«إذا سمعَ أحدُكم النداءَ والإناءُ على يدِهِ، فلا يضعْهُ حتى يقضيَ حاجتَهُ منه».
رواه أحمد برقم: (10629) وأبو داود برقم: (2350) والحاكم برقم: (729)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (607)، صحيح سنن أبي داود برقم: (2035).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«النِّداء»
بكسر النون: الأذان. مجمع بحار الأنوار، للفَتَّنِي (5/ 634).
شرح الحديث
قوله: «إذا سمع أحدُكم النداءَ والإناءُ على يده»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«إذا سمع أحدكم» ممن يريد الصوم «النداء» أي: أذان بلال الأول للصبح، أو المراد إذا سمع الصائم الأذان للمغرب «والإناء» مبتدأ «على يده» خبره. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 106).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«إذا سمع النداء» أي: أذان الصبح. شرح المصابيح (2/ 516).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إذا سمع النداء» أي: أذان الصبح «أحدكم والإناء» أي: الذي يأكل منه أو يشرب منه «في يده» جملة حالية. مرقاة المفاتيح (4/ 1384).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«إذا سمع أحدكم النداءَ والإناءُ» مرفوع على أنه مبتدأ وخبره ما بعده «في يده» قيل: المراد بالنداء أذان بلال الأول؛ لقوله -عليه السلام-: «إن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم». شرح سنن أبي داود (10/ 341- 342).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
قوله: «إذا سمع أحدكم النداءَ» المعهود، وهو ما قبل الفجر، وهو أذان بلال؛ لما في الصحيح: «إن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم».
قوله: «والأناء» الذي يأكل، أو يشرب منه. فتح الإله في شرح المشكاة (6/472).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إذا سمع أحدكم النداء» أذان الفجر «والإناءُ» إناء طعامٍ أو شراب. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 289).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«إذا سمع أحدكم النداء» بضم النون وكسرها هو الصوت كما في القاموس، وقد صار في لسان الشرع: عبارة عن صوت مخصوص هو الدعاء إلى الصلاة بألفاظ مخصوصة، وأريد به هنا الإقامة، ويحتمل أنه أريد به الأذان نفسه وأن المراد به لا يجيب الإجابة المسنونة إلا بعد فراغه «والإناء» إناء الطعام أو الشراب «على يده». التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 96).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«إذا سمع أحدكم النداء» أي: أذان الفجر «والإناء» أي: إناء الطعام والشراب «على يده» يريد أن يأكل أو يشرب منه. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (8/ 489).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
«إذا سمع أحدكم النداء...» إلخ أي: الأذان الأول للصبح وهو أذان بلال فإنه كان يؤذن قبل طلوع الفجر ليرجع القائم ويتنبه النائم. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (10/ 73).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
«إذا سمع النداء أحدكم» يحتمل أن يراد بالنداء نداء المغرب، فيكون تأكيدًا لتعجيل الإفطار، وإن كان ترك الأكل والشرب عند الأذان مسنونًا، أو نداء الصبح، فقيل: المراد نداء بلال فإنه كان ينادي بالليل كما سبق في باب الأذان، وقيل: المراد يسمع النداء وهو شاك في طلوع الصبح للتغيم، فلا يقع العلم له بأذانه أن الفجر قد طلع، فينبغي أن يتحرى، وإذا لم يقع تحريه على أحد الجانبين فلا ينبغي أن يشرب، وقيد كون الإناء في يده اتفاقي. لمعات التنقيح (4/ 431).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«إذا سمع النداء أحدكم» إلى آخره، يشعر دليل الخطاب بأنه لم يفطر إذا كان الإناء في يده، وقد سبق أن تعجيل الإفطار مسنون، لكن هذا من مفهوم اللقب فلا يعمل به. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1586).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
وبهذا التقرير (الذي ذكره في النقل السابق) يندفع قول شارحٌ (يريد الطيبي): هذا يشعر بأنه لا يفطر إذا لم يكن الإناء في يده، وقد سبق أنَّ تعجيل الإفطار مسنون، لكن هذا مفهوم اللقلب، فلا يُعمل به.
ووجه اندفاعه: ما عُلم مما قررته أنَّ قوله: «والأناء في يده» ليس للتقييد، بل للمبالغة في السرعة، وقوله: إن هذا مفهوم اللقلب، عجيب، بل الصواب أنه ليس منه، كيف والتقييد بالجملة الحالية له مفهوم اتفاقًا؟ فتح الإله في شرح المشكاة (6/473).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- معلقًا:
يعني عند الشافعية، وإلا فعند الحنفية لا اعتبار بالمفهوم إلا في المسألة لا في الأدلة.مرقاة المفاتيح (4/ 1384).
