عن وهْبٍ قال: سألتُ جابرًا عن شأنِ ثقِيفٍ إذ بايعَتْ، قال: اشْتَرَطتْ على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن لا صدقةَ عليها، ولا جهادَ، وأنَّه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك يقول: «سيتصدقون، ويُجاهدونَ إذا أَسلمُوا».
رواه أحمد برقم: (14674)، وأبو داود برقم: (3025) واللفظ له، من حديث جابر -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (3657)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1888).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«شأن»:
الشأن: الخطب والأمر والحال، والجمع شؤون. النهاية، لابن الأثير (2/ 437).
شرح الحديث
قوله: «سألتُ جابرًا عن شأن ثقيف إذ بايعَتْ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«سألتُ جابرًا عن شأن ثقيف»، قيل: إن اسم ثقيف: قَسِيٌّ، نزلوا الطائف وانتشروا في البلاد في الإسلام، «إذ بايعت» رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. شرح سنن أبي داود (13/ 91).
وقال العظيم آبادي -رحمه الله-:
«عن شأن ثقيف» أي: عن حالهم، وثقيف: أبو قبيلة من هوازن واسمه: قسي بن منبه بن بكر بن هوازن، وسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف في شوال سنة ثمان حين خرج من حُنين، وحبس الغنائم بالجِعِرَّانة، وكانت ثقيف لما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم بالطائف وأغلقوه عليهم بعد أن دخلوا فيه ما يصلحهم من القوت لسنة، وتهيؤوا للقتال، فدنا خالد فدار بالحصن فنادى بأعلى صوته: ينزل إليَّ أحدكم أكلمه وهو آمن حتى يرجع، فلم ينزل واحد منهم، وقالوا: لا نفارق ديننا وأشرفت ثقيف وأقاموا رماتهم وهم مائة؛ فرموا المسلمين بالنبل رميًا شديدًا؛ فحاصرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثمانية عشر يومًا أو أكثر من ذلك، فشق ذلك على أهل الطائف مشقة عظيمة شديدة، ولم يؤذن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في فتح الطائف ذلك العام؛ لئلا يستأصلوا أهله قتلًا.
روى الواقدي عن أبي هريرة: لما مضت خمس عشرة من حصار الطائف استشار النبي -صلى الله عليه وسلم- نوفل بن معاوية فقال: «يا نوفل، ما ترى في المقام عليهم؟» قال: يا رسول الله، ثعلب في جحر إن أقمتَ عليه أخذتَه وإن تركتَه لم يضرك.
قال ابن إسحاق: ثم إن خولة بنت حكيم -أي: امرأة عثمان بن مظعون- قالت: يا رسول الله، أعطني إن فتح الله عليك الطائف حلي بادية بنت غيلان، أو حلي الفارعة بنت عقيل، وكانتا من أحلى نساء ثقيف، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «وإن كان لا يؤذن لنا في ثقيف يا خولة»، فذكرته لعمر، فقال: يا رسول الله، ما حديث حدثتنيه خولة زعمت أنك قلتَه، قال: «قلتُه»، قال: أو ما أذنتَ فيهم؟ فقال: «لا»، قال: أفلا أؤذن الناس بالرحيل؟، قال: «بلى»؛ فأذن عمر بالرحيل، فلما انصرف النبي -صلى الله عليه وسلم- من الطائف وترك محاصرته وعزم على السفر قيل له: يا رسول الله، ادعُ على ثقيف فقد أحرقتنا نبالهم، فقال: «اللهم اهدِ ثقيفًا إلى الإسلام وأتِ بهم مسلمين» كذا في شرح المواهب من مواضع شتى.
وروى الترمذي وحسنه عن جابر قال: قالوا: يا رسول الله، أحرقتنا نبال ثقيف فادعُ الله عليهم، فقال: «اللهم اهدِ ثقيفًا وأتِ بهم»، وعند البيهقي عن عروة ودعا -صلى الله عليه وسلم- حين ركب قافلًا فقال: «اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم»، «إذا بايعت» أي: قبيلة ثقيف. عون المعبود (8/ 184-185).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«سألتُ جابرًا عن شأن» أي: حال «ثقيف إذ بايعت» أي: النبي -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام. بذل المجهود (10/ 243).
قوله: قال: «اشترطَتْ على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن لا صدقة عليها، ولا جهاد»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«قال: اشترطتْ» وفد ثقيف «على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» إذ بايعته «أنه» رواية: «أن لا» أن الشأن والقصة التي بايعوا عليها لا «صدقة» يعني: لا زكاة «عليها ولا جهاد»، والمراد بالصدقة: أن لا يؤخذ منهم عشور أموالهم كما سيأتي بعده. شرح سنن أبي داود (13/ 91-92).
