الإثنين 24 رمضان 1446 هـ | 24-03-2025 م

A a

عن سَعْدِ بنِ عُبادةَ -رضي الله عنه- أنَّ أُمَّهُ ماتتْ فقال: «يا رسول الله، إنَّ أُمِّي مَاتَتْ فَأَتَصَدَّقُ عنها؟ قال: نعم، قال: فأيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: سَقْيُ الماء، قال: فتلك سِقَايَةُ آلِ سَعْدٍ بالمدينةِ».


رواه أحمد برقم: (22459) واللفظ له، وأبو داود برقم: (1681)، والنسائي برقم: (3664)، وابن ماجه برقم: (3684)، من حديث سَعْدِ بنِ عُبادَةَ -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (1113)، وصحيح الترغيب برقم: (962).
وأصله في البخاري برقم: (1388) ومسلم برقم: (1004)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«سَقْيُ الماءِ»:
أي: التَّصدُّق بالماء. شرح سنن أبي داود، للعيني (6/432).
قال البقاعي -رحمه الله-:
يُقال: سقيته ماءً، أي: ليشربه، وأسقيته، أي: مكنته منه؛ ليسقي به ماشيته، ومن يريد. نظم الدرر (4/ 214).


شرح الحديث


قوله: «أنَّ أمَّه ماتت»:
قال الكوراني -رحمه الله-:
أخذ الله روحها. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (5/ 368)
وقال الباجي -رحمه الله-:
ولعلها ‌ماتت ‌فجأة. المنتقى شرح الموطأ (3/ 230).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
واسم أمه: عمرة بنت سعد بن عمرو، وقيل: عمرة بنت مسعود بن قيس بن عمرو، وهو من بني النجار. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (5/ 313).

قوله: «إنَّ أمي ماتت فأتصدق عنها؟»:
قال العيني -رحمه الله-:
وفي رواية أخرى عنه: أنه سأل عن النذر. عمدة القاري (14/ 55).
وقال محمد الخضر الشنقيطي -رحمه الله-:
وفي رواية: «إن أُمي ماتت، وعليها نذر، قال: اقضه عنها»، ولا تنافي بين الروايتين؛ لاحتمال أن يكون سأل عن النذر، وعن الصدقة عنها. كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري(12/ 176).

قوله: «قال: نعم»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «نعم» يدل على أن الصدقة تنفع الميت. عمدة القاري (14/ 55).
وقال الشيخ ابن جبرين -رحمه الله-:
قال: «نعم» فمن الصدقة ذبح الأضحية، فينوي أجرها لأقاربه الأموات، كما يجوز للحي أن يوصي بضحية أو أضاحي يجعل ثوابها لأقاربه، ولهم الأجر في ذلك. شرح عمدة الأحكام (76/ 8).

قوله: «قال: فأي الصدقة أفضل؟»:
قال السهارنفوري -رحمه الله-:
«‌فأي الصدقة ‌أفضل» أي: لها بإيصال ثوابها إليها؟ بذل المجهود في حل سنن أبي داود (6/ 543).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
أي أنواع ‌الصدقة ‌أفضل وأكثر أجرًا؟ شرح سنن أبي داود (12/ 345).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فأي ‌الصدقة ‌أفضل؟» أي: لروحها. مرقاة المفاتيح (4/ 1342).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
أي: لها بوصول ثوابها إليها. مرعاة المفاتيح (6/ 345).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
وهذا يدلنا على حرص أصحاب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- على معرفة الأعمال الفاضلة، وحرصهم على معرفة الأفضل، وهذا يدلنا على عنايتهم وحرصهم على معرفة ما هو خير، وما هو أفضل من غيره؛ ليأخذوا به، وليعملوا به -رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم-. شرح سنن أبي داود (337/ 3).