قوله: «فلا يضعْه حتى يقضيَ حاجته منه»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فلا يضعه» بالجزم نهي يقتضي إباحة الشرب من الإناء الذي في يده إلا أن لا يضعه «حتى يقضيَ حاجته» ولهذا ذكره بعد الحديث في الباب قبله أنه يباح له أن يأكل ويشرب حتى يتبين له دخول الفجر الصادق باليقين، والظاهر أن الظن الغالب بدليل ملحق باليقين هنا، أما الشاكّ في طلوع الفجر وبقاء الليل إذا تردد فيهما، فقال أصحابنا (الشافعية): يجوز له الأكل؛ لأن الأصل بقاء الليل.
فقال النووي وغيره: إن الأصحاب اتفقوا على ذلك، وممن صرح به: الدارمي والبندنيجي وخلائق لا يحصون، قال: وأما قول الغزالي في الوسيط: لا يجوز الأكل هجومًا في أول النهار، وقول المتولي في مسألة السحور: لا يجوز للشاكّ في طلوع الفجر أن يتسحر، فلعلهما أرادا بقولهما: لا يجوز أنه ليس مباحًا مستوي الطرفين، بل الأولى تركه، فإن أراد تحريم الأكل على الشاكّ في طلوع الفجر فهو غلط مخالف للقرآن ولجماهير العلماء، ولا نعلم أحدًا من العلماء قال بتحريمه إلا مالك.
وذكر ابن المنذر بابًا في إباحة الأكل للشاكّ، وحكاه عن أبي بكر وابن عمر وابن عباس وغيرهم، ولم ينقل المنع إلا عن مالك.
قال الأذرعي من أصحابنا: لو غلب على ظنه طلوع الفجر بأمارة صحيحة فالوجه الجزم بتحريم الأكل حينئذٍ، والآية والحديث يحمل على غير هذه الحالة وإلا لزم أن يجوز له أن يصلي الفجر وأن يأكل ما دام شاكًّا! قال: ولا أحسب أحدًا يقول هذا، ويدل على الإباحة للشاكّ ما رواه عبد الرزاق -قال شيخنا ابن حجر: بإسناد صحيح- عن ابن عباس قال: «أحلَّ الله لك الأكل والشرب ما شككتَ»، ولابن أبي شيبة عن أبي بكر وعمر نحوه، قال: وروى ابن أبي شيبة من طريق أبي الضحى قال: سأل رجل ابن عباس عن السحور وقال له رجل من جلسائه: كلْ حتى لا تشكّ، فقال ابن عباس: إن هذا لا يقول شيئًا، كلْ ما شككتَ حتى لا تشك.
قال ابن بَزِيزَة في شرح الأحكام: اختلفوا هل يحرم الأكل بطلوع الفجر أو بتبينه عند الناظر تمسكًا بظاهر الآية؟ واختلفوا هل يجب إمساك جزء قبل طلوع الفجر أم لا؟ بناءً على الخلاف المشهور في تقدمة الواجب. شرح سنن أبي داود (10/ 342).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
أو المراد: إذا سمعتم نداء الفجر وأنتم تشكون في صدق المؤذن لتهمة في دينه أو لنحو غيم، فلا تلتفتوا إليه؛ لأن الأصل بقاء الليل، ومن ثم قال أصحابنا (الشافعية): يجوز لمن يشك في بقاء الليل الأكل دون بقاء النهار؛ عملًا بالأصل فيهما...، ويصح أنْ يُراد منه طلب تعجيل الفطر، أي: إذا سمع أحدكم نداء المغرب وصادف ذلك أن الأناء في يده لحاجة أخرى فليبادر بالفطر منه، ولا يؤخر إلى وضعه. فتح الإله في شرح المشكاة (6/473).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- مُتعقِّبًا الهيتمي:
وهو في غاية من البعد مع أن قوله: لحاجة أخرى، يرده صريح الحديث: «حتى يقضي حاجته منه» فالصواب: أنه قيد احترازي في وقت الصبح، مشعر بأنَّ إمكان سرعة أكله وشربه؛ لتقارب وقته، واستدراك حاجته، واستشراف نفسه، وقوة نهمته، وتوجه شهوته بجميع همته، مما يكاد يخاف عليه أنه لو مُنع منه لما امتنع، فأجازه الشارع رحمةً عليه، وتدريجًا له بالسلوك والسير إليه، ولعل هذا كان في أول الأمر، ويشير عليه ما وقع من الخلاف في الصبح المراد في الصوم. مرقاة المفاتيح (4/ 1384).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فلا يضعه» أي: الإناء بسماع النداء «حتى يقضي حاجته منه» بالأكل والشرب، وهذا إذا لم يعلم طلوع الصبح، وأما إذا علم أنه قد طلع أو شك فلا. شرح المصابيح (2/ 516).
وقال السهارنفوري -رحمه الله- معلقًا:
قلتُ: والأولى في تأويل هذا الحديث عندي أن يقال: إن في هذا القول أشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أن تحريم الأكل متعلق بالفجر لا بالأذان، فإن المؤذن قد يبادر بالأذان قبل الفجر، فلا عبرة بالأذان إذا لم يعلم طلوع الفجر، وهذا الحكم للعارفين بالفجر، وأما العوام الذين لا يعرفون فعليهم بالاحتياط، والله تعالى أعلم.
ثم أقول: إن هذا الحديث محمول على قول مَن اعتبر في المنع عن الأكل والشرب تبيُّن الفجر لا طلوعه، فإن هذا الحديث يحمل على وفق هذا القول، فإن الأذان يشرع على أول طلوع الفجر، وهو ليس بمانع من الأكل والشرب، بل المانع هو تبيُّن الفجر.
وكتب مولانا محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه (الكَنكَوهي) -رحمه الله تعالى-: قوله: «إذا سمع أحدكم النداء... » إلخ. إن كان المراد بالنداء نداء المغرب فالمعنى ظاهر، وهو أنه لا ينبغي له أن ينتظر بعد الغروب شيئًا من تمام النداء أو غيره، بل يجب له المسارعة في الإفطار، وإن أريد بها نداء صلاة الفجر، فالمعنى أن النداء لا يعتد به، وإنما المناط هو الفجر، فلو أذن المؤذن والصائم يعلم أن الفجر لم ينبلج بعد، فليس له أن يضعه من يده حتى يقضي حاجته، هذا وقد ذهب به وبما يشير إليه قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} البقرة: 187 إلى أن المراد هو التبين دون نفس انبلاج الفجر، وهو أولى بحال العوام نظرًا إلى تيسير الشرع، فإن أكثر الخواص أيضًا عاجزون عن درك حقيقته، فكيف لغير الخواص؟ فإناطة الأمر بنفس الانبلاج لا يخلو عن إحراج وتكليف، ولك أن تحمل الرواية على غير حالة الصوم، فلا تتعلق هي بالفجر ولا بالمغرب، بل هي واردة على أمر الصلاة كورود قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إذا حضر العَشاء وأقيمت العِشاء فابدؤوا بالعَشاء» فإنهما سيقا على نمط واحد، والمرعى فيهما قطع بال المصلي عن الاشتغال بغير أمر الصلاة، فكما أنها واردة بقضاء حاجته، فكذلك هي واردة بقضاء حاجته من الشراب، فلا يلزم ما لزم، والله تعالى أعلم، انتهى. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (8/ 490).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فلا يضعه» أي: الإناء «حتى يقضي حاجته منه» أي: بالأكل والشرب، وهذا إذا علم أو ظن عدم الطلوع. مرقاة المفاتيح (4/ 1384).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فلا يضعه» نهي أو نفي بمعناه «حتى يقضي حاجته» بأن يشرب منه كفايته ما لم يتحقق طلوع الفجر أو يظنه يقرب منه، وما ذكر من أن المراد به أذان الصبح هو ما جزم به الرافعي فقال: أراد أذان بلال الأول بدليل: «إن بلالًا يؤذن بلبل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» وقيل: المراد أذان المغرب فإذا سمعه الصائم والإناء في يده فلا يضعه بل يفطر فورًا محافظة على تعجيل الفطر. فيض القدير (1/ 377).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فلا يضعه» يترك الإناء لأجل النداء «حتى يقضي منه حاجته» أكلًا وشربًا، قال العلماء: معناه: إذا سمع النداء وهو مشكّ في الصبح، وقد صرح الدارمي والماوردي أنَّه لا يحرم على الشاكّ الأكل؛ لقوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} البقرة: 187. انتهى. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 289).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه» وهو نظير: «إذا حضر العشاء والعشاء» تقدم، ويحتمل أن الخطاب للصائمين وأنه إذا سمع أحدهم أذان الصبح، وبهذا جزم الرافعي وغيره. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 97).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«فلا يضعه» أي: من يده لأجل الأذان «حتى يقضي حاجته منه». بذل المجهود في حل سنن أبي داود (8/ 489).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه» ظاهر؛ لأن الوقت الذي يحرم به الطعام والشراب لم يجئ، ويحتمل أن المراد بالنداء الأذان الثاني الذي يكون للصلاة فيكون قوله: «فلا يضعه... » إلخ. محمولًا على ما إذا شك أو تيقن الآكل أو الشارب أن الفجر لم يطلع لوجود غيم في السماء. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (10/ 73).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قلتُ: هذا على قوله: «إن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» أو يكون معناه: أن يسمع الأذان وهو يشك في الصبح، مثل أن تكون السماء مغتمة فلا يقع له العلم بأذانه أن الفجر قد طلع؛ لعلمه أن دلائل الفجر معه معدومة ولو ظهرت للمؤذن لظهرت له أيضًا، فأما إذا علم انفجار الصبح فلا حاجة به إلى أذان الصارخ؛ لأنه مأمور بأن يمسك عن الطعام والشراب إذا تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. معالم السنن (2/ 106).
وقال البيهقي -رحمه الله-:
وهذا إن صح فهو محمول عند عوام أهل العلم على أنه -صلى الله عليه وسلم- عَلِم أنَّ المنادي كان ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر. السنن الكبرى (4/ 369).
وقال السندي -رحمه الله- معلقًا:
قلتُ: مَن يتأمل في هذا الحديث وكذا حديث: «كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر، وكذا ظاهر قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} البقرة: 187، يرى أن المدار هو تبيُّن الفجر وهو يتأخر عن أوائل الفجر بشيء، والمؤذن لانتظاره يصادف أوائل الفجر فيجوز الشرب حينئذٍ إلى أن يتبين، لكن هذا خلاف المشهور بين العلماء؛ فلا اعتماد عليه عندهم، والله تعالى أعلم. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (2/ 636).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
يعني: يسمع أذان الصبح والإناء على يده، أي: ماذا يصنع؟ هل يشرب ويكمل الشرب أو ينزع ويترك؟
والجواب: أنه إذا كان المؤذن الذي يؤذن يعتمد عليه في معرفة الوقت فإن الإنسان إذا كان قد بدأ يشرب فإنه يكمل الشرب، ولكنه لا يبدأ بعد الأذان، وكونه عندما يسمع الأذان يبادر ويذهب ليشرب لا يجوز له ذلك؛ لأن الأذان حصل بعد دخول الوقت، وإذا دخل وقت الفجر فإنه يمنع الأكل ويبيح الصلاة، أي: صلاة الفجر؛ لأنه جاء وقتها، والأكل ذهب وقته في حق مَن يريد أن يصوم.
فمَن أذن المؤذن وهو يشرب فإنه يكمل الشرب، وإذا كان لم يبدأ فإنه لا يجوز له، وهذه المسألة من ضمن المسائل التي يقال فيها: يجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء، يعني: أن الإنسان لا يجوز له أن يبدأ الشرب، ولكنه إذا كان قد بدأ يكمل، وليس معناه: أن الذي في فمه يقذفه ولا يشرب، بل يبلع الذي في فمه ويكمل أيضًا؛ لأن الذي جاء عنه التحديد جاء عنه استثناء هذه الحالة، فيجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء...
ثم أيضًا، لا يجوز أن يُفهم من هذا أنه يمكن للإنسان أن يضع على يده كأسًا ثم ينتظر الأذان، وإذا سمع الأذان بدأ يشرب، فهذا لا يجوز، بل يشرب ويقضي حاجته قبل ما يسمع الأذان، لكن إن بدأ يشرب وأذن المؤذن وقد بدأ فإنه يكمل وإن لم يبدأ فإنه لا يفعل.
وإذا لم يكفه الكأس فليس له أن يأخذ كأسًا ثانيًا؛ لأنه قال: «حتى يقضي حاجته منه» يعني: من الكأس الذي في يده.
وإذا كان يشرب شرابًا مثل الماء فلا بأس، وأما الطعام كما هو معلوم فلا. شرح سنن أبي داود (271/ 22).