وقال العظيم آبادي -رحمه الله-:
«أن لا صدقة عليها ولا جهاد» مفعول اشترطت. عون المعبود (8/ 185).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «أنْ لا صدقة» أي: لا زكاة، وكأنَّه -صلى الله عليه وسلم- رأى أنَّ الزكاة تجب عليهم بعد السَّنة، والجهاد عند الحاجة، فأخَّر عنهم؛ تأليفًا لقلوبهم، لا رفعًا للوجوب عنهم -والله تعالى أعلم-. حاشيته على مسند أحمد (3/415).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«قال» جابر: «اشترطت» أي: ثقيف «على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن لا صدقة» أي: الزكاة والعُشْر، «عليها، ولا جهاد»، فقبله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن الصدقة غير واجبة إلا بعد الحول، وكذلك الجهاد لا يفرض إلا عند هجوم العدو. بذل المجهود (10/ 243).
قوله: «سيتصدقون، ويجاهدون إذا أسلموا»:
قال الخطابي -رحمه الله-:
قلتُ: ويشبه أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما سمح لهم بالجهاد والصدقة لأنهما لم يكونا واجبين في العاجل؛ لأن الصدقة إنما تجب بحلول الحول، والجهاد إنما يجب لحضور العدو، فأما الصلاة فهي راهنة في كل يوم وليلة في أوقاتها الموقوتة ولم يجز أن يشترطوا تركها، وقد سُئل جابر بن عبد الله عن اشتراط ثقيف أن لا صدقة عليها ولا جهاد، فقال: علم أنهم سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا. معالم السنن (3/ 34).
وقال الشوكاني -رحمه الله- معلقًا:
ويعكر على ذلك: حديث نصر بن عاصم المذكور في الباب، فإن فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل من الرَّجل أن يصلي صلاتين فقط، أو صلاة واحدة على اختلاف الروايتين، ويبقى الإشكال في قوله في الحديث الذي ذكرناه: «لا خير في دين ليس فيه ركوع»؛ فإن ظاهره يدل على أنه لا خير في إسلام مَن أسلم بشرط أن لا يصلي، ويمكن أن يقال: إن نفي الخيرية لا يستلزم عدم جواز قبول مَن أسلم بشرط أن لا يصلي، وعدم قبوله -صلى الله عليه وسلم- لذلك الشرط من ثقيف لا يستلزم عدم جواز القبول مطلقًا. نيل الأوطار (7/ 235).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وأنه» بفتح الهمزة «سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك يقول»: إنهم «سيتصدقون» بإخراج العشر، «ويجاهدون» في سبيل الله «إذا أسلموا»، ووقر الإسلام في قلوبهم. شرح سنن أبي داود (13/ 92).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا».
ومعنى ذلك: أنه علم أنه سيحصل منهم ذلك، ولكنهم في الحال لا يجب عليهم الجهاد، والزكاة لا تجب عليهم إلا بعد مرور سنة، والجهاد لا يكون إلا عند الحاجة إليه والدعوة إليه، وهم في حال بيعتهم ليس عليهم شيء من هذا ولا هذا؛ ولكونه -صلى الله عليه وسلم- علم أنهم سيجاهدون وسيتصدقون إذا أسلموا لم يمنعهم أن يدخلوا في الإسلام بهذه الطريقة، بل وافقهم على ذلك لما علمه أنهم سيجاهدون وسيتصدقون، ومن المعلوم أن هذا من خصائص الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فلو اشترط أحد ألا يتصدق أو لا يعمل شيئًا من أعمال الإسلام لا يقر على ذلك، والرسول -عليه الصلاة والسلام- قد أطلعه الله أنهم سيحصل لهم ذلك بعد دخولهم الإسلام، فلم يشأ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقاتلهم وأن ينابذهم إن لم يحصل منهم ذلك؛ لما أطلعه الله -عز وجل- عليه من أنهم سيحصل منهم ذلك بعد دخولهم في الإسلام. شرح سنن أبي داود (355/ 14).
وقال ابن رحب-رحمه الله-:
قال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله: إذا أَسلم على أَن يصلي صلاتين يُقبل منه، فإذا دخل يُؤمر بالصلوات الخمس، وذكر حديث قتادة عن نصر بن عاصم. فتح الباري لابن رجب.
وللاستفادة ينظر: حكم دخول الكافر الإسلام بشرط عدم الالتزام ببعض الفرائض (هنا)