«أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي قبلَ الظهرِ ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعدَ المغربِ ركعتين في بيته، وبعدَ العشاءِ ركعتين، وكان لا يصلي بعدَ الجمعةِ حتى ينصرفَ، فيصلي ركعتين».
رواه البخاري برقم: (937) واللفظ له، ومسلم برقم: (729)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
وزاد أحمد عنه برقم: (6260): «وأخبرتني حفصةُ: أنَّه كان يُصَلِّي ركعتين بعد طُلُوعِ الفجرِ».
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي قبل الظهر ركعتين»:
قال ابن الملقن -رحمه الله-:
قال ابن التين: معنى: «كان يصلي قبل الظهر ركعتين»: يتنفَّل بهما، ومقتضى هذا اللفظ المداومة عليهما. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (7/642).
وقال العراقي -رحمه الله-:
حكى السيف الآمدي خلافًا في دلالة (كان) على التّكْرَار، وصحح ابن الحاجب أنها تقتضي التكرار، قال: ولهذا استفدناه من قولهم: كان حاتم يُقْرِي الضيف، وصحَّح فخر الدين الرازي في المحصول أنها لا تقتضيه لا لغة ولا عرفًا...، وذكر الشيخ تقي الدين (ابن دقيق العيد) في شرح العمدة في مواضع منه أنها تقتضيه عرفًا، فعلى هذا ففي الحديث دلالة على تكرر فعل هذه النوافل من النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه كان هذا دَأْبُه وعادته. طرح التثريب (3/30).
وقال النووي -رحمه الله-:
المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أن لفظة (كان) لا يلزم منها الدوام ولا التكرار، وإنما هي فعل ماضٍ يدل على وقوعه مرة، فإن دل دليل على التكرار عمل به وإلا فلا تقتضيه بوضعها. شرح صحيح مسلم (6/21).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«كان يصلي قبل الظهر ركعتين» وهذا لا ينافي أنه كان يصلي أربعًا، ولعله -صلى الله عليه وسلم- صلى أربعًا في بيته، وركعتين خارج البيت، أو صلى ركعتين أحيانًا، اقتصر عليهما للعجلة. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (5/453).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
«كان يصلي قبل الظهر ركعتين» والتثنية لا تنافي الجمع، وبه يحصل الجمع بينه وبين ما روي أنه كان لا يدع أربعًا قبل الظهر. عون المعبود (4/94).
قوله: «وبعدها ركعتين»:
قال السهارنفوري -رحمه الله-:
«وبعدها» أي: بعد صلاة الظهر. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (5/453).
قوله: «وبعد المغرب ركعتين في بيته»:
قال الكوراني -رحمه الله-:
«في بيته» قيد لكل ما تقدم. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (3/53).
وقال العراقي -رحمه الله-:
ولعل قوله: «في بيته» متعلق بجميع المذكورات، فقد ذكر بعضهم أن التقييد بالظرف يعود للمعطوف عليه أيضًا، لكن توقَّف فيه ابن الحاجب في مختصره. طرح التثريب (3/36).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«في بيته» يعود على قاعدة الشافعي للظُّهر أيضًا، وعلى قول الحنفية: يختص بالآخر، وهو المغرب. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (4/316).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
«في بيته» الظاهر أنه قيد للأخيرة. عون المعبود (4/94).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فعلى هذا كل هذه الرواتب يفعل في بيته، فإن الظرف الأول (يعني: «في بيته») قيد نافلة الظُّهر قَبلًا وبَعْدًا، ونافلة بعد المغرب، والظرف الأخير قيد نافلة العشاء والجمعة، والأظهر أن الأول قيدٌ لنافلة المغرب؛ لقرينة أنه كان لا يفعلها إلا في منزله، حتى قيل: لا تصح إلا في المنزل، والظرف الآخر قيدٌ لنافلة الجمعة؛ لأنه الأقرب؛ ولأنه قد طال الفصل بين نافلة العشاء وبينه. التنوير شرح الجامع الصغير (8/581).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وقد اختلفت الآثار وعلماء السلف في صلاة النافلة في المسجد، وكرهها قوم لهذا الحديث؛ ولأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نظر إلى قوم يصلون بعد المغرب في المسجد فقال: «هذه صلاة البيوت».
