«كلُّ سُلاَمَى من الناسِ عليه صدقةٌ، كلَّ يومٍ تَطْلُعُ فيه الشمس، يَعْدِلُ بيْنَ الاثنينِ صدقةٌ، ويُعِينُ الرَّجُلَ على دابَّتِهِ فَيحمِلُ عليها، أو يَرْفَعُ عليها متاعهُ صدقة، والكلمةُ الطَّيبة صدقةٌ، وكلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إلى الصلاة صدقةٌ، ويُمِيطُ الأذى عن الطريق صدقةٌ».
رواه البخاري برقم: (2989) واللفظ له، ومسلم برقم: (1009)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«سُلاَمَى»:
بِضَم السِّين المُهْملَة، وتخفِيف اللَّام: الْمَفْصِل. عمدة القاري، للعيني (8/ 312).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
السُّلَامى: جَمْعُ سُلَامِيَة وهي الأُنْمُلَة مِن أنامِلِ الأصَابِعِ، وقيل: واحدُهُ وجمعهُ سَوَاءٌ، ويُجمَع على سُلَامِيَاتٍ، وهي التي بيْنَ كُلِّ مَفْصِلَين من أصابِع الإنسان، وقيل: السُّلَامَى: كلُّ عَظْم مُجَوَّف مِن صِغَار العِظاَم. النهاية (2/ 396).
«يَعْدِلُ»:
أي: يُصْلِح بالعدل. عمدة القاري(14/ 241).
«فَيَحْمِلُ عليها»:
أي: يُساعِدُ الراكبَ في ركوب دابَّته، أو رَفْعِ مَتَاعِه عليها. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (9/ 28).
«متاعَهُ»:
أي: حمولته. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (12/ 41).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
والمَتَاع: كلُّ مَا يُنْتَفع به مِنْ عُروض الدُّنيا، قليلها وكثيرِها. النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 293).
«يُمِيطُ»:
أي: يُزيل، يقال: مَاطَ الرَّجُلُ الشيءَ يُمِيطُهُ مَيْطًا وإِمَاطَةً: إذا أزاله. عمدة القاري (14/ 241).
«الأذى»:
كلُّ ما يُؤذِي في الطريق كالشَّوكِ والحجرِ والنَّجَاسة ونحوِها.النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير(1/ 34).
شرح الحديث
قوله: «كلُّ سُلاَمَى مِن الناس عليه صدقةٌ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«كل سُلامى» هو بضم السين، وهو عَظْم الإصبع، «من الناس» أي: مِن كل واحد منهم، «عليه» أي: على كل سُلامى، والمعنى: على كل واحد من الناس بِعَدَد كل مفصِل من أعضائه «صدقة»، أوجب الصدقة على السُّلامى مجازًا، وفي الحقيقة على صاحبه. مرقاة المفاتيح (4/ 1337).
قال القسطلاني -رحمه الله-:
شكرًا لله تعالى بأنْ جَعَل عِظامه مَفاصل تَقْدِرُ على القبض والبَسْطِ، وتخصيصها من بين سائر الأعضاء؛ لأن في أعمالها مِن دقائق الصنائع ما تتحيَّر فيه الأفهام، فهي من أعظم نِعَم الله على الإنسان، وحَقُّ الْمُنْعَمِ عليه أنْ يُقابِل كل نعمة منها بِشُكْر يخصُّها، فيعطي صدقة كما أُعطي منفعة، لكن الله تعالى خفَّف بأنْ جَعَلَ العدل بين الناس ونحوه صدقة. إرشاد الساري (4/ 429).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«كُل سُلامى»... مفرد سُلامِيَّات: عِظام الجسد أو أَنَامِلُه، أو مَفاصِله، أي: كل مَفْصِل من مفاصل الثلاثمائة والستين، في كل واحد عَظْمٌ.
«مِن الناس عليه صدقة» ذَكَّر الضمير مع أنَّ سُلامى مؤنثة؛ لتأويله بالعضو والمفصِل، وإيجابها عليه مجاز، والمراد على صاحبه، ويُرجِّح المجاز هنا الإشارة إلى أنَّ الصدقة في مقابَلة هذه النعم التي هي مفاصل الإنسان، وما اشتملت عليه من النفع، والمراد بالصدقة نوافل الطاعات، لا الصدقة المالية فقط. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 178).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «عليه» كان القياس فيه أنْ يُقال: عليها؛ لأن السُّلامى مؤنثة، ولكن هنا جاء على وفق لفظ: «كل»، أو ضُمِّن لفظ: «سُلامى» معنى العظم أو المفصِل، فأعاد الضمير عليه لذلك. عمدة القاري (14/ 241).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«كلُّ سُلامى»... أي: كل مَفصِل من المفاصل الثلاثمائة والستين التي في كل واحد «من الناس عليه» في كل واحد منها صدقة. إرشاد الساري (4/ 429).
