الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«نَهَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ يُتَنَفَّسَ في الإناءِ، أو يُنْفَخَ فيه».


رواه أحمد برقم: (1907)، وأبو داود برقم: (3728) واللفظ له، والترمذي برقم: (1888)، وابن ماجه برقم: (3288)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (6820)، إرواء الغليل برقم: (1977).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«يتنفس»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
يُخْرِجُ نَفَسَهُ. شرح المصابيح (1/ 250).
وقال الأزهري -رحمه الله-:
والتنفس له معنيان: أحدهما: أن يشرب وهو ‌يتنفس في الإناء من غير أن يُبينَه عن فيه، وهو مكروه، والتنفس الآخر: أن يشرب الماءَ وغيرَه بثلاث أنفاس، يَبينُ فاه عن الإناء في كل نَفَس. تهذيب اللغة (13/ 10).


شرح الحديث


قوله: «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‌أن ‌يتنفس ‌في ‌الإناء»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«نهى أنْ يتنفس» أي: يلقي الشارب نفسه بفتح الفاء، «في الإناء» الذي يشرب منه. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 611).
وقال ابن قرقول -رحمه الله-:
«نهى أن يتنفس في الإناء» يعني: مِن غير أن يُنَحِّيْه عن فيه، فـ(في) ها هنا على بابها. مطالع الأنوار (5/ 282).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
قوله: «في الإناء» قال العلقمي: هو عام في كل إناء فيه طعام أو شراب، أو ليس فيه شيء؛ لأنه يُقَذِّرُه، وربما يغير رائحته. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 141).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
التنفس في الإناء منهيٌّ عنه كما نُهي عن النفخ في الإناء، وإنما السنة إراقة القذى (جمع قذاة، وسخ ونحوه) من الإناء لا النفخ فيه، ولا التنفس؛ لئلا يَتَقَذَّرُه جلساؤه. شرح صحيح البخاري (1/ 243).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
قوله: «نهى ‌أن ‌يتنفس ‌في ‌الإناء أو ينفخ فيه»، والتنفس: خروج النفس من الفم، وكل ذي رِئْةٍ متنفِّس ودوابُّ الماء لا رِئَةَ لها، والحكمة في النهي: أنه أبعد عن تقذير الإناء، وعن خروج شيء تعافه النفس من الفم؛ لأن الماء للطافته ورِقَّته تُسرع إليه الاستحالة بالروائح الكريهة، فإذا تنفس فيه أثّر فيه النكهة؛ فيتأذى الشارب بعده، فإذا أبانَه عند إرادة التنفس أمِن مِن ذلك، كما جاء في الترمذي، والنهي محمول على الكراهة، وحديث الترمذي في النفَسِ الواحد دليل الجواز، وعدم التحريم. فتح القريب المجيب (9/ 349).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قد يحتمل أن يكون النهي عن ذلك من أجل ما يخاف أن يَبدُر مِن رِيقه ورطوبةِ فِيهِ؛ فيقع في الماء، وقد تكون النكهة عند بعض مَن يشرب متغيرة؛ فتَعْلَق الرائحةُ بالماء؛ لرِقّته ولطافته؛ فيكون الأحسن في الأدب أن يتنفس بعد إبانة الإناء عن فمِه وألا يتنفس فيه. معالم السنن (4/ 275).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
واختلفَ العلماءُ في المعنى الذي من أجله ورَدَ النَّهيُ عن التنفُّسِ في الإناء، فقال قومٌ: إنما ذلك لأن الشُّربَ في نَفَسٍ واحدٍ غيرُ محمود عند أهلِ الطِّبِّ، وربّما آذى الكَبِدَ، وقالوا: الكُبادُ (أي: وجع الكبد) من العَبِّ (أي: شرب الماء بلا تنفس) فكُرِهَ ذلك لذلك، كما كُرِهَ الاغتسالُ بالماء المسخّنِ بالشمس...، وقال آخرون: إنما نُهي عن التنفُّس في الإناء، فيُزيلُ الشاربُ القَدَح عن فيه؛ لأنه إذا أزالَهُ عن فيه صار مستأنفًا للشُّرب، ومِن سُنّةِ الشّراب أن يبتدئه المرءُ بذِكْرِ اللَّه، فمتى أزالَ القَدَحَ عن فيهِ، حمِدَ اللَّهَ، ثم استأنفَ فسمّى اللَّهَ، فحصلتْ له بالذِّكرِ حسناتٌ، فإنما جاء هذا رغبةً في الإكثارِ من ذِكْرِ اللَّه على الطَّعام والشَّراب.
