الإثنين 24 رمضان 1446 هـ | 24-03-2025 م

A a

«البُزَاقُ في المسجدِ خَطِيئةٌ، ‌وكفارَتُها ‌دَفْنُها».


رواه البخاري برقم: (415)، ومسلم، برقم: (552)، من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-.
وفي لفظ عند أحمد برقم: (12062)، وأبي داود برقم: (476) «النُّخَاعة في المسجدِ..».
صحيح الجامع برقم: (6801)، صحيح أبي داود برقم: (495).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«البُزَاق»:
البُزاق: بضم الباء، والبصاق والبساق كلها من الفم. مجمع بحار الأنوار، للفتني (1/ 171).
وقال الفيروز آبادي -رحمه الله-:
والبُزَاق: ماء الفم إذا خرج منه، وما دام فيه فَرِيْقٌ. القاموس المحيط(868).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«البُزَاق»: هو الريق الغليظ سواء كان نُخَامَةً أو غير نُخَامَةٍ، وأما الريق الخفيف الذي لا يؤثر فهذا لا يسمى بُزَاقًا. فتح ذي الجلال والإكرام(1/618).

«خطيئة»:
ذنب، يُقال: خَطِئَ يُخْطِئُ، ويجوز تسهيل الهمزة، فيقال: خطيَّة بالتشديد. فتح الباري، لابن حجر (11/ 198).


شرح الحديث


قوله: «البُزَاق في المسجد خطيئة»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«البُزَاق» مبتدأ، «في المسجد» متعلق بـ«البُزَاق». البحر المحيط الثجاج (12/378).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ولمسلم «التَّفل» بدل «البُزَاق» والتَّفل بالمثناة من فوق أخف من البُزاق، والنَّفث بمثلثة آخره أخف منه. فتح الباري (1/511).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
وكالبزاق المخاط، بل أولى، فيحرم. فتح الإله في شرح المشكاة (3/208).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
البزاق: البصاق، وهو الريق، ويتناول البلغم والنخامة والمخاط، وسائر الفضلات الطاهرة والنجسة. الأزهار شرح المصابيح، مخطوط، لوح (132).
وقال الأردبيلي -رحمه الله- أيضًا:
قال العلماء: البزاق اسم ليس بمصدر، والمصدر البَزْق و«في المسجد» متعلق بفعل مقدَّر، وهو الإبقاء والترك، واللام في الخطيئة للتوحيد، والتنكير للنوع، وحصل من ذلك أنَّ إبقاء البزاق أو تركه في المسجد نوع خطيئة، وإنما قال: «البزاق في المسجد خطيئة» ولم يقل: البَزْق في المسجد خطيئة؛ ليعلم أنَّ البَزْق خطيئتان، أحدهما: القَذَر، والثانية الإبقاء والترك؛ لأن الإزالة واجبة عليه وعلى غيره، وعليه آكد، ولو قال: البَزْق في المسجد خطيئة؛ لأفاد الاقتصار على القاذف. الأزهار شرح المصابيح مخطوط، لوح (123).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «التَّفل في المسجد...» إلخ بفتح المثناة من فوق، وإسكان الفاء نفخ معه أدنى بُزَاق، وهو أكثر من النَّفث وأقل من البُزَاق، أي: إلقاء البُزَاق في المسجد ذنب. المنهل العذب المورود (4/90).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «البُزَاق في المسجد» تقديره: إلقاء البزاق في المسجد. المفاتيح في شرح المصابيح (2/69).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «في المسجد» ظرف للفعل، فلا يشترط كون الفاعل فيه حتى لو بَصَق من هو خارج المسجد فيه تناوله النهي. فتح الباري (1/512).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «في المسجد» (أل) للعهد الذهني أو للاستغراق؟ الثاني، أي: في كل مسجد. فتح ذي الجلال والإكرام (1/618).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«البُزَاق» من المصلي وغيره ولو لحاجة «في المسجد خطيئة» أي: حرام، فلا يبصق فيه بل في ثوبه أو نحوه. فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام (ص:173).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «خطيئة» خبر المبتدأ، أي: ذنب ومعصية. البحر المحيط الثجاج (12/378).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
إنما كان البُزَاق في المسجد خطيئة لنهيه عنها، ومن فعل ما نُهي عنه فقد أتى بخطيئة، ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- علم أنه لا يكاد يُسْلَمُ من ذلك، فعرَّف أُمَّته كفارة تلك الخطيئة، وأمر المصلي أن يَبْزُق في ثوبه، أو تحت قدمه ليَعْرُكَه (أي: يفركه) ويغيره، ولا تقع عليه عين أحد، غير أن ارتكاب الخطيئة لا يكون إلا بالقصد والعلم بالنهي عنها، وأما من غلبته النَّخامة فقد نُدِبَ إلى دفنها وحَتِّهَا وإزالتها، ومَن فَعَلَ ما نُدب إليه فمأجور. شرح صحيح البخاري (2/69-70).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وكونه خطيئة إنما هو لمن تَفَل فيه ولم يَدْفِن؛ لأنه يُقَذِّر المسجد، ويتأذى به من يَعْلَق به أو رآه، كما جاء في الحديث الآخر: «لئلا تُصِيب جِلْدَ مؤمن أو ثوبه فتؤذيه»، فأما من اضطر إلى ذلك فَدَفَن وفعل ما أُمِرَ به فلم يأتِ خطيئة، فكأن بدفنه لها أزال عنه الخطيئة وكفَّرها، لو قَدَّرنا بُصَاقه فيه ولم يدفنه. إكمال المعلم (2/487).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وقد دل على صحة هذا التأويل (يعني: كلام القاضي -رحمه الله-): قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي ذر: «ووجدتُ في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تُدْفَن»، فلم يُثْبِت لها حكم السيئة لمجرد إيقاعها في المسجد، بل بذلك وببقائها غير مدفونة. المفهم (2/161).
وقال الروياني الشافعي -رحمه الله-:
يُكْرَه له البصاق في المسجد، سواء كان في صلاة أو غيرها. بحر المذهب (2/ 116).
وقال الأردبيلي -رحمه الله- معلقًا:
ولعل المراد كراهة التحريم. الأزهار شرح المصابيح مخطوط لوح (123).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«خطيئة» وفي رواية لأحمد: «سيئة»، ومن هنا اتفق أصحابنا على حرمته، ومَن نَقَلَ عنهم الكراهة فقد وَهِمَ، وإنما لبعضهم التعبير بها مريدًا بها كراهة التحريم. فتح الإله في شرح المشكاة (3/208).
وقال النووي -رحمه الله-:
واعلم أن البُزَاق في المسجد خطيئة مُطلقًا سواء احتاج إلى البُزَاق أو لم يحتج، بل يَبْزُق في ثوبه، فإن بَزَق في المسجد فقد ارتكب الخطيئة، وعليه أن يكفِّر هذه الخطيئة بدفن البُزَاق، هذا هو الصواب أن البُزَاق خطيئة كما صرح به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال العلماء والقاضي عياض فيه كلام باطل، حاصله: أن البُزَاق ليس بخطيئة إلا في حق من لم يدفنه، وأما من أراد دفنه فليس بخطيئة، واستدل له بأشياء باطلة، فقوله: هذا غلط صريح مخالف لنص الحديث؛ ولما قاله العلماء، نبَّهْتُ عليه لئلا يُغْتَر به. شرح النووي على مسلم (5/41).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معقبًا:
ردُّ النووي على القاضي غير مُسَلَّم، بل ما قاله هو الحق. البحر المحيط الثجاج (12/378).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وحاصل النزاع: أن هنا عمومين تَعَارَضَا، وهما قوله: «البُزَاق في المسجد خطيئة»، وقوله: «وليبصق عن يساره أو تحت قدمه»، فالنووي يجعل الأول عامًا ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد، والقاضي بخلافه يجعل الثاني عامًّا ويخص الأول بمن لم يرد دفنها، وقد وافق القاضي جماعةٌ منهم ابن مكي في التنقيب والقرطبي في المفهم وغيرهما، ويشهد لهم ما رواه أحمد بإسناد حسن من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا قال: «من تَنَخَّم في المسجد فلْيُغَيِّب نُخَامَتَه أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه»، وأوضح منه في المقصود ما رواه أحمد أيضًا والطبراني بإسناد حسن من حديث أبي أمامة مرفوعًا قال: «من تَنَخَّع في المسجد فلم يدفنه فسيئة، وإن دفنه فحسنة»، فلم يجعله سيئة إلا بقيد عدم الدفن، ونحوه حديث أبي ذر عند مسلم مرفوعًا قال: «ووجدتُ في مَسَاوِيَ أعمال أُمَّتي النُّخَاعة تكون في المسجد لا تدفن»...، وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة بن الجراح أنه تَنَخَّم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله فأخذ شُعْلَة من نار، ثم جاء فطلبها حتى دفنها، ثم قال: الحمد لله الذي لم يكتب عليَّ خطيئة الليلة، فدل على أن الخطيئة تختص بمن تركها لا بمن دفنها، وعلَّة النهي: ترشد إليه، وهي تأذِّي المؤمن بها، ومما يدل على أن عمومه مخصوص: جواز ذلك في الثوب، ولو كان في المسجد بلا خلاف، وعند أبي داود من حديث عبد الله بن الشِّخْيِر أنه صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دَلَكَهُ بنعله، إسناده صحيح، وأصله في مسلم.
