«إنَّما الشُّؤْمُ في ثلاثةٍ: في الفَرَسِ، والمَرأةِ، والدَّارِ».
رواه البخاري برقم: (2858) واللفظ له، ومسلم برقم: (2225)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
وفي لفظ لهما: «إنْ كان الشُّؤمُ في شيءٍ ففي الدارِ...».
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«الشؤم»:
بضم المعجمة، بعدها واو ساكنة، وقد تهمز، وهو ضد اليُمْن، يقال: تشاءمتُ بكذا، وتيمَّنتُ بكذا. فتح الباري، لابن حجر (9/ 137).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
الشؤم: مهموز، ومعناه: ما كانت عادة الجاهلية تتطير به. مشارق الأنوار (2/ 242).
وقال ابن عبد البر-رحمه الله-:
الشؤم في كلام العرب: النَّحس. التمهيد (6/ 423).
شرح الحديث
قوله: «إنما الشؤم في ثلاثة»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«إنما الشؤم» كائن «في ثلاثة». إرشاد الساري (5/ 73).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«إنما الشؤم» بضم المعجمة، وسكون الهمزة، وقد تُسَهَّل: ضد اليُمْن، إنما هو كائن «في ثلاثة»، وفي رواية «في أربع» فزاد السيف. فيض القدير (2/ 560).
وقال الحفني -رحمه الله-:
وشؤم السيف: عدم الجهاد به. حاشيته على الجامع الصغير (2/41).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
«إنما الشؤم في ثلاثة» فائدة هذا الحصر، حصر الشؤم في الدار والمرأة والفرس؛ وذلك حصر عادة، لا خِلْقة، فإنَّ الشؤم قد يكون من الاثنين في الصحبة، وقد يكون في السفر، وقد يكون في الثوب يستجده العبد، وبهذا قال النبي -عليه السلام-: «إذا لبس أحدكم ثوبًا جديدًا فليقل: اللهم إني أسألك من خيره، ومن خير ما صُنع له، وأعوذ بك من شرِّه، وشر ما صُنع له»...، ولا يظنن أحدكم أنَّ الشؤم مكروه في الدنيا، إنما هو مكروه في الآخرة، فشؤم الدار أن لا تكون محلًّا للعبادة، وشؤم المرأة ألا تكون عونًا على الطاعة، وشؤم الفرس ألا تُستعمل في سبيل الله. عارضة الأحوذي (10/198-199).
وقال ابن العربي -رحمه الله- أيضًا:
الشؤم: اعتقاد وصول المكروه إليك، يتصل بك من مِلْك أو خُلطة. عارضة الأحوذي (10/198).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
الشؤم في كلام العرب: النَّحس. التمهيد (6/ 423).
وقال ابن قرقول -رحمه الله-:
وهو ما كان في عادة العرب تتطير به، فقيل: معناه: أن الناس يعتقدون ذلك فيها. مطالع الأنوار (6/ 5).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
اليُمْن والشؤم سمتان لما يصيب الإنسان من الخير والشر، والنفع والضر، ولا يكون شيء من ذلك إلا بمشيئة الله وقضائه، وإنما هذه الأشياء مَحَالٌّ وظروف جُعِلَتْ مواقع لأقضيته، ليس لها بأنفسها وطباعها فعل ولا تأثير في شيء. أعلام الحديث (2/ 1379).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
يوجد الشؤم إن وجد في هذه الأشياء الثلاثة. تحفة الأبرار (2/ 332).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
وزعم بعض المعتزلة أن قوله: «لا طيرة» يعارض قوله: «الشؤم في ثلاث»، وهو تعسف وبُعْدٌ عن العلم، فحديث الطيرة مخصوص بحديث الشؤم، فكأنه قال: لا طيرة إلا في هذه الثلاثة لمن التزم الطيرة. التوضيح (27/ 507).
وقال العيني -رحمه الله-:
والمعنى الصحيح في هذا الباب: نفي الطيرة بأسرها بقوله: «لا طيرة»، وهو أشبه بأصول شريعة النبي -عليه السلام- من حديث الشؤم، ألا ترى أن عائشة -رضي الله عنها- كانت تنكر حديث الشؤم وتقول: إنما حكاه رسول الله -عليه السلام- عن أهل الجاهلية وأقوالهم؛ فيكون قوله -عليه السلام-: «إنما الشؤم في ثلاثة» بطريق الحكاية عن أهل الجاهلية؛ لأنهم كانوا يعتقدون الشؤم في هذه الثلاث، لا أن معناه: أن الشؤم حاصل في هذه الثلاث في اعتقاد المسلمين. نخب الأفكار (14/ 111).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
قوله: «ولا طيرة» يدل على أنَّ الشؤم أيضًا منفي عنها، والمعنى: أنَّ الشؤم لو كان له وجود في شيء لكان في هذه الأشياء، فإنها أقبل الأشياء له، لكن لا وجود له فيها، فلا وجود له أصلًا. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/ 186).