وهذا تأويلٌ ضعيفٌ؛ لأنه لم يبلُغْنا أنّ النبيَّ -عليه السلام- كان يُسمّي على طعامِه إلا في أوّلِه، ويحمَدُ اللَّهَ في آخرِه. التمهيد (1/ 674، 675).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن التنفس في الإناء إنما هو لئلا يتنفس فيه فيَتَقَذَّر الماء ببزاقٍ يخرج من الفم، أو بريح كريهة تتعلَّق بالماء، أو بالإناء، وعلى هذا: فإذا لم يتنفس في الإناء فليشرب في نفسٍ واحد ما شاء، قاله عمر بن عبد العزيز، وأجازه جماعة، منهم: ابن المسيّب، وعطاء بن أبي رباح، ومالك بن أنس، وكره ذلك قومٌ، منهم: ابن عباس، وطاوس، وعكرمة، وقالوا: هو شرب الشيطان، والقول الأول أظهر؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- للذي قال: إنه لا يَرْوَى من نَفَس واحدٍ: «أَبِنِ القَدَحَ عن فِيكَ، ثم تَنَفَّس»، وظاهره: أنه أباح له الشرب في نفس واحدٍ إذا كان يَروى منه. المفهم (5/ 288).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
النهي عن ‌الشرب ‌في ‌نفس ‌واحد للتنزيه، قال المهلب: النهي عن التنفس في الشرب كالنهي عن النفخ في الطعام والشراب؛ من أجل أنه قد يقع فيه شيء من الريق فيعافه الشارب ويتقذره؛ إذ كان التقذر في مثل ذلك عادة غالبة على طباع أكثر الناس، ومحل هذا إذا أكل وشرب مع غيره، وأما لو أكل وحده أو مع أهله أو من يعلم أنه لا يَتَقَذَّر شيئًا مما يتناوله فلا بأس، قلتُ: والأولى تعميم المنع؛ لأنه لا يؤمن مع ذلك أن تفضُل فضلَةٌ أو يحصل التَّقَذُّر من الإناء، أو نحو ذلك. فتح الباري (10/ 94).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‌أن ‌يتنفس ‌في ‌الإناء»؛ لخوف بروز شيء مِن ريقه في الماء، وقد يكون متغيّر الفم فتعلق الرائحةُ بالماء لرقَّته ولطافته؛ ولأنه من فعل الدوابّ. شرح المصابيح (4/ 593).

قوله: «أو ينفخ فيه»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«أو ينفخ فيه» لإزالة ما يراه من قَذَاةٍ (أي: وسخ ونحوه) أو نحوها، أو لتبريده إن كان حارًّا. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 611).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى ‌أن ‌يتنفس ‌في ‌الإناء» ببناء الفعل للمفعول؛ أي: نهى الشارب عن تنفسه في نفس الإناء، وأما التنفس ثلاثًا خارج الإناء فسُنة معروفة. البحر المحيط الثجاج (34/ 171).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
والكلام فيه (الحديث) على حالتين:
الحالة الأولى: عدم إخراج الشارب نَفَسه في داخل الإناء؛ لأنه ربما حصل للإناء أو للسائل فيه تغيُّر من ريح النَّفَس، إما لكون المتنفِّس متغير الفم بمأكول ونحوه، أو لبُعد عهده بالسواك والمضمضة، أو لأن النفس يصعد ببخار المعدة وريحها، والنفخ في هذه الأحوال كلِّها أشد من التنفس، فالنهي عنه آكد من باب أولى، فقد يزيد النفخ خروجَ رذاذٍ من الريق، مما يتقذر غالبًا، وقد ورد النهي عن النفخ في الطعام والشراب في أحاديث كثيرة، فعند أبي داود والترمذي: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى ‌أن ‌يتنفس ‌في ‌الإناء، وأن ينفخ فيه».