وقال العراقي -رحمه الله-:
معنى هذا الحديث: أنَّ كل عَظْمٍ أو مَفصِل من ابن آدم عليه صدقة، وإذا كان كذلك فظاهر التعبير بقوله: «عليه» أنَّ ذلك من الواجبات؛ لأن السُّنن لا تُوصَف بأنها على المكلَّف.
والجواب: أنَّ هذا قد يُطلَق في الفعل المتأكَّد، وإنْ لم يكن واجبًا، كقوله: «للمسلم على المسلم ست خصال: يُسلِّم عليه إذا لقيه..» الحديث.
ومعلوم أنَّ البَداءة بالسلام سُنة، وإنما لم يَجعل مجموع هذه الخصال واجبة وإنْ كان بعضها من فروض الكفايات؛ لما ورد في صحيح مسلم أيضًا من حديث أبي ذر: «يُصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة..» فذكر الحديث، وقال في آخره: «ويُجْزِئُ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى»، ومعلوم أنَّ النوافل لا تُجزئ عن الواجبات، مع الاتفاق على عدم وجوب صلاة الضحى على عموم الناس، والله أعلم، على أنه يمكن أنْ تُؤَوَّلَ هذه الأفعال المذكورة في الباب على الوجوب. طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 302).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
فعلى كل واحد منها (السُّلامى) صدقة لله، مِن فِعْلِ الطاعة والخير كل يوم؛ إذ كل موضع شَعْرة فما فوقها من جسد الإنسان عليه فيه نعمة لله، يلزمه شكره، والاعتراف بها؛ حين خلقه صحيحًا، يتصرَّفُ في منافعه وإرادته، ولم يجعل في ذلك الموضع داءً يمنعه أَلَمُهُ مِن استعماله، والانتفاع به.
وإنما سُمِّيت طاعة الله مِن صلاة وغيرها صدقة؛ لأنه كان لله أنْ يَفترض على عباده ما شاء من الأعمال دون أجر يأجُرهم عليها، ولا ثواب فيها، ولكنه برحمته تفضَّل علينا بالأجر والثواب على ما فرضه، فلما كان لأفعالنا أجر، فكأننا نحن ابتدأنا بالعمل، فاستحْقَقْنا الأجر، فشَابَهَ به الصدقة المبْتَدَأة التي عليها الأجر لازم في فضل الله. شرح صحيح البخاري (8/ 98-99).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
المعنى على كُلِّ أَحدٍ بعددِ كُلِّ مفصل في أعضائه صدقة، شكرا لله تعالي بأن جعل في عظامه مفاصل تقدر علي القبض والبسط؛ فإن ذلك نعم عظيمة، إذ لو جعل أعضاءه بغير مفصل، كانت كالخشبة.
وقال الطيبي -رحمه الله- أيضًا:
لعل تخصيص السُّلامى -وهي المفاصل من الأصابع- بالذِّكْر؛ لما في أعمالها مِن دقائق الصنائع التي تتحيَّر الأوهام فيها؛ ولذلك قال تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} القيامة: 4، أي: نجعل أصابع يديه ورجليه مستويةً شيئًا واحدًا، كخُفِّ البعير، وحافر الحمار، فلا يمكن أنْ يعمل بها شيئًا مما يعمل بأصابعه المفرَّقة ذات المفاصل، مِن فنون الأعمال، دِقِّهَا وَجِلِّهَا؛ ولهذا السِّر غَلَّب الصِّغَار من العِظَام على الكِبَار. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1545).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يعني: على كل واحدٍ من الإنسان بعددِ كلِّ مِفْصَلٍ في أعضائه صدقةٌ؛ شكرًا لله تعالى بأنْ جعلَ في عظامه مفاصلَ يَقدِر على قبضِ أصابعه ويدَيه ورِجْلَيه، وغير ذلك، وبسطِها، فإنَّ هذه نِعَمٌ عظيمة؛ فإذنه لو جَعلَ أعضاءَه بغير مِفْصَلٍ يكون كلوحٍ أو خشبٍ لا يَقدِر على القبض والبَسط والقيام والقعود والاضطجاع. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 534).