ورخص فيها آخرون؛ لحديث ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد...، والذي عليه العلماء أنه لا بأس بالتطوع في المسجد لمن شاء، إلا أنهم مجْمِعُون على أن صلاة النافلة في البيوت أفضل؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة». الاستذكار (2/ 325).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
اختلف العلماء في تخصيصه الركعتين بعد المغرب بالبيت على خمسة أقوال:
الأول: قيل: لأنها من صلاة الليل، وصلاة الليل مخصوصة بالبيت.
الثاني: قيل: كان ينصرف إلى فطره، وتقديم الفطر أفضل من صلاة النافلة.
الثالث: قيل: إنما كان ينصرف لينصرف أصحابه إلى عَشَائهم وراحتهم؛ لأنه كان يَشُقُّ عليهم أن يتركوه في المسجد ويذهبوا عنه.
الرابع: قيل: إنما كان ينصرف إلى بيته ويخصه بالصلاة فيه في ذلك الوقت؛ لأنه الوقت الذي قال الله فيه: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} السجدة:16، فكان يحب أن يجعل من صلاته في مضجعه في ذلك الوقت، وكذلك الركعتان بعد الجمعة كان يصليهما في بيته، وأما المأموم فيصليهما حيث شاء.
الخامس: قيل: إنما كان يصليهما في ذلك الوقت؛ لأنه وقت غفلة، وهو الوقت الذي خرج فيه موسى خائفًا يترقب. المسالِك في شرح موطأ مالك (3/172).
قوله: «وبعد العِشاء ركعتين»:
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «وبعد العِشاء» أي: صلاة العشاء ركعتين، ولم يذكر أنهما في البيت، وقد ثبت ذلك، فيُحمل على فعل كل من الأمرين صلاهما في المسجد أحيانًا وفي البيت أحيانًا كذلك. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (5/1793).
قوله: «وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فيصلي ركعتين»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
«وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين» ولم يذكر شيئًا في الصلاة قبلها.
قال ابن المنير في الحاشية: كأنه يقول: الأصل استواء الظهر والجمعة حتى يدل دليل على خلافه؛ لأن الجمعة بدل الظُّهر، قال: وكانت عنايته بحكم الصلاة بعدها أكثر. فتح الباري (2/ 426).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «حتى ينصرف» أي: إلى البيت. الكواكب الدراري (6/45).
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «حتى ينصرف» أي: يدخل بيته، وليس المراد بالانصراف الانتهاء من الصلاة؛ لأنها عام في جميع النوافل بعد الصلاة لا تصلى إلا بعد الفراغ من الفريضة، (فيصلي) الفاء عاطفة. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (5/1794).
وقال المناوي -رحمه الله-:
يصلي ركعتين في بيته؛ إذ لو صلاهما في المسجد تُوهِّم أنَّهما المحذوفتان. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 277).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف» والحكمة في ذلك: أنه كان يبادر إلى الجمعة ثم ينصرف إلى القَائِلَة، بخلاف الظهر فإنه كان يُبْرِد بها، وكان يَقِيْلُ قبلها. فتح الباري (3/50).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
اختلف العلماء في هذا، فأخذ مالك برواية ابن عمر، وجعله في الإمام أشدَّ، وأوسع لغيره في الركوع في المسجد، مع استحبابه ألا يفعلوا.
ووجه ذلك -والله أعلم-: لئلا يتطرَّق أهل البدع إلى صلاتها ظهرًا أربعًا، أو يظن جاهلٌ ممن رآه يتنفل بعدها بركعتين أنها ظهرٌ، وروي عن جماعة من السلف أنه تُصلَّى بعدها ركعتين، ثم أربعًا، وهو مذهب الثوري وأبي يوسف، لكن استَحَبَّ أبو يوسف تقديم الأربع على الاثنين، واستحب الشافعي التنفل بعدها وإن كثر أفضل، وقال أبو حنيفة وإسحاق: فصلِّ أربعًا لا تفصل بينهن، وحُجة هؤلاء: الحديث، ومن جهة النظر: العلة المتقدمة، لئلا يَظُن إذا صلاها ركعتين إنها ظهر، وخيَّره أحمد في ركعتين أو أربع. إكمال المعلم (3/ 286-287).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وكرَّر ابن عمر ذكرها من أجل أنه -عليه السلام- كان يصليها في بيته، ووجه ذلك -والله أعلم-: أنه لما كانت الجمعة ركعتين لم يصلِّ بعدها صلاة مثلها؛ خشية أن يُظَن أنها التي حذفت منها، وأنها واجبة، فلما زال عن موطن القصد صلى في بيته. شرح صحيح البخاري (2/ 526).
