«أَمَرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعَتَاقَةِ في كسوفِ الشمسِ».
رواه البخاري برقم: (2519)، من حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«بِالعَتَاقَةِ»:
بفتح العين، ووَهِمَ مَن كَسَرَها، يقال: عَتَقَ يَعْتِقُ عِتَاقًا وَعَتَاقَةً، والمرادُ الإعْتَاقُ وهو مَلْزُومُ العَتَاقَةِ. فتح الباري، لابن حجر (5/ 150).
وقال هشام الوقشي -رحمه الله-:
مفتوحة العين، ومَن كسرها فقد أخطأ. التعليق على الموطأ (2/ 232).
وقال اليفرني -رحمه الله-:
يقال للتخلص من العبودية والرّق: عِتق -بكسر العين-، وعَتاق وعَتَاقة -بفتح العين-. الاقتضاب(2/ 325).
«كسوف الشمسِ»:
الكسُوُفِ: هو التغيير للسواد، تقول: كَسَفَ وجهُه: تغيَّر، وهو هنا: ذهابُ النورِ أو بعضه، وهو والخسوفُ بمعنًى، سواء أُسند للشمس أو للقمر. اللامع الصبيح، للبرماوي (4/ 455).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
الكسوف: التَّغَيُّر، والخسوف: النقصان، قاله الأَصْمَعِيُّ، فكسوف الشمس والقمر وخسوفهما تغيرهما ونقصان ضوئهما، وقال بعض اللُّغَوِييِّن: لا يقال في الشمس إلا كَسَفَتْ، ولا في القمر إلا خَسَفَ، وذُكر هذا عن عروة، وقال الليث بن سعد: الخسوف في الكل، والكسوف في البعض، يعني: في الشمس والقمر، والمعروف الأول. اختصار صحيح البخاري وبيان غريبه (1/ 384-385).
شرح الحديث
قوله: «أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بِالْعَتَاقَةِ»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «لقد أَمر» وفي رواية أبي داود: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر»، وفي رواية الإسماعيلي: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمرهم»، والظاهر أن الأمر للاستحباب؛ ترغيبًا للناس في فعل البر. عمدة القاري (7/ 86).
وقال العيني -رحمه الله- أيضًا:
وهذا الأمر للاستحباب؛ لترغيب الناس في الخير؛ كما أمرهم بالصَدقة. شرح سنن أبي داود (5/ 46، 47).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-» أمر ندب. إرشاد الساري (2/ 274).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
فالأمر محمول على الاستحباب دون الوجوب بالإجماع. بذل المجهود (5/ 320).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
والأمر فيه محمول على الندب؛ للترغيب في الخير؛ كالأمر بالصلاة والصدقة والدعاء. المنهل العذب المورود (7/ 40).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«بِالْعَتَاقَة» أي: فَكّ الرقاب من العبودية، فالإعتاق وسائر الخيرات مأمور بها في خسوف الشمس والقمر؛ لأن الخيرات تَدفع العذاب. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1314).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«العَتَاقَة» بفتح العين: الإعتاق. اللامع الصبيح (4/ 475).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «بالعَتَاقَة» بفتح العين، أي: بإعتاق العبيد والإماء. فتح الودود (1/ 679).
قوله: «في كُسُوفِ الشمس»:
قال السهارنفوري -رحمه الله-:
«في صلاة الكسوف» أي: مع صلاة الكسوف. بذل المجهود (5/ 319).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
إنما يخوِّف الله عباده بالآيات؛ ليتقربوا إليه بالأعمال الصالحة، كالصلاة والعتق والصدقة، وجاء أن العتق يَفُكُّ المؤمن من النار، وقد قَرَن الله في كتابه العتق بالصدقة فقال: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} البلد: 11 - 14، وبأعمال البر كلها يدفع الله البلاء والنقم عن عباده. شرح صحيح البخاري (3/ 46، 47).
وقال ابن بطال -رحمه الله- أيضًا:
قال المهلب: إنما أَمَرَ بالعتاقة في الكسوف؛ لأن بالعتق يستحق العتق من النار، والكسوف آية من آيات الله، قال الله: {ومَا نُرْسِلُ بِالآيَات إلا تَخويفًا} الإسراء: 59، فلذلك صلى -عليه السلام- وأطال الصلاة؛ من أجل الخوف الذي توعَّد الله عليه في القرآن، وأمر بالعتاقة. شرح صحيح البخاري (7/ 36).
وقال المظهري -رحمه الله-:
اعلم أن الإعتاق وسائر الخيرات مأمور بها في خسوف الشمس والقمر كليهما؛ لأن الخيرات ترفع العذاب. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 365).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«في كسوف الشمس» بالكاف؛ ليرفع الله بها البلاء عن عباده. إرشاد الساري (2/ 274).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«في صلاة الكسوف» لأنها (أي العتاقة) من أفضل القُرب، ينبغي فعلها عند رؤية أعظم الآيات؛ ليعْتِق الله عباده مكافأة على إعتاقهم. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 524).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
وهل يقتصر على العتاقة، أو هي من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى؟
الظاهر الثاني؛ لقوله تعالى: {ومَا نُرْسِلُ بِالآيَات إلا تَخويفًا} الإسراء: 59، وإذا كانت من التخويف فهي داعية إلى التوبة والمسارعة إلى جميع أفعال البر، كل على قدر طاقته.
ولما كان أشد ما يتوقع من التخويف النار؛ جاء الندب بأعلى شيء يتَّقي به النار؛ لأنه قد جاء: «من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضوًا منه من النار»، فمن لم يقدر على ذلك فليعمل بالحديث العام، وهو قوله -عليه الصلاة والسلام-: «اتقوا النار ولو بشق تمرة»، ويأخذ من وجوه البِر ما أمكنه، قاله ابن أبي جمرة. إرشاد الساري (2/ 275).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وأفعال البِر كلها مندوبة عند الآيات، يدفع الله بها البلاء عن عباده، لا سيما العتق والصدقة الكثيرة. شرح سنن أبي داود (6/ 97).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وأفعال البِر كلها متأكَّدة عند الآيات، لا سيما العتق. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 268).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: كيف دل الحديث على استحباب العتاقة في الآيات؟
قلتُ: بالقياس على الكسوف؛ لأنه أيضًا آية. الكواكب الدراري (11/ 76، 77).
وقال الكرماني -رحمه الله- أيضًا:
واعلم أن أعمال البر كلها مندوبة عند الآيات؛ لأن بها يرفع الله البلاء عن عباده، سيما فك الرقاب. الكواكب الدراري (6/ 143).