الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«‌لا ‌تدخلونَ ‌الجنةَ ‌حتى ‌تُؤمِنوا، ولا تُؤمِنوا حتى تحابُّوا، أولا ‌أَدُلُّكُمْ على شيءٍ إذا فعلتُموه تحاببتم؟ أَفْشُوا السلامَ بينكم».


رواه مسلم برقم: (54)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«تحابُّوا»:
أي: تتحابوا، فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا، أي: يحبُّ بعضكم بعضًا. ينظر: تاج العروس، للزبيدي (2/ 219)، ودليل الفالحين (5/ 325).

«أفشوا»:
أصله: أفشيوا، فأُسْكِنَت الشين ونُقِلَت ضمة الياء إلى الشين، وحذفت الياء، معناه: أظهروا. المفاتيح، للمظهري (5/ 121).

«السلام»:
معناه: سلامته مما يلحق الخلق من العيب والفناء، والسلام في الأصل السلامة.النهاية، لابن الأثير (2/392)


شرح الحديث


قوله: «‌لا ‌تدخلون ‌الجنة ‌حتى ‌تؤمنوا»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
قوله: «‌لا ‌تدخلون ‌الجنة ‌حتى ‌تؤمنوا»؛ فإن الإيمان شرط لدخولها. شرح المصابيح (5/ 156).
وقال النووي -رحمه الله-:
هو على ظاهره وإطلاقه، فلا يدخل الجنة إلا من مات مؤمنًا، وإن لم يكن كامل الإيمان، فهذا هو الظاهر من الحديث، وقال الشيخ أبو عمرو (ابن الصلاح) -رحمه الله-:...ولا تدخلون الجنة عند دخول أهلها إذا لم تكونوا كذلك، وهذا الذي قاله محتمل -والله أعلم-. شرح مسلم (2/ 36).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«لا تدخلون» أيها المؤمنون «الجنة» ابتداء، «حتى تومنوا» إيمانًا كاملًا باجتماع شُعبِه. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (2/ 449).

قوله: «ولا تؤمنوا حتى تحابوا»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «ولا تؤمنوا حتى تحابوا» أي: لا يتم إيمانكم ولا يكمل، ولا تصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحاب والألفة. إكمال المعلم (1/ 304).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
كذا صحَّت الرواية هنا: «ولا تؤمنوا» بإسقاط النون، والصواب: إثباتها كما قد وقع في بعض النسخ؛ لأن (لا) نفي لا نهي؛ فلزم إثباتها...، ومعنى قوله: «لا تؤمنوا حتى تحابوا» أي: لا يكمل إيمانكم، ولا يكون حالكم حال من كَمل إيمانه. المفهم (1/ 242).
وقال النووي -رحمه الله-:
هكذا هو في جميع الأصول والروايات «ولا تؤمنوا» بحذف النون من آخره، وهي لغة معروفة صحيحة...، معناه: لا يكمل إيمانكم ولا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحابِّ. شرح صحيح مسلم (2/ 36).
وقال الشيخ محمد بن آدم الإتيوبي -رحمه الله-:
قول القرطبي: «والصواب: إثباتها» ليس كما ينبغي؛ لأنه إذا صحت الرواية بالحذف، ووجد في العربية له وجه، فلا وجه للتخطئة، فما قاله النووي هو الحق، وقد أثبت المحققون من النحاة جواز حذف نون الرفع بلا ناصب وجازم على قِلَّة ...
والحاصل: أن تخطئة الرواية بحذف النون غير مقبول، فتبصر -والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل-.
«حتى تحابوا» بحذف إحدى التاءين، إذ أصله: تتحابوا؛ أي: حتى يحب بعضكم بعضًا، ونونه محذوفة للناصب، كما تقدم نظيره. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (2/ 287-288).
وقال المظهري -رحمه الله-:
هذا نفي كمال الإيمان، لا نفي أصل الإيمان، التحابّ أصله: التحابب، فحذفت ضمة الباء الأولى وأدغمت في الباء الثانية، ومعناه: جريان المحبة بين اثنين أو أكثر. المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 121).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«ولا تؤمنوا» إيمانًا كاملًا يُوجب دخول الجنة ابتداءً «حتى تحابوا» وتوادُّوا في الله -عزَّ وجلَّ-، أي: حتى يُحب بعضكم بعضًا لأجل دين الله تعالى وطلب رضاه، لا لغرض من الأغراض الدنيوية؛ من قرابة وصداقة وزوجية وعطية. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (2/449-450).