وقال محمد بن رشد -رحمه الله-:
في ركوع الإمام وغيره في المسجد بعد الجمعة قال مالك: كان النبي -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- إذا صلى الجمعة انصرف من المسجد، ولم يركع بعدها في مقامه شيئًا.
قال مالك: والإمام يفعل ذلك، فأما الناس فمَن شاء ركع، ومن شاء لم يركع، قال ابن القاسم: وأحبُّ إلى غير الإمام أن يرجع إلى بيته فيصلي ركعتين. البيان والتحصيل (17/ 255).
وقال الباجي -رحمه الله-:
فأما في المسجد فلا يخلو أنْ يكون المصلي إمامًا أو مأمومًا، فأما الإمام فلا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف إلى منزله، قاله مالك، والدليل على ذلك: أنَّها صلاة فرض ركعتان غير مقصورة، يجهر بالقراءة فيهما، فكان للمنع تأثير في التنفل بعدها، كصلاة الصبح.
وأما المأموم فإنْ شاء ركع، وإنْ شاء لم يركع، واختار ابن القاسم أن لا يركع، ووجه ذلك: القياس الذي قدمناه، والفرق بين الإمام في ذلك والمأموم أنَّ الإمام شُرع له سرعة القيام من موضع مصلاه، ولا يقيم به، ولم يُشرع للمأموم. المنتقى شرح الموطأ (1/ 297).
وقال النفراوي المالكي -رحمه الله-:
وتستمر الكراهة بعد الجمعة لمن في المسجد حتى ينصرف الشخص من المسجد، أو حتى يُحْدِثَ، سواء كان إمامًا أو غيره، لكن الكراهة في حق الإمام أشد هذا هو المنصوص، وقال ابن عبد السلام: ويمتد وقت الكراهة حتى ينصرف أكثر المصلين لا كلهم، أو بمعنى زمن انصرافهم وإن لم ينصرفوا، والكراهة قيدها بعضهم بأن يكون الفاعل ممن يُقتدى به، أو يُخشى منه اعتقاد وجوبها، وأما مَن يفعلها مع العلم بندبها فلا كراهة، كما لو فعلها مقلِّدًا في فعلها القائل بطلبها، ولا سيما إذا كان يقع التنفل من جميع الحاضرين. الفواكه الدواني (1/ 265).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
قد دل هذا الحديث على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يصلي بعد الجمعة في المسجد شيئًا، وأنه كان ينصرف إلى بيته فيصلي ركعتين.
فتضمن ذلك: استحباب شيئين:
أحدهما: صلاة ركعتين بعد الجمعة.
والثاني: أن تكون في البيت. فتح الباري (8/ 321).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
اختلف العلماء في الصلاة بعد الجمعة، فقالت طائفة: يصلي بعدها ركعتين في بيته كالتطوع بعد الظهر، روي ذلك عن ابن عمر، وعمران بن حصين، والنخعي.
وقال مالك: إذا صلى الإمام الجمعة فينبغي أن يدخل في منزله ولا يركع في المسجد؛ لما روي عن النبي -عليه السلام- أنه كان ينصرف بعد الجمعة ولم يركع في المسجد، قال: ومَن خلفه أيضًا إذا سلَّموا، فأَحَبُّ إليَّ أن ينصرفوا ولا يركعوا في المسجد، وإن ركعوا فذلك واسع.
وقالت طائفة: يصلي بعدها ركعتين ثم أربعًا، روي ذلك عن علي، وابن عمر، وأبي موسى، وهو قول عطاء، والثوري، وأبي يوسف، إلا أن أبا يوسف استحب أن يقدم الأربع قبل الركعتين.
