«لا تُسَلِّمُوا تسليمَ اليهودِ والنَّصارى؛ فإنَّ تسليمَهُمْ بالأَكُفِّ والرُّؤوسِ والإشارةِ».
رواه النسائي في الكبرى برقم: (10100) واللفظ له، والبيهقي في شُعب الإيمان برقم: (8520)، من حديث جابر -رضي الله عنه-. ولفظ البيهقي: «فإنَّ تسليمَهُمْ إشارةٌ بالكُفُوفِ والحَوَاجِبِ».
قال الشيخ الألباني في الصحيحة (6/ 387): "قلتُ: والمستنكر منه ذكر الحواجب، وسائره ثابت بمجموع الطريقين السابقين عن ثور بن يزيد مع الشاهد، والله أعلم".
صحيح الجامع برقم: (7327)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1783).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«بالأَكُفِّ»:
بفتح فضم، جمع كَف (وهو جزء من اليد). مرقاة المفاتيح، للقاري (7/ 2946).
شرح الحديث
قوله: «لا تسلموا تسليم اليهود والنصارى»:
قال الإردبيلي -رحمه الله-:
يعني: بالسلام بالإشارة، والجواب بها. الأزهار شرح المصابيح مخطوط، لوح (406).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
فإن الأُمَّة قد حذروا مشابهة اليهود والنصارى. اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 489).
وقال ابن تيمية -رحمه الله- أيضًا:
فعُلم أن مشابهة اليهود أمر كان قد استقر عندهم (أي: الصحابة) كراهته. اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 384).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وبئس الخصلة خصلة يكون فيها الإنسان مشابهًا لليهود. تفسير العثيمين: سورة النساء (1/ 418).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
وسر ذلك (أي: النهي عن التشبه بأهل الكتاب): أن المشابَهة في الهدي الظاهر ذريعة إلى الموافقة في القصد والعمل. إعلام الموقعين (3/ 112).
قوله: «فإن تسليمهم»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
بعضهم على بعض، أو مطلقًا. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 280).
قوله: «بالأكف والرؤوس والإشارة»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«بالأكف» أي: بالإشارة بها. فيض القدير (5/ 385).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
قالوا: تحية النصارى: وضع اليد على الفم، واليهود: الإشارة بالإصبع، والمجوس: الانحناء، والعرب: حياك الله، والملوك: أَنْعِم صباحًا، والمسلمين: السلام عليكم، وهي أشرف التحيات، وأكرمها. فيض القدير (6/ 402).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
ولعلهم كانوا يكتفون في السلام أو ردِّه أو فيهما بالإشارتين (أي: الإشارة بالأصابع وبالأكف) من غير نُطقٍ بلفظ السلام، الذي هو سُنة آدم وذريته من الأنبياء والأولياء. مرقاة المفاتيح (7/ 2946).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فلا يكفي لإقامة السُّنة أن يأتي بالتحية بغير لفظ، كالإشارة بشيء مما ذُكر، أو بالانحناء، ولا بلفظ غير السلام، ومَن فعل ذلك لم يجب جوابه، ومَن سلَّم لا يجزئ في جوابه إلا السلام، ولا يكفي الرد بالإشارة، بل ورد الزَّجْر عنه في عدة أخبار، هذا منها، قال بعضهم: ولهذا لم يكن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يردُّ على المسلم بيده ولا رأسه ولا أصبعه إلا في الصلاة. فيض القدير (6/ 402).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأما الحديث الذي رويناه في كتاب الترمذي: عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر في المسجد يومًا، وعُصبة من النساء قعود «فألوى بيده بالتسليم» قال الترمذي: حديث حسن، فهذا محمول على أنه -صلى الله عليه وسلم- جمع بين اللفظ والإشارة؛ يدل على هذا: أن أبا داود روى هذا الحديث، وقال في روايته: «فسلم علينا». الأذكار (ص:246).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- معلقًا:
قلتُ: على تقدير عدم تلفظه -عليه السلام- بالسلام لا محذور فيه؛ لأنه ما شرع السلام على من مرَّ على جماعة من النسوان، وأن ما مر عنه -عليه السلام- مما تقدم من السلام المصرح فهو من خصوصياته -عليه الصلاة والسلام-، فله أنْ يُسلِّم ولا يُسلِّم، وأنْ يشير ولا يشير، على أنه قد يراد بالإشارة مجرد التواضع من غير قصد السلام، وقد يحمل على أنه لبيان الجواز بالنسبة إلى النساء، وأن نهي التشبُّه محمول على الكراهة لا على التحريم، والله أعلم. مرقاة المفاتيح (7/ 2946).
وقال محمد الخضر الشنقيطي -رحمه الله- معلقًا أيضًا:
قلتُ: الذي يظهر لي في الجواب عن حديث أسماء: أنه -عليه الصلاة والسلام- ترك السلام عليهن؛ لكونهن أجنبيات، ولم يُعْدمهن منه إحسانًا، فأشار إليهن بيده؛ ولعل هذا هو مستند المالكية في كراهية السلام على الأجنبية. كوثر المعاني الدراري (11/ 253).
وقال أبو بكر ابن العربي -رحمه الله-:
ولا بأس إن احتاج إلى تخصيص المسلم عليه بالإشارة إليه باليد. المسالك (7/ 513).