قوله: «قال: «سقي الماء»:
قال العيني -رحمه الله-:
أي: التصدق بالماء، وهو أعم من أن يعطيه للشرب، أو لسقي دوابه، أو التوضؤ، أو نحو ذلك من الوجوه. شرح سنن أبي داود (6/ 432).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«‌سقي ‌الماء» أي: لمعصوم محتاج. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 184).
وقال محمد ولاتي -رحمه الله-:
«سَقْيُ الماءِ» أي: التَّصدُّق بسقيه للمحتاج إليه. نور الحق الصبيح (4/286).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«سقي الماء» للظمآن. مرشد ذوي الحجا والحاجة(21/ 351).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
وهذا يشمل من كان عنده ماء فيسقيه غيره، أو يحفر البئر، أو يجري النهر، فينتفع الناس به. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (6/ 541).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
ولعل الحكمة فيه (كون سقي الماء من أفضل الصدقات): أنَّها لما كانت الآثام والذنوب تحرق القلب في الدنيا، وتلهبه لشؤمها، وتحرق البدن في الآخرة، ناسب أن يطفئ بالصدقة بالماء؛ لأنه يضادها، فيبرد عطش الأكباد، ويطفئ لهيبها من الظمأ، فيُجازى بإذهاب لهب المعاصي، وإذهاب حرارتها؛ جزاءً وفاقًا. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 203).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
سقي ‌الماء من أعظم القُربات إلى الله تعالى، وقد قال بعض التابعين: من كثُرت ذنوبه فعليه بسقي الماء، وإذا غُفِرَت ذنوب الذي سقى الكلب فما ظنكم بمن سقى رجلًا مؤمنًا موحدًا، أو أحياه بذلك. شرح صحيح البخاري (6/ 503).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
وأفضلُ الصدقة ما صادفتْ حاجةً من المتصدَّق عليه، وكانت دائمة مستمرَّة.
ومنه قول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: «أفضلُ الصدقةِ سَقْيُ الماء». وهذا في ‌موضع ‌يقِلُّ ‌فيه ‌الماء، ويكثُر فيه العطش؛ وإلا فسَقْيُ الماء على الأَنهار والقُنِيِّ لا يكون أفضلَ من إطعام الطعام عند الحاجة. الروح(2/416)
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «الماء» إنما كان أفضل؛ لأنه أَعم نفعًا في الأمور الدينية والدنيوية؛ ولذلك منَّ اللهُ تعالى بقوله: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} الفرقان: 48، 49. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1552).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
أي: في المحل المحتاج إلى ماء فيه أَكثر من غيره، وإلا فالتَّصدق بالمحتاج إليه أَكثر في ذلك المحل أفضل، وبهذا تجتمع الأحاديث التي ظاهرها التعارض.
وفي رواية للبيهقي عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- : «ليس صدقة أَعظم أجرًا من ماء» أي: بالمعنى المقرر. وأخرج البيهقي: «أفضل الصدقة أنْ تُشبع كبدًا جائعًا» .
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «‌سقي ‌الماء» قيل: ذلك حين قِلَّة الماء بالمدينة. كفاية الحاجة (2/ 394).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
الصدقة تتفاضل باعتبار موقعها، ولا ريب أن الحاجة إلى الماء عامة لكل حيوان. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 412).
وقال العظيم آبادي -رحمه الله-:
إما لعزته في المدينة في تلك الأيام، أو لأنه أحوج الأشياء عادة. عون المعبود (5/ 65).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
وإنما صدقة الماء أفضل؛ لأنه أكثر احتياجًا إليه عادة، ولقلته في المدينة وجميع الحجاز مع الحرِّ الشديد. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (6/ 542).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
وذلك لعموم نفعه، وكثرة الحاجة إليه، خصوصًا في البلاد الحارَّة التي يقل فيها الماء. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (9/ 330).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
أي: في ذلك الوقت لقلته بالمدينة يومئذٍ، أو على الدوام؛ لأنه أحوج الأشياء عادة. مرعاة المفاتيح (6/ 346).