وقال الشافعي: ما أكثر المصلي بعد الجمعة من التطوع فهو أحب إليَّ.
وقالت طائفة: يصلي بعدها أربعًا لا يفصل بينهن بسلام، روي ذلك عن ابن مسعود، وعن علقمة، والنخعي، وهو قول أبي حنيفة، وإسحاق.
واحتج أهل المقالة الأولى بحديث ابن عمر: «أن النبي -عليه السلام- كان لا يصلي بعد الجمعة إلا ركعتين في بيته»، قال المهلب: وهما الركعتان اللتان تُصلى بعد الظهر في سائر الأيام. شرح صحيح البخاري (2/ 525).
وقال ابن رحب -رحمه الله-:
وقد اختُلف في الصلاة قبل الجمعة: هل هي من السنن الرواتب كسنة الظهر قبلها، أم هي مستحبة مرغَّب فيها كالصلاة قبل العصر؟
وأكثر العلماء على أنها سنة راتبة، منهم: الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وهو ظاهر كلام أحمد، وقد ذكره القاضي أبو يعلى في شرح المذهب وابن عقيل، وهو الصحيح عند أصحاب الشافعي.
وقال كثير من متأخري أصحابنا: ليست سُنة راتبة، بل مستحبة.
وقد زعم بعضهم: أن حديث ابن عمر المخرَّج في هذا الباب يدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يصلي قبل الجمعة شيئًا؛ لأنه ذَكَرَ صلاته بعد الجمعة، وذكر صلاته قبل الظهر وبعدها، فدل على الفرق بينهما.
وهذا ليس بشيء؛ فإن ابن عمر قد روي عنه ما يدل على صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل الجمعة...، ولعله إنما ذكر الركعتين بعد الجمعة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصليهما في بيته، بخلاف الركعتين قبل الظهر وبعدها، فإنه كان أحيانًا يصليها في المسجد، فبهذا يظهر الفرق بينهما. فتح الباري (8/ 333).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقال ابن التين: لم يقع ذكر الصلاة قبل الجمعة في هذا الحديث، فلعل البخاري أراد إثباتها قياسًا على الظهر، انتهى.
وقواه الزين ابن المنير بأنه قَصَدَ التسوية بين الجمعة والظُّهر في حكم التنفل كما قَصَدَ التسوية بين الإمام والمأموم في الحكم، وذلك يقتضي أن النافلة لهما سواء، انتهى.
والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما وقع في بعض طرق حديث الباب، وهو ما رواه أبو داود وابن حبان من طريق أيوب عن نافع قال: كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة، ويصلي بعدها ركعتين في بيته، ويحدِّث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك، احتج به النووي في الخلاصة على إثبات سُنة الجمعة التي قبلها، وتُعقب بأن قوله: «وكان يفعل ذلك» عائد على قوله: «ويصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته»، ويدل عليه رواية الليث عن نافع عن عبد الله أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته، ثم قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع ذلك»، أخرجه مسلم، وأما قوله: «كان يطيل الصلاة قبل الجمعة»، فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون مرفوعًا؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة، ثم بصلاة الجمعة، وإن كان المراد قبل دخول الوقت، فذلك مطلق نافلة لا صلاة راتبة، فلا حجة فيه لسُنَّة الجمعة التي قبلها، بل هو تنفُّل مطلق، وقد ورد الترغيب فيه كما تقدم في حديث سلمان وغيره، حيث قال فيه: «ثم صلى ما كتب له».
وورد في سُنة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفة:
منها: عن أبي هريرة رواه البزار بلفظ: «كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها أربعًا»، وفي إسناده ضعف.
وعن علي مثله رواه الأثرم والطبراني في الأوسط بلفظ: «كان يصلي قبل الجمعة أربعًا وبعدها أربعًا»، وفيه محمد بن عبد الرحمن السهمي وهو ضعيف عند البخاري وغيره، وقال الأثرم: إنه حديث واهٍ.
ومنها: عن ابن عباس مثله، وزاد «لا يفصل في شيء منهن» أخرجه ابن ماجه بسند واهٍ.
قال النووي في الخلاصة: إنه حديث باطل.