قوله: «أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
ثم عرض لهم بما يدل على شيء يوجب فعله التحابّ؛ رأفةً على أمته فقال: «أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟». شرح المصابيح (5/ 156).
وقال الشيخ محمد بن آدم الإتيوبي -رحمه الله-:
«أوَلا» بفتح الهمزة والواو، هي (ألا) التي للعرض والتحضيض، والواو للعطف، وأصلها التقديم على الهمزة، إلا أنها أُخِّرَت للزوم تصديرها، «أدلكم على شيء» عظيم، فالتنوين للتنكير؛ وعظمته حيث كان سببًا للمحبة التي هي سبب للإيمان الكامل الذي هو سبب لدخول الجنة «إذا فعلتموه تحاببتم». البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (2/ 289).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
والهمزة في قوله: «أولا أدلكم على شيء» داخلة على محذوف تقديره: أتستغربون ذلك ولا تفهمونه، أدلكم أيها المؤمنون على شيء «إذا فعلتموه» وقلتموه «تحاببتم»؟ أي: يحصل التحابُّ والتوادُّ بينكم. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (2/ 450).

قوله: «أفشوا السلام بينكم»:
قال النووي -رحمه الله-:
قوله: «أفشوا السلام بينكم» بقطع الهمزة المفتوحة، وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام، وبذله للمسلمين كلهم؛ من عرفت ومن لم تعرف...، والسلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين، وقد ذكر البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- أنه قال: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالَم، والإنفاق من الإقتار، وروى غير البخاري هذا الكلام مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وبذل السلام للعالَم»، «والسلام على من عرفت ومن لم تعرف»، وإفشاء السلام كلها بمعنى واحد، وفيها لطيفة أخرى، وهي أنها تتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء وفساد ذات البين التي هي الحالقة، وأن سلامه لله لا يتبع فيه هواه، ولا يخص أصحابه وأحبابه به. شرح مسلم (2/ 36).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«أفشوا السلام» أي: أظهروه وانشروه «بينكم»؛ فإن السلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم عن غيرهم من أهل الملل. شرح المصابيح (5/ 156).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
«أفشوا» هو بقطع الهمزة المفتوحة، وهو إظهاره وإشاعته وإبرازه على المعروف وغير المعروف؛ لأن السلام هو الجالب للمحبة الدينية والألفة الشرعية. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (11/99-100).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وإِفشَاءُ السلام إظهارُهُ وإشاعته، وإقراؤُهُ على المعروفِ وغيرِ المعروف. المفهم (1/ 242).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
والمراد: نشر السلام بين الناس؛ ليحيوا سنته. فتح الباري (11/ 18).
وقال الروياني -رحمه الله-:
أقل ما يتأدَّى به سُنة السلام أنْ يقول: السلام عليك؛ ولو قال: سلام عليك، بغير ألف ولام مع التنوين يجوز، والأولى أن يقول: السلام عليكم، حتى يكون: سلامًا عليه وعلى من يليه (ومن معه من الملائكة).
وأقل الجواز أن يقول: وعليك السلام، ولو ترك حرف الواو فلا يكون مجيبًا؛ لأن المنقول في الشرع الكلمة مع واو العطف.
وكمال السلام هو أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ويقول: المجيب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. بحر المذهب (2/ 403).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأقل السَّلام الذي يصيرُ به مؤدِّيًا سُنة السلام: أنْ يرفع صوته بحيث يُسمع المسلَّم عليه، فإن لم يُسْمعه لم يكن آتيًا بالسلام، فلا يجب الردُّ عليه.
وأقلّ ما يسقط به فرض ردِّ السلام: أن يرفع صوتَه بحيث يسمعه المسلِّم، فإن لم يسمعه لم يسقط عنه فرض الردّ، ذكرهما المتولي وغيره.
قلتُ: والمستحبّ أن يرفع صوته رفعًا يسمعه به المسلَّم عليه أو عليهم سماعًا محققًا، وإذا تشكك في أنه يسمعهم زاد في رفعه، واحتاط واستظهر، أما إذا سلَّم على أيقاظ عندهم نيام، فالسُّنَّة أن يخفضَ صوتَه بحيث يَحصل سماعُ الأيقاظ ولا يستيقظ النيام. الأذكار (ص: 245).
وقال السندي -رحمه الله-:
ظاهره: أنه حمل الإفشاء على رفع الصوت به، والأقرب: حمله على الإكثار. حاشية السندي على ابن ماجه (1/ 60).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معلقًا:
الأولى حمله على المعنيين؛ إذ لا تنافي بينهما، فيكون المراد بالإفشاء: رفع الصوت بالسلام وإكثاره بين الناس -والله تعالى أعلم-. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (2/ 289).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وفيه: حضٌّ على ما تقدم من إفشاء السلام على من عرف ومن لم يعرف، والسلام أول درجات البر، وأول خصال التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه يمكن ألفة المسلمين بعضهم ببعض، وإظهار شعارهم المميز لهم بينهم، وإلقاء الأمن والطمأنينة بينهم، وهو معنى السلام، واستدراج محبة كافَّتهم، كما قال -صلى الله عليه وسلم-، ودليل التواضع والتواصل بسبب الإسلام، لا لغرض الدنيا، خلاف ما أنذر به -صلى الله عليه وسلم- آخر الزمان من كون السلام للمعرفة فيقطع سبب التواصل. إكمال المعلم (1/ 304).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
إن الإنسان إذا مرّ على أحد سلَّم عليه، وإذا كان هذا يقع من النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصبيان، فإننا نأسف لقوم يمرون بالكبار البالغين ولا يسلمون عليهم -والعياذ بالله-، قد لا يكون ذلك هجرًا أو كراهة، لكن عدم مُبالاة، وعدم اتباع للسنة، جهل، غفلة، وهم إن كانوا غير آثمين؛ لأنهم لم يتخذوا ذلك هجرًا، لكنهم قد فاتهم خيرٌ كثير.
فالسنة أن تسلم على كل من لقيت، وأن تبدأه بالسلام ولو كان أصغر منك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبدأ من لقيه بالسلام، وهو -عليه الصلاة والسلام- أكبر الناس قدرًا، ومع ذلك كان يبدأ من لقيه بالسلام، وأنت إذا بدأت من لقيته بالسلام؛ حصلت على خير كثير، منه اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومنه أنك تكون سببًا لنشر هذه السنة التي ماتت عند كثير من الناس، ومعلوم أن إحياء السنن يؤجر الإنسان عليه مرتين، مرة على فعل السنة، ومرة على إحياء السنة..شرح رياض الصالحين (3/ 528).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
فالمهم أنه ينبغي لنا إحياء هذه السُّنة، أعني -إفشاء السلام-، وهو من أسباب المحبة، ومِن كمال الإيمان، ومِن أسباب دخول الجنة.شرح رياض الصالحين (3/529).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
فلا ينبغي للإنسان أن يَمَلّ مِن كثرة السلام، لو قابلت مائة شخص فيما بينك وبين المسجد مثلًا فسلّم، إذا سلّمت على مائة شخص تحصل على ألف حسنة، هذه نعمة كبيرة. شرح رياض الصالحين (4/396) .
وقال الشيخ محمد بن آدم الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: الحديث):
1- منها: أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وقد أخرج الترمذي وحسنه من طريق أبي إسحاق، عن زيد بن يُثَيع، قال: سألتُ عليًّا -رضي الله عنه-: بأي شيء بُعثتَ؟ قال: بأربع: «لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة…» الحديث.
2- ومنها: بيان أن محبة المؤمنين بعضهم بعضًا مما يكمل به الإيمان، فهي شعبة من شعب الإيمان.
3- ومنها: أن في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفسي بيده» إثبات اليد لله -سبحانه وتعالى- على ما يليق بجلاله.
4- ومنها: انتفاء كمال الإيمان عمن ليست له محبة لإخوانه المؤمنين.
5- ومنها: إثبات دخول الجنة للمؤمن الذي حقق إيمانه بالمحبة لإخوانه، والتودد إليهم بما يدخل السرور عليهم كالسلام مع الالتزام بسائر شرائع الإسلام.
6- ومنها: أن فيه الحث العظيم على إفشاء السلام، وبذله للمسلمين كلهم المعروفين وغير المعروفين.
7- ومنها: أن السلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض.
8- ومنها: أنه يتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء، وفساد ذات البين التي هي الحالقة؛ لأن سلامه لله تعالى لا يتبع فيه هواه، ولا يخص أصحابه وأحبابه به، فيحصل ببركته ذلك.
9- ومنها: أن في إفشاء السلام إظهار شعار المسلمين المميز لهم من غيرهم من أهل الملل.
10- ومنها: أن في إفشائه رياضة النفس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين، وقد ذكر البخاري -رحمه الله- في صحيحه(1/ 14) عن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- أنه قال: «ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالَم، والإنفاق من الإقتار». البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (2/ 288- 291).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا