كان رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إذا دعا بدأَ بنفسِهِ، وقال: «رحمةُ اللَّهِ علينا وعلى موسى، لو صبرَ لرأى مِن صاحبِهِ العَجَبَ».
رواه أحمد برقم: (21126) وأبو داود برقم: (3984) واللفظ له، والترمذي برقم:(3385) مختصرًا ، والنسائي في السنن الكبرى برقم: (11248)، من حديث أُبي بن كعب -رضي الله عنه-.
وأصله في البخاري برقم: (3401)، ومسلم برقم: (2380).
صحيح الجامع برقم: (4720).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«صَبَر»:
أصل الصبر: الحبس. النهاية، لابن الأثير (3/ 7).
قال الجوهري -رحمه الله-:
والصبر: حبس النفس عن الجزع. الصحاح (2/ 706).
وقال الراغب -رحمه الله-:
والصبر: حبس النَّفْس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسها عنه. المفردات (ص: 474).
«العَجَبَ»:
العَجَبَ: في اللغة: أن تُنْكِرَ الشيء فتعْجَب منه. شمس العلوم، نشوان الحميري (7/ 4397).
قال الراغب -رحمه الله-:
والعَجَبُ والتَّعَجُّبُ: حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء؛ ولهذا قال بعض الحكماء: العجب ما لا يعرف سببه. المفردات(ص: 547).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
وإنما يَتعجبُ الآدمي من الشيء إذا عظُم موقعه عنده، وخفي عليه سببه. النهاية (3/ 184).
شرح الحديث
قوله: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دعا بدأ بنفسه»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «كان إذا دعا» لغيره «بدأ بنفسه». التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 392).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
فالبداية بالنفس هديه في الدعاء للغير، سواء كان حاضرًا، أو غائبًا، حيًّا أو ميتًا، طلبه الدعاء، أو دعا له ابتداءً من تلقاء نفسه. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 395).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا دعا بدأ بنفسه، قال:» يوضح هذا رواية أحمد عن ابن عباس، عن أُبِي بن كعب: «كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا ذكر أحدًا فدعا له بدأ بنفسه، فقال ذات يوم: رحمة اللَّه علينا وعلى موسى» وهذا الحديث رواه الترمذي، ورواه النسائي: «كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا دعا بدأ بنفسه وقال: رحمة اللَّه علينا وعلى صالح، رحمة اللَّه علينا وعلى أخي عادٍ» يعني: هودًا...
وفي هذِه الروايات: دليل على أدب من آداب الدعاء، وهو أن يبدأ الداعي في الدعاء بنفسه ووالديه وإخوانه المسلمين، ويدل عليه قوله تعالى حكاية عن إبراهيم -عليه السلام-: {َبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم: 41.
وروى ابن أبي شيبة عن سعيد بن يسار قال: جلست إلى ابن عمر -رضي الله عنه- فذكرت رجلًا فترحَّمت عليه، فضرب صدري وقال: ابدأ بنفسك. شرح سنن أبي داود (16/ 119-120).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«بدأ بنفسه» لأنه لا يستغني عن الله أحد، وورد في الصحيح: «ابدأ بنفسك»، وفيه تعليم للأمَّة وإيماء إلى أنه إذا قُبل دعاؤه لنفسه، فلا يرد دعاؤه لغيره. مرقاة المفاتيح (4/ 1537).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«بدأ بنفسه» ليكون أقرب إلى الإجابة، ووسيلة إلى الفوز. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1720).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
قوله: «بدأ بنفسه» لأن السؤال للغير وترك نفسه يُوهِم أنه غني عنه؛ ولأنه لو أُوتي له ما سأل فهو يكون قد أحرز نصيبًا منه. الكوكب الدري على جامع الترمذي (4/ 335).
وقال محمد زكريا الكاندهلوي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
المعنى: أنَّ الغير لو استُجيب في حقه دعاء هذا الداعي، فيكون هو أيضًا محرزًا لذلك؛ لتشريكه نفسه في الدعاء، فإن الله -عز اسمه- أكرم من أنْ يقبل بعضًا ويترك بعضًا، وهذا أوجه مما قاله القاري: فيه إيماء إلى أنَّه إذا قبل دعاءه لنفسه فلا يَرَد دعاءه لغيره، انتهى؛ وذلك لأن إجابة الدعاء في حق الغير أرجى من الإجابة لنفسه...، ويُشكل على الحديث ما في المشكاة برواية مسلم عن أبي الدرداء مرفوعًا: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملَك مؤكَّل كلما دعا لأخيه بخير قال الملَك المؤكَّل به: آمين ولك بمثل»، ويمكن الجواب عنه: أنَّ دعوته لنفسه إذا انضمت بدعاء الملَك تكون أرجى للقبول، ثم بداية نفسه في الدعاء للغير ليس بضروري، كما أشار إليه البخاري في صحيحه؛ إذ ترجم بقوله: "باب: قول الله -تبارك وتعالى-: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} التوبة: 103، ومن خص أخاه بالدعاء دون نفسه" ثم ذكر الروايات المؤيدة لذلك. تحقيق الكوكب الدري على جامع الترمذي (4/ 335).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله في حديث أُبي بن كعب: «بدأ بنفسه» هذا هو الذي دل عليه القرآن: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا} الحشر: 10، {اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا} نوح: 28، الآية، ووجهه حديث: «ابدأ بنفسك»؛ لأن جلب الخير لنفس الإنسان، ودفع الضر عنها، أهم من جلبه لغيره. التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/ 34).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «كان إذا دعا بدأ بنفسه»... ومن ثم نَدبوا للداعي أن يبدأ بالدعاء لنفسه قبل دعائه لغيره؛ فإنه أقرب إلى الإجابة؛ إذ هو أَخْلَص في الاضطرار، وأَدْخَل في العبودية، وأَبْلغ في الافتقار، وأبعد عن الزهو والإعجاب؛ وذلك سنة الأنبياء والرسل قال نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} نوح: 28، وقال الخليل: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} إبراهيم: 35، وقال: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} إبراهيم: 40، {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} الأنعام: 90. فيض القدير (5/ 132).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«بدأ بنفسه» ثم ثنَّى بغيره، ثم عمَّم؛ اتباعًا لملة أبيه إبراهيم، فتتأكَّد المحافظة على ذلك، وعدم الغفلة عنه، وإذا كان لا أحد أعظم من الوالدين، ولا أكبر حقًّا على المؤمن منهما، ومع ذلك قدَّم الدعاء للنفس عليهما في القرآن في غير موضع، فغيرهما أولى. فيض القدير (5/ 134).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«بدأ بنفسه»... ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: «ابدأ بنفسك»، أَخَذ منه أئمتنا قولهم: يُسن لمن أراد أنْ يدعو لغيره أنْ يبدأ بنفسه، أي: لأن الدعاء إرفاق وإمداد للمدعو له، والنفس أحق بذلك من الغير، وأُفْهِم إطلاقهم أنَّه لا فَرْقَ في الغير بين الحي والميت، الأفضل وغيره، وفيه بُعْد فيمن أراد أنْ يدعو للأنبياء والآل والصحابة، فالذي يتَّجه تقديمهم؛ لأن تقديم الصلاة على نبينا -صلى الله عليه وسلم- أول الدعاء من آكد آدابه، ويلزم من تقديمها: تقديم الأنبياء عقبه، ثم الآل والأصحاب، وتابعيهم بإحسان تبعًا، فهذا مُستثنى لذلك. فتح الإله في شرح المشكاة (7/299-300).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «وكان إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه» هذا إنما كان يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأدعية وأشباهها، مما يعود عليه بالثواب والأجر الأخروي؛ حرصًا على تحصيل المنازل الرفيعة عند الله تعالى، كما قال في الوسيلة: «إنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو»، وحاصله: أن القُرب من الله تعالى، وثوابه ليس مما يُؤثر الغير به بل تنبغي المنافسة فيه، والمسابقة إليه، بخلاف أمور الدنيا وحظوظها، فإنَّ الفضل في تركها، وإيثار الغير بما يحوز منها. المفهم (6/ 206).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله: «وكان إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه»... قال أصحابنا: فيه استحباب ابتداء الإنسان بنفسه في الدعاء وشبهه من أمور الآخرة، وأما حظوظ الدنيا فالأدب فيها الإيثار وتقديم غيره على نفسه.
واختلف العلماء في الابتداء في عنوان الكتاب: فالصحيح الذي قاله كثيرون من السلف، وجاء به الصحيح: أنه يبدأ بنفسه فيقدمها على المكتوب إليه، فيقال: من فلان إلى فلان، ومنه حديث كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل -عظيم الروم-، وقالت طائفة: يبدأ بالمكتوب إليه؛ فيقول: إلى فلان من فلان، قالوا: إلا أن يكتب الأمير إلى من دونه أو السيد إلى عبده أو الوالد إلى ولده ونحو هذا. شرح مسلم (15/ 144).
