«والذي نفسي بيدِهِ، ما من رجلٍ يدعو امرأتَهُ إلى فراشِهَا، فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماءِ ساخطًا عليها، حتى يرضى عنها».
رواه مسلم برقم: (1736)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «والذي نفسي بيده»:
قال القرطبي -رحمه الله-:
هو قسم بالله تعالى؛ أي: والذي هو مالك نفسي، أو قادر عليها، ففيه دليل على أن الحلف بالألفاظ المبهمة المراد بها: اسم الله تعالى، يمين جائزة، حكمها حكم الأسماء الصريحة. المفهم (4/ 160).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«والذي نفسي بيده» أي: أقسم بالإله الذي نفسي وروحي بيده المقدسة. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (16/ 9).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
«والذي نفسي بيده» هذا قسم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- هو الصادق المصدَّق، لكن أقسم لتأكيد الكلام، قال: «والذي نفسي بيده»، ونفوس العباد كلها بيد الله، وفيه إثبات صفة اليد لله -عز وجل-. شرح الاقتصاد في الاعتقاد (3/ 3).
قوله: «ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قال ابن أبي جمرة: الظاهر: أن الفراش كناية عن الجماع، ويقويه قوله: «الولد للفراش» أي: لمن يطأ في الفراش، والكناية عن الأشياء التي يستحى منها كثيرة في القرآن والسنة. ا. هـ. فتح الباري (9/ 294).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إلى فراشها» أي: إلى المضاجعة؛ سواء أراد جماعها أو لا، فلا يحل لها أن لا تجيبه ولو كانت حائضًا. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 448).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
أي: يطلب منها أن تحضر إلى الفراش؛ وذلك من أجل أن ينال متعته منها بالجماع أو ما دونه؛ فالحديث عام. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (4/ 559) بتصرف.
قوله: «فتأبى عليه»:
قال عبد اللطيف بن الملك -رحمه الله-:
«فتأبى عليه» أي: تمتنع عنه، استعمل بـ(على) لتضمنه معنى السخط. مبارق الأزهار (2/ 575).
قوله: «إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها، حتى يرضى عنها»:
قال ابن هبيرة -رحمه الله-:
«إلا كان الذي في السماء» فإنه يعني به: الله -عز وجل-، وقد قال الله سبحانه: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} الملك: 16. الإفصاح عن معاني الصحاح (7/ 159).
وقال القرطبي -رحمه الله-:
ظاهره: أن المراد به: الله تعالى؛ ويكون معناه بمعنى قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} الملك: 16، ... ويحتمل أن يراد به هنا: الملائكة، كما جاء في الرواية الأخرى: «إلا لعنتها الملائكة حتى تصبح». المفهم (4/ 161).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يعني: يكون الله تعالى عليها غضبان؛ لأن إيذاء الزوج والغضب عليه عصيان لله تعالى، وهذا إنما يكون إذا لم يكن غضب الزوجة بسبب ظلم الزوج عليها، فأما إذا كان الجرم للزوج، بأن يؤذيها ويظلمها، فلم يكن على الزوجة بأس بأن تغضب على زوجها. المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 83).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
يعني: في السماء، وهذا بيان لرواية مسلم: «كان الذي في السماء ساخطًا عليها» أن الذي في السماء: الملائكة؛ ليجتمع معنى الحديثين. شرح سنن أبي داود (9/ 467).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
«إلا كان الذي في السماء»، ولا شك أنه يريد به نفسه، وليس ذلك أنه محصور فيها، ولكن على معنى: أن أمره ونهيه جاءا من قِبَلِ السماء، فوقعت الإشارة من النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث إلى مثل ما نطق به التنزيل. الميسر في شرح مصابيح السنة (3/ 778).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«الذي في السماء» أي: أمره وحكمه، أو ملكه وملكوته، أو الذي هو معبود فيها وهو الله تعالى، قال تعالى -جل جلاله-: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} الزخرف: 84، ويكون الاقتصار في هذا الحديث من باب الاكتفاء بذكر الأشرف، ويحتمل أن يراد: سكان السموات، والإفراد للجنس، ويلتئم حينئذٍ الروايتان، وإن كان على الأول أيضًا بينهما تلازم.
«ساخطًا عليها حتى يرضى»، أي: الزوج «عنها». مرقاة المفاتيح (5/ 2121).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
«إلا كان الذي في السماء» أي: الملائكة المقربون، كما صرح في الرواية السابقة ...، وقد ورد: «في السماء أمره»، وقد سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جارية: «أين الله؟ قالت: في السماء»، فحكم بإسلامها، وقد ورد أمثال ذلك من المتشابهات، وله تأويل مشهور، ومعنى ظاهر، ولا اشتباه ولا إشكال. لمعات التنقيح (6/ 114).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إلا كان الذي في السماء» من الملائكة «ساخطًا عليها»، ولا يسخطون على أحد إلا بأمر الله تعالى، ولا يأمرهم بذلك إلا وهو ساخط عليها. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 448).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «كان الذي في السماء» هو الله، لكنه ذكره في السماء مبالغة في التعظيم؛ لأن المقصود بالسماء هو العلو، والله -سبحانه وتعالى- هو العلو المطلق الذي لا شيء فوقه ولا شيء يحاذيه، وهو في المخلوقات كلها، وما فوق المخلوقات عدم إلا من الله؛ لأنه إذا كانت المخلوقات كلها تحت الله ما الذي يكون معه؟ لا شيء كله عدم؛ ولهذا نقول: الله في السماء ولا يحيط به شيء؛ لأنه ليس هناك شيء حتى يحيط بالله.
وقوله: «ساخطًا عليها» منصوب على أنه خبر، (كان) ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، والسخط والغضب معناهما متقارب، وهما صفتا كمال عند وجود سببهما؛ لأنهما يدلان على كمال القوة؛ لأن الساخط يشعر بأنه قادر على الانتقام، فهو صفة كمال، وكذلك الغضبان، واعلم أن أهل التعطيل الذين ينكرون قيام الأفعال الاختيارية بالله ينكرون السخط والغضب ويقولون: إن الله لا يسخط ولا يغضب- ينكرونه إنكار تأويل لا إنكار تكذيب، وإلا كفروا، يقولون: يسخط ولكن بمعنى: ينتقم أو يريد الانتقام؛ فمعنى «ساخطًا» أي: مريدًا للانتقام منها أو منتقمًا منها، ولكن لا شك أن تأويلهم هذا تحريف، فهو تفسير للقرآن برأيهم لا بمقتضى اللغة ولا بمقتضى الشرع، والدليل على هذا: أن الله تعالى قال في كتابه: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} الزخرف: 55، فيجعل الانتقام غير الأسف، والأسف وهو الغضب؛ فجعل الانتقام غير الغضب وجعل الانتقام مترتبًا على الغضب، وما يترتب على الشيء فليس هو الشيء، وهذا يرد تحريفهم للكلم عن مواضعه. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (4/ 563-565).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«إلا كان» الإله «الذي في السماء ساخطًا»، أي: غضبان، «عليها حتى يرضى» الزوج «عنها»، أي: عن امرأته، وهذا مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ألا تأمنوني وأنا أمين مَن في السماء؛ يأتيني خبر السماء صباحًا ومساءً؟»، قلتُ: والكون في السماء صفة ثابتة لله نثبته ونعتقده، ولا نؤوله ولا نُكَيِّفُهُ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى: 11، وهذا مذهب السلف الأسلم الأعلم.