والظاهر: أن ذلك كان في المسجد فيؤيد ما تقدم.
وتوسَّط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر، كأن لم يتمكن من الخروج من المسجد، والمنع على ما إذا لم يكن له عذر، وهو تفصيل حسن -والله أعلم-.
وينبغي أن يفصّل أيضًا بين من بدأ بمعالجة الدفن قبل الفعل كمن حفر أولًا ثم بَصَقَ وأَوْرَى، وبين من بَصَقَ أولًا بنية أن يدفن مثلًا فيُجْرَى فيه الخلاف بخلاف الذي قبله؛ لأنه إذا كان المكَفِّر إثم إبرازها هو دفنها فكيف يأثم مَن دفنها ابتداء؟ فتح الباري (1/511-512).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قد تبين بما سبق من الأدلة أن قول القاضي عياض ومن قال بقوله من أنَّ كون البُزَاق في المسجد خطيئة خاص بمن لا يريد دفنها هو الأرجح لقوة أدلته، وأن قول النووي: إنه باطل، غير مقبول. البحر المحيط الثجاج (12/380-281).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
الحق ما قاله النووي، وما ذكره غيره من الأدلة لا يدفع أن البصاق في المسجد خطيئة، وكل ما فيها أن الدفن يمحوها.
وأما قوله في حديث أبي أمامة: «وإنْ دَفَنَهُ فحسنة» فمعناه: أن الدفن حسنة كفَّرت سيئة البصاق.
فالمعوَّل عليه أن البُصَاق في المسجد خطيئة مطلقًا سواء احتاج إلى البُصَاق أم لم يحتج، بل يَبْزُق في ثوبه فإن بَزَقَ في المسجد فقد ارتكب خطيئة وعليه تكفيرها بدفن البُزَاق. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (4/91).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
البُزَاق في المسجد خطيئة ولو أراد الإنسان أن يدفنها، وجه ذلك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصَفَها بأنها خطيئة، ثم ذكر كفارتها، ومن المعلوم أن الإنسان لا يحل له أن يفعل الخطايا ويكفِّرها، لكن الكفارة تكون إذا وقعت الخطيئة دون قصد، أما إذا فُعِلت الخطيئة بِنَيَّة التكفير فهذا لا يجوز؛ ولهذا لو أن إنسانًا قال: إنه يجامِع في نهار رمضان مع عزمه على أن يُكَفِّر أيحرم أو لا يحرم؟ يحرم، مع أن التكفير يستر الذنب ويتجاوز به عنه. فتح ذي الجلال والإكرام (1/619).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
«خطيئة» لأنه وإن كان طاهرًا إلا أنه مستقذَر، لا يرضاه الإنسان في بيته، وفي مكان استقباله لضيوفه، هذا لا يرضاه إنسان لنفسه، فكيف يرضاه لبيت الله، ما دام الأمر مُسْتَخْبَث ومُسْتَقْذَر، وإن كان طاهرًا فلا يرضى مثل هذا، والنفوس تستقبح مثل هذا. شرح المحرر في الحديث (44/11).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
قوله: «خطيئة» ظاهره يقتضي أنه معصية، وجعل كفارة هذه المعصية دفنها.
وهذا يَستدِل به من يقول: إن البُزَاق لا يجوز في المسجد مع دفنه، كما لا يجوز لأحد أن يعمل ذنبًا ويُتبعه بما يكفره من الحسنات الماحية، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «عُرضت عليَّ أعمال أُمَّتي، حَسَنها وسيئها، فوجدتُ في محاسن أعمالها الأذى يُمَاط عن الطريق، ووجدتُ في مساوئ أعمالها النُّخَامة تكون في المسجد لا تُدْفَن». فتح الباري (3/133).

