«طُوبَى لمن هُدِيَ إلى الإسلامِ، وكان عَيْشُهُ كَفَافًا وقَنِعَ».
رواه أحمد برقم: (23944)، والترمذي برقم: (2349)، والنسائي في الكبرى برقم: (11793)، من حديث فضَالَة بن عُبيد -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (3931)، صحيح الترغيب والترغيب برقم: (830).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«طُوبَى»:
غِبطة وسعادة، وخيرٌ دائم وهي من الطِّيب وقُلبت الياءُ واوًا لسكونها وضمِّ ما قبلها.معجم اللغة العربية المعاصرة(2/١٤٢٩)
«كَفافًا»
الكفاف من الرّزق: ما كَفَّ عن الناس، أي: أغنى. الغريب المصنف، لأبي عبيد (3/ 1000).
وقال ابن السكيت -رحمه الله-:
وفلانٌ نفقتُه الكَفافُ، أي: بقدْرِ ما يكفِيه، ليسَ فيه فضلٌ. الألفاظ (ص: 17).
«قَنِعَ»:
وقنِع يقنَع قَنَاعَةً: إذا رضي، وقنَع يقنعُ قُنُوعا: إذا سأل، ومنه: {وَأَطْعِمُوْا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} الحج:36. أدب الكاتب، لابن قتيبة (ص340).
شرح الحديث
قوله: «طوبى لمن هُدِيَ إلى الإسلام»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«طوبى» فُعْلَى من كل شيء طيب، وهي ياء حُوِّلَتْ إلى الواو، وهو من يطيب، «لمن هُدِيَ»، أي: أُوْصِلَ، «للإسلام» فَعُدِّيَ باللام لتضمُّنِهِ معنى أوصل، قال تعالى: {يَهْدِيْ اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} النور: 35، أي: يوصله للدخول في جملة أهله. دليل الفالحين (4/ 468-469).
وقال أبو بكر الأنباري -رحمه الله-:
اختلف الناس في معنى طوبى، فقال أهل اللغة: طوبى لهم، معناه: خير لهم، وهو قول إبراهيم النخعي ومجاهد، وروي عن إبراهيم أنه قال: طوبى: الخير والبركة التي أعطاهم الله، وقال ابن عباس: طوبى: اسم الجنة بالحبشية، وقال سعيد بن مَسْجوح: طوبى: اسم الجنة بالهندية، وقال عِكرمة: طُوبى لهم، معناه: النُعمى لهم، وروى سعيد عن قتادة أنه قال: طُوبى لهم، معناه: الحسنى لهم، وروى مَعْمَر عن قتادة أنه قال: طُوبى لهم: كلمة عربية، تقول العرب: طُوبى لك إن فعلت كذا وكذا. الزاهر في معاني كلمات الناس، الأنباري (1/ 449).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «طوبى لمن هُدِيَ إلى الإسلام» ببناء «هُدِيَ» للمفعول. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 120).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «طوبى لمن هُدِي للإسلام»؛ فإنه قد فاز بالحظ الذي يربح به في الدارين. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 160).
قوله: «وكان عيشه كفافًا وقَنِع»:
قال ابن الأثير-رحمه الله-:
ومنه الحديث: «القناعة كنز لا ينفد»؛ لأن الإنفاق منها لا ينقطع، كلما تعذَّر عليه شيء من أمور الدنيا قَنِعَ بما دونه ورضي.
ومنه الحديث الآخر: «عَزَّ من قَنِعَ وذَلَّ من طَمِعَ»؛ لأن القانع لا يُذِلُّه الطلب، فلا يزال عزيزًا. النهاية في غريب الحديث (4/ 114).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«وكان عيشه كفافًا، وقَنِعَ» الأقرب: أنه بالبناء للمفعول، من باب التفعيل، كما يدل عليه ما قبله، ويحتمل: أن يكون بتخفيف النون مفتوحة، والجملتان الأقرب كونهما معطوفتين على جملة الصلة، ويجوز كونهما في محل الحال من نائب فاعل «هُدِي». دليل الفالحين (4/ 469).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
قوله: «كَفافًا» والكفاف: ما كَفَّ عن السؤال، وألا يزيد على قَدرِ الحاجة ولا ينقص. فتح القريب المجيب (5/ 255).
وقال الفيومي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «وكان عيشه كفافًا وقَنِع» أي: ما أطيب عيشه دُنيا وأخرى، ولا مُرَغِّب في الكفاف كهذا، وإياك والفضول إياك، {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ} التوبة:55، والكفاف: الذي ليس فيه فضل عن الكفاية. فتح القريب المجيب (12/670).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
قوله: «كفافًا» أي: بقدر الحاجة، «وقنِع»، وصح أيضًا: «يا أبا ذرٍّ أترى كثرة المال هو الغنى؟ قلتُ: نعم يا رسول الله، قال: أفترى قلة المال هو الفقر؟ قلتُ: نعم يا رسول الله، قال: إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب». الزواجر (1/ 307).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «وكان عيشه كفافًا» أي: بقدر كفايته، لا يشغله ولا يطغيه...، قال الشاعر:
والنفس راغبة إذا رغَّبتها ** وإذا تُرد إلى قليل تَقنع
واستدل به مَن فضَّل الفقر على الغنى فقال: قد غبط النبي -صلى الله عليه وسلم- من كان عيشه كفافًا، وأخبر بفلاحه، وكفى به شرفًا. فيض القدير (4/ 276).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«وكان عيشه كفافًا» أي: لا ينقص عن حاجته، ولا يزيد على كفايته فيبطر ويطغى، «وقنع» به؛ فلم تطمح نفسُه لزيادة عليه. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 120).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
أي: بقدر الحاجة لا يفضل عنه، قال المصنف (النووي): هي الكفاية من غير زيادة ولا نقص، وفيه شاهد لتفضيل الكفاف على كل من الفقر والغنى. دليل الفالحين (4/ 468).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «وكان عيشه كفافًا» بِزِنَةِ سحاب: ما كفَّ عن الناس وأغنى، أي: قدر كفايته لا يشغله ولا يطغيه، يقال: قليل يكفيك خير من كثير يطغيك. التنوير (7/ 150).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
«كفافًا» أي: ما يكف من الحاجات، ويدفع الضرورات. تحفة الأحوذي (7/ 13).
قوله: «وقنع»:
أي: رضي بذلك، والمُفلح الظافر بمطلوبه. والفلاح: الخير المقطوع به. التيسير شرح الجامع الصغير(1/١٩٠)
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وقنع» به؛ فإن القنوع يفوز بالأجر؛ لعلمه بأن الله تعالى لم يَزْوِ عنه شيئًا يستحقه؛ ولأنه يريح قلبه بتفرغ لعبادة مولاه، فإن من زاد ماله زادت أشغاله، وذهب عنه عافيته وماله. التنوير(7/ 160).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
قالوا: ولو لم يكن في التقلُّل إلا خِفَّة الحساب لكفى به فضلًا على الغنى. عدة الصابرين(1/ 388).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
قال -صلى الله عليه وسلم-: «خير الرزق ما يكفي»، وقال: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا».
خذ من الرزق ما كفى ** ومن العيش ما صفا
كـــــــــل هـــــــــذا سينقضي ** كسراج إذا انطفـــــــــــا.لطائف المعارف (ص: 533).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
واعلم أن المراد بالكفاف: ما كفّ عن سؤال، وروى البيهقي في الزهد عن جابر -رضي الله عنه- مرفوعًا: «القناعة كنز لا يفنى». غذاء الألباب(2/ 535).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)