قال السندي: وهذا كناية عن الملائكة؛ كما هو مقتضى الروايات الأخر، والإفراد والتذكير بإرادة النوع، أي: إلا كان النوع الذي في السماء من المخلوقات ساخطًا، ويحتمل أنه كناية عن الله تعالى؛ فالمراد: أي: الذي في العلو والجلال والرفعة والكمال، أو الذي في السماء ملكه وسلطانه، وهذا كما سأل جارية فقال: أين الله؟ فأشارت إلى السماء -والله تعالى أعلم-. ا. هـ. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (16/ 10).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
«حتى يرضى عنها» يعني: زوجها: وعيدٌ شديدٌ في حق الأزواج، ولزوم طاعتهن، وأن منع الحقوق في النفوس والأموال سواء. إكمال المعلم (4/ 613).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «حتى يرضى عنها» أي: الزوج...، فعلّقه برضا الزوج ...، المهم ما دام الزوج ساخطًا عليها فالله -عز وجل- ساخط عليها، وفي هذا دليل على عظم حق الزوج على زوجته، ولكن هذا في حق الزوج القائم بحق الزوجة، أما إذا نشز ولم يقم بحقها؛ فلها الحق أن تقتص منه وألا تعطيه حقه كاملًا؛ لقول الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} البقرة: 194، ولقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} النحل: 126. شرح رياض الصالحين (3/ 141-145).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال المهلب: هذا يوجب أن منع الحقوق كلها في الأبدان كانت أو في الأموال مما يوجب سخط الله تعالى، إلا أن يتغمدها بعفوه. شرح صحيح البخاري (7/ 316).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: أن الرجل إذا دعا امرأته إلى فراشه فامتنعت، كانت ظالمة بمنعها إياه حقه، فتكون عاصية لله بمنع الحق، وبالظلم وبكفران العشير، وبتكدير عيش الصاحب، وبسوء الرفقة، وبكونها عرضت زوجها ونفسها لفتنة. الإفصاح عن معاني الصحاح (7/ 158).
وقال القرطبي -رحمه الله-:
(الحديث) دليل على تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ولا خلاف فيه، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} البقرة: 228، والمرأة في ذلك بخلاف الرجل، فلو دعت المرأة زوجها إلى ذلك لم يَجِبْ عليه إجابتها، إلا أن يقصد بالامتناع مضارَّتها، فيحرم عليه ذلك، والفرق بينهما: أن الرجل هو الذي ابتغى بماله، فهو المالك للبضع، والدرجة التي له عليها هي السلطنة التي له بسبب ملكه، وأيضًا: فقد لا ينشط الرجل في وقت تدعوه؛ فلا ينتشر ولا يتهيأ له ذلك، بخلاف المرأة. المفهم (4/ 160).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
هذا الحديث دليل على تحريم امتناعها من فراشه لغير عذر شرعي، وليس الحيض بعذر في الامتناع؛ لأنه له حقٌّ في الاستمتاع بها فوق الإزار...، وكنى هنا بالفراش عن الجماع بدليل الرواية الثانية: «إذا دعاها إلى فراشه»، أي: إلى الجماع، حتى لو لم يكن ثَمّ فراش كان كذلك، وليس المراد: ترك النوم معه على فراش، فإنه قد جاء في السنن: «فراش لك وفراش لزوجتك، وفراش للضيف، والرابع للشيطان»، وربما خشيت من نومها معه أن يظهر منها ما يوجب النفرة متعذرة في ذلك، وقد تدعو حاجتها إلى نومها معه فيستحب أو يتعين، وتقييد الرواية الثانية: بدعوته امرأته بما يدلّ على أنها لو هجرت من غير طلب منه، ولا قرينة تدل على الطلب لا يحرم، وهو كذلك؛ فتعين حمل الأول على الثانية، وكذلك تقييدها بغضبه حتى لو لم يؤثر ذلك عنده وأسقط حقه زال ذلك، قاله في شرح الإلمام. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (8/ 682).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قال العراقي: وفيه أن إغضاب المرأة لزوجها حتى يبيت ساخطًا عليها من الكبائر، وهذا إذا غضب بحق. فيض القدير (1/ 344).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وهذا (السخط) أشد من الأول (أي: اللعن من الملائكة في رواية أخرى)؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- إذا سخط؛ فإن سخطه أعظم من لعنة الإنسان -نسأل الله العافية-.شرح رياض الصالحين (3/ 141-145).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
فيه دليل على أنّ سخط الزوج يوجب سخط الرَّب، ورضاه يوجب رضاه، هذا في قضاء الشهوة، فكيف إذا كان في أمر الدين؟! شرح المشكاة (7/ 2328).
وينظر الرواية الأخرى وفوائدها من (هنا)
وهل من الأعذار أن تمتنع عنه حال سكره، ينظر (هنا)
أو من أجل الإحداد عن قريبها (هنا)
أو إذا كانت المعاشرة سببًا لتضييعه صلاة الفجر (هنا)
أو لأجل قيامها الليل (هنا)