الإثنين 24 رمضان 1446 هـ | 24-03-2025 م

A a

«أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- دخلَ على أعرابيٍّ يعودُهُ، قال: وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخلَ على مريضٍ يعودُهُ قال: «لا بأسَ، طهورٌ إنْ شاءَ اللهُ»، فقال له: «لا بأسَ، طهورٌ إنْ شاءَ اللهُ»، قال: قلتَ: طهورٌ؟ كلا، بل هي حُمَّى تَفُورُ أَو تَثُورُ، على شيخٍ كبيرٍ، تُزِيرُهُ القبور، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فنعمْ إذًا».


رواه البخاري برقم: (3616)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أَعرابي»:
البدوي، وهم الأَعراب. تاج العروس، للزبيدي (3/ 333).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
والأَعراب: ساكنو البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة، والعرب: اسم لهذا الجيل المعروف من الناس، ولا واحد له من لفظه، وسواء أقام بالبادية أو المدن، والنسب إليهما: أعرابي وعربي. النهاية (3/ 202).
وقال ابن الأنباري -رحمه الله-:
إنما سُميت العرب عربًا؛ لحسن بيانها في عبارتها، وإيضاح معانيها. الزاهر في معاني كلمات الناس، (2/ 56).

«تُزِيرُهُ القبور»:
أي: تحمله على زيارة القبور. مجمع بحار الأنوار، الفَتَّنِي (2/ 444).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
تُزِيرُهُ القبور أي: تبعثه إلى المقبرة. اللامع الصبيح، البِرْماوي (14/ 257).
وقال ابن فارس-رحمه الله-:
يُقال: زَوَرَ: الزاء والواو والراء أصل واحد يدل: على الميل والعدول... ومن الباب: الزائر؛ لأنه إذا زارك فقد عدل عن غيرك. مقاييس اللغة(3/ 36).

«تَفُورُ»:
أي: تهيج. التوضيح، ابن الملقن (27/ 292).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
تَفُور أي: تغلي ويظهر حرها ووهجها. اللامع الصبيح، البِرْماوي (14/ 257).
وقال نشوان الحمير-رحمه الله-:
يُقال: فَار الفَوْر، والفوران: الغَلَيان، يقال: فارت القِدر ونحوُها. شمس العلوم(8/ 5278).

«تثور»:
أي: تنتشر في جسمه وتسري في أعضائه. مطالع الأنوار، ابن قرقول (2/ 74).
وقال الزبيدي -رحمه الله-:
والثَّوْر: الهيجان، ثار الشيء: هاج. تاج العروس (10/ 337).


شرح الحديث


قوله: «أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- دخل على أَعرابي يعودُه»:
قال الكوراني -رحمه الله-:
قوله: «دخل على أعرابي يعوده» كان يُظهر الإسلام. الكوثر الجاري (6/ 409).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«دخل على أعرابي» أي: واحد من أهل البادية، «يعوده»، فيه كمال تواضعه -عليه الصلاة والسلام- المتضمن لرأفته ورحمته وتعليم لأُمَّته. مرقاة المفاتيح (3/ 1123).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
قوله: «على أعرابي» اسم هذا الأعرابي...قيس بن أبي حازم. ربيع الأبرار [(5/ 49).
وقال العيني -رحمه الله-:
وقال بعضهم: لم أر تسميته لغيره (أي الزمخشري)، فهذا إن كان محفوظًا فهو غير قيس بن أبي حازم أحد المخضرمين؛ لأن صاحب القصة مات في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقيس لم ير النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته.
قلتُ: عدم رؤيته ذلك لا ينافي رؤية غيره مع أن بعضهم رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب. عمدة القاري (16/ 149).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «دخل على أعرابي يعوده» وقع في ربيع الأبرار أن اسم هذا الأعرابي قيس بن أبي حازم، فإن صح فهو متفق مع التابعي الكبير المخضرم وإلا فهو وهم. فتح الباري (1/ 328).

قوله: «قال: وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا دخلَ على مريضٍ يعودُهُ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وكان» أي: من عادته -صلى الله عليه وسلم- «إذا دخل على مريض يعوده». مرقاة المفاتيح (3/ 1123).

