الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إنَّ الموتى لَيُعَذَّبُونَ في قبورِهِم، حتَّى إنَّ البهائمَ لَتَسْمَعُ أصواتَهُم».


رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم: (10459)، من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-
صحيح الجامع برقم: (1965)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1377).
وأصله في البخاري برقم: (6366) ومسلم برقم: (586)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «إن الموتى ليعذبون في قبورهم»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«‌إن ‌الموتى ‌ليعذبون» أي: من يستحق العذاب منهم، «في قبورهم» فيه شمول للكفار ولعصاة المؤمنين. فيض القدير (2/ 397).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إن الموتى» أي: أجسامهم، «ليعذبون في قبورهم» قد ثبت ذلك ثبوتًا بلا مِرْيَةَ، وثبت الاستعاذة من عذاب القبر. التنوير (3/ 540).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
والعذاب: هو العقوبة، وإنما لم يسمعه من يعقل من الجن والإنس؛ لقوله في الحديث الآخر: «لولا أن تدافنوا لدعوت اللّه أن يسمعكم عذاب القبر». فتح القريب المجيب (14/ 113).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وقد تظاهرت الدلائل من الكتاب والسنة على ثبوت عذاب القبر، وأجمع عليه أهل السنة، وصح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمعه، بل سمعه آحاد من الناس. فيض القدير (2/ 397).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
والآثار في ‌عذاب ‌القبر لا يحوط بها كتاب. التمهيد (14/ 245).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله- أيضًا:
وأمّا الآثار عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في ‌عذاب ‌القبر فلا تَكاد تُحصى بعددٍ، تواترًا واشتهارًا وصحّة، وكذلك هي عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان كثيرة شهيرة، يجب الاستناد إليها. الأجوبة عن المسائل المستغربة من كتاب البخاري (ص:190).
وقال المازري -رحمه الله-:
عذاب ‌القبر ثابت عند أهل السنة، وقد وردت به الآثار. المعلم (3/ 365).
وقال أبو بكر ابن العربي -رحمه الله-:
قد بيَّنَّا في ‌عذاب ‌القبر الأحاديث الصحاح، والآيات الفصاح، النيرات مثل فلق الصباح، وأنها أصل من أصول السنة التي أطبقت عليها الأمة، وهذه المسألة لا ينكرها إلا غبي أو جاهل ملحد. المسالك (3/ 299).
وقال النووي -رحمه الله-:
اعلم أن مذهب أهل السنة إثبات ‌عذاب ‌القبر، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة. شرح مسلم (17/ 200).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
وهو (أي: عذاب القبر) مذهب أهل السنة، وهو مما يجب اعتقاد حقيقته، وهو مما نقلته الأمة متواترًا؛ فمن أنكر عذاب القبر، أو نعيمه، فهو كافر؛ لأنه كذب الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في خبرهما. العدة (1/ 139، 140).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
فمن أنكر ‌عذاب ‌القبر أو نعيمه فهو كافر؛ لأنه كذَّب الله تعالى ورسوله في خبرهما. الإعلام (1/ 516).
وقال العيني -رحمه الله-:
وقد روي في ‌عذاب ‌القبر عن جماعة من الصحابة، وهم: أبو هريرة عند الترمذي والبخاري، وزيد بن ثابت عند مسلم، وابن عباس عند الستة، وأبو أيوب عند الشيخين والنسائي، وأنس عند الشيخين وأبو داود والنسائي، وجابر عند ابن ماجه، وعائشة عند الشيخين والنسائي، وأبو سعيد عند ابن مردويه في تفسيره، وابن عمر عند النسائي، وعمر بن الخطاب عند أبي داود والنسائي وابن ماجه، وسعد عند البخاري والترمذي والنسائي، وابن مسعود عند الطحاوي، وزيد بن أرقم عند مسلم، وأبو بكرة عند النسائي، وعبد الرحمن بن حسنة عند أبي داود والنسائي وابن ماجه، وعبد الله بن عمرو عند النسائي، وأسماء بنت أبي بكر عند البخاري والنسائي، وأسماء بنت يزيد عند النسائي، وأم مبشر عند ابن أبي شيبة في المصنف، وأم خالد عند البخاري والنسائي. عمدة القاري (6/ 224).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
وقد ‌أنكر ‌عذاب ‌القبر بعض المعتزلة والروافض؛ محتجين بأن الميت جماد لا حياة له ولا إدراك، فتعذيبه محال. إرشاد الساري (6/ 255).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
وأنكر ‌الخوارج ‌وبعض ‌المعتزلة ‌عذاب ‌القبر ‌مطلقًا، ‌وذهب ‌بعض المعتزلة إلى أنه يقع على الكفار دون المؤمنين، والأحاديث صريحة في أنه يقع على المؤمنين والكفار من أمتنا ومن الأمم السابقة. المنهل الحديث (1/ 181).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد أخذ ابن جرير وجماعة من الكرامية من هذه القصة (أي: قول قتادة في المغازي: إن الله أحياهم حتى سمعوا كلام نبيه توبيخًا ونقمة) أن السؤال في القبر يقع على البدن فقط، وأن الله يخلق فيه إدراكًا، بحيث يسمع ويعلم ويلذ ويألم، وذهب ابن حزم وابن هبيرة إلى أن السؤال ‌يقع ‌على ‌الروح فقط من غير عود إلى الجسد، وخالفهم الجمهور، فقالوا: تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه، كما ثبت في الحديث، ولو كان على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تتفرق أجزاؤه؛ لأن الله قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد، ويقع عليه السؤال، كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه، والحامل للقائلين بأن السؤال ‌يقع ‌على ‌الروح فقط أن الميت قد يشاهد في قبره حال المسألة لا أثر فيه، من إقعاد ولا غيره، ولا ضيق في قبره ولا سعة، وكذلك غير المقبور كالمصلوب، وجوابهم: أن ذلك غير ممتنع في القدرة، بل له نظير في العادة وهو النائم، فإنه يجد لذة وألَمًا لا يدركه جليسه، بل اليقظان قد يدرك ألَمًا أو لذَّةً لما يسمعه أو يفكر فيه، ولا يدرك ذلك جليسه، وإنما أتى الغلط من قياس الغائب على الشاهد، وأحوال ما بعد الموت على ما قبله، والظاهر: أن الله تعالى صرف أبصار العباد وأسماعهم عن مشاهدة ذلك، وستره عنهم؛ إبقاء عليهم؛ لئلا يتدافنوا، وليست للجوارح الدنيوية قدرة على إدراك أمور الملكوت، إلا من شاء الله، وقد ثبتت الأحاديث بما ذهب إليه الجمهور، كقوله: «إنه ليسمع خفق نعالهم»، وقوله: «تختلف أضلاعه لضمة القبر»، وقوله: «يسمع صوته إذا ضربه بالمطراق»، وقوله: «يضرب بين أذنيه»، وقوله: «فيقعدانه»، وكل ذلك من صفات الأجساد، وذهب أبو الهذيل (ابن العلاف) ومن تبعه إلى أن الميت لا يشعر بالتعذيب ولا بغيره إلا بين النفختين، قالوا: وحاله كحال النائم والمغشي عليه، لا يحس بالضرب ولا بغيره إلا بعد الإفاقة، والأحاديث الثابتة في السؤال حالة تولي أصحاب الميت عنه ترد عليهم. فتح الباري (3/ 235).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قد ثبت بالأحاديث المتواترة عذاب القبر لمن يستحقه، ومعلوم أنه لا يعذب إلا وروحه معه وإدراكه، ولو لم يكن كذلك لكان العذاب الواقع على مجرد الجسم بلا روح ولا إحساس ليس بعذاب؛ لأن إدراك الألم واللذة مشروط بوجود ما به الإدراك؛ وإلا فلا إدراك لمن ليس له حياة، ولا إحساس لمن لا روح له، وهذا أمر معقول، لا يخالف فيه من له أدنى تعقل، فضلًا عن من له التعقُّل التام، والإدراك الصحيح. الفتح الرباني (2/ 620، 621).