قوله: «قال: فتلك سِقَايَةُ آلِ سَعْدٍ بالمدينةِ»:
قال الساعاتي -رحمه الله-:
قوله: «فتلك سقاية آل سعد بالمدينة» القائل هو الحسن (البصري) -كما سيأتي-، يعني: أنَّ سقاية آل سعد لا زالت باقية بالمدينة إلى زمنه، وأصرح من ذلك ما جاء في رواية أبي داود، قال: «فأي الصدقة أفضل؟ قال: الماء، فحفر بئر، أو قال: هذه لأم سعد»، يعني: يستقي منها الناس، وهذا الحديث مبين لجهة الصدقة التي أُبهمت في حديث عائشة، وللرجل المبهم فيه أيضًا، وهو سعد بن عبادة. الفتح الرباني (8/ 99).
وقال الشيخ سالم عطية -رحمه الله-:
«سقي الماء» فكانت سقاية أم سعد معروفة في المدينة، وكانت إلى عهد التابعين. شرح بلوغ المرام (137/ 5).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
(في رواية) أنَّ سعدًا -رضي اللَّه عنه- ذكر حائطًا مُعيَّنًا صدقة لأمه، وفي حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- الآتي: «فإنَّ لي مخْرفًا، فأشهدك أني تصدَّقتُ به عنها»، والمـَخْرف: بفتح فسكون: البستان، وفي رواية الحسن الآتية: «قال: فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء، فتلك سِقَاية سعد بالمدينة»، ولا تنافي بين الروايتين؛ لاحتمال أنْ يكون في داخل الحائط بئر يُستقى منها الماء، فتصدَّق بالاثنين -واللَّه تعالى أعلم بالصواب-. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (30/ 155).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
وفيه: أنه يستحب لمن يُتَوَفَّى فجأة أن يتصدق عنه أهله. مرعاة المفاتيح (6/ 390).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وهذا الحديث أيضا: مجتمع على القول بمعناه، ولا خلاف بين العلماء أن صدقة الحي عن الميت جائزة، مرجو نفعها وقبولها إذا كانت من طيب، فإن الله لا يقبل إلا الطيب، وليس الصدقة عندهم من باب عمل البدن في شيء، فلا يجوز لأحد أن يصلي عن أحد، وجائز له أن يتصدق عن وليه وعن غيره، وهذا مما ثبتت به السنة، ولم تختلف فيه الأمة. التمهيد (14/ 111).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
وقام الإجماع على أن الصدقة تنفع الميت؛ عملًا بقوله: «نعم»، وقيل: يحتمل أن يكون المتصدق عنها يهبها الأجر بعد وقوع الصدقة عن المتصدق، وظاهر الحديث خلافه، ولا يبعد أن يثاب المرء بفعل غيره كما يغتاب ويسرق ماله. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (17/ 250).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
وفيه: دلالة على أن الصدقة تنفع الميت. إرشاد الساري (5/ 19).
وقال المغربي -رحمه الله-:
الحديث فيه دلالة على أن الميت تنفعه الصدقة ويصل ثوابها إليه، ولا سيما إن كان من الولد. البدر التمام(6/ 542).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
والحديث دليل على أنه يلحق الميت ما فعل له من بعده من عتق وصدقة أو نحوهما. سبل السلام (2/ 561، 562).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما، ويصل إليهما ثوابها. نيل الأوطار (4/ 112).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
وهذا الحديث يدل على أن ثواب العبادات المالية يصل إلى الموتى بإجماع أهل السنَّة. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (6/ 543).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
وقد دلت أحاديث الباب على فضل التصدق بالماء، وعلى أن الصدقة تنفع الميت ويصل ثوابها إليه، وعلى ما كان عليه سعد بن عبادة -رضي الله تعالى عنه- من الإحسان إلى أمه حتى بعد موتها. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (9/ 331).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
وفيه فضيلة سقي الماء، وفضيلة الصدقة عن الميت، وإن ثواب الصدقة المالية يصل إلى الميت، وهو أمر مجمع عليه، لا اختلاف فيه عند أهل السنة. مرعاة المفاتيح (6/ 346).

وللفائدة في الصدقة عن الميت ينظر فتوى رقم: (3489) و (12316) و (9059) و (12339)


ابلاغ عن خطا