وعن ابن مسعود عند الطبراني أيضًا مثله، وفي إسناده ضعف وانقطاع، ورواه عبد الرزاق عن ابن مسعود موقوفًا وهو الصواب، وروى ابن سعد عن صفية زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- موقوفًا نحو حديث أبي هريرة. فتح الباري (2/ 426).
وقال ابن رحب -رحمه الله-:
اعلم أن التطوع بالصلاة يوم الجمعة قبل الجمعة له أربعة أوقات:
أحدها: ما قبل طلوع الشمس لمن بكَّر إلى الجمعة حينئذٍ، فهذا الوقت وقت نهي عن التطوع فيه بما لا سبب له، وما له سبب كتحية المسجد فيه اختلاف...، إلا من يقول: إن يوم الجمعة كله صلاة ليس فيه وقت يُنهى عن الصلاة فيه بالكلية، كما هو ظاهر كلام طاوس، فإنه قال: يوم الجمعة كله صلاة.
وقد قيل: إنه إنما أراد به وقت استواء الشمس خاصة.
والثاني: ما بين ارتفاع الشمس واستوائها، فيُستحب التطوع فيه بما أمكن، وخصوصًا لمن بكَّر إلى الجمعة.
والثالث: وقت استواء الشمس وقيامها في وسط السماء.
وقد اختلفوا: هل هو وقت نهي عن الصلاة في يوم الجمعة، أم لا؟
فمنهم: من قال: هو وقت نهي، كأبي حنيفة وأحمد.
ومنهم: من قال: ليس بوقت نهي، وهو مذهب مكحول والأوزاعي والشافعي...
ومنهم: من لم يره وقت نهي في جميع الأيام، كمالك...
والرابع: بعد زوال الشمس، وقبل خروج الإمام، فهذا الوقت يستحب الصلاة فيه بغير خلاف نعلمه بين العلماء سلفًا وخلفًا، ولم يقل أحد من المسلمين: إنه يُكره الصلاة يوم الجمعة، بل القول بذلك خرق لإجماع المسلمين، إنما اختلفوا في وقت قيام الشمس. فتح الباري (8/ 330-331).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد العشاء ركعتين» لا يعارضه ما ورد في أخبار أخرى أنه كان يصلي أربعًا قبل الظهر، وأربعًا بعدها، وأربعًا قبل العصر، وركعتين قبل المغرب، وركعتين قبل العشاء؛ لاحتمال أنه كان يصلي هذه العشرة وتلك في بيته، وأخبر كل راوٍ بما اطَّلع عليه، وأنه كان يواظب على هذه دون تلك، وهذه العشرة هي الرواتب المؤكدة لمواظبة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- عليهنَّ، وبقيت رواتب أخرى لكنها لا تتأكد كتلك. فيض القدير (5/223).
وقال العراقي -رحمه الله-:
فيه: استحباب النوافل المذكورة في هذا الحديث، وهي ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد الجمعة، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الصبح، فهذه عشر ركعات؛ لأن الركعتين بعد الجمعة لا يجتمعان مع الركعتين بعد الظهر إلا لعارض، بأن يصلي الجمعة وسنتها التي بعدها، ثم يتبين فسادها فيصلي الظهر ويصلي بعدها سُنَّتها، قُلْتُه تَفَقُّهًا. طرح التثريب (3/30).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال أصحابنا (يعني: الشافعية) وجمهور العلماء بهذه الأحاديث كلها (يعني: أحاديث صلاة النافلة)، واستحبوا جميع هذه النوافل المذكورة في الأحاديث السابقة، ولا خلاف في شيء منها عند أصحابنا إلا في الركعتين قبل المغرب، ففيهما وجهان لأصحابنا، أشهرهما: لا يُستحب، والصحيح عند المحققين استحبابهما بحديثي ابن مغفل، وبحديث: «ابتدارهم السواري بها» وهو في الصحيحين. شرح صحيح مسلم (6/9).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
والحديثان (أي حديث: «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَجْدَةً سِوَى الْمَكْتُوبَةِ»، وحديث: «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ») يدلان على مشروعية ما اشتملا عليه من النوافل، وأنها مؤقتة، واستحباب المواظبة عليها، وإلى ذلك ذهب الجمهور، وقد روي عن مالك ما يخالف ذلك، وذهب الجمهور أيضًا إلى أنه لا وجوب لشيء من رواتب الفرائض، وروي عن الحسن البصري القول بوجوب ركعتي الفجر. نيل الأوطار (3/21).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال أصحابنا (يعني: الشافعية) وغيرهم: واختلاف الأحاديث في أعدادها محمول على توسعة الأمر فيها، وأن لها أقل وأكمل، فيحصل أصل السنة بالأقل، ولكن الاختيار فَعْلُ الأكثر الأكمل، وهذا كما في اختلاف أحاديث الضحى، وكما في أحاديث الوتر، فجاءت فيها كلها أعدادها بالأقل والأكثر، وما بينهما؛ ليدل على أقل المجْزِئِ في تحصيل أصل السنة، وعلى الأكمل والأوسط. شرح صحيح مسلم (6/9).