وقال النووي -رحمه الله-:
والسلام بالإشارة من غير نطق مكروه في حق الناطق، مستحب في حق الأخرس، فإن كان الذي يسلم عليه بعيدًا جمع بين اللفظ والِإشارة. فتاوى النووي (ص:70).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
سلام الأخرس بالإشارة معتَدٌّ به، وكذا جوابه، ولا تجزئ الإشارة في حق الناطق، لا سلامًا ولا جوابًا، وأما إذا جمع بين اللفظ والإشارة فحسن وسُنة. المجموع (4/ 594، 595).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
ولو سلَّم على أصم أتى باللفظ؛ لقدرته عليه، ويشير باليد؛ ليحصل الإفهام، فإن لم يضم الإشارة إلى اللفظ لم يستحق الجواب، وكذا في جواب سلام الأصم، يجب الجمع بين اللفظ والإشارة، وسلام الأخرس بالإشارة معتَدٌّ به، وكذا رده. روضة الطالبين (10/ 227).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
لو كان السلام على أصم فينبغي الإشارة مع التلفظ؛ ليحصل الإفهام، وإلا فلا يستحق جوابًا، وإذا سلَّم على أخرس فأشار الأخرس باليد سقط عنه الفرض، وكذا لو سلم عليه أخرس بالإشارة استحق الجواب. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (29/ 18).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
والنهي عن السلام بالإشارة مخصوص بمن قدَر على اللفظ حسًّا وشرعًا، وإلا فهي مشروعة لمن يكون في شغل يمنعه من التلفظ بجواب السلام، كالمصلي والبعيد والأخرس، وكذا السلام على الأصم. فتح الباري (11/ 14).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وجوّزت الإشارة بالسلام على مَن بَعُدَ عن سماع لفظ السلام. سبل السلام (2/ 694).
وقال الرملي -رحمه الله-:
والإشارة به (السلام) بلا لفظ، خلاف الأَوْلَى، ولا يجب لها رد، والجمع بينها وبين اللفظ أفضل. غاية البيان شرح زبد ابن رسلان (ص: 23).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ويستثنى من ذلك (السلام بالإشارة): حالة الصلاة؛ فقد وردت أحاديث جيدة أنه -صلى الله عليه وسلم- رد السلام وهو يصلي إشارة. فتح الباري (11/ 19).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
وكان (أي: النبي -صلى الله عليه وسلم-) يرد السلام بالإشارة على من يسلم عليه وهو في الصلاة. زاد المعاد (1/ 258).
وقال حرب الكرماني -رحمه الله-:
وسئل أحمد عن رد السلام إشارة في الصلاة؟ فقال: لا بأس. مسائل حرب الكرماني (ص:487).
وقال أبو سعيد ابن البراذعي -رحمه الله-:
ولا يُكره السلام على المصلي في فريضة أو نافلة، ولْيَرُدّ مشيرًا بيده أو برأسه. التهذيب في اختصار المدونة (1/ 268، 269).
وقال القدوري -رحمه الله-:
قال أصحابنا (الأحناف): إذا سلم على المصلي لم يرد بلسانه ولا بالإشارة. التجريد (2/ 593).
وقال الكاساني -رحمه الله-:
لا يجوز الرد بالإشارة؛ لأن عبد الله (أي ابن مسعود) قال: فسلمتُ عليه فلم يرد عليَّ، فيتناول جميع أنواع الرد؛ ولأن في الإشارة ترك سُنة اليد، وهي الكفّ؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «كُفُّوا أيديكم في الصلاة»، غير أنه إذا ردَّ بالقول فسدت صلاته؛ لأنه كلام، ولو ردَّ بالإشارة لا تفسد؛ لأن ترك السنة لا يفسد الصلاة، ولكن يوجب الكراهة. بدائع الصنائع (1/ 237).
وقال النووي -رحمه الله-:
ويجوز أن يجيب في الصلاة بالإشارة، نصَّ عليه (الشافعي) في القديم، وقيل: يجب، وقيل: يجب الرد باللفظ بعد الفراغ، والصحيح: أنه لا يجب الرد مطلقًا، فإن قال في الصلاة: عليكم السلام بطلت، وإن قال: عليهم السلام لم تبطل. روضة الطالبين (10/ 232).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
يجيب المصلي بالإشارة إما برأسه، أو بيده، أو بأصبعه، والظاهر أنه واجب؛ لأن الرد بالقول واجب، وقد تعذَّر في الصلاة، فبقي الرد بأيِّ ممكن، وقد أمكن بالإشارة، وجعله الشارع ردًّا، وسماه الصحابة ردًّا، ودخل تحت قوله تعالى: {أَوْ رُدُّوهَا} النساء: 86. سبل السلام (1/ 211).
وقال الإردبيلي -رحمه الله-:
الإشارة بالسلام ليست بسلام، فلا جواب لها، والإشارة بالجواب ليس بجواب، فلا يسقط الفرض والحرج بذلك، (و) النهي مختص بالناطق، مخصَّص بالأخرص؛ للعجز. الأزهار شرح المصابيح، مخطوط، لوح (406).
وللفائدة في حكم السلام بالإشارة ومنبه السيارة ينظر فتوى رقم: (32986) و (15485) و (15486)