وقال الطيبي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
فعلى هذا: الشؤم في الأحاديث المستشهد بها محمول على الكراهية، التي سببها ما في الأشياء من مخالفة الشرع أو الطبع. الكاشف عن حقائق السنن (9/ 2984).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
الحصر في الثلاثة نسبي بالنظر إلى الأعم الأغلب فيما يحتاج إليه لا حقيقي، وإلا فالشؤم لا يختص بها. منحة الباري (6/ 7).
وقال المازري -رحمه الله-:
وأمّا ما ذَكَرَه: الشُّؤم في الدَّارِ وَالَمرأةِ والفَرَسِ، فإنّ مَالِكًا -رضي الله عنه- أخذ هذا الحديث على ظاهره، ولم يَتأوّله، فذكر في كتاب الجامع من المستخرَجَةِ أنه قال: ربَّ دَارٍ سَكَنها قوم فَهَلَكوا، وآخرون بعدهم فهلكوا، وأشار إلى حمل الحديث على ظاهره، وقال غيره: فإنّ هذا محمَله على أنّ المراد به: أن قدر الله سبحانه ربّما اتفق بما يكره عند سكنى الدّار، فيصير ذلك كالسّبَب، فيتَسَامَح في إضافة الشؤم إليه مجازًا واتْسَاعًا، قالوا: وقد قال في بعض طرَق مسلم: «إن يكن الشؤم»، وهذا لفظ ينافي القطع، ويكون محمله إن يَكنِ الشّؤم حقًّا فهذه الثّلاث أحقّ به، بمعنى: أنَّ النّفوس يقع فيها التّشاؤم، فهذه أكثر مما يقع بِغيرها.
وقد وقع في بعض الأحاديث أنّه -صلى الله عليه وسلم- لما شُكِيَ إليه في بعض الدِّيار ذهاب الأهل وَالَمالِ قال: دَعوها ذميمة.
وقد اعترض بعض أهل العلم في هذا الموضع بأن قال: فإنَه نَهَى -صلى الله عليه وسلم- عن الفِرار من بلد الطّاعون، وَأباح الفرار من هذه الدّار فما الفرق؟ قيل: قال بعض أهل العلم: إنّ الجامع لهذه الفصول كلّها ثلاثه أقسَام: فأحد الأقسام ما لم يقع التأذّي به، ولا اطَّردت عادتهم فيه خاصّةً ولا عامّة، نادرة ولا متكرّرة، فهذا لا يُصْغَى إليه، والشّرع أنكر الالتفات إليه، وهو الطِّيرة؛ لأنّ لُقيا الغراب في بعض الأسفار ليس فيه إعلام ولا إشعار بما يكره أو يختار، لا على جهة النُّدُور ولا التّكرار؛ فلهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا طِيَرَةَ».
والقسم الثّاني: ممّا يقع به الضرّر، ولكنّه يعمّ ولا يخصّ، ويندر ولا يتكرّر كالوباء، فإنّ هذا لا يقدَم عليه احتياطًا، ولا يفرّ منه؛ لعدم أن يكون وصل الضّرر إلى الضارّ على النّدور أو التّكرار.
والقسم الثالث: سبَب يخصّ ولا يعمّ، ويلحق منه الضَّرر كالدّيار، فإنّ ضَرَرَها مختصّ بساكنها، وقد ذهب فيها أهله وَمَاله على حسب ما قال الشّاكي للنّبي -صلى الله عليه وسلم-، فهذا يباح له الفرار، فهذا التّقسيم الذي قسّمه بعض العلماء يشير إلى الفروق بين هذه المسائل بعضها من بعض. المعلم بفوائد مسلم (3/ 179-180).