الحالة الثانية: التنفس خارج الإناء أثناء الشرب، بأن يشرب على نَفَسين أو ثلاثة أو أكثر، وروايتنا الواحدة والعشرون والثانية والعشرون تُصرِّحان بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يتنفس في الشرب ثلاثًا، وعند البخاري: «كان أنس يتنفس في الإناء مرتين أو ثلاثًا»، وجواز الشرب بنفَس واحد ورد به الأمر عند الحاكم، وهو محمول على الجواز، وأخرج الترمذي بسند ضعيف عن ابن عباس رَفَعه: «لا تشربوا واحدة كما يشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى وثلاث». فتح المنعم (8/ 211).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قال علماؤنا: هذا من مكارم الأخلاق أيضًا، ومعنى ذلك: لئلا يقع فيه من ريق النافخ فيتقزَّزه غيره.
قلتُ: بل هو حرام فيمن يعلم أنَّه يناوله لغيره، فإنَّ الإضرار بالغير حرام، فإنْ فعله في خاصة نفسه، ثم ناوله لغيره؛ فليُعلمه به؛ لأنه إنْ كتمه كان من باب الغش، وهو حرام. عارضة الأحوذي (8/65).
وقال ابن العربي -رحمه الله- أيضًا:
النهي عن التنفس في الإناء نهي أدب بلا خلاف؛ لأن الماء بلطفه يقبل اللعاب السائل من الفم، والنكهة المتغيرة، فيتغير من ساعته، فلا يقدم هو على شربه، فإن اقتحمه لم يقدر غيره عليه...، ونهى عن التنفس، وكان هو يتنفس، فقيل: معناه: يتنفس في الإناء، أي: لا يعمه بالشرب في نفس واحد، ولكنه يقطِّعه، وقيل: كان يتنفس فيه؛ لأن ريقه كان أَلَذَّ من الماء، وأعطرَ من المسك، فعُدمت العلة التي نهى غيرَه عن ذلك لأجلها. عارضة الأحوذي (8/60).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
نهيه عن التنفس في الإناء نهي أدب وتعليم؛ وذلك أنه إذا فعل ذلك لم يأمن أن يبدر من فيه الريق فيخالط الماء فيعافه الشارب منه، وربما تروَّح بنكهة المتنفس إذا كانت فاسدة، والماء للطفه ورقة طبعه تسرع إليه الروائح، ثم إنه من فعل الدوابِّ إذا كَرَعَتْ (الكرع: أنْ يتناول الماء بفيه) في الأواني جَرَعَتْ (الجرع: الشرب شيئًا فشيئًا) ثم تنفست فيه، ثم عادت فشربت، وإنما السنة والأدب أن يشرب الماء في ثلاثة أنفاس، كلما شرب نَفَسًا من الإناء نحّاه عن فمه، ثم عاد مصًّا له، غير عَبٍّ إلى أن يأخذ رِيَّه منه. أعلام الحديث (1/ 244-245).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
لأن النفخ إنما يكون لأحد معنيين: فإن كان من حرارة الشراب فليصبر حتى يبرد، وإن كان من أجل قذىً يُبصره فيه فليُمِطْه بإصبع أو بِخِلالٍ (خشبةٍ أو حديدةٍ) أو نحوه، ولا حاجة به إلى النفخ فيه بحال. معالم السنن (4/ 275).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
المقتضي لهذا النهي أن الأشربة لطيفة يُسرع إليها التغيُّر بالروائح الكريهة، لا سيما الماء، فلعل الشارب إذا تنفس في الإناء أو نفخ فيه يؤثر فيه خلوف فمِه فيغير رائحتَه، فإنه ربما يقع فيه نتنٌ مِن فِيه فيورث استقذارًا. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/ 129).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«و» نهى «أن ينفخ فيه» أي: في الإناء الذي يشرب منه، والإناء يشمل إناء الطعام والشراب، فلا ينفخ في الإناء ليذهب ما في الماء أو الشراب من قَذاةٍ ونحوها، فإنه لا يخلو النفخ غالبًا من بزاق يُستَقْذر منه.