قوله: «حتى إن البهائم لتسمع أصواتهم»:
قال البرماوي -رحمه الله-:
أي: تسمع أصوات المعذبين، وإلا فالعذاب نفسه لا يسمع. اللامع الصبيح (15/ 401).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«حتى إن البهائم» جمع بهيمة، والمراد بها هنا: ما يشمل الطير، «لتسمع أصواتهم» وخصوا بذلك دوننا؛ لأن لهم قوة يثبتون بها عند سماعه، بخلاف الإنس. فيض القدير (2/ 397).
وقال العزيزي -رحمه الله- معلقًا:
أو لعدم إدراكهم لشدة كرب الموت، فلا ينزعجون بخلافنا. السراج المنير شرح الجامع الصغير (2/ 62).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«حتى إن البهائم لتسمع أصواتهم» أصوات المعذبين. التنوير (3/ 540).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
قال بعضهم: ولهذا السبب يذهب الناس بدوابهم إذا مُغِلَتْ إلى قبور اليهود والنصارى والمنافقين، كالإسماعيلية والنصيرية وسائر القرامطة من بني عبيد وغيرهم الذين بأرض مصر والشام وغيرهما، فإن أهل الخيل يقصدون قبورهم لذلك كما يقصدون قبور اليهود والنصارى، والجهال تظن أنهم من ذرية فاطمة، وأنهم من أولياء الله، وإنما هو من هذا القبيل، فقد قيل: إنَّ الخيل إذا سمعتْ عذاب القبر حصلت لها من الحرارة ما يذهب بالْمَغَل (داءٌ يُصيبُ بطون الدواب). مجموع الفتاوى (4/ 287).
وقال عبد الحق الأشبيلي -رحمه الله-:
حدثني الفقيه أبو الحكم بن برجان، وكان من أهل العلم والعمل -رحمه الله-: أنهم دفنوا ميتًا بقريتهم من شرق إشبيلية، فلما فرغوا من دفنه، قعدوا ناحية يتحدثون، ودابة ترعى قريبًا منهم، وإذا بالدابة قد أقبلت مسرعة إلى القبر، فجعلت أذنها عليه، كأنها تسمع، ثم ولَّت فارَّة، ثم عادت إلى القبر، فجعلت أذنيها عليه، كأنها تسمع، ثم ولَّت كذلك، ثم أعادت ذلك مرة بعد أخرى، قال أبو الحكم -رحمه الله-: فذكرتُ عذاب القبر، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنهم ليعذبون عذابًا تسمعه البهائم»، والله -عز وجل- أعلم بما كان من أمر ذلك الميت، ذكر هذه الحكاية لما قرأ القارئ هذا الحديث في عذاب القبر، ونحن إذ ذاك نُسمِّع عليه كتاب مسلم بن الحجاج -رضي الله عنه-. العاقبة في ذكر الموت (ص: 247).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: العذاب ليس مسموعًا، قلتُ: المقصود صوت المعذب به من الأنين ونحوه، أو بعض العذاب، نحو: الضرب مسموع. الكواكب الدراري (22/ 161، 162).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وصياح الميت بالقبر عقوبة معروفة، وقد وقعت في الأمم السالفة. فيض القدير(2/ 397).

هل يعذب الميت إذا أكلته السباع ؟ ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا