُّقه بالترجمة؟
قلتُ: عادة البخاري: أنه إذا عقد الترجمة للباب، وذكر ما يتعلق بها لا يذكر أيضًا ما يناسبها؛ فجاء بهذا الحديث والذي بعده ليبين أن النساء لهن شهود الجمعة. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (6/ 19).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فيه: أن للزوج منعها من الخروج وكذا وليها، ولولاه لخوطب النساء بالخروج كما خوطبن في قوله: {وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ} الأحزاب: 33 ...، فيه: أن المرأة إذا استأذنت زوجها للحج لا يمنعها، ويكون وجه نهيه عن منعها المسجد الحرام لأداء فرض الحج نهي إيجاب، وهو قول مالك، وأحد قولي الشافعي: أن المرأة ليس لزوجها منعها من الحج، ويكون وجه نهيه عن الصلوات الخمس في المساجد نهي أدب لا أنه واجب عليه أن لا يمنعها، وفي معنى الإذن للمسجد: ما في معناه من العبادة وشهود العيد وزيارة قبر ميت لها، وإذا كان حقًّا عليهم أن يأذنوا فيما هو مطلق لهن الخروج فيه، فالإذن لهن فيما هو فرض عليهن أو ندب الخروج إليه أولى؛ كخروجهن لأداء شهادة لزمتهن، أو لتعرف أسباب دينهن. شرح سنن أبي داود (3/ 590- 591).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال النووي: استدل به على أنّ المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه لتوجه الأَمر إلى الأزواج بالإذن. وتعقبه ابن دقيق العيد بأنه إِن أُخذ من المفهوم فهو مفهوم لقب، وهو ضعيف لكن يتقوى بأن يُقال إن منع الرجال نساءهم أَمرٌ مقرر، وإِنما علّق الحُكم بالمساجد لبيان محل الجواز، فيبقى ما عداهُ على المنع.
وفيه إشارة إلى أَنّ الإذن المذكور لغير الوجوب؛ لأنه لو كان واجبًا لانتفى معنى الاستئذان ؛ لأن ذلك إِنما يتحقق إذا كان المستأذن مخيرًا في الإجابة أو الرّد. فتح الباري(2/٣٤٨).
وقال الشيخ محمد بن آدم الإتيوبي -رحمه الله-:
قد تبين أنه يجب على الرجال الإذن للنساء بالخروج إلى المسجد، ولا يجوز لهم المنع، إذا طلبن ذلك؛ بشرط أن يلتزمن آداب الخروج، مما هو مذكور في الأحاديث: من ترك الطيب، وعدم التبخر بالبخور، وغير ذلك مما ألحقه العلماء بالمنصوص مما يثير الفتنة، فأما إذا خالفت ذلك فيحرم عليها الخروج، ولا يجوز الإذن لها؛ لأنه يكون إعانة على المعصية؛ لأنها إذا خرجت متعطرة قاصدة لذلك تكون زانية، فقد أخرج النسائي وأحمد من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أيما امرأة استعطرت، فمرَّت بقوم؛ ليجدوا ريحها، فهي زانية». البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (10/ 311).
قال ابن بطال -رحمه الله-: ويخرج من هذا الحديث أن الرجل إذا استأذنته امرأته إلى الحج لا يمنعها، فيكون وجه نهيه عن منعها المسجد الحرام لأداء فريضة الحج نهى إيجاب، وهو قول مالك، والشافعي أن المرأة ليس لزوجها منعها من الحج.(شرح صحيح البخاري(2/٤٧٤)
قال العراقي -رحمه الله-: متعقبًا ابن بطال:
وما نقله عن الشافعي هو أحد قوليه والقول الآخر، وهو الأظهر عند أصحابه أنّ له منعها مِن حج الفرض، ولا يلزم من الإذن لها في المسجد القريب الإذن في الحج الذي يحتاج إلى سفر ونفقة وأعمال كثيرة.طرح التثريب(2/٣١٧)
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي-رحمه الله-:
القول بمنع المرأة عن فرض الحجّ مما لا وجه له، فإذا كان الشارع نهى الرجال عن منع النساء لأداء صلاة الجماعة التي هي مستحبّة في حقّ النساء، فكيف بفريضة الحجّ؟ وما ذكروه من السفر والنفقة وغير ذلك فليس له وجه في المنع؛ لأن اللَّه تعالى حين فرضه، فرضه مع هذه المشاقّ كلها، ولم يرخّص لأحد مع الاستطاعة أن يتساهل في أدائه، بل هدّد في ذلك حيث قال بعد قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} آل عمران: 97، فترك فرض الحج خطر عظيم على الناس جميعًا، رجالًا ونساءً، فتأمله بالإنصاف، واللَّه تعالى أعلم.البحر المحيط الثجاج شرح صحيح مسلم(10/٣٠١)