الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إذا صلَّيْتُمْ على المَيِّتِ، فأَخْلِصُوا له الدُّعاءَ».


رواه أبو داود برقم: (3199)، وابن ماجه برقم: (1497)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (669)، مشكاة المصابيح برقم: 1674).


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «إذا صليتم على الميت»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«‌إذا ‌صليتم ‌على ‌الميت» صلاة الجنازة. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 112).

قوله: «فأخلصوا له الدعاء»:
قال السهارنفوري -رحمه الله-:
قوله: «فأخلصوا له» أي: للميت، «الدعاءَ» أي: ادعوا له بالإخلاص التَّامِّ. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (10/ 487).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «‌فأخلصوا ‌له ‌الدعاء» قد قلنا: الدعاء للميت بعد التكبيرة الثالثة فرض عند الشافعي، وسنة عند أبي حنيفة، فمن قال بالفرض قال: هذا الأمر للوجوب، ومن قال بالسنة قال: هذا الأمر للندب، ومعنى الندب: السنة. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 442، 443).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
المراد بإخلاص الدعاء: ألا يخلط معه غيرَه، وفيه دليل على وجوب الدعاء للميت، وهذا يحصل بأدنى دعاء، وهو ما يقع عليه الاسم؛ لأنه المقصود الأعظم من صلاته، وإن كان الأفضل ما وردت به السنة. شرح سنن أبي داود (13/ 491).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فأخلصوا ‌له ‌الدعاء» أي: ادعوا دعاء بالاعتقاد. شرح المصابيح (2/ 361).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
ومنه أخذ أئمتنا: أنَّ الدعاء للميت بخصوصه بأمر أخروي أو ما يؤول إليه، كـ: اقض عنه دينه، بعد التكبيرة الثالثة ركن؛ لأنه المقصود الأعظم من الصلاة عليه، وما قبله كالمقدمة له، واستثناء بعضهم للطفل رُدَّ بأنه باطل؛ إذ لو نُظِر لعدم تكليفه لم يصل عليه، كما شذَّ به بعض السلف، فلما وجبت الصلاة عليه لرفع درجاته وجب الدعاء له لذلك، قيل: وفي الموطأ عن أبي هريرة: «إنه -صلى الله عليه وسلم- صلى على طفل لم يعمل خطيئة قط، فقال: اللهم قِهِ عذاب القبر وضيقه»، أي: لأنه يجوز أن يُبتلى في قبره، كما يبتلى في الدنيا. فتح الإله في شرح المشكاة (6/96-97).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- متعقبًا:
ويردّه (أي: كلام الهيتمي): أن أكثر الأحاديث الصحيحة وردت بلفظ العموم؛ مع أن وجوب الدعاء مطلقًا غير ثابت عندنا. مرقاة المفاتيح (3/ 1207).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- أيضًا:
ويمكن أن يكون معناها: اجعلوا الدعاء خاصًا له في القلب وإن كان عامًّا في اللفظ. مرقاة المفاتيح (3/ 1207).
وقال يوسف الأردبيلي -رحمه الله-:
الأمر في قوله: «فأخلصوا له بالدعاء» للوجوب، وقال أبو حنيفة: للندب، فإن قيل: أمر بالإخلاص دون الدعاء، قلنا: ذاك آكد.