وقال ابن حجر -رحمه الله- في التعليق على رواية مسلم:
(قوله:) «وكان إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه رحمة الله علينا وعلى أخي كذا»... وقد ترجم المصنف (أي: البخاري) في الدعوات: من خص أخاه بالدعاء دون نفسه، وذكر فيه عدة أحاديث، وكأنه أشار إلى أن هذه الزيادة وهي «كان إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه» لم تثبت عنده. فتح الباري (8/ 425).
وقال ابن حجر -رحمه الله- أيضًا:
قوله (أي: البخاري): "ومن خَصَّ أخاه بالدعاء دون نفسه"، في هذه الترجمة إشارة إلى رد ما جاء عن ابن عمر -رضي الله عنه- أخرج ابن أبي شيبة والطبري من طريق سعيد بن يسار قال: ذكرت رجلًا عند ابن عمر فترحمت عليه فلَهَزَ في صدري وقال لي: ابدأ بنفسك، وعن إبراهيم النخعي: كان يقال: إذا دعوتَ فابدأ بنفسك؛ فإنك لا تدري في أيِّ دعاء يستجاب لك.
وأحاديث الباب تردُّ على ذلك، ويؤيدها ما أخرجه مسلم وأبو داود من طريق طلحة بن عبد الله بن كُرِيْز عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رفعه: «ما من مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملَك: ولك مثل ذلك».
وأخرج الطبري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رفعه: «خمس دعوات مستجابات» وذكر فيها «ودعوة الأخ لأخيه»، ... هكذا استدل بهما ابن بطال وفيه نظر؛ لأن الدعاء بظهر الغيب ودعاء الأخ للأخ أعم من أن يكون الداعي خصَّه أو ذكر نفسه معه، وأعم من أن يكون بدأ به أو بدأ بنفسه، وأما ما أخرجه الترمذي من حديث أُبي بن كعب رفعه: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ذكر أحدًا فدعا له بدأ بنفسه»، وهو عند مسلم في أول قصة موسى والخضر ولفظه: «وكان إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه» ويؤيد هذا القيد أنه -صلى الله عليه وسلم- دعا لغير نبي فلم يبدأ بنفسه؛ كقوله في قصة هاجر الماضية في المناقب: «يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عينًا معينًا»، حديث أبي هريرة: «اللهم أيده بروح القدس» يريد حسان بن ثابت، وحديث ابن عباس: «اللهم فقهه في الدين» وغير ذلك من الأمثلة، مع أن الذي جاء في حديث أُبي لم يطّرد، فقد ثبت أنه دعا لبعض الأنبياء؛ فلم يبدأ بنفسه كما مرَّ في المناقب من حديث أبي هريرة: «يرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد». فتح الباري (11/ 137).
وقال محمد الفاسي -رحمه الله-:
قلتُ: ليس في حديث أُبي ولا غيره مما ذُكِرَ ما يدل على الاطراد، ولا على الحصر، نعم يُحتمل أنَّ المراد من الحديث أنَّه يقول مثلًا: رحمة الله علينا وعلى موسى، فيقدِّم نفسه عند ذكره، ولا يقول: يرحم الـلـه موسى وإياي، فانظر هل ثَمَّ ما ينقض اطراده على هذا الوجه. تحفة المخلصين (ص: 174).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
قلتُ: فظهر أنَّ بداءته -صلى الله عليه وسلم- بنفسه عند ذكر أحد، والدعاء، لم يكن من عادته اللازمة. تحفة الأحوذي (9/ 231).
قوله: «رحمة الله علينا وعلى موسى»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «رحمة الله علينا وعلى موسى» هذا من حسن الأدب نحو: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} التوبة: 43؛ تمهيدًا لدفع ما يوحش من نسبة العجلة وعدم التأني إليه. فيض القدير (4/ 30).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «رحمة الله علينا وعلى موسى» هو كتقديم: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} التوبة: 43، قيل: قرع السمع بما فيه تقديم ونحوه. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 251).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «رحمة الله علينا وعلى موسى» يعني: في قصته مع الخضر عندما جاء وأشار إلى اجتماعه مع الخضر، وأنه سأل عن أسئلة، وأنه كان لا يصبر على الأشياء التي يراها وهي غريبة وعجيبة، فكان يسأله حتى إنه بعد ذلك قال: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} الكهف:76، وبعد ذلك سأله سؤالًا فقال: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} الكهف:78. شرح سنن أبي داود (447/ 3).