وقال العيني -رحمه الله-:
واعلم أن اختلاف الأحاديث في أعداد النوافل الراتبة محمول على توسعة الأمر فيها، وأن لها أقل وأكثر، فيحصل أقل السنة بالأقل، ولكن الاختيار فعل الأكثر الأكمل. شرح سنن أبي داود (5/142).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «قبل الظهر ركعتين» الاختلاف في الأفعال يُحمل على الأحيان، فإن لم يأتِ ما يدل على الدوام في شيء منهما فالأمر واضح، وإن جاء بحمل ذلك على الغلبة أو على علم الراوي، ولا بد من مثل هذا الحَمْلِ في جميع ما جاء من الاختلاف في الأفعال فاحفظه. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (2/34).
وقال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان -حفظه الله-:
الحديث دليل على مشروعية التنفل بهذه الرواتب، وهي ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد صلاة الجمعة، وركعتان بعد صلاة المغرب، وركعتان بعد صلاة العشاء، وركعتان خفيفتان قبل صلاة الفجر.
فالرواتب عشر، كما عدها ابن عمر -رضي الله عنهما-...، وقد حفظها ابن عمر -رضي الله عنهما- من مشاهدة النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد أو في بيت أخته حفصة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أو في مواطن أخرى...، وقد ورد في حديث عائشة -رضي الله عنها- لما سئلت عن تطوع النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: «كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعًا، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين...» الحديث.
وهذا يفيد أن الرواتب ثنتا عشرة ركعة، ويؤيد ذلك حديث أم حبيبة الآتي: «من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بُني له بهن بيت في الجنة».
فابن عمر ذكر ما اطَّلَع عليه وهو عشر ركعات، وحديث عائشة فيه زيادة، وكذا حديث أم حبيبة، فمن فعل ذلك حصل على خير كثير وثواب عظيم، مع ما في ذلك من التأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
ويحتمل: أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي مرة عشرًا على ما في حديث ابن عمر، واثنتي عشرة على ما في حديث عائشة، وهذا قريب؛ لأن عائشة -رضي الله عنها- إنما تطَّلع على ما يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان في بيتها، وهو ليس عندها إلا يومان من تسعة أيام منذ وهبت سودة يومها لعائشة -رضي الله عنهما-، وابن عمر قد يطَّلع على بقية الأيام في المسجد أو في بيت حفصة أو في مواضع أخرى كما تقدم. منحة العلام شرح بلوغ المرام (ص: 214-215).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قال بعض العلماء: لو لم يبينها (يعني: هذه الرواتب) لتقطعت فيها الرقاب، ولكن قال: هي أربع قبل الظهر، واثنان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء. المسالِك في شرح موطأ مالك (3/170).
وقال العراقي -رحمه الله-:
وقد اختلف أصحابنا الشافعية في المؤكَّد من هذه المستحبات على خمسة أوجه، قال الأكثرون: المؤكد منها ما في حديث ابن عمر.
ومنهم: من نقص ركعتي العشاء، نص عليه الشافعي في البُوَيْطِي، وبه قال الخضري.
ومنهم: من زاد على العشر ركعتين أُخريين قبل الظهر، فصَيَّرَهُن أربعًا، وعزاه ابن قدامة في المغني للشافعي.
ومنهم: من زاد على هذا أُخريين بعد الظُّهر فصيَّرهن أربعًا أيضًا.
ومنهم: من زاد على هذا أربعًا قبل العصر، فرأى جميع ذلك مؤكدًا، قال صاحب المهذب وجماعة: أدنى الكمال عشر ركعات، وهو الوجه الأول، وأتم الكمال ثمان عشرة ركعة، وهو الوجه الأخير، وزاد على هذا المحاملي في اللُّباب والنووي في شرح المهذب فاستحبَّا ركعتين قبل العشاء، وحكاه الماوردي عن البويطي، ويدل له حديث «بين كل أذانين صلاة». طرح التثريب (3/33).
وقال العراقي -رحمه الله- أيضًا:
آكد هذه الرواتب: ركعتا الفجر، وفي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: «لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على شيء من النوافل أشد تَعَاهُدًا منه على ركعتي الفجر»...
وقولي: هذه الرواتب، احْتَرَزْتُ به عن الوتر، فهو أفضل مِن ركعتي الفجر على الأصح من قول الشافعي، وهو مذهب مالك، والقول الآخر تفضيل ركعتي الفجر، ولم أرَ لأصحابنا تعرضًا لآكد الرواتب بعدهما.
وقال المالكية والحنابلة: آكدها بعدهما الركعتان بعد المغرب...، وأما الآكد بعدهما فيحتمل أنه الركعتان بعد العشاء؛ لأنهما من صلاة الليل، وهي أفضل، ويحتمل أنه سُنة الظُّهر لاتفاق الروايات عليها. طرح التثريب (3/35).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال العلماء: والحكمة في شرعية النوافل تكميل الفرائض بها إنْ عرض فيها نقص، كما ثبت في الحديث في سنن أبي داود وغيره، ولِتَرْتَاضَ نفسه بتقديم النافلة، ويتنشط بها، ويتفرغ قلبه أكمل فراغ للفريضة؛ ولهذا يستحب أن تُفتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين كما ذكره مسلم. شرح صحيح مسلم (6/10).
وقال العراقي -رحمه الله-:
قال العلماء: الحكمة في مشروعية الرواتب قبل الفرائض وبعدها: تكميل الفرائض بها إن عرض نقص كما ثبت في سنن أبي داود وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاتُه، فإذا صلحت فقد أَفْلَح وأَنْجَح، وإن فسدت خَاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب -تبارك وتعالى-: انظروا هل لعبدي مِن تَطَوُّع فيكمل بها ما انتقص من فريضته، ثم يكون سائر عمله على ذلك».
وفي النوافل التي قبل الفريضة معنى آخر وهو رياضة النفس بالدخول في النافلة، وتصفيتها عمَّا هي مكتفية به من الشواغل الدنيوية؛ ليتفرغ قلبه للفريضة أكمل فراغ، ويحصل له النشاط.
واقتضى كلام الشيخ تقي الدين في شرح العمدة أن المعنى الأول خاص بالنوافل التي بعد الفرائض، فقال: وأما السُّنن المتأخرة فقد ورد أن النوافل جابرة لنقصان الفرائض، فإذا وقع الفرض ناسَبَ أن يكون بعده ما يجبر خللًا فيه إن وقع. انتهى.
وليس كذلك فالذي ذكره غيره حصول الجبر بالنوافل المتقدمة والمتأخرة، والحديث المتقدم يعم سائر التطوعات ولو تقدمت على الفرائض. طرح التثريب (3/34-35).
وقال العراقي -رحمه الله- أيضًا:
واتفق العلماء على أفضلية فعل النوافل المطلقة في البيت، واختلفوا في الرواتب فقال الجمهور: الأفضل فعلها في البيت أيضًا، وسواء في ذلك راتبة الليل والنهار. طرح التثريب (3/36).
وقال النووي -رحمه الله-:
فيه استحباب النوافل الراتبة في البيت كما يستحب فيه غيرها، ولا خلاف في هذا عندنا، وبه قال الجمهور، وسواء عندنا وعندهم راتبة فرائض النهار والليل، قال جماعة من السلف: الاختيار فعلها في المسجد كلها.