قوله: «في الفرس، والمرأة، والدار»:
قال الخطابي -رحمه الله-:
وقد قيل: إن شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها، وشؤم الفرس أن لا يُغزى عليها، وشؤم المرأة أن لا تلد. معالم السنن (4/ 236).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«في الفرس» أي: إذا لم يُغْزَ عليه، أو كان شَمُوْسًا (الذي ينفر ولا يستقر)، «والمرأة» إذا كانت غير ولود، أو غير قانعة، أو سليطة، «والدار» ذات الجار السوء، أو الضيقة، أو البعيدة من المسجد لا تسمع الأذان. إرشاد الساري (5/ 73).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«في الفرس» إذا لم يُغْزَ عليه، أو كان جموحًا أو شموسًا، ومثله الحمار إذ في رواية: «في الدابة»، «والمرأة» إذا كانت غير ولودًا، أو سليطة اللسان، وتشمل السرية والخادم كما قيل، «والدار» إذا كانت ضيقة أو جارها جار سوء أو بعيدة عن المسجد، ومثلها الخان والدكان. التنوير (4/ 169).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
تقدم بُعْد الدار عن المسجد ومدحه، فلعل ما هنا إنْ صح؛ لعدم سماع الأذان دون نفس البُعْد. غذاء الألباب (2/ 326).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
لما كانت أعم الأشياء التي يقتنيها الناس، وكان الإنسان في غالب أحواله لا يستغني عن دار يسكنها، وزوجة يعاشرها، وفرس يرتبطه، وكان لا يخلو من عارض مكروه في زمانه ودهره، أضيف اليُمْن والشؤم إليها إضافة مكان ومحل، وهما صادران عن مشيئة الله سبحانه، وقد قيل: إن شؤم المرأة أن لا تلد، وشؤم الفرس أن لا يحمل في سبيل الله، وشؤم الدار سوء الجوار. أعلام الحديث (2/ 1379).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
والمخصص لها بذلك: أن ضررها أبلغ من ضرر غيرها. تحفة الأبرار (2/ 332).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
«في الفرس والمرأة والدار» خصها بالذكر لطول ملازمتها، ولأنها أكثر ما يتطير به الناس، فمن وقع في نفسه منها شيء تركه، واستبدل به غيره. التوشيح (5/ 1936).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
لما أبطل ما كان في العرب من التطير، قال: فإن كان لأحدكم دار يكره سكناها، أو امرأة يكرهها، أو فرس يكره ارتباطها، فليفارقها، وجه الحصر مع أن الشؤم قد يكون في غيرها: أنها للأعم الأغلب فيما يحتاج إليه؛ لأن غالب أحوال الإنسان أنه لا بد من دار يسكنها، وزوجة يعاشرها، وفرس يركبه. اللامع الصبيح (8/ 455).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
يعني بذلك: أن هذه الثلاثة أكثر ما يتشاءم الناس بها؛ لملازمتهم إياها، فمن وقع في نفسه شيء من ذلك، فقد أباح الشرع له أن يتركه، ويستبدل به غيره، مما تطيب به نفسه، ويسكن له خاطره، ولم يلزمه الشرع أن يقيم في موضع يكرهه، أو مع امرأة يكرهها، بل قد فسح له في ترك ذلك كله، لكن مع اعتقاد أن الله تعالى هو الفعال لما يريد، وليس لشيء من هذه الأشياء أثر في الوجود. المفهم (5/ 629، 630).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
هذا الذي بيَّنه القرطبيّ -رحمه الله-، وفصّله بيان، وتفصيل حسن جدًّا، يجمع بين أحاديث الباب المختلفة في الباب -والله تعالى أعلم-. البحر المحيط الثجاج (36/ 401).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
وتخيل بعضهم أن التطير بهذه الأشياء من قوله: «لا طيرة»، وأنه مخصوص بها، فكأنه قال: لا طيرة إلا في هذه الثلاثة، فمن تشاءم بشيء منها نزل به ما كره من ذلك، وممن صار إلى ذلك ابن قتيبة، وعضده بحديث أبي هريرة مرفوعًا: «الطيرة على من تطير».
وسئل مالك عن تفسير الشؤم في ذلك فقال: هو كذلك فيما نرى، كم من دار سكنها ناس فهلكوا، ثم آخرون من بعدهم فهلكوا.