قوله: «لو صبر لرأى من صاحبه العَجَبَ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «لو صبر» بمعنى تصبَّر عن المبادرة بسؤال الخضر عن إتلاف المال وقتل نفس لم تبلغ «لرأى من صاحبه» الخضر «العجب» تمامه، لكنه قال: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} الكهف: 76 الآية؛ فبتركه الوفاء بالشرط حُرم بركة صحبته، والاستفادة من جهته. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 33).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «لو صبر لرأى من صاحبه العجب» رواية أحمد: «لو لبث مع صاحبه لأبصر العجب» أي: لرأى موسى من الخضر ما يعظم موقعه عنده، ويخفى عليه سببه. شرح سنن أبي داود (16/ 120).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «لو صبر» على ما رآه يصدر عن الخضر، من إتلاف المال وقتل النفس الزاكية وتَرَك استفهامه عن ذلك كما شرط عليه بقوله تعالى: {فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} الكهف: 70. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 251).
وقال خليل السهارنفوري -رحمه الله-:
قوله: «لو صبر» موسى -عليه السلام- على ما رأى من العجائب، ولم يسأل عنها «لرأى من صاحبه» أي: الخضر «العجب»، ولكنه قال: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا} الكهف: 76، أي: سؤال توبيخ وإنكار {فَلَا تُصَاحِبْنِي} الكهف: 76، أي: فأَوْقِع الفراق بيني وبينك. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (12/ 16).
وقال الشيخ موسى -رحمه الله-:
قوله: «لو صبر لرأى من صاحبه العجب»... {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} الكهف: 76، أي: إن سألتك عن شيء تفعله من الأعاجيب بعد هذه المرة فلا تصحبني معك، قد بلغْتَ إلى الغاية التي تُعْذَر بسببها في فراقي، حيث خالفْتُك مرة بعد مرة. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (9/ 272-273).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «لو صبر لرأى من صاحبه العجب»... «ولكنه أخذته ذَمَامَةٌ من صاحبه» هو: بالذال المعجمة مفتوحة وهي بمعنى: المذمَّة - بفتح الذال وكسرها- وهي: الرقة والعار مِن ترك الحرمة... وكأنه استحيا من تكرار مخالفته، ومما صدر عنه من تغليظ الإنكار. المفهم (6/ 206).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «لو صبر لرأى من صاحبه العَجَب»... ولا دلالة فيه على تفضيل الخضر عليه (أي: على موسى -عليه السلام-)، فقد يكون في المفضول ما لا يوجد عند الفاضل. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 33).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قال: «لو صبر لرأى من صاحبه العجب» يعني: لرأى من الخضر مثل هذه القصص التي هي عجيبة وغريبة، وهذا كما هو معلوم من إطْلَاع الله -عزَّ وجلًّ- للخضر على هذه الأمور، ولا يعني ذلك أنه أفضل من موسى، فموسى -عليه الصلاة والسلام- أفضل الرّسل بعد نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- وبعد إبراهيم -عليه السلام-، فهو يلي الخليلين محمدًا وإبراهيم -عليهما السلام-، وهو من أولي العزم من الرُّسل.
والخضر اختُلف فيه: هل هو نبي أو ولي؟ ولكن الصحيح أنه نبي وليس بولي؛ لأن ما جاء في سياق هذه الآية التي تتعلق بقصة موسى مع الخضر واضح في أنه نبي، وفي أولها وآخرها ما يدل على ذلك، وأيضًا جاء في نفس الحديث أنه قال لما لقيه: «أنا على علم من الله لا تعلمه، وأنت على علم من الله لا أعلمه» يعني: كل واحد منهما قد أوحى الله إليه بما شاء. وكونه (أي موسى -عليه السلام-) جاء إلى الخضر وأراد أن يستفيد منه لا يدل على أن المستفاد منه أفضل من موسى، بل أفضل الرسل الخليلان محمد وإبراهيم -عليهما الصلاة والسلام- ثم بعدهما كليم الرحمن -موسى عليه الصلاة والسلام-، ونبينا محمد -عليه السلام- أيضًا هو كليم؛ لأنه خليل وكليم، وإبراهيم خليل، وموسى كليم -عليهما السلام-، ونبينا محمد -عليه السلام- اجتمع فيه ما تفرق في غيره. شرح سنن أبي داود (447/ 4)
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فيه (أي: الحديث) من آداب الدعاء: أنه يبدأ بنفسه، وفضْل العلم والأدب مع العالم، وحرمة المشايخ، وترك اعتراض الكبير على أكبر منه، ولا يبادره بالإنكار حتى يكشف له قناع ما لديه، قال بعضهم: هذا أصل كبير للتسليم في كل ما جاء عن الشرع، وإن لم تظهر حكمته للعقول. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 251).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)