قوله: «قال: لا بأس، طهور إن شاء الله»:
قال الكوراني -رحمه الله-:
قوله: «قال: لا بأس» يدعو له بالسلامة. الكوثر الجاري (6/ 409).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«قال: لا بأس» بالهمز وإبداله، «طهور» أي: لا مشقة ولا تعب عليك من هذا المرض بالحقيقة؛ لأنه مطهِّرك من الذنوب، «إن شاء الله» للتبرك أو للتفويض أو للتعليق، فإن كونه طهورًا مبني على كونه صبورًا شكورًا. مرقاة المفاتيح (3/ 1123-1124).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «إن شاء الله» يدل على أن قوله: «طهور» دعاء، لا خبر. إرشاد الساري (6/ 63).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «لا بأس طهور» الطهور: هو المطهِّر، يعني: ليس في هذا المرض ضرر عليك في الحقيقة؛ لأنه مطهِّر من الذنوب. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 389).
وقال بدر الدين العيني -رحمه الله-:
قوله: «طهور إن شاء الله» دعاء له بتكفير ذنوبه. عمدة القاري (16/ 149).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«طهور إن شاء الله» يصح أنْ يكون خبرًا بمعنى الدعاء، لكن يبعده أنَّ الدعاء ومثله ما بمعناه... لا يُعلَّق بالمشيئة، فلا يقال: «اللهم اغفر لي إن شئت»؛ لما في الحديث من النهي عن ذلك، وتعليله: بأنَّ الله لا مُكْرِهَ له، ومن هذا أخذ أئمتنا (الشافعية): أنه يُسن قول ذلك للمريض. فتح الإله في شرح المشكاة (5/419).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وإنما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن شاء الله» لأن هذه جملة خبرية، وليست جملة دعائية؛ لأن الدعاء ينبغي للإنسان أن يجزم به، ولا يقل: إن شئت؛ ولهذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقول الرجل: «اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت» لا تقل هذا؛ لأن الله لا مُكْرِهَ له، إن شاء غفر لك، وإن شاء لم يغفر ولم يرحم، فلا يقال: إن شئت إلا لمن له مُكره، أو لمن يَستعظم العطاء. شرح رياض الصالحين (4/ 484).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «لا بأس» أي: أن المرض يكفر الخطايا؛ فإن حصلت العافية فقد حصلت الفائدتان، وإلا حصل ربح التكفير. فتح الباري (10/ 119).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
قوله: «لا بأس، طهور إن شاء الله» فيه تفاؤل وتسلية للمريض، وعلَّقه بالمشيئة؛ إذ لا علم له بالعاقبة، والطهور صفة مبالغة، يريد تطهره من الذنوب. الكوثر الجاري (9/ 238).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قوله: «لا بأس عليك طهور إن شاء الله» فإنما أراد تأنيسه من مرضه بأن الله يُكفِّر ذنوبه ويقيله، ويؤخّر وفاته، فوقع الاستثناء على ما رجا له من الإقالة والفرج؛ لأن المرض معلوم أنه كفارة للذنوب، وإن كان الاستثناء قد يكون بمعنى رد المشيئة إلى الله تعالى. شرح صحيح البخاري (10/ 484).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
قوله: «لا بأس، طهور إن شاء اللَّه» إلى أن الحمى تطهِّره وتنفي ذنوبه؛ ليصبر وليشكر اللَّه عليها. منحة الباري بشرح صحيح البخاري (6/ 647)
وقال عبد الحق الدِّهْلوي -رحمه الله-:
قوله: «لا بأس، طهور» أي: مطهر من الذنوب، والذنوب أقذار معنوية، ولا يخفى أنه يحتمل أن يكون استعمال الطهر هاهنا بطريق المجاز، إلا أن يقال: الأصل الحمل على الحقيقة. لمعات التنقيح (2/ 8).
وقال عبد الحق الدِّهْلوي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «لا بأس، طهور» أي: لا تحزن ولا تبالِ بما تجد من الوجع وشدة المرض؛ فإنه مطهِّر للذنوب ومزيل لها، بل منقٍّ ومصلح للبدن أيضًا من رديء الأخلاط وكثيف الأجزاء. لمعات التنقيح (4/ 13-14).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «لا بأس طهور إن شاء الله»... دل على أنه دعاء لا خبر، ويحتمل أنه إخبار بمشيئة الله تعالى، وهي قيد للجملتين معًا، وفيه أنه يندب لعائد المريض أن يبشِّره بمغفرة ذنوبه، وأنه لا بأس عليه من مرضه. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 389).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «لا بأس طهور»... مَرَضُك مطهر للذنوب، مكفِّر للعيوب، واقتصر عليه بناءً على الأغلب الأكثر، وإلا فقد يكون سببًا لرفع الدرجات في العقبى، ولعلو المقامات في الدنيا؛ لأن الرياضات نتيجة الحالات والكشوفات...، قوله: «إِنْ شَاءَ الله» أتى به للتبرك أو للتفويض أو للتعليق؛ فإن كونه طهورًا مبني على كونه صبورًا شكورًا. الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (4/ 69).