وفيه دلالة على وجوب تخصيص الميت بالدعاء، ولا يكفي التعميم، وهو الأصح. الأزهار شرح المصابيح - مخطوط لوح (198).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وأغرب صاحب الأزهار على ما نقله ميرك عنه أنه قال: فيه دليل على وجوب تخصيص الميت بالدعاء، ولا يكفي التعميم وهو الأصح. ا. هـ. مرقاة المفاتيح (3/ 1207).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فأخلصوا له الدعاء» أي: ادعوا له بإخلاص، وحضور قلب؛ لأن المقصود بهذه الصلاة إنما هو الاستغفار والشفاعة للميت، وإنما يرجى قبولها عند توفر الإخلاص والابتهال؛ ولهذا شرع في الصلاة عليه من الدعاء ما لم يشرع مثله في الدعاء للحي. فيض القدير (1/ 505).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «فأخلصوا ‌له ‌الدعاء» الإخلاص في الدعاء مستحسن دائمًا، خصوصًا في هذه الحالة؛ لكون الاحتياج فيها أشد. لمعات التنقيح (4/ 150).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
قال العلقمي: الدعاء للميت ليس فيه لفظ محدود عند العلماء، بل يدعو المصلي بما تيسر له، والأولى أن يكون بالأدعية المأثورة في ذلك، والدعاء في الصلاة للميت هو الركن الأعظم، وأقلُّه ما يقع عليه الاسم؛ لأنه المقصود الأعظم من الصلاة وما قبله كالمقدمات، وإليه أشار بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «أخلصوا له الدعاء»، وإخلاص الدعاء له: أن لا يخلط معه غيره، وفيه: وجوب الدعاء للميت بخصوصه، وأقلُّه: اللهم اغفر له وارحمه، وإن كان طفلًا، ولا يكفي في الطفل ونحوه: اللهم اغفر لحينا ومَيِّتَنا ... إلى آخره، ولا: اللهم اجعله لأبويه فرَطًا وسلَفًا ... إلخ، فاعتمد ما حررتُه لك من تخصيصه بالدعاء وإن كان طفلًا، ولا تغترّ بغيره مما يعطيه ظاهر المتون. السراج المنير (1/ 145).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «‌فأخلصوا ‌له ‌الدعاء» تأتي ألفاظٌ حُفظت عنه -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء على الميت، والإخلاص: الإقبال على الدعاء والتوجُّه الكُلِّي إلى الله في الإجابة. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 111).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«‌فأخلصوا ‌له ‌الدعاء» أو إذا دعوتم له في صلاة أو غيرها، وهو من أخلص في عمله إذا جرّده عن الرياء، والمراد هنا: الإقبال على الله في طلب الرحمة له والمغفرة. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 123).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
«فأخلصوا ‌له ‌الدعاء» فيه دليل على أنه لا يتعين دعاء مخصوص من هذه الأدعية الواردة، وأنه ينبغي للمصلي على الميت أن يخلص الدعاء له، سواء كان محسنًا أو مسيئًا، فإن مُلابِس المعاصي أحوج الناس إلى دعاء إخوانه المسلمين وأفقرهم إلى شفاعتهم؛ ولذلك قدّموه بين أيديهم، وجاؤوا به إليهم، لا كما قال بعضهم: إن المصلي يَلعن الفاسق ويقتصر في الملتبس على قوله: «اللهم إن كان محسنًا فزده إحسانًا، وإن كان مسيئًا فأنت أولى بالعفو عنه»؛ فإن الأول من إخلاص السبب لا من إخلاص الدعاء، والثاني من باب التفويض باعتبار المسيء لا من باب الشفاعة والسؤال، وهو تحصيل للحاصل، والميت غني عن ذلك. نيل الأوطار (4/ 78).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
«فأخلصوا ‌له ‌الدعاء» أي: اجعلوا له الدعاء خالصًا مقصودًا به وجه الله تعالى، سواء كان الميت محسنًا أم مسيئًا، فإن العاصي أحوج الناس إلى دعاء إخوانه المسلمين وأفقرهم إلى شفاعتهم؛ ولذا قُدِّم بين أيديهم للشفاعة له، ولا يكون الإخلاص إلا بصفاء الخاطر عن الشواغل الدنيوية، وبالخضوع بالقلب والجوارح، ويحتمل أن المعنى: خصوا الميت بالدعاء، وبه قال جمهور الشافعية، وأكثر الفقهاء على جواز تعميم الدعاء. المنهل العذب المورود (9/ 40).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«أخلصوا له الدعاء» الدعاء: اسم مطلق يشمل أيَّ دعاء كان، حتى لو دعوت له مرة واحدة، لو قلت: «اللهم اغفر له» لكفى، وعلى هذا فيمكن أن تقتصر في صلاة الجنازة على التكبيرات الأربع، والفاتحة، و: اللهم صلِّ على محمد، فقط، و: اللهم اغفر له، وتسلِّم. فتح ذي الجلال والإكرام (2/ 577).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
يعني: أنَّ الرسول أمرنا أن نخلص الدعاء للميت، وإخلاص الدعاء قد يكون بالتعيين، وقد يكون بالصفة، بالتعيين بمعنى: أن أدعو له وحده، ويفسّره حديث عوف بن مالك («اللهم اغفر له وارحمه وعافه...»)؛ لأن إخلاص الشيء معناه: توحيده وتنقيته وإزالة ما يشوبه؛ كما تقول: الإخلاص لله -عز وجل-: «فأخلصوا له الدعاء» أي: اجعلوه خاصًّا به، فهو مرادف لقولنا: خصصوه بالدعاء؛ لأن الصلاة إنما أقيمت من أجله، فيكون هو أحق الناس بالدعاء فيها، ويمكن أن يكون الإخلاص بمعنى: الإخلاص لله -عز وجل-، وأن يكون الإنسان في دعوته صادقًا حاضر القلب، فهناك فرق بين دعاء الإنسان المخلص وبين دعاء الغافل اللاهي، وهل يمكن أن يراد الأمران؟ نعم، وبناء على ذلك: نستفيد من هذا الحديث: أنه لا بد أن يخصص الميت بالدعاء، وأن الدعاء العام لا يكفي؛ ولهذا ذكر العلماء من أركان صلاة الجنازة: أدنى دعاء للميت. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/ 576-577).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
المراد بقوله: «فأخلصوا له الدعاء» ادعوا له بالإخلاص، وليس فيه نفي القراءة على الجنازة (كما يقول الحنفية). تحفة الأحوذي (4/ 95).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
«فأخلصوا ‌له ‌الدعاء» لأن الصلاة على الميت شفاعة، والإنسان يدعو من أجل أن يستجاب، فإذا لم يخلص في دعائه ولا في شفاعاته فحريٌّ ألا يُستجاب الدعاء ولا تقبل الشفاعة، وصلاته حينئذٍ تكون عبثًا، ولا يترتب عليها الأثر المنوط بها، لا بالنسبة للمصلي ولا المصلى عليه...، فعلى الإنسان أن يخلص، وأن يستحضر قلبه؛ لأن الدعاء لا يقبل من قلب لاهٍ، فإذا أَخلص وأَحضر قلبه نفع أخاه بدعائه الذي أخلص فيه، وانتفع هو بهذه الصلاة. شرح بلوغ المرام (53/ 22).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
ولا شك أنَّ إخلاص الدعاء للميت، والمبالغة في رجاء اللَّه تعالى أن يغفر له، ويعفو عنه، هو من سيما أهل الخير في الإسلام. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (3/ 51).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
قد دلَّ على انتفاع الميت بالدعاء إجماع الأمة على الدعاء له في صلاة الجنازة، وفي السنن من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: «إذا صليتم على الميت، فأخلصوا له الدعاء». الروح (ص: 118).
وقال النووي -رحمه الله-:
يجب تخصيص الميت بالدعاء، ولا يكفي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات، فيقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ونحو ذلك، واستدلوا بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا صليتم على الميت، فأخلصوا له الدعاء» رواه أبو داود وابن ماجه.
ومحل هذا الدعاء التكبيرة الثالثة، وهو واجب فيها، لا يجزئ في غيرها بلا خلاف، وليس لتخصيصه بها دليل واضح، واتفقوا على أنه لا يتعين لها دعاء. المجموع شرح المهذب (5/ 236).


ابلاغ عن خطا