الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«إنَّ الميِّتَ إذا وُضِعَ في قبرِهِ إنَّه لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إذا انْصَرَفُوا».


رواه البخاري برقم (1338)، ومسلم برقم: (2870) واللفظ له، من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-. 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«خَفْق»:
الْخفْقُ صوت النعل وما أشبهه، من الأصوات. تهذيب اللغة، للأزهري (7/ 20).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
«خَفق نعَالهمْ»: وهو صوتُ ضَرْبِها الأرض، ولا يُسْتَعْمل ذلك إلَّا في الضَّرْب بالشَّيء العريض، ومنه سُميت الدُّرَّة مِخْفَقَة، وفي حديث عمر: «فَضَربهُ بالْمِخْفَقَة». مشارق الأنوار(1/ 245).


شرح الحديث


قوله: «إن الميت إذا وُضع في قبره»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«إذا وُضِعَ» بالبناء للمفعول. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (20/ 78).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قوله: «إذا وُضع في قبره» كيفية وضعه: أن يكون مستقبل القبلة على شقه الأيمن؛ لأنه كذلك فُعِلَ برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك كان يفعله، فلو وُضع على اليسار كُره ولم يُنبش، وقضية كلام بعض أصحابنا (الشافعية) أنه لا يجوز، وأما وضعه للقبلة فهو واجب على الأصح. التوضيح (10/ 34).
وقال ابن يونس الصقلي -رحمه الله-:
ويُجعل الميت في قبره ‌على ‌شقه ‌الأيمن ‌مستقبِل ‌القبلة؛ لقوله عليه السلام: «أشرف المجالس ما استُقبل به القِبلة»، وقد رُوي عن السلف أنهم أَمروا أن يُفعل ذلك بهم عند احتضارهم؛ ولأن الميت كان يعظِّم هذه الجهة في حياته فيُوجَّه إليها بعد وفاته، فإن لم يقدر جُعلت رِجلاه إلى القِبلة واستقبلها بوجهه، كالمريض الذي يُوجَّه إلى الصلاة. الجامع لمسائل المدونة (3/ 1061).

قوله: «إنه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«إنه ليسمع خَفْقَ نعالهم» أي: صوت دَوْسِها «إذا انصرفوا» ورجعوا من عند قبره. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (26/ 39).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
خفق النعال: أي صوتها عند ‌دَوْسِها ‌على ‌الأرض. الكواكب الدراري (7/ 117).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«‌خفق ‌نعالهم» أي: قعقعة نعال المشَيِّعِين له. التيسير (1/ 303).
وقال السندي -رحمه الله-:
«يسمع خفق نعالهم» بفتح معجمة وسكون فاء فقاف، أي: صوت نعالهم على الأرض إذا مشوا. فتح الودود (4/ 506).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«يسمع خفق نعالهم»؛ لِعَوْدِ الروح إليه، فيلبسه إلى نصفه، ومن ثم لا يسأله الملكان إلا بعد أنْ يُجلساه. فتح الإله في شرح المشكاة (1/506).
وقال الشيخ محمد بن علي آدم الإتيوبي -رحمه الله-:
وخفق النعال: تصويتها، فهو بمعنى قرع النعال. ذخيرة العقبى (20/ 78).
وقال العيني -رحمه الله-:
«نعالهم» أي: نعال الناس الذين حول قبره من الذين باشروا دفنه وغيرهم. عمدة القاري (8/ 144).
وقال المظهري -رحمه الله-:
إذا رجع أصحابه عن المقبرة، وتوجهوا إلى أوطانهم، دخل الملكان عليه في تلك الساعة قبل أن يمضي زمان بعيد، بل يَسمع الميت صوت نعال أصحابه في رجوعهم على رأس قبره حين أتاه الملكان. المفاتيح (1/ 220).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فيه حجة لمن يقول: إن الميت يسمع كلام الأحياء كما يسمع قرع النعال. شرح سنن أبي داود (18/ 357).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
الميت يسمع في الجملة كلام الحي، ولا يجب أن يكون السمع له دائمًا، بل قد يسمع في حال دون حال، كما قد يعرض للحي، فإنه قد يسمع أحيانًا خطاب من يخاطبه، وقد لا يسمع؛ لعارض يعرض له، وهذا السمع سمع إدراك، ليس يترتب عليه جزاء، ولا هو السمع المنفي بقوله: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} النمل: 80، فإن المراد بذلك: سمع القبول والامتثال؛ فإن الله جعل الكافر كالميِّت الذي لا يستجيب لمن دعاه، وكالبهائم التي تسمع الصوت ولا تفقه المعنى، فالميت وإن سمع الكلام وفَقِهَ المعنى فإنه لا يمكنه إجابة الداعي، ولا امتثال ما أُمر به ونهي عنه، فلا ينتفع بالأمر والنهي، وكذلك الكافر لا ينتفع بالأمر والنهي وإن سمع الخطاب وفهم المعنى. مجموع الفتاوى (24/ 364).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فلا يحول بينه وبيّن سماع ذلك (أي: صوت النعال) القبر. التنوير (3/ 543).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وخبر أنس يدل على ‌جواز ‌لبس ‌النعل لزائر القبور، وللماشي بحضرتها وبين ظهرانيها. معالم السنن (1/ 317).
وقال ابن الجوزي تعليقًا على كلام الخطابي -رحمهما الله-:
وليس في هذا الحديث سوى الحكاية عمن يدخل المقابر بالنعل؛ وذلك لا يقتضي إباحة ولا تحريمًا، ويدل على أنه أمره بخلعهما؛ احترامًا للقبور: أنه نهى عن الاستناد إلى القبر والقعود عليه. كشف المشكل (3/ 242، 243).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
واستُدل به على جواز المشي بين القبور بالنعال، ولا دلالة فيه. فتح الباري (3/ 206).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
فهذا إخبار منه -عليه السلام- بما يكون بعده، وأن الناس من المسلمين سيلبسون النعال في مدافن الموتى إلى يوم القيامة، على عموم إنذاره -عليه السلام- بذلك، ولم ينه عنه، والأخبار لا تُنسخ أصلًا، فصحَّ إباحة لباس النعال في المقابر، ووجب استثناء السَّبْتِيَّة منها (وهي النعال المدبوغ بالقرظ)؛ لنصِّه -عليه السلام- عليها. المحلى (3/ 361).
وقال الشوكاني تعليقًا على كلام ابن حزم -رحمهما الله-:

وخُصَّ ‌المنع ‌بِالسِّبْتِيَّةِ، وجعل هذا جمعًا بين الحديثين، وهو وهم؛ لأن سماع الميت لخفق النعال لا يستلزم أن يكون المشي على قبر أو بين القبور؛ فلا معارضة. نيل الأوطار (4/ 107).


ابلاغ عن خطا