وقال المناوي -رحمه الله-:
يعني: على كل عَظم من عظام ابن آدم يصبح سَليمًا من الآفات، باقيًا على الهيئة التي تتم بها منافعه وأفعاله صدقة واجبة، والمراد: بالصدقة: الشكر، والقيام بحق الْمُنْعِم. فيض القدير (4/ 322).
وقال الطوفي -رحمه الله-:
ومعنى قوله: «على كل سُلامى صدقة» أي: على كل عضو ومفصِل صدقة، وفي المراد به احتمالان:
أحدهما: أنَّ الصدقة كما قيل: تدفع البلاء، فإذا تصدَّق عن أعضائه -كما ذُكِر- كان جديرًا أنْ يُدفَع عنها البلاء.
الثاني: أنَّ لله -عزَّ وجلَّ- على الإنسان في كل عضو ومفصِل نعمة، والنعمة تستدعي الشكر، ثم إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- وهب ذلك الشكر لعباده صدقة عليهم، كأنه قال: أَجْعَلُ شُكْرَ نعمتي في أعضائك أنْ تُعِينَ بها عبادي، وتتصدَّق عليهم بإعانتهم. التعيين في شرح الأربعين (1/ 198).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قيل: هو إيجابُ حَضٍّ وتَرغيب على اكتساب الأجر بهذه الأعضاء وتصريفها في طاعة الله، فهي صدقة. إكمال المعلم (3/ 530).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
ومعنى الحديث: أنَّ عِظام الإنسان هي من أصل وُجُوده، وبها حصول منافعه؛ إذ لا تتأتى الحركة والسكون إلا بها، فهي من أعظم نعم الله -عز وجل- على الإنسان، وحَقُّ المنعَم عليه أنْ يُقابِل كل نعمة منها بشكر يخصها، فيعطي صدقته، كما أُعطي منفعته، لكن الله لَطَفَ وخفَّف بأنْ جَعَل العدل بين الناس وشِبْهَهُ صدقة.
وظاهر الحديث: الوجوب، لكن الله خفَّف؛ حيث جعل ما خَفَّ من المندوبات مُسْقِطًا له. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (17/ 87).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
ثم مِن مزيد لُطْفِ الله تعالى بعبده وتفضُّله عليه: تسمية ذلك صدقة؛ إجراءً له مجرى ما يُتطوَّع به. الفتح المبين بشرح الأربعين (ص: 449).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- أيضًا:
وقد قال سَهْل بن عبد الله التَّسْتُري: في الإنسان ثلاثمائة وستون عِرْقًا، مائة وثمانون ساكنة، ومائة وثمانون متحرِّكة، فلو تحرَّك ساكنٌ، أو سَكَنَ متحرِّكٌ لَمَنَعَهُ النوم، نسأل الله تعالى أنْ يرزقنا شُكْر ما أنعم به علينا.
وذكر علماء الطب: أنَّ جميع عِظام البَدَن مائتان وثمانية وأربعون عَظمًا سوى السُّمْسُمَانِيَّات، وبعضهم يقول: ثلاثمائة وستون عظمًا، يظهر منها للحِسِّ مائتان وخمسة وستون عظمًا، والبقية صغار لا تظهر تُسمَّى السُّمْسُمَانِيَّات. الفتح المبين بشرح الأربعين (ص: 452).
قوله: «كُلَّ يومٍ تَطْلُعُ فيه الشمسُ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«كلَّ يومٍ» بالنصب على الظرفية، أي: في كل يوم، «تطلع الشمس» صفة تخص اليوم عن مطلق الوقت، بمعنى: النهار. مرقاة المفاتيح (4/ 1337).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«كلَّ يوم تطلع فيه الشمس» بنصب (كل) ظرفًا لما قبله، وفي الفَرْعِ (فرع النسخة اليونينية) «كلٌّ» بالرفع مبتدأ، والجملة بعده خبره، والعائد يجوز حذفه.إرشاد الساري (4/ 429).
وقال الطوفي -رحمه الله-:
وقوله: «كل يوم تطلع فيه الشمس» لأنَّ دوامَ نعمة الأعضاء نعمةٌ أخرى؛ ولما كان الله -عزَّ وجلَّ- قادرًا على سَلْبِ نعمة الأعضاء عن عبده كل يوم، وهو في ذلك عادل في حُكْمه، كان عَفْوُه عن ذلك، وإدامة العافية عليه صدقة تُوجِب الشكر والرعاية، ثم النعمة دائمة فالشكر يجب أنْ يكون دائمًا. التعيين في شرح الأربعين (1/ 199).