قوله: «‌وكفارتها ‌دفنها»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«وكفارتها دفنها» مبتدأ وخبر، وأنَّثَ الضمير مع أن البُزَاق مذكر نظرًا لمعنى الخطيئة، أي: مزيل هذه الخطيئة سترها -(أي) ذلك البُزَاق- بالدفن. البحر المحيط الثجاج (12/381).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأما قوله: «وكفارتها دفنها» فمعناه: إن ارتكب هذه الخطيئة فعليه تكفيرها كما أن الزنى والخمر وقتل الصيد في الإحرام محرمات وخطايا، وإذا ارتكبها فعليه عقوبتها. شرح النووي على مسلم (5/41).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وأصل التكفير: التغطية، فكأن دفنها غطاء لما يُتصور عليه من الذم والإثم لو لم يفعل، وهذا كما سُميت تَحِلَّة اليمين كفارة، وليست اليمين بمأثم فتُكَفِّره، ولكن لما جعلها الله فُسْحَة لعباده في حل ما عَقَدَهُ مِن أيمانهم ورفعًا لحكمها سماها كفارة؛ ولهذا جاز إخراجها قبل الحِنْث، وسقوط حكم اليمين بها عندنا وعند جماعة من العلماء على الأصح من القولين، هذا هو تأويل لفظها إلا على قول من أثبتها خطيئة وإن اضطر إليها، لكن يكفرها التغطية. إكمال المعلم (2/487).
وقال النووي -رحمه الله-:
واختلف العلماء في المراد بدفنها، فالجمهور قالوا: المراد دفنها في تراب المسجد ورمله وحصاته إن كان فيه تراب أو رمل أو حصاة ونحوها، وإلا فيخرجها، وحكى الروياني من أصحابنا قولًا أن المراد إخراجها مطلقًا. شرح النووي على مسلم (5/41).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قوله: «وكفارتها دفنها» يفيد الحصر، ومعناه: لا كفارة إلا دفنها...، ولا يقوم شيء آخر مقام الدفن والإزالة، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها، ولا كفارة لها إلا ذلك». الأزهار شرح المصابيح، مخطوط، لوح (123).
وقال الأردبيلي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «وكفارتها دفنها» إشارة إلى أنَّ ترك الدفن والإزالة قبيح، وإثم من القاذف (البازق في المسجد) وغيره، ومن القاذف أقبح، حتى لو دَفَنَه أو نَقَلَه القاذف احتاج مع ذلك إلى التوبة والاستغفار، وبخلاف غير القاذف، فإنه كفارة النقل أو الدفن لدفع الإثم والحرج، نعم إن كان القاذف ناسيًا أو جاهلًا لقرب العهد بالإسلام فهو كغيره. الأزهار شرح المصابيح مخطوط لوح (123).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
ولقد أحسن فيما قال -رحمه الله- (يعني: الروياني)، وبه أقول. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (2/95).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«وكفارتها دفنها»... يعني: إذا أزال ذلك البُزَاق أو سَتَرَهُ بشيء طاهر عقيب الإلقاء أزال عنه تلك الخطيئة. المفاتيح في شرح المصابيح (2/69).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
«وكفارته دفنها» في الحصباء إلا أن يكون مسطَّحًا فكفارته مسحه. عارضة الأحوذي (3/57).
وقال السندي -رحمه الله-:
«وكفارتها دفنها» أي: سترها في تراب المسجد، ومفاده أنه ليس بخطيئة لتعظيم المسجد، وإلا لما أفاد الدفن شيئًا، بل لِتَأَذِّي الناس به، وبالدفن يندفع التأذِّي...، وزعم بعض أنه لتعظيم المسجد، فقال: إن اضطر إلى ذلك كان البُصاق فوق البواري (حصير يُعمل من القَصَبِ) والحُصُر (جمع حصير، وهو ما يفرش ليجلس عليه) خيرًا من البصاق تحتها؛ لأن البواري ليست من المسجد حقيقة، ولها حكم المسجد بخلاف ما تحتها، وهذا بعيد بالنظر إلى الأحاديث، والأقرب عكس ذلك؛ لأن التأذي في البواري أكثر من التأذي فيما تحتها بمنزلة الدفن لها. حاشية السندي على سنن النسائي (2/51).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «دفنها» أي: سترها، ولم يقل: كفارتها تغطيتها؛ لأن التغطية يستمر الضَّرر بها؛ إذ لا يُؤْمَن أن يجلس غيره عليها فتؤذيه، بخلاف الدفن فإنه يُفْهَم منه التعميق في باطن الأرض. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (4/92).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«دفنها» يعني: أن تدفن هذه النُّخَامة، وهذا ظاهر فيما إذا كان المسجد قد فُرِشَ بالحصباء، أو الرمل أو ما أشبه ذلك، أما ما كان مفروشًا بالفُرُش القطنية أو الصوفية كما في وقتنَا الآن فكفارتها فركها حتى تزول. فتح ذي الجلال والإكرام (1/618-618).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال الطبري: وفي هذا من الفقه: ترخيص الرسول في التفل في المسجد والتنخم فيه إذا دفنه، وأبان عن معنى كراهته لذلك إذا لم تدفن؛ وذلك أن تصيب جِلْدَ مؤمن أو ثوبه فتؤذيه، وإذا كان ذلك كذلك: فَبَيَّنَ أنَّ مُتَنَخِّمًا لو تنخَّم في المسجد في غير قِبْلَتِه بحيث يأمن أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه، فلا حرج عليه فيه، واستُحب له أن يدفنه، وإن كان بموضع يأمن أن يصيب به أحدًا؛ لقوله: «البُزَاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها» يَعُمُّ بذلك المسجد كُله، ولم يخصص منه موضعًا دون موضع. شرح صحيح البخاري (2/ 70).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
فيه دليل على طهارة الريق خلافًا للنخعي؛ لأنه لو كان نجسًا لما أُلْقِي في المسجد ظاهرًا ولا باطنًا كالبول، ولا أمر بطرحه في الثوب الذي يصلي فيه، ولا دَلْكِه بفعله اليسرى كما جاء في الحديث الصحيح. عارضة الأحوذي (3/57).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
هذا مما يدل على أن قرار المسجد (القَرارُ: المستقرُّ من الأرضِ، وقرار المسجد: أرضيته) وباطنه يجوز أن يُجْعَلَ ‌مدفنًا ‌للأقذار ‌الطاهرة. فتح الباري (3/ 137).
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
وفيه: دليل على الصلة في هذا النهي، وأنها لحق المصلين، وتجنُّب أذيتهم، وذلك يدل على مراعاة المسلم للمسلم في حقوقه، ووجوب محافظته على حرمته.
وفيه: أن من كان في المسجد لا ينبغي له أن يبصق فيه أصلًا، وإن فعل وجب عليه إزالتها بالدفن إن كان محصبًا، أو بغير الدفن من مسحها، أو نقلها إن أمكن، وهكذا سائر ما يتأذى منه الناس، ولو كان طاهرًا، وقد تقدم النهي عن دخول المسجد بالريح الكريهة، وتعليل ذلك بتأذي الناس، والملائكة.
وفيه: أن إزالة الأذى من المسجد حسنة، ولو كانت من واضعه. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (5/1501).
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله- أيضًا:
وفيه: دليل على استعمال الأدب في المسجد ومع المصلين؛ لأن البُزَاق وإن كان طاهرًا لكن جرت العادة باسْتِقْذَاره عند الناس، فلا ينبغي أن يؤذي الإنسان به إخوانه. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (3/779).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
ما يفيده الحديث: أن البصاق في المسجد ذنب.
(و)أنه يغفره إزالة هذا البصاق. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (1/217).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
في هذا الحديث: دليل على احترام المساجد، وأنه يجب أن تُصَان عن كل هذا، وجه ذلك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصف البُزَاق في المسجد بأنه خطيئة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الشيء يُداوَى بضده، وجهه: قوله: «كفارتها دفنها»؛ فإن البُزَاق في المسجد يبرز صورة البُزَاق، فإنْ دَفَنَهُ زال ذلك.
ومن فوائد هذا الحديث: أن البُزَاق طاهر، وجهُهُ: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كفارتها دفنها»، ولم يقل: يُصب الماء عليها، كما قال في بول الأعرابي: «أريقوا عليه سجلًا من ماء»....
ومن فوائد هذا الحديث: أن مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- مفرش بالتراب بما تتغطى به النخامة؛ لقوله: «كفارتها دفنها»...
ومن فوائد هذا الحديث: أن المعصية ولو يسيرة تسمى خطيئة؛ لأن الخطيئة: ما جانب الصواب، يقال: أخطأ فلان وأصاب فما جانب الصواب فهو خطأ، ومعلوم أن المعصية وإن قلَّتْ تُجَانِب الصَّواب. فتح ذي الجلال والإكرام (1/619-621).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قال ابن العماد: ولا خلاف أن من بصق بالمسجد استهانة به كَفَرَ. مرقاة المفاتيح (2/٥٩٩).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
دل الحديث على أن التَّفل في المسجد ذنب يطلب تكفيره بدفنه في الأرض، وعلى أنه -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- علَّم الأُمَّة أحكام دينها ولو صغرت في زعم الزاعمين. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (4/91).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
ويستفاد منه... أن كفارة البصاق في المسجد إزالته بأي وسيلة كانت، إمَّا بالدفن إن كان المسجد ترابًا، أو الغسل والحك والمسح إن كان مبلَّطًا أو مفروشًا. منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (2/8).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا