الإثنين 24 رمضان 1446 هـ | 24-03-2025 م

A a

«صيامُ ثلاثةِ أيامٍ مِن كلِّ شهرٍ صيامُ الدهرِ، وأيامُ البيضِ صبيحةَ ثلاثَ عشْرةَ، وأربعَ عشْرةَ، وخمْسَ عشْرةَ».


رواه النسائي برقم: (2420)، وأبو يعلى برقم: (7504)، والطبراني في الأوسط برقم: (7550)، والصغير برقم: (913)، والكبير برقم: (2499)، والبيهقي في الشعب برقم: (3570)، من حديث جرير بن عبد الله البَجَلي -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (3849)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (1040).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أيامُ البيضِ»:
أي: أيامُ الليالي البيض وسُمّيتْ هذه الليالي بيضًا؛ لطلوع القمر من أولها إلى آخرها. تقويم اللسان، لابن الجوزي (ص:64).

«صبيحةَ»:
الصُبْح: الفَجْر، والصَباحُ: نقيض المساء، وكذلك الصبيحة. الصحاح، للجوهري (1/ 379).


شرح الحديث


قوله: «صيام ثلاثة أيام من كل شهر»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«ثلاثة ‌أيام» ‌البيض «من كل شهر» لتمرين النفس على جنس الصيام؛ ليدخل في واجبه بانشراح، ويثاب ثواب صوم الدهر بانضمام ذلك لصوم رمضان؛ إذ الحسنة بعشر أمثالها. إرشاد الساري (2/ 338).
وقال النووي -رحمه الله-:
والأفضل: صومها في الأيام البيض، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، ‌وقيل: ‌الثاني ‌عشر، ‌والثالث ‌عشر، ‌والرابع ‌عشر، والصحيح المشهور: هو الأول. رياض الصالحين (ص: 351).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقد جاء في حديث جرير بن عبد الله البجلي وأبي هريرة وأبي ذر وغيره: «ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر، الأيام البيض: ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر، وهي وسط الشهر» على اختلاف ألفاظهم، وعلى أنَّ الثلاثة أيام من كل شهر هي الأيام البيض، وتأول البخاري الحديث وترجم عليه بذلك، وإن لم يدخله مُفسَّرًا. إكمال المعلم (4/ 135).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
غير أنَّ النسائي روى هذا الحديث عن جرير، وقال فيه: «صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر، أيام البيض صبيحة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة»، وهذا يقتضي تخصيص الثلاثة بأيام الليالي البيض، وهذا -والله تعالى أعلم- لأن الليالي البيض وقت كمال القمر، ووسط الشهر، وخير الأمور أوساطها. المفهم (3/ 187-188).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«ثلاثة أيام» وهي ‌أيام ‌البيض. فتح العلام(ص: 360).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
الأيام البيض: ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر، وهي وسط الشهر على اختلاف ألفاظهم، وعلى أن الثلاثة أيام من كل شهر هي الأيام البيض، تأول البخاري الحديث، وترجم عليها بذلك، وإن لم يدخلها مفسرة وبتعيين صيام هذه الأيام البيض قال جماعة من الصحابة والتابعين، منهم عمر بن الخطاب، وابن مسعود وأبو ذر، واختار آخرون آخره، منهم النخعي، واختار آخرون: الثلاثة من أول الشهر، منهم الحسن، واختار آخرون: صيام السبت والأحد والإثنين في شهر، ثم الثلاثاء والأربعاء والخميس، منهم عائشة، واختار آخرون: الإثنين والخميس، وفي حديث ابن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أول اثنين والخميس الذي بعده، والخميس الذي يليه، وعن أم سلمة: أول خميس والإثنين والإثنين، واختار بعضهم: صيام أول يوم من الشهر ويوم العاشر، ويوم العشرين، وبه قال أبو الدرداء، وروى أنه كان صيام مالك، وأجازه ابن شعبان، وروى عنه كراهة تعمد صيام الأيام البيض، وقال: ما هذا ببلدنا، وقال ابن شعبان: أفضل صيام التطوع أول يوم من الشهر، ويوم أحد عشر ويوم أحد وعشرين، والمعروف من مذهب مالك: كراهة تعيين أيام مخصوصة للنفل، وأن يجعل الرجل على نفسه يومًا، أو شهرًا يلتزمه من صيامه. إكمال المعلم (4/ 135، 136).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
اعلم أنه قد ثبت في السنة قولًا وفعلًا استحباب صوم ثلاثة أيام من الشهر مطلقًا، ومقيدًا بكونها ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، التي يقال لها: ‌أيام ‌البيض، وهو الأحب، ومقتضى أكثر الأحاديث والآثار، وقول أكثر أهل العلم، وقد ورد صوم ثلاثة: أولها يوم الإثنين مع الثلاثاء والأربعاء، وأولها الخميس مع الجمعة والسبت، وكان قد يصوم من شهر السبت والأحد والإثنين، ومن شهر آخر الثلاثاء والأربعاء والخميس. لمعات التنقيح (4/ 479).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
واختلف الناس في تعيينها من الشهر اختلافًا في تعيين الأحب والأفضل لا غير. إحكام الأحكام (2/ 30).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
والذي يظهر: أن الذي أمر به وحث عليه ووصى به أولى من غيره، وأما هو فلعله كان يعرض له ما يشغله عن مراعاة ذلك، أو كان يفعل ذلك لبيان الجواز، وكل ذلك في حقه أفضل، وتترجح البيض بكونها وسط الشهر، ووسط الشيء أعدله؛ ولأن الكسوف غالبًا يقع فيها، وقد ورد الأمر بمزيد العبادة إذا وقع، فإذا اتفق الكسوف صادف الذي يعتاد صيام البيض صائمًا، فيتهيأ له أن يجمع بين أنواع العبادات، من الصيام والصلاة والصدقة، بخلاف من لم يصمها، فإنه لا يتأتى له استدراك صيامها، ولا عند من يجوز صيام التطوع بغير نية من الليل، إلا إن صادف الكسوف من أول النهار. فتح الباري (4/ 227).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب، لا نعلم فيه خلافًا. المغني (4/ 445).
وقال الزيلعي -رحمه الله-:
والمندوب: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، ويندب فيها ‌كونها ‌الأيام ‌البيض. تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (1/ 313).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ولا فرق بين أن تكون متوالية يعني: متتابعة، أو متفرقة، كلها يحصل بها الأجر، لكن أفضل هذه الأيام الثلاثة ‌أيام ‌البيض: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر. شرح رياض الصالحين (5/ 152).

قوله: «صيام الدهر»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«صيام الدهر» أي: يعدل صيامه. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 101).
وقال العيني -رحمه الله-:
«صيام الدهر» في الأجر عند الله تعالى. نخب الأفكار (8/ 440).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«الدهر» فمن صامها وأفطر بقية الشهر فهو صائم في فضل الله مفطر في ضيافة الله. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 95).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
هذا إنما كان لأن الحسنة بعشر أمثالها، فثلاث من كل شهر كالشهر بالتضعيف، ورمضان بغير تضعيف شهر، فيكمل دهر السنة، فإن اعتبر رمضان بتضعيفه كان بإزاء عشرة أشهر، فإذا أضيفت ستة أيام شوال كان له صوم ستين بالتضعيف. المفهم (3/ 187).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
فمراده: أنَّ من فعل هذا يحصل له أجر صيام الدهر بتضعيف الأجر من غير حصول المفسدة، فإذا صام ثلاثة أيام من كل شهر حصل له أجر صوم الدهر بدون شهر رمضان، وإذا صام رمضان وستًّا من شوال حصل بالمجموع أجر صوم الدهر، وكان القياس أن يكون استغراق الزمان بالصوم عبادة لولا ما في ذلك من المعارض الراجح، وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- الراجح، وهو إضاعة ما هو أولى من الصوم، وحصول المفسدة راجحة، فيكون قد فوت مصلحة راجحة واجبة، أو مستحبة، مع حصول مفسدة راجحة على مصلحة الصوم. مجموع الفتاوى (22/ 303).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
أي: مثل صيام الدهر من غير تضعيف الحسنات المرتب على صومها حقيقة؛ لأن المقدر لا يكون مثل المحقق من كل وجه، والأجور تتفاوت بتفاوت المصالح والمشقة في الفعل، قالوا: والحكمة في صيام هذِه الثلاثة الأيام أنه لا بد أن يكثر رطوبة الأبدان في هذِه الليالي؛ لعموم ضوء القمر فيها، فأمر بصيامها؛ لتزول من الأبدان الرطوبة المتحصلة من القمر بالصيام؛ فإنه يخفف البدن، وقيل: شكرًا لنعمة الله على بياض النهار والليل. شرح سنن أبي داود (10/ 582).
وقال السندي -رحمه الله-:
«كصوم الدهر» لقضية {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} الأنعام: 160. كفاية الحاجة (1/ 522).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«الدهر» أي: صيامه؛ لما تقرر أن الحسنة بعشر أمثالها. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 264).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وذلك لأن الحسنة بعشرة أمثالها، فيعدل صيام الثلاثة الأيام من كل شهر صيام الشهر كله، فيكون كمن صام الدهر. نيل الأوطار (4/ 301).
وقال السعدي -رحمه الله-:
لأن الحسنة بعشر أمثالها، وصيام الثلاث من كل شهر يعدل صيام الشهر كله، والشريعة مبناها على اليسر والسهولة، وجانب الفضل فيها غالب، وهذا العمل يسير على من يسره الله عليه، لا يشق على الإنسان ولا يمنعه القيام بشيء من مهماته، ومن ذلك ففيه هذا الفضل العظيم؛ لأن العمل كلما كان أطوع للرب وأنفع للعبد، كان أفضل مما ليس كذلك. بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار (ص: 75).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
والمعنى: أن ‌صيام ‌ثلاثة ‌أيام ‌من ‌كل ‌شهر كصيام الدهر في الفضيلة واكتساب الأجر، لكنه من غير تضعيف. مرعاة المفاتيح (7/ 60).

قوله: «وأيام البيض»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «وأيامُ البيضِ» أي: أيام الليالي البيض بوجود القمر طوالَ الليل، ثم إنَّ نسخ (المجتبى) التي بين يديّ هكذا بواو العطف، والظاهر: أنه مبتدأ، محذوف الخبر، أي: أيام البيض أحسنها، وفي (الكبرى) «أيام البيض» بحذفها، وهي واضحة، فيكون مبتدأ، خبره محذوف، أي: هي أيام البيض. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (21/ 342).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«‌أيام ‌البيض» أي: أيام الليالي البيض. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1616).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
«البيض» أي: الأيام التي لياليهن مُقْمِرَات لا ظلمة فيها، وهي الثلاثة المذكورة: ليلة البدر وما بعدها وما قبلها. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (9/ 139).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«البيض» صفة الليالي، تقديره: صيام أيام الليالي البيض؛ وإنما سميت بذلك لوجود القمر فيها من أول الليالي إلى آخرها. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (4/ 316).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
«وأيام البيض» بالإضافة، أي: أيام الليالي البيض؛ لأنها ‌تَبْيَضُّ بطلوع القمر من أول الليل إلى آخره. التوشيح شرح الجامع الصحيح (4/ 1464).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
سميت بذلك؛ لأن لياليها قمر ونهارها شمس. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 263).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وحكمة صومها: أنه لما عم النور ليلها ناسب أن تعم العبادة نهارها، أو لأن الكسوف يكون فيها غالبًا، وقد أمرنا بفعل القُرَب عنده. فيض القدير (4/ 229).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
وذكر بعض العلماء: أن استحباب صيام البيض غير استحباب ثلاثة أيام من كل شهر. التوشيح شرح الجامع الصحيح (4/ 1464).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وأما ‌أيام ‌البيض (أي: الثلاثة الأيام من كل شهر) فلم يكن يواظب على صيامها في أيام بعينها، بل كان ربما صام من أول الشهر، وربما صام من وسطه، وربما صام من آخره؛ ولهذا قال أنس: «ما كنتَ تشاء أن تراه صائمًا من النهار إلا رأيته، ولا قائمًا من الليل إلا رأيته». فتح الباري (11/ 299).

قوله: «صبيحة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
فيه: إثبات ‌أيام ‌البيض أنها الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر. شرح سنن أبي داود (10/ 581).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
قوله: «ثلاث عشرة إلى آخره» بيان الليالي. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (4/ 316).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وقيل: الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر، والصحيح المشهور هو: الأول. دليل الفالحين (7/ 63).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة» وقع العدد بيانًا لليالي، والمراد: أيامها. التنوير شرح الجامع الصغير (7/16).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وبه يعلم شذوذ أقوال تسعة أو عشرة، حكاها الغزالي في تعيين ‌أيام ‌البيض في غير ما ذكر، فلا يعوّل على شيء منها. دليل الفالحين (7/ 65).
وقال صفي الدين المزجد الزبيدي الشافعي -رحمه الله-:
ومنه (تطوع الصوم) ما يتكرَّر في الشهر، كأيام البيض والسُّود، وهي ثالث عشر، وثامن عشر وتالياهما، والأحوط صيام الثاني عشر أيضًا، وقال عز الدين (ابن عبد السلام): وصوم سادس عشر ذي الحجة، وكثلاثة من كل شهر ولو غير البيض، فإن صامها أو السود حصل السنتان. العباب المحيط بمعظم نصوص الشافعي والأصحاب مخطوط، لوح (109).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
يستثنى من ذلك: ذو الحجة، فصوم الثالث عشر منه حرام. قال الناشري في الإِيضاح: وهل يعوض عنه السادس عشر، أو يوم من التسعة الأول؟ فيه احتمالان. دليل الفالحين (7/63).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
ممن صرَّح بأنَّه يصوم السادس عشر عوضًا عن الثالث عشر في شهر الحجة العز بن عبد السلام، وتبعوه، قالوا: لأن صوم ثالث عشر حرام، فكان السادس عشر عوضًا عنه، ووجه ذلك: أن بعض البيض فات بعذر، فشرع تداركه توسعة في حصول ثوابه لتأكد صومها، بل قيل: إنها كانت واجبة أول الإسلام، ثم نسخ وجوبها بصوم رمضان، وبقي ندبها متأكدًا، وهذا باعتبار الكمال، وإلا فقد صرَّحوا بأنه يحصل أصل السنة بصوم ثلاثة من الشهر غيرها، والحديث الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها-: «ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبالي من أي أيام الشهر يصومها» صريح فيما قلناه. الفتاوى الفقهية الكبرى (2/ 88).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا

وينظر حكم صوم الأيام البيض إذا صادفت أيام التشريق من (هنا).
وينظر حكم من لم يصمها لمرض أو حيض أو سفر من (هنا).


ابلاغ عن خطا