وقال العراقي -رحمه الله-:
فيه: أنَّ العبادة والنوافل يُدَاوَمُ عليها كل يوم، وأنَّ العبادة إذا وقعت في يوم لا تُغني عن يوم آخر، فلا يقول مثلًا: قد فعلتُ أمس، فأجزأ عني اليوم؛ لقوله: «كلَّ يوم تطلع الشمس». طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 303).
قوله: «يَعْدِلُ بيْنَ الاثنينِ صدقَةٌ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«يَعْدِلُ» بالغَيْبَة والخِطَاب، بتقدير: أنْ يَعْدِلَ، مبتدأ، وقوله: «بين الاثنين» ظرف له، والخبر «صدقة»، أي: عَدْلُهُ وإصلاحُه بين الخصمين، ودَفْعُهُ ظُلْمَ الظالم عن المظلوم صدقة. مرقاة المفاتيح (4/ 1337).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «تَعْدِلُ بين الاثنين» المتخاصِمَين أو المتحاكِمَين، «صدقة» خبر «تَعْدِلُ»؛ لأنه في تأويل المصدر، أي: عَدْلُكَ صدقة، وكذا ما بعده، والسابك لها مُصَادَرٌ مُقدَّر، أي: لَأَنْ تَعْدِلَ، بقرينة الإخبار عنها عليهما؛ لأنك كَفَيْتَهُمَا مُؤْنَة الخصام، كما تَكْفِي الصدقة المحتاجَ مَؤُونَة حاجته. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 178).
وقال الطوفي -رحمه الله-:
العدل بين اثنين تَحَاكَمَا أو تَخَاصَما، سواء كان حاكمًا أو مُصْلِحًا إذا نوى بذلك دفع المنافرة بينهما؛ امتثالًا لقوله -عزَّ وجلَّ-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} الحجرات: 10، {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} النساء: 135، ونحوه من الأمر بذلك. التعيين في شرح الأربعين (1/ 199).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«بين الاثنين» الْمُتَهَاجِرَين أو المتخاصِمَين أو المتحاكِمَين؛ بأنْ تحملهما لكَوْنِكَ حاكمًا أو مُحكَّمًا أو مُصلِحًا بالعدل والإنصاف والإحسان بالقول أو الفعل على الصلح الجائز، وفسَّره -صلى الله عليه وسلم- بأنه الذي لا يُحِلُّ حرامًا، ولا يُحَرِّم حلالًا.
«صدقة» عليهما؛ لوقايتهما مما يترتَّب على الخصام من قبيح الأقوال والأفعال، ومِن ثَمَّ عَظُمَ فضل الصلح، كما أشار -سبحانه وتعالى- إلى ذلك بقوله عزَّ قائلًا: {أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} النساء: 114...، وجاز الكذب فيه؛ مبالغة في وقوع الأُلْفَةِ بين الناس. الفتح المبين بشرح الأربعين (ص: 450).
وقال العراقي -رحمه الله-:
قوله: «تَعْدِلُ بين اثنين» يُحتمل: أنْ يُراد به العدل في الأحكام من القضاة والأمراء، ويُحتمل: أنْ يُراد به الإصلاح بين الناس، وإنْ كان من غير مَن له ولاية على ذلك ولا تسليط، وهو الظاهر؛ لأنَّ عدل القضاة والأمراء واجب لا تَطَوُّع، وقد أدخله البخاري في صحيحه في باب الإصلاح بين الناس، وإنْ أُريد حَمْلُه على الواجب حقيقة، فيُحمل على عدل الحُكام. طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 303).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وفيه: أنَّ العدل بين الناس من الأعمال الزاكية عند الله، المرجُوِّ قبولها. شرح صحيح البخاري (8/ 98-99).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«تَعْدِلُ بَينَ اثنَيْنِ صَدَقَة» تعدل أي: تَفْصِلُ بينهما، إما بصلح، وإما بحُكم، والأَوْلى العدل بالصلح إذا أمكن، ما لم يتبيَّن للرَّجُل أنَّ الحُكْم لأحدهما، فإنْ تبيَّن أنَّ الحُكْم لأحدهما حرم الصلح، وهذا قد يفعله بعض القضاة، يحاول أنْ يصلح مع علمه أنَّ الحق مع المدعي أو المدعى عليه، وهذا محرم؛ لأنه بالإصلاح لا بد أنْ يتنازل كل واحد عما ادعاه فيُحال بينه وبين حقِّه، إذًا العدل بين اثنين بالصلح أو بالحُكْم يكون صدقة، لكن إنْ عَلِم أنَّ الحق لأحدهما فلا يُصْلِح، بل يحكم بالحق. شرح الأربعين النووية (ص: 260).
