الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إذا كان النِّصْفُ مِن شعبانَ، فأَمْسِكُوا عن الصومِ حتّى يكون رمضانُ».


رواه أحمد برقم: (9707) واللفظ له، وأبو داود برقم: (2337)، والترمذي برقم: (738)، والنسائي برقم: (2923)، وابن ماجه برقم: (1651)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (397)، مشكاة المصابيح برقم: (‌1974).


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «إذا كان النصف من شعبان»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «إذا كان النصف» أي: تحقَّق النصف، أو كان الزمان النصف، على احتمال أن «كان» تامة أو ناقصة. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 506).

قوله: «فأمسِكوا عن الصوم»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
ومحمل هذا النهي ما يخاف من الزيادة في رمضان، فإن أَمِنْتَ ذلك جاز، بدليل قوله: «إلَّا رجل كان يصوم صومًا فليصمه»، وبدليل ما قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها-: «كان -صلى الله عليه وسلم- يصوم شعبان كله» رواه مسلم والنسائي، «كان يصوم شعبان إلَّا قليلًا» رواه البخاري ومسلم. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (12/ 350).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «فأمسِكوا عن الصوم» قيل: هذا لمن يُخاف عليه أنْ يَضْعَف من إكثار الصيام وإلا فلا نهي، وقيل: النهي لمن يريد بذلك التكثير في عدد رمضان ونحوه، وقيل: بل الحديث غير صحيح، كما روي عن أحمد، لكن في بعض نُسخ ابن ماجه: بلغني عن أحمد بن حنبل أنه قال: لم يروه -يعني هذا الحديث- إلا العلاء، والعلاء ثقة، انتهى. حاشية السندي على مسند أحمد (2/745).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
خرَّج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان» وصححه الترمذي وغيره.
واختلف العلماء في صحة هذا الحديث، ثم في العمل به، فأما تصحيحه: فصححه غير واحد، منهم الترمذي وابن حبان والحاكم والطحاوي وابن عبد البر، وتكلَّم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم، وقالوا: هو حديث منكَر، منهم عبد الرحمن بن المهدي والإمام أحمد وأبو زُرعة الرازي والأثرم، وقال الإمام أحمد: لم يرو العلاء حديثًا أنكر منه، وردَّه بحديث: «لا تَقدَّمُوا رمضان بصوم يوم أو يومين»؛ فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين، وقال الأثرم: الأحاديث كلها تُخالفه، يشير إلى أحاديث صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- شعبان كله، ووصله برمضان، ونهيه عن التقدم على رمضان بيومين، فصار الحديث حينئذٍ شاذًا مخالفًا للأحاديث الصحيحة، وقال الطحاوي: هو منسوخ، وحكى الإجماع على ترك العمل به.
وأكثر العلماء على أنه لا يُعمل به، وقد أخذ آخرون منهم الشافعي وأصحابه ونهوا عن ابتداء التطوع بالصيام بعد نصف شعبان لمن ليس له عادة، ووافقهم بعض المتأخرين من أصحابنا، ثم اختلفوا في علة النهي، فمنهم من قال: خشية أن يُزاد في شهر رمضان ما ليس منه، وهذا بعيد جدًّا فيما بعد النصف، وإنما يحتمل هذا في التقديم بيوم أو يومين، ومنهم من قال: النهي للتقوِّى على صيام رمضان؛ شفقة أن يضعفه ذلك عن صيام رمضان، وروي ذلك عن وكيع، ويَرُدُّ هذا صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- شعبان كله، أو أكثره، ووصله برمضان، هذا كله بالصيام بعد نصف شعبان. لطائف المعارف (ص: 135-136).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
قال الترمذي: إنَّه حديث حسن صحيح، ولا نظر لقول أحمد: إنَّه منكر؛ لأن أبا داود سكت عليه في سننه، مع نقله عنه في غيرها الإنكار، فكأنه لم يرتضه، ووجهه: أنَّ أحمد قال عن راويه: إنه ثقة لا يُنكر من حديثه إلا هذا، ولم يُبيِّن سبب إنكاره، فلم يقدح ذلك في رده، ولم يأخذ أئمتنا بظاهر الحديث من حرمة صومه ولو لسبب، وإن وصله بما قبله.
أما الأول: فللقياس على ما مر في يوم الشك.
وأمّا الثاني: فلأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم أكثره مرة، وكله أخرى، وصوم أكثره إذا كان متواليًا كما هو الظاهر من صومه -صلى الله عليه وسلم- مستلزم لصوم ما بعده متصلًا بما قبله، على أنَّ حفظ أصل ابتداء نية الصوم تؤيد التخصيص المذكور.
وقال بعض أئمتنا: يجوز بلا كراهة الصوم بعد النصف مطلقًا؛ تمسكًا بأنَّ الحديث غير ثابت، أو محمول على مَن يخاف الضعف بالصوم، وردَّه المحققون بما تقرَّر أنَّ الحديث ثابت، بل صحيح كما تقرر، وبأنه مظنة للضعف، وما نيط بالمظنة لا يُشترط فيه تحققها. فتح الإله في شرح المشكاة (6/457-458).

قوله: «حتى يكون رمضان»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«حتى يكون رمضان» (يكون) تامة لا خبر لها، وهو مقيد بحديث: «لا يتقدَّمَن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل يصوم صومًا فليصمه»، وقد عارضه أحاديث واسعة منها: حديث أم سلمة عند الخمسة: «لم يكن -صلى الله عليه وسلم- يصوم من السنة شهرًا تامًّا إلا شعبان يصل به رمضان»، وحديث عائشة: «لم يكن -صلى الله عليه وسلم- يصوم شهرًا أكثر من شعبان؛ فإنه كان يصومه كله»، وجمع بين الأحاديث بأنها توجِّه النهي إلى من لم يكن يصوم من أوله شيئًا قبل انتصافه، وأما من صام من أوله، أو صامه كله؛ فإنه لا نهي عنه، كما يرشد إليه صيامه -صلى الله عليه وسلم-، ويرشد إليه: «لا تتقدَّمن». التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 603).
وقال الترمذي -رحمه الله-:
ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم: أنَّ يكون الرجل مفطرًا، فإذا بقي من شعبان شيء أخذ في الصوم لحال شهر رمضان، وقد روي عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يشبه قولهم، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقدموا شهر رمضان بصيام، إلا أن يوافق ذلك صومًا كان يصومه أحدكم»، وقد دل في هذا الحديث أنَّما الكراهية على من يتعمد الصيام لحال رمضان. سنن الترمذي (3/ 106).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
المقصود من النهي في رواية أبي داود: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»: استجمام من لم يَقْوَ على تتابع الصيام الكثير في بقية شعبان؛ ليقوى بذلك على صيام شهر رمضان، فاستحب إفطاره فيها، كما استحب إفطار عرفة للحاج؛ ليقوى على الدعاء، أما من لم يصعب عليه ذلك، ولم يضعف به، فلا يتوجه النهي نحوه، ألا ترى أنه -عليه السلام- جمع بين صوم الشهرين، وصيام جميع أيامهما، أو أكثر أيام شعبان، حتى ظنَّت أم سلمة أنه صام جميعها. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 493).
وقال الروياني -رحمه الله-:
روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يدخل رمضان»، وروي: «فلا صوم إلا لرمضان» قال أصحابنا (الشافعية): إذا ابتدأ الصوم قبل انتصاف شعبان، ثم وصله برمضان، أو وافق آخر أيام شعبان وِرْدًا له، فصام، لا يكره، ويجوز له ذلك.
ولو ابتدأ صيام نفل من غير سبب بعد انتصاف شعبان، ووصل برمضان، كُرِهَ ذلك، وإن لم يكن شكَّ؛ لأنه يشبه استقبال الفرض، وقد ورد النهي عنه، وهذه الكراهية هي كراهة تنزيه عندي، ويحتمل: أنَّه استحب إتمام الصيام في بقية شعبان؛ ليتقوى به على صيام رمضان، فإنه ربما يضعف عن صوم رمضان، ومن أصحابنا مَن قال: لا يكره ذلك بحال؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يتقدموا رمضان بيوم أو يومين» فنهى عن صوم يومين قبل رمضان، والخبر الذي ذكرنا غير ثابت. بحر المذهب (3/ 312).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وحكمة النهي: التقوّي على صوم رمضان واستقباله بنشاط وعزم، وقد اختُلف في التطوع بالصوم في النصف الثاني من شعبان على أربعة أقوال:
أحدها: الجواز مطلقًا يوم الشك وما قبله، سواء صام جميع النصف أو فَصَل بينه بفطر يوم، أو إفراد يوم الشك بالصوم، أو غيره من أيام النصف.
الثاني: قال ابن عبد البر -وهو الذي عليه أئمة الفتوى-: لا بأس بصيام الشك تطوعًا كما قاله مالك.
الثالث: عدم الجواز، سواء يوم الشك وما قبله من النصف الثاني، إلا أن يصل صيامه ببعض النصف الأول، أو يوافق عادة له، وهو الأصح عند الشافعية.
الرابع: يحرم يوم الشك فقط ولا يحرم عليه غيره من النصف الثاني، وعليه كثير من العلماء. فيض القدير (1/ 304).

وللمزيد من الفائدة ينظر (هنا)


ابلاغ عن خطا