وقال مالك والثوري: الأفضل فعل نوافل النهار الراتبة في المسجد، وراتبة الليل في البيت، ودليلنا: هذه الأحاديث الصحيحة، وفيها التصريح بأنه -صلى الله عليه وسلم- يصلي سنة الصبح والجمعة في بيته، وهما صلاتا نهار، مع قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة»، وهذا عام صحيح صريح لا معارض له فليس لأحد العدول عنه. شرح صحيح مسلم (6/9-10).
وقال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان -حفظه الله-:
وصلاة النافلة في البيت فيها فوائد عظيمة، منها:
1- تمام الخشوع والإخلاص والبُعد عن الرياء.
2- تحقيق الخيرية الموعود بها، ومن ذلك نزول الرحمة، وطرد الشيطان، ومضاعفة الأجر، ووجود القدوة الصالحة، وتربية أهل البيت من النساء والصغار.
3- أن فعلها في المنزل يُخرج البيت عن كونه كالمقبرة.
4- امتثال أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي حثنا على صلاة النافلة في البيت. منحة العلام شرح بلوغ المرام (ص: 215-216).
وقال العراقي -رحمه الله-:
فيه: استحباب ركعتين بعد صلاة الجمعة، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعًا»، وفي رواية له: «إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعًا»، وفي رواية له «من كان منكم مصليًا بعد الجمعة فليصل أربعًا»...، وقال إسحاق: إن صلى في المسجد يوم الجمعة صلى أربعًا، وإن صلى في بيته صلى ركعتين، واحتج بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بعد الجمعة في بيته. طرح التثريب (3/37-38).
وقال العراقي -رحمه الله- أيضًا:
قد يستدل به على أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يكن يصلي قبل صلاة الجمعة شيئًا؛ إذ لو وقع ذلك منه لضُبط كما ضُبطت صلاته بعدها، وكما ضُبطت صلاته قبل الظهر. طرح التثريب (3/41).
وقال العراقي -رحمه الله- أيضًا:
فيه: أن الأفضل في سنة الجمعة التي بعدها فِعْلُها في البيت كسائر الرواتب، وبه قال أصحابنا والجمهور، وذهب مالك وأصحابه إلى أن الأفضل للإمام أن لا يَتَنَفَّل بأثرها في المسجد، ووسع في ذلك للمأموم. طرح التثريب (3/44).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
أما قوله: «وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف» فإن الفقهاء اختلفوا في ذلك –أعني: التطوع بعد الجمعة خاصة-:
فقال مالك: ينبغي للإمام إذا سلم من الجمعة أن يدخل منزله ولا يركع في المسجد، ويركع الركعتين في بيته إن شاء، على حسب ما رواه في ذلك.
قال: وأما مَن خَلْفَ الإمام فأحب إليَّ أن ينصرفوا أيضًا ولا يركعوا في المسجد، وإن ركعوا فذلك واسع.
وقال الشافعي: ما أكثرَ المصلي التطوعَ بعد الجمعة فهو أحبُّ إليَّ.
وقال أبو حنيفة: يصلي أربعًا، وقال في موضع آخر: يصلي ما شاء. المسالِك في شرح موطأ مالك (3/171).
وقال العراقي -رحمه الله-:
استُدل به على أن الأفضل في نوافل الليل والنهار أن تكون مثنى، أي: يسلِّم من كل ركعتين؛ لأن هذه النوافل بعضها ليليَّة وبعضها نهارية، وكلها ركعتان ركعتان، ويؤيد ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: «صلاة الليل مثنى مثنى» رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر، وفي سنن أبي داود وصحيح ابن حبان من حديثه أيضًا: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى»، وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد والجمهور.
وقال أبو حنيفة: الأفضل في نوافل الليل والنهار أن تكون أربعًا أربعًا.
وقال صاحباه أبو يوسف ومحمد: الأفضل في الليل مثنى مثنى، وفي النهار أربع أربع، وهذا الحديث وما في معناه حجَّة عليهم. طرح التثريب (3/48-49).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
وفيه: أن صلاة النوافل في الخلوة أولى. الكواكب الدراري (6/45).