ويعضده حديث يحيى بن سعيد: جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، دار سكناها والعدد كثير والمال وافر، فقل العدد وذهب المال، فقال: «دعوها ذميمة»، أي: عندكم لاعتيادكم ذلك، فالناس يتطيرون بهذه الثلاثة أكثر من سواها، ولا يظن بهذا القول أن الذي رخص فيه من الطيرة بهذه الثلاثة الأشياء هو على ما كانت الجاهلية تعتقد فيها، فإنها كانت لا تقدم على ما تطيرت به، ولا تفعله بوجه، بناء على أن الطيرة تضر قطعًا، فإن هذا ظن خطأ، وإنما يعني بذلك: أن هذه الثلاثة أكثر ما يتشاءم الناس بها لملازمتهم إياها.
فمن وقع في نفسه شيء من ذلك، فقد أباح الشرع له أن يتركه، ويستبدل به غيره مما يغلب به نفسه، ويسكن خاطره له، ولم يلزمه الشرع أن يقيم في موضع يكرهه، أو امرأة يكرهها، بل قد فسح الله له في ترك ذلك كله، لكن مع اعتقاد أن الله هو الفعال لما يريد، وليس لشيء من هذه الأشياء أثر في الوجود، وهذا على نحو ما ذكر في المجذوم. التوضيح (17/ 517).
وقال العراقي -رحمه الله-:
اختلف الناس في هذا الحديث على أقوال:
أحدها: إنكاره، وأنه -عليه الصلاة والسلام- إنما حكاه عن معتقد أهل الجاهلية، رواه ابن عبد البر في التمهيد عن عائشة -رضي الله عنها-...
القول الثاني: أنه على ظاهره وأن هذه الأمور قد تكون سببًا في الشؤم؛ فيجري الله تعالى الشؤم عند وجودها بقدره...
القول الثالث: ذكر الخطابي أن معناه بعد إبطال الطيرة: إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس لا يعجبه ارتباطه، فليفارقها، بأن ينتقل عن الدار، ويطلق المرأة، ويبيع الفرس، ومحل هذا الكلام محل استثناء الشيء من غير جنسه، وسبيله سبيل الخروج من كلام إلى غيره، وذكر النووي أن الخطابي نقل هذا عن كثيرين...
القول الرابع: أنه ليس لشؤمها ما يتوقع بسبب اقتنائها من الهلاك، بل شؤم الدار ضيقها، وسوء جيرانها وأذاهم، وقيل: بعدها من المساجد، وعدم سماع الأذان منها، وشؤم المرأة عدم ولادتها، وسلاطة لسانها، وتعرضها للريب، وشؤم الفرس أن لا يُغزى عليها، وقيل: حرانها وغلاء ثمنها، وشؤم الخادم سوء خلقه وقلة تعهده لما فُوِّضَ إليه. طرح التثريب (8/ 120- 123).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
اختلف الناس في تأويل هذا الحديث، فمنهم من قال: معناه: الإخبار عما تعتقده الجاهلية، وقيل: معناه: الإخبار عن حكم الله الثابت في الدار والفرس والمرأة، بكون الشؤم فيها عادة أجراها، وقضاء أنفذه، ويوجد حيث شاء منها متى شاء، والأول ساقطٌ؛ لأن النبي -عليه السلام- لم يُبعث ليخبر عن الناس بما كانوا يعتقدونه (يعني: في الجاهلية)، وإنما بُعث ليعلم الناس ما يلزمهم أن يعلموه ويعتقدوه. عارضة الأحوذي (10/198).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
روى أبو نعيم بإسناده إلى عائشة: أنَّ هذه حكاية قول أهل الجاهلية، وليس ابتداء كلام من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونسي الراوي أول الحديث، والجمهور على أن هذا ابتداء كلام منه، ولم يرد الطيرة التي نهى عنها، وأراد بشؤم الفرس كونه شموسًا جفولًا كدوًّا وغير ذلك من سوء أفعاله، وشؤم المرأة عدم ولادتها، وسلاطة لسانها، وسائر ما يكره من النساء، وبشؤم الدار ضيقها، ورداءة هوائها، ورداءة جيرانها، وأن لا يُسْمَع فيها أذان. الكوثر الجاري (5/ 439-440).
وقال العراقي -رحمه الله-:
وأما الحديث الآخر: «أن الشؤم يكون في الفرس»، وهو في الصحيح، فالمراد به: غير الخيل المعدة للغزو ونحوه، أو أنَّ الخير والشؤم يجتمعان فيها؛ فإنه يحصل الخير بالأجر والمغنم، ولا يمتنع مع هذا أن يكون الفرس مما يتشاءم به؛ فقد يحصل في الشيء النفع والضرر باعتبارين. طرح التثريب في شرح التقريب (7/ 234).
وقال الكوراني -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قلتُ: إذا كان شؤم الفرس ما ذكرنا، فلا يتفاوت، اللهم إلا أنْ يُفَسَّر شؤم الفرس بأنْ يربط رياءً وفخرًا ونواء لأهل الإسلام. الكوثر الجاري (5/ 440).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فالمعنى: أن هذه الثلاثة هي أكثر ما يكون مرافقة للإنسان: المرأة زوجه، والدار بيته، والفرس مركوبه، وهذه الأشياء الثلاثة أحيانًا يكون فيها شؤم، أحيانًا تدخل المرأة على الإنسان يتزوجها ولا يجد إلا النَّكد والتَّعب منها، ومشاكلها، أيضًا ينزل الدار فيكون فيها شؤم، يضيق صدره ولا يتسع، ويمل منها، أيضًا الفرس والفرس الآن ليس مركوبنا، ولكن مركوبنا السيارات، بعض السيارات يكون فيها شؤم، تكثر حوادثها وخرابها، ويسأم الإنسان منها، فإذا أصيب الإنسان بمثل هذا فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ويقل: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك، فيزيل الله ما في نفسه من الشؤم -والله الموفق-. شرح رياض الصالحين (6/ 416).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-:
في بعض الروايات بلفظ: «الشؤم في ثلاثة»، أو «إنما الشؤم في ثلاثة»؛ فهو اختصار، وتصرف من بعض الرواة -والله أعلم-. سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 804).
وقال محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
تنبيه: من الغريب أن الشيخ الألباني ضعّف حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- بهذا اللفظ: «الشؤم في ثلاثة»، ولفظ: «إنما الشؤم في ثلاثة»، وادّعى أنه شاذّ، وإنما المحفوظ لفظ: «إن كان الشؤم في شيء ففي...» انظر: كتابه ضعيف سنن النسائي (ص: 130)، والسلسلة الصحيحة (2/ 724-728) رقم (993)، واستدلّ على ذلك بإنكار عائشة -رضي الله عنهما-، مع أنه لا يصحّ لانقطاعه.
وبالجملة فالحديث أخرجه الشيخان باللفظ المذكور، ولا سبيل إلى تضعيفه، وقد تقدّم تأويله بما لا يتعارض مع حديث: «لا عدوى» فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد. البحر المحيط الثجاج (36/ 401).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- أيضًا:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
1. منها: إثبات الشؤم في هذه الأشياء الثلاثة، وتقدّم تفسير ذلك...
2. ومنها: عناية الشارع بقطع عروق الشرك التي تسبّب بإفساد عقيدة
المؤمن، فلا يجوز له أن ينسب النفع والضرّ إلى غير الله -سبحانه وتعالى-، على ما كان عليه الجاهليّة من التشاؤم ببعض الأشياء، فينسبون الضرّ إليها، دون خالقها، وهو ظلم عظيم.
3. ومنها: عنايته أيضًا بتخفيف ما عساه يأتي إلى نفس المؤمن أن هذا الشيء يأتيه منه الضرر، بناء على ما جَرَت به سُنَّة الله تعالى في خَلْقه، من التسبب بإيصال الضرّ إلى الناس بتقدير منه -سبحانه وتعالى-، فأباح له إذا اتفق له ذلك، كما في هذه الأشياء الثلاثة المذكورة في الحديث أن يبعد عنه، ويتركه سدًّا للذريعة، وقطعًا لطمع الشيطان في إيصال الوسوسة بسببه إليه، فإذا اتفق للشخص ضِيْق من امرأة، أو فرس، أو دار، بسبب عدم الملايمة، فله أن يتخلّص منها بإبعادها عنه، وقطع الصلة بينها وبينه، حتى لا يقع في الحرج، لكن بشرط أن يعلم أن الضرّ والنفع من الله وحده لا شريك له، وإنما هذه الأشياء مما جرت به العادة في التسبب بحصول الضرر، وهذا فضل من الله -سبحانه وتعالى- على عباده حيث ييسّر لهم التخلّص ممّا يتضايقون منه -وله الحمد في الأولى والآخرة، والله تعالى أعلم-. البحر المحيط الثجاج (36/ 402-403).
ولمعرفة درء التعارض بين النهي عن التشاؤم، وحديث: «الشؤم في ثلاثة» ينظر (هنا)