وكذا لا ينفخ في الإناء ليبرد الطعام الحار، بل يصبر إلى أن يبرد. شرح سنن أبي داود (15/ 263).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«‌أو ‌يُنفخ ‌فيه» أي: على صيغة المجهول، قيل: إن كان النفخ للبرد فليصبر، وإن كان للقذى فليمطه بِخِلال ونحوه، لا بالإصبع؛ لأنه ينفر الطبعُ منه، أو لِيُرِقِ الماء. مرقاة المفاتيح (7/ 2752).
وقال الحسين المغربي -رحمه الله-:
قوله: «أو ينفخ فيه» فيه دلالة على كراهة النفخ في الإناء؛ وذلك كراهة أن يخرج شيء إلى الإناء من فضلات الفم من ريق أو غيره فيقذِّره على غيره، وفي حديث أبي سعيد الخدري أخرجه الترمذي والدارمي، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- «نهى عن النفخ في الشراب؛ فقال رجل: القَذَاةَ أراها في الإناء، قال: أهرقها». البدر التمام (7/ 334، 335).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «‌أو ‌ينفخ ‌فيه» أي: في الإناء الذي يشرب منه، والإناء يشمل إناء الطعام والشراب، فلا ينفخ في الإناء ليذهب ما في الماء من قذارة ونحوها، فإنه لا يخلو النفخ غالبًا من بزاق يُستقْذَر منه، وكذا لا ينفخ في الإناء لتبريد الطعام الحارِّ، بل يصبر إلى أن يبرد، ولا يأكله حارًّا؛ فإن البركة تذهب منه، وهو شراب أهل النار. نيل الأوطار (8/ 221).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
نهى عن النفخ في الإناء؛ لأن النفخ في الإناء ربما يصحبه أشياء مستقذرة تُقذِّر هذا الشراب، وربما يصحبه جراثيم مرضية تكون سببًا لمرض مَن يشرب به من بعده.
واختلف العلماء في هذه المسألة: هل هو في كل شيء، أو هو فيما لا يحتاج إلى نفخ؛ لأن مِن الأشربة ما يحتاج إلى نفخ، ككون الشراب حارًّا وهو مستعجل لغرضٍ ما، أو ما أشبه ذلك، ولكن مع هذا نقول: إذا كان نفخُه يوجب أن يستقذره مَن يشرب بعده فلا ينفخ، فما تقولون في نفخ المرأة لصبيِّها؟ هذا أيضًا لحاجة، ولكن إذا علم الإنسان مِن نفسه أن به مرضًا معديًا فإنه لا يضرّ غيره، والمسألة ليست إلا وقتًا فقط؛ لأن الأشياء الحارّة ستبرد فينتظر قليلًا. فتح ذي الجلال والإكرام (4/ 627).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
فمن آداب الأكل: ألا ينفخ في الطعام الحارِّ ولا في الشرب، بل يصبر حتى يستحق أكله فيأكله. فتح القريب المجيب (9/ 349).
وقال المناوي -رحمه الله-:
والنفخ في الطعام الحارّ يدل على العجلة الدالة على الشَّرَهِ وعدمِ الصبر وقلة المروءة. فيض القدير (6/ 346).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
والفرق بين التنفس والنفخ: أن صوت النفخ أشد وأرفع. الكوكب الدري (3/ 41).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)

وينظر حكم التنفس والنفخ في الشراب (هنا)




ابلاغ عن خطا