قوله: «ويُعِينُ الرَّجل دابَّتِهِ فيحمل عليها»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ويُعِينُ الرَّجُلَ» أي: إعانته الرَّجُل «على دابته» أي: دابة الرَّجُل، أو الْمُعِين «فيَحْمِلُ عليها» أي: نفسَه أو متاعَه. مرقاة المفاتيح (4/ 1337).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«ويُعِينُ» المسلمُ المكلَّفُ «الرَّجُلَ» أي: يساعده «على دابته، فيَحْمِلُ عليها» الراكبَ. إرشاد الساري (5/ 133).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فيَحْمِلُ عليها» الراكبَ أو متاعَه. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 178).
وقال العراقي -رحمه الله-:
قوله: «وتُعين الرَّجُلَ» هو أنْ تُرْكِب العاجز عن الركوب على دابته، وهكذا أنْ تَحْمل معه على دابته متاعه، وبوَّب عليه البخاري باب: فضل مَن حَمَلَ متاع صاحبه في السفر، ويمكن أنْ يُجْعَلَ على الوجوب في الْمَكَاري، فإنه يجب عليه إركاب الشيخ؛ لعجزه عن الركوب وحده، ويجب عليه إبراك الجمل للمرأة؛ لعجزها، أو المشقة عليها في ركوب البعير قائمًا، والله أعلم. طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 303).
وقال العيني -رحمه الله-:
أي: يُساعده في الركوب، وفي الحَمْل على الدابة. عمدة القاري (14/ 175).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وإذا أُجِرَ مِن فِعْل ذلك بدابة غيره، أُجِرَ إذا حَمَلَ على دابة نفسه أكثر. شرح صحيح البخاري (5/ 86).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «فيَحْمِلُ عليها» أعم من أنْ يُريد يَحْمِلُ عليها المتاع أو الراكب...، وحَمْل الراكب أعم من أنْ يحمله كما هو، أو يُعِينه في الركوب. فتح الباري (6/ 132-133).
وقال العيني -رحمه الله-:
فإنَّ إعانة الرَّجُل تتناول أخذه بالرِّكَاب وغيره. عمدة القاري (14/ 241).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«وَتُعِيْنُ الرَّجُلَ في دابَّتِهِ» أي: بعيره مثلًا «تَحْمِلُهُ عليها» إذا كان لا يستطيع أن يَرْكَب تَحْمِلُه أنت، وتضعه على الرَّحْلِ، هذا صدقة. شرح الأربعين النووية (ص: 260).
قوله: «أو يَرْفَعُ عليها متاعَهُ صدقَةٌ»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «أو يَرْفَعُ عليها» شكٌّ من الراوي، أو للتنويع. عمدة القاري (14/ 241).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«أو تَرْفَعُ له عليها متاعه» ما هي حاملة له. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 178).
وقال البغوي -رحمه الله-:
«أو يَرْفَعُ له عليها متاعه» أي: يَحمله. شرح السنة (6/ 146).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«أو تَحْمِلُ له عليها متاعَهُ» متاعه: ما يتَمَتَّع به في السفر من طعام وشراب وغيرهما، تحمله على البعير، وتربطه، هذا صدقة. شرح الأربعين النووية (ص: 260).
قوله: «والكلمةُ الطَّيِّبَةُ صدقةٌ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«والكلمة الطيِّبة» تُخاطِبُ بها أخاك، أو تَذْكُر بها ربَّك. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 178).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«والكلمة الطيِّبة» أي: مطلقًا، أو مع الناس. مرقاة المفاتيح (4/ 1337).
وقال العراقي -رحمه الله-:
الكلمة الطيِّبة يُحتمل: أنْ يُراد بها المخاطَبة للناس، كأنْ يُجيب السائل بكلمة طيِّبة من غير إفحاش، ونحو ذلك، وهو الظاهر، كما قال في حديث آخر: «تَبَسُّمُكَ في وجْهِ أخيك صدقة»، وفي حديث آخر: «ولو أنْ تلْقَى أخاك ووجْهُك مُنْبَسِطٌ إليه»، ويُحتمل: أنْ يُراد بها الكلمة من الأذكار كالتهليل والتسبيح والتحميد، كما هو مُصَرَّح به في حديث عائشة المتقدِّم ذِكْرُه، عند مسلم في ذكر السُّلامى: «فمَن كبَّر الله، وحَمِدَ الله، وهلَّل الله، وسبَّح الله..» الحديث، وهو أحد الأقوال في قوله تعالى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيبةً} إبراهيم: 24، أنَّ المراد: لا إله إلا الله، وكذا قيل في قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيْبُ} فاطر: 10. طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 303).
وقال الطوفي -رحمه الله-:
الكلمة الطيِّبة نحو: سلامٌ عليك، وحيَّاك الله، وإنَّك لَمُحْسِنٌ، وأنت إن شاء الله -عزَّ وجلَّ- رجل صالح، ولقد أحسنتَ جِوَارَنَا، أو ضيافتنا، ونحو ذلك؛ لأنه مما يَسُرُّ السامع، ويجمع القلوب ويؤلفها. التعيين في شرح الأربعين (1/ 199).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«والكلمة الطيَّبة صدقة» وهي كل ذِكْر، ودعاءٍ للنفس والغير، وسلامٍ عليه، ورَدِّه، وثَنَاءٍ عليه بحق، ونحو ذلك مما فيه سرور السامع، واجتماع القلوب وتألُّفها، وكذا سائر ما فيه معاملة الناس بمكارم الأخلاق، ومحاسن الأفعال، ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ولو أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طَلْق». الفتح المبين بشرح الأربعين (ص: 450).
وقال المناوي -رحمه الله-:
أَطْلق على الكلمة صدقة: كدعاءٍ وذِكْرٍ وسلامٍ وثناءٍ، وغير ذلك مما يجمع القلوب ويُؤلِّفها. فيض القدير (5/ 21).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
الكلمة الطيِّبة: كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والشفاعة الحسنة، والإصلاح بين الناس، ونحو ذلك. تطريز رياض الصالحين (ص: 445).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«والكلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صدقةٌ» أيَّ كلمة طيبة، سواء طيِّبة في حق الله، كالتسبيح والتكبير والتهليل، أو في حق الناس، كحُسن الخُلُق صدقة. شرح الأربعين النووية (ص: 260).
قوله: «وكلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إلى الصلاةِ صدقةٌ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«وكل خُطْوة» بفتح المعجمة، المرة الواحدة، وبِضَمِّها: ما بين القدمين، وضُبطَ على خط المصنِّف بالفتح، «تَخْطُوها إلى الصلاة» ولو في منزلك. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 178).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
وفي قوله: و«الكلمة الطيِّبة» و«الخُطوة» تفنُّن؛ لما لم يأتِ بلفظ الفعل؛ إشارة إلى أنَّ ذاتيهما صدقة. لمعات التنقيح (4/ 352).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«يَخْطُوها إلى الصلاة» أو ما في معناها من الطَّواف والعيادة، وتشييع الجنازة، وطلب العلم، ونحوها. مرقاة المفاتيح (4/ 1337).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «وكل خُطْوة يخطوها إلى الصلاة صدقة» أي: يُرْفع له بها درجة، ويُحَطُّ عنه خطيئة؛ ولهذا حثَّ الشارع على كثرة الخُطا إلى المساجد، وترك الإسراع في السَّيْر إليه. عمدة القاري (14/ 241).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«وبكلِّ خُطوَةٍ تَخْطُوهَا إلى الصَّلاةِ صدقة» سواء بَعُدَت المسافة أم قَصُرَت...، وقد استَحَبَّ بعض العلماء -رحمهم الله- أنْ يُقارِب الإنسان خُطواته إذا ذهب إلى المسجد، ولكن هذا استحباب في غير موضعه، ولا دليل عليه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أخبر أنَّ بكل خُطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة لم يقل: فَلْيُدْنِ أحدُكم خُطواته، ولو كان هذا أمرًا مقصودًا مشروعًا لبيّنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن لا يباعِد الخُطا قصدًا، ولا يُدْنيها قصدًا، بل يمشي على عادته. شرح الأربعين النووية (ص: 260- 261).
وقال العراقي -رحمه الله-:
قوله: «كُل خُطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة» ما يقتضي أنَّ ثواب الخُطا إنما هو الذهاب إلى المسجد دون الرجوع، وهو محتمل، لكن قد ورد التصريح في مسند أحمد بقوله: «ذاهبًا وراجعًا»...، وإنْ حَمَلْنَاه على الوجوب فيمكن أنْ يُحْمَل على السعي الواجب كالسعي للجمعة، إلا أنه يَرُدُّه قوله: «كل يوم تطلع الشمس»؛ فإنما يجب السعي مرة في الجمعة، نعم يُحمل على قول من أوجب الجماعة في كل صلاة، والله أعلم.
والألف واللام في «الصلاة» هل هي للعهد أو للجنس؟ الظاهر الأول، فيكون المراد منه الصلوات المكتوبة، وإنْ أُريد الجنس، فيَدخل فيه كل صلاة يُشرع المشي إليها، كالعيد والجنازة أيضًا، وهو بعيد، والله أعلم. طرح التثريب في شرح التقريب (2/303- 304).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«وبكل خُطوة»... فيه: مزيد الحث والتأكيد على حضور الجماعات، والمشي إليها، وعمارة المساجد بها؛ إذ لو صلى في بيته، فاته ذلك. الفتح المبين بشرح الأربعين (ص: 450).
قوله: «ويُمِيطُ الأذى عن الطَّرِيقِ صدقةٌ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ويُمِيْطُ الأذى» أي: يُزيله عن الطريق، كالشوكة والعَظم والقَذَر، وقيل: المراد أذى النفس، عن نفسه، أو عن الناس. مرقاة المفاتيح (4/ 1337).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وتُمِيْطُ الأذى» كل ما يُؤذي «عن الطريق صدقة» المارّ فيها، فهذه المذكورات، وما أشبهها هي الصدقات عن كل سُلامى، فينبغي للعبد أن لا يُخْلِي يومَه عن أنواع الخير كلها؛ ليُسقط ما وجب عليه، ولو بِحُسْنِ النية والعزم على فعل ما يكون من أسباب الخير. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 178-179).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «ويُميطُ الأذى» أي: وتَدفع وتُبعد ما يُؤذِي الناسَ عن طريق المسلمين. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 534).
وقال الطوفي -رحمه الله-:
إماطة الأذى عن طريق الناس، أي: إزالته، كالشوك المؤذي، والحجر الذي يُعثَر به، والحيوان الْمَخُوف منه، ودعم الجدار المائل، ونحوه؛ لأنه نفع عام، وفي الحديث: «الإيمان بِضْعٌ وستون شُعْبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق». التعيين في شرح الأربعين (1/ 199).
وقال العراقي -رحمه الله-:
المراد بإماطة الأذى عن الطريق: إزالة ما يُؤذي المارَّة مِن حجر أو شوك، وكذا قَطْعُ الأحجار من الأماكن الوَعْرة، كما يفعل في طريق، وكذا كَنْسُ الطريق من التراب الذي يتأذى به المارُّ، ورَدْمُ ما فيه من حفرة، أو وَهْدَة هُوَّة عَمِيقة، وقَطْعُ شجرة تكون في الطريق.
وفي معناه: توسيع الطُّرُق التي تضيق على المارَّة، وإقامة مَن يبيع أو يشتري في وسط الطُّرق العامة، كمحل السعي بين الصفا والمروة، ونحو ذلك، فكلُّه من باب إماطة الأذى عن الطريق، ومن ذلك ما يرتفع إلى درجة الوجوب كالبئر التي في وسط الطريق التي يُخشى أنْ يَسقط فيها الأعمى والصغير والدابة، فإنه يجب طمُّها، أو التحويط عليها إنْ لم يضر ذلك بالمارَّة، والله أعلم. طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 304).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
و«الطريق» طريق الله، وهو شرْعُه وحدوده ورُسُومه؛ وذلك أعظم أجرًا من إزالة الأذى الحِسِّي بما لا يُقارب. المعين على تفهم الأربعين (ص: 313-314).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«الأذى» أي: ما يُؤذِي المارَّة من نحو حجر أو شوك أو نَجَسٍ، «عن الطريق» يُؤنَّث ويُذَكَّر، «صدقة» على المسلمين، وأُخِّرتْ هذه؛ لأنها أدْوَنُ مما قبلها، كما يشير إليه خبر: «الإيمان بِضْعٌ وسبعون شُعْبَة، أعلاها: شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق».
قيل: وتُسن كلمة التوحيد عند إماطته؛ ليجمع بين أعلى الإيمان وأدناه.
وحَمْلُ الأذى على أذى المظالم ونحوها، والطريق على طريقه تعالى وهو شرعه وأحكامه تكلُّفٌ بعيدٌ، بل رواية: «وأدناها» المذكورة صريحة في ردِّهِ؛ لأن الإماطة بهذا المعنى مِن أفضل الشُّعَب، لا مِن أدناها. الفتح المبين بشرح الأربعين (ص: 451).
وقال الطوفي -رحمه الله-:
واعلم أنه ليس مراد الحديث حَصْر أفعال الصدقة فيما ذُكِر فيه، وإنما هي مثال لذلك، ويجمعها ما قلنا من أفعال العبادة، أو نفْع خَلْق الله -عزَّ وجلَّ-، حتى إنَّ رجلًا رأى فَرْخًا قد وقع مِن عُشِّه فردَّه إليه، فغَفَرَ الله له...، وإذا تصدَّق كل واحد من الناس عن أعضائه بنفْعِ خَلْقِ الله حصل من ذلك مقصود قوله: «لا يُؤمن أحدكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفسه»، و«مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلْيُكْرِمْ جَارَه، ولْيُكْرم ضَيْفَه» مِن جَمْعِ القلوب وائتلافها، وإقامة كلمة الحق بواسطة ذلك، فإذًا يكون نفْعُ ذلك خاصًّا بالمسلم المتصدِّق، وعامًّا للإسلام والمسلمين، وهذا هو مقصود الشرع. التعيين في شرح الأربعين (1/ 200-201).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
ثم شَرْط الثواب على هذه الأعمال خُلُوص النية فيها، وفعْلها لله تعالى وحده، كما دل عليه حديثُ صحيحِ ابن حبان، فإنه -صلى الله عليه وسلم- ذكر فيه خصالًا: كالتصدُّق، وقول المعروف، وإعانة الضعيف، وترك الأذى، ثم قال: «والذي نفسي بيده، ما من عبد يعمل بخصلة منها يريد بها ما عند الله إلا أَخَذَتْ بيده يوم القيامة حتى يدخل الجنة»، وهو مُسْتَمَدٌّ من قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} النساء: 114.
وبهذا يَرِدُ ما رُوي عن الحسن وابن سيرين: "أنَّ فِعْلَ المعروف يُؤجَر عليه وإنْ لم تكن فيه نِيَّة"، بل رَوى حميد بن زَنْجَوِيْه عن الحسن: "أنَّ مَن أعطى آخر شيئًا حياءً منه له فيه أجر"، وأبو نعيم في الحلية عن ابن سيرين: "أنَّ مَن تَبِعَ جنازة؛ حياءً من أهلها، له أجرٌ؛ لِصِلَتِه الحي". الفتح المبين بشرح الأربعين (ص: 451).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
وفي الحديث: تجديد هذه الصدقات كل يوم شكرًا لله تعالى على ما أنعم به من العافية. تطريز رياض الصالحين (ص: 185).
وقال إسماعيل الأنصاري -رحمه الله-:
يستفاد منه (أي: هذا الحديث):
1. أنَّ تركيب عظام الآدمي وسَلامَتها مِن أَعْظَم نِعم الله تعالى عليه، فيحتاج كلُّ عَظْم منها إلى تَصدُّقٍ عنه بخصوصِه؛ لِيتِمَّ شُكْرَ تلك النعمة.
2. المداومة على النوافل كل يوم، وأنَّ العبادة إذا وقَعَت في يوم لا يعني عن يوم آخر، فلا يقول القائل مثلًا: قد فَعَلتُ أمسَ فأَجْزَأَ عني اليوم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «كل يوم تطلع فيه الشمس».
3. أنَّ الصدقة لا تنحصر في المال.
4. فضل الإصلاح بين الناس.
5. الحثُّ على حضور الجماعات، والمشي إليها، وعمارة المساجد بذلك.
6. الترغيب في إماطة الأذى، وفي معناه: توسيع الطُّرق التي تُضيِّق على المارَّة، وإقامة مَن يبيع ويشتري في وسط الطُّرق العامة.
7. أنَّ قليل الخير يحصل به كثير الأجر بفضل الله تعالى. التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثًا النووية (ص: 60-61).