الثلاثاء 20 شعبان 1446 هـ | 18-02-2025 م

A a

«رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عنِ المجنونِ المغلوبِ على عقلِهِ حتى يَفِيقَ، وعن النائمِ حتى يَسْتَيْقِظَ، وعن الصَّبيِّ حتى يَحْتَلِمَ».


رواه أبو داود برقم: (4401) واللفظ له، والترمذي برقم: (1423)، من حديث علي -رضي الله عنه-.
ورواه أحمد برقم: (24694)، وأبو داود برقم: (4398)، والنسائي برقم: (3432)، وابن ماجه برقم: (2041)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.

صحيح الجامع برقم: (3512)، إرواء الغليل برقم: (297).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«المغلوب»:
لا ‌يستطيع ‌تنفيذَ ‌ما ‌يريد.معجم اللغة العربية المعاصرة(2/1631).


شرح الحديث


قوله: «رفع القلم عن ثلاثة»:
قال تقي الدين السبكي -رحمه الله-:
«‌رفع ‌القلم ‌عن ثلاثة»؛ لأن المراد به: عدم التعلق حالة الصبا والنوم والجنون. إبراز الحكم من حديث رفع القلم (ص: 85).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«رفع القلم» أي: التكليف بالشرع الشريف. شرح مسند أبي حنيفة (1/ 48).
وقال المناوي -رحمه الله-:
والمراد برفع القلم: ترك كتابة الشر عليهم. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 35).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «رفع القلم» كناية عن عدم كتابة الآثام عليهم في هذه الأحوال، وهو لا ينافي ثبوت بعض الأحكام الدنيوية والأخروية لهم في هذه الأحوال، كالمتلفات وغيرها. كفاية الحاجة (1/ 629).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«رفع القلم» أي: قلم الحفظة الذين يكتبون ما على العباد من الخطايا، لا قلم كتابة الخير، فإنه يكتب للصبي؛ لحديث: «ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر»، ويقاس عليه النائم، والذي لا يَعقل، فلو أتوا بشيء يوجب حدًّا على غيرهم لما وجب عليهم فضلًا من الله. التحبير لإيضاح معاني التيسير (3/ 626).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«رفع القلم» أي: ليس يجري أصالة؛ لا أنه رفع بعد وضع، والمراد برفع القلم: عدم المؤاخذة، لا قلم الثواب. سبل السلام (2/ 265).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
ورفعُ القلمِ كناية عن رفع التكليف... يعني: لو صدر منهم ما يوجب الحدَّ لا يؤاخَذ به، ولا إثم عليه فيما يفعله من المعصية، أما في حقوق العباد من الأموال إذا صدر منهم شيء من ذلك، مثلًا خرقوا ثوب أحد، أو أتلفوا شيئًا من مال أحد يجب الضمان في أموالهم. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (12/ 472).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
فالمراد به: رفع الإثم، والوجوب عليهما (المجنون، والصبي)، والزكاة لا تجب عليهما، وإنما تجب في مالهما؛ ولذا فإن رفع القلم لا يشمل ما يجب عليهما من الحقوق المالية للعباد. توضيح الأحكام من بلوغ المرام (3/ 328).

قوله: «عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«المجنون المغلوب على عقله» فزال تثبت صاحبه في الأمور، قيل: سُمي العقل عقلًا؛ لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، أي: يحبسه عن ذلك. شرح سنن أبي داود (17/ 333).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«المغلوب على عقله» زاده إعلامًا بأن زوال شيء يسير منه لا يرفع به القلم. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 263).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
«والمغلوب على عقله» يعُمُّ ‌السكران من غير تعدٍّ، والمجنون، والنائم، والمريض الزائل عقله بالمرض، والمغمى عليه. تحفة الأحوذي (4/ 311).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«حتى يفيق» من جنونه. فتح العلام(ص: 556).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال المهلب: أجمع العلماء أن ‌المجنون إذا أصاب الحدَّ في حال جنونه أنه لا يجب عليه حَد، وإن أفاق من جنونه بعد مُواقعة الحد؛ لأن القلم مرفوع عنه وقت فعله، والخطاب غير متوجه إليه حينئذٍ. شرح صحيح البخاري (8/ 433).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وإنما سُمي ‌المجنون مجنونًا؛ لأنه قد أُطبق على عقله. غريب الحديث (2/ 267).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وفرقوا بين ‌المجنون والسكران، قال عطاء: ليس ‌السكران كالمغلوب على عقله؛ لأن ‌السكران أتى ما أتى، وهو يعلم أنه يقول ما لا يصلح، قال غيره: ألا ترى أن ‌المجنون لا يقضي ما فاته من صلاته في حال جنونه، ويلزم ‌السكران ذلك؛ فافترقا، وذكر ابن المنذر: أن بعض أهل العلم ردَّ هذا القول، فقال: ليس في احتجاج من احتج بأن الصلاة تلزم ‌السكران ولا تلزم ‌المجنون حجة؛ لأن الصلاة قد تلزم النائم ولا تلزم ‌المجنون، ولو طلق رجل في حال نومه، وطلق آخر في حال جنونه، لم يقع طلاق واحد منهما. شرح صحيح البخاري (7/ 413).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
اختلف في طلاق ‌السكران، فذهب عثمان وابن عباس إلى أن طلاقه لا يقع؛ لأنه لا عقل له كالمجنون، وقال علي وغيره: يقع، وهو قول مالك والثوري والأوزاعي، وظاهر مذهب الشافعي وأبي حنيفة؛ لأنه عاص لم يَزُلْ عنه الخطاب ولا الإثم؛ بدليل أنه يؤمر بقضاء الصلوات، ويأثم بإخراجها عن وقتها. مرقاة المفاتيح (5/ 2141).

قوله: «وعن النائم حتى يستيقظ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«عن النائم حتى يستيقظ» من نومه، وفي معناه: المغمى عليه. شرح سنن أبي داود (17/ 331).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«عن النائم» ولا يزال مرتفعًا «حتى يستيقظ» من نومه. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 35).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«حتى يستيقظ»؛ فما دام نائمًا لا خطاب عليه، ولا تكليف يلزمه. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 262).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وبالإجماع على أن النائم غير مؤاخذ بما يقوله في حال نومه، ولا بما يصدر عنه. المفهم (7/ 266).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
لكن النائم يقضي ما فات عنه، بخلاف الصبي والمعتوه. لمعات التنقيح (6/ 143).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأما إذا أتلف النائم بيده أو غيرها من أعضائه شيئًا في حال نومه، فيجب ضمانه بالاتفاق؛ وليس ذلك تكليفًا للنائم؛ لأن غرامة المتلفات لا يشترط لها التكليف بالإجماع، بل لو أتلف الصبي أو المجنون أو الغافل وغيرهم ممن لا تكليف عليه شيئًا وجب ضمانه بالاتفاق، ودليله من القرآن قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} النساء: 92، فرتَّب -سبحانه وتعالى- على القتل خطأ الدية والكفارة، مع أنه غير آثم بالإجماع. شرح مسلم (5/ 186-187).

قوله: «وعن الصبي حتى يحتلم»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«‌وعن الصبي» يعني: الطفل وإن ميَّز. فيض القدير (4/ 35).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وعن الصبي حتى يحتلم»، وفي معناه: بلوغه بالسن خمسة عشر. شرح سنن أبي داود (17/ 333).
وقال ابن رسلان -رحمه الله- أيضًا:
«حتى يحتلم» وهو وقت كمال العقل. شرح سنن أبي داود (17/ 332).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«يحتلم» أي: يبلغ إما بالاحتلام، أو بالسن، أو بالإحبال. شرح مسند أبي حنيفة (1/ 48).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وعن الصبي حتى يحتلم» ومثله الصبية. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 263).
وقال تقي الدين السبكي -رحمه الله-:
لا شك أنَّ (رواية) «يكبر» و«يعقل» لا بيان فيهما، فالتمسك برواية: «حتى يحتلم» أولى لبيانها، وأيضًا هي أصح سندًا من حديث عائشة، وأما: «حتى يبلغ» ففيها الانقطاع كما قلناه، وفيها عدم البيان؛ لأنا لا ندري يبلغ ماذا؟ والأقرب إن صحت هذه اللفظة: أن يكون المراد في قوله تعالى: {إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} النساء: 6، فيكون المراد: حتى يبلغ النكاح، ولا شك أنَّ الاحتلام إنما يكون في ذلك السن، وقد يبلغ السن الذي يصلح أن ينكح فيه ولا يحتلم، فتقتضي الآية الكريمة بلوغه، ولكن ذلك السن مختلف، فرب صبي قوي شديد الأسر، كثير الفضلات، تتوق نفسه إلى النكاح قبل خمس عشرة سنة، ورب صبي ضعيف، جاف البدن، لا تتوق نفسه، وهو قريب العشرين، وقد يقال: إنَّ البلوغ مطلق، والاحتلام مقيد، فيحمل المطلق على المقيد، وهذا بحث جيد؛ لأن «يبلغ» فعل في سياق الإثبات لا عموم له فهو مطلق، وبيانه هنا أيضًا بأن الرفع مُغَيّا بالغايتين بمقتضى الحديثين، فإذا وجدت إحداهما ولم توجد الأخرى فانقطاع الرفع عملٌ بالمفهوم، واستمراره عمل بالمنطوق، فيتقدم، فإن كان السابق هو الاحتلام فلا شك أنه يحصل به البلوغ، ويحصل الغايتان جميعًا بخصوصه وعمومه، وإن كان السابق كبر السن، فيعمل بالمنطوق إلى الاحتلام، وهذا ظاهر في سن خمس عشرة، مما لم يدل دليل على أنه بلوغ، أما الخمس عشرة فسنتكلم عليها، فيثبت أنَّ الاحتلام بلوغ قطعًا، وما سواه من السن قبل خمس عشرة ليس ببلوغ قطعًا. إبراز الحكم من حديث رفع القلم (ص: 65).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
«حتى يحتلم» وهذا بالإجماع في الغلام، والصحيح: أن الجارية كذلك؛ للآية والحديث، وفي وجه ضعيف: أن الاحتلام ليس بلوغًا في النساء؛ لندرته فيهن. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (2/ 321).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
أجمع العلماء أن ما جناه ‌المجنون في حال جنونه هدر، وأنه لا قود عليه في ما يجني، فإن كان يفيق أحيانًا ويغيب أحيانًا، فما جناه في حال إفاقته فعليه فيه ما على غيره من البالغين غير المجانين، وأجمع العلماء: أن الغلام والنائم لا يسقط عنهما ما أتلفا من الأموال، وإنما يسقط عنهم الإثم، وأما الأموال فتضمن بالخطأ كما تضمن بالعمد، والمجنون عند أكثر العلماء مثلهما؛ فدل ذلك على أن الحديث وإن كان عام المخرج فإنه مخصوص بما وصفنا. الاستذكار (8/ 50).
وقال تقي الدين السبكي -رحمه الله-:
غاية ما في الباب اختلاف حكمهم في ذلك، فالصبي والمجنون لا يثبت حكم الخطاب في حقهم بعد ذلك؛ لأنهم ليسا من أهل الخطاب، فليس المقتضي في حقهم ثابتًا، وانتفاء التكليف في حقهم لانتفاء المقتضي لا لقيام المانع، والنائم لقرب استيقاظه من أهل الخطاب، ولكن لا يتعلق به حالة النوم للغفلة كالساهي، فإذا زال النوم ظهر أثر الخطاب. إبراز الحكم من حديث رفع القلم (ص: 85، 86).
وقال المغربي -رحمه الله-:
والحديث فيه دلالة على أن الثلاثة لا يتعلق بهم الخطاب التكليفي، وهذا مجمع عليه حيث كان الصغير لا يميز، وأما الخطاب الوضعي ففيه تفصيل، وهو إن صدر من الأفعال التي توجب حكمًا وضعيًّا كالجنايات، فالحكم لازم على تفاصيل مذكورة في علم الفروع، وأما الألفاظ كالطلاق ونحوه، فالظاهر: الإجماع في حق النائم أنه لا يقع منه، وأما الصبي فالجمهور: أنه لا يقع منه حتى يبلغ، وروي عن الحسن وابن المسيب: أنه يصح منه إذا عقل وميّز، وحدّه عند أحمد: أن يطيق الصيام ويحصي الصلاة، وعن عطاء إذا بلغ اثنتي عشرة سنة، وروي عن عمر وعن مالك رواية إذا ناهز الاحتلام، ذكره في المختصر (ابن شعبان)، والمشهور عن مالك: أنه لا يلزمه حتى يبلغ ...، وفي قوله: «وعن المجنون حتى يفيق» فيه دلالة على أن طلاق المجنون لا يقع، وهو مجمع عليه. البدر التمام شرح بلوغ المرام (8/ 79- 81).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
والإجماع على أن المجنون والنائم إذا تلفَّظا بصريح الطلاق لا يلزمهما. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (2/ 184).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده:
منها: بيان عدم تكليف الصبيّ والمجنون والنائم ما داموا متَّصفين بتلك الأوصاف.
ومنها: عِظَمُ رأفة اللَّه -سبحانه وتعالى- بعباده، حيث لم يكلِّف من ليس له صلاحية لأداء ما كُلِّف به، مثل هؤلاء الثلاثة {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} البقرة: 207. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (28/ 354).

وهل يقع طلاق السكران أم لا ؟ ينظر (هنا)


ابلاغ عن خطا