قوله: «قلتَ: طهور؟ كلا»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «قال: قلتَ» أي: قال الأعرابي مخاطبًا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «قلتَ: طهور؟»، قوله: «كلا» أي: ليس بطهور، فأبى وسخط، فلا جرم أماته الله. عمدة القاري (16/ 149).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
فأبى الأعرابي وسخطه، فصدَّقه الشارع أنه يموت من ذلك، ويجوز أن يكون الشارع علم أنه سيموت من مرضه قبل قوله له: «طهور» فدعا له بتغفير ذنوبه، ويحتمل أن يكون أخبر بذلك قبل موته وبعد قوله. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (20/ 200).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قول الأعرابي: «كلا»، أي: ليس هذا المرض مطهِّري، أو ليس كما قلتَ: إنه لا بأس به، بل فيه بأس شديد. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 389).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قال الأعرابي -من جفاوته، وعدم فطانته-: «كلا» أي: ليس الأمر كما قلتَ، أو لا تقل هذا؛ فإن قوله: «كلا» محتمل للكفر وعدمه، ويؤيده كونه أعرابيًا جلفًا، فلم يقصد حقيقة الرد والتكذيب، ولا بلغ حد اليأس والقنوط. مرقاة المفاتيح (3/ 1124).

قوله: «بل هي حُمَّى تَفُورُ أَوْ تَثُورُ، على شيخ كبير تُزِيرُهُ الْقُبُورَ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «بل حمى تفور» أي: تغلي في بدني كغلي القُدور. مرقاة المفاتيح (4/ 9).
وقال ابن قرقول -رحمه الله-:
قوله: «حُمَّى تَفُورُ أَوْ تَثُورُ» أي: تنتشر في جسمه، وتسري في أعضائه. مطالع الأنوار على صحاح الآثار (2/ 74).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «تَفُورُ أَوْ تَثُورُ» أي: شك من الراوي هل قالها بالفاء أو بالمثلثة، وهما بمعنى. فتح الباري (10/ 119).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
ردَّ من غاية جهله وشقاوته: «حُمَّى تَفُورُ أَوْ تَثُورُ» الشك من الراوي، من فوران القِدْر، أو من ثوران الغبار. الكوثر الجاري (9/ 238).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
الحمى هي: السخونة وهي نوع من الأمراض، وهي أنواع متعددة. شرح رياض الصالحين (6/ 467).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «على شيخ كبير» أي: بعقل قصير آيس من قدرة القدير. مرقاة المفاتيح (4/ 9).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان -حفظه الله-:
قوله: «على شيخ كبير»، والشيخ الكبير يكون ضعيفًا لا يتحمل ما يتحمله الشاب القوي. شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (2/ 271).
وقال البِرْماوي -رحمه الله-:
قوله: «تُزِيرُهُ الْقُبُورَ» مِن أَزاره: إذ حمله على الزيارة، وهو كناية عن الموت. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (17/ 429).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «تُزِيرُهُ» مِن أَزاره إذا حمله على الزيارة، أي: تبعثه إلى المقبرة. الكواكب الدراري (20/ 187).
وقال الدماميني -رحمه الله-:
قوله: «تُزِيرُهُ الْقُبُورَ» أي: ليس كما رجوتَ من تأخير الوفاة، بل الموتُ من هذا المرض واقعٌ ولا بد؛ لما أحسَّه من نفسه. مصابيح الجامع (10/ 234).
وقال الدماميني -رحمه الله-أيضًا:
فهم الأعرابي أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- تَرَجَّى حياتَه، فلم يوافقْ على ذلك؛ لما وجده من المرض المؤذِنِ بموته. مصابيح الجامع (10/ 234).
وقال بدر الدين العيني -رحمه الله-:
قوله: «تُزِيرُهُ» مِن أزاره إذا حمله على الزيارة، والضمير المرفوع فيه يرجع إلى الحمى، والمنصوب إلى الأعرابي، والقبور منصوب على المفعولية. عمدة القاري (25/ 148).

قوله: «فنعم إذًا»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-» أي: غضبًا عليه: «فنعم» بفتح العين وكسرها، «إذًا» وفي نسخة «إذن» أي: إذن هذا المرض ليس بمطهرك كما قلتَ، أو ضَخْمٌ إذا أبيت إلا اليأس وكفران النّعمة «فنعم إذًا» يحصل لك ما قلتَ؛ إذ ليس جزاء كفران النعمة إلا حرمانها. مرقاة المفاتيح (4/ 9).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «فنعم إذًا» الفاء فيه مرتَّبة على محذوف و«إذًا» جواب وجزاء، أي: إذا أبيت كان كما زعمت، أو إذا كان ظنك كذا؛ فسيكون كذلك. الكواكب الدراري (20/ 187).
وقال الدماميني -رحمه الله-:
قوله: «فنعم إذًا» فيه دليل على أن قوله: «لا بأس عليك» إنما كان على طريق الترجي، لا على طريق الإخبار عن الغيب. مصابيح الجامع (10/ 234).
وقال بدر الدين العيني -رحمه الله-:
قوله: «فنعم إذًا»... مات على وفق ما قاله -صلى الله عليه وسلم- وهذا من معجزاته -صلى الله عليه وسلم-...
قَوْله: (فَنعم إِذا) أَي: نعم بإزارة القبور حينئذٍ، ويجوز أن يكون الشارع قد علم أنه سيموت من مرضه. عمدة القاري (16/ 149).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
قوله: «فنعم إذًا» إخبار بموته معجزة له، وروى معمر عن زيد بن أسلم: أنَّ الأعرابي مات في ذلك المرض، وكذا رواه الطبراني. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (9/ 238).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
قوله: «فنعم إذًا» أي: أنك تزور القبور، كما في الطبراني: «أما إذا أبيت فهي كما تقول» وقضاء الله كائن، فما أمسى من الغد إلا ميتًا. التوشيح شرح الجامع الصحيح (5/ 2303).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
قوله: «فنعم إذًا» فدل هذا على أن الأمر وقع كما قال، فإنَّ «إذًا» جواب وجزاء، وهو كلام مَن لا ينطق عن الهوى. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (6/ 409).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال ابن التين -رحمه الله-: يحتمل أن يكون ذلك دُعاء عليه، ويحتمل أن يكون خبرًا عما يؤول إليه أمره، وقال غيره: يحتمل أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- علم أنه سيموت من ذلك المرض؛ فدعا له بأن تكون الحمى له طُهْرَةً لذنوبه، ويحتمل أن يكون أُعلم بذلك لَمَّا أجابه الأعرابي بما أجابه. فتح الباري (10/ 119).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «فنعم إذًا» يعني: إذًا هذا المرض ليس بمطهِّر لك كما قلت، وإنما قال رسول الله -عليه السلام- هذا القول حين غضب بردِّ الأعرابي قوله -عليه السلام-.
وهذا إشارة إلى أن الرجل ينبغي أن يتبرك بقول العلماء وأهل الدّين، وأن يعظِّم أقوالهم، وأن يصدِّق ما أخبروا به، وأن تطيب نفسه بالمرض والحزن وغير ذلك من المكاره؛ لما به من الثواب. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 389-390).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «فنعم إذًا» الفاء مرتَّبة على محذوف، و«نعم» تقرير لما قال، يعني: أرشدْتُك بقولي: لا بأس عليك، إلى أن الحمى تطهرك، وتنفي ذنوبك، فاصبر، واشكر الله عليها، فأبيتَ إلا اليأس والكفران، فكان كما زعمت، وما اكتفيتَ بذلك، بل رددت نعمة الله وأنت مُسَجَّعٌ به، قاله: غضبًا عليه. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1334).
وقال عبد الحق الدِّهْلوي -رحمه الله-:
«فنعم إذًا» فقال غضبًا عليه إذ أرشده على الصبر والشكر فأبى، ولم يسلك طريقة الأدب، وتجاوز عن الحد، ويحتمل كفره، والظاهر عدمه؛ لكونه من جفاة الأعراب وأجلافهم، فلم يثبت من شدة الوجع، ومع ذلك تكلَّف في السجع في غير مقامه، فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- وألزمه بما تطيَّر على نفسه وألزمه. لمعات التنقيح (4/ 13-14).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
وفائدة هذا الحديث كما قال المهلب: أنه لا نقص على السلطان في عيادة مريض من رعيته أو واحد من باديته، ولا على العالم في عيادة الجاهل؛ لأن الأعراب شأنهم الجهل كما وصفهم الله، ألا ترى رد هذا الأعرابي لقوله -عليه السلام- وتهوينه عليه مرضه بتذكيره ثوابه عليه، فقال: «بل هي حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور» وهذا غاية الجهل. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (27/ 291).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث: ما يدل على أن المسلم إذا قال له أخوه المسلم كلمةَ بشرى وحَمَل حالًا له على محمل؛ فينبغي أن يتقبل ذلك ويرى أن الله تعالى أنطق ذلك المتكلم.
وفيه أيضًا: دليل على أنه لم يقبل البشرى وتأوَّل الكلام على الحالة السوأى فكان له ما اختار لنفسه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «فنعم إذًا» أي: لما حملتَ أنت الأمر على الحال السيئة كان ذلك. الإفصاح عن معاني الصحاح (3/ 201).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
وفي الحديث: دلالة على أن العائد للمريض يدعو له بالسلامة، وينفِّس عنه، وقد جاء في الحديث صريحًا. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (6/ 409).
وقال الكوراني -رحمه الله- أيضًا:
وفي الحديث: دلالة على استحباب عيادة أهل الفضل للجهال؛ ليناله ببركته، ويذكِّره بما ينفعه. الكوثر الجاري (9/ 238).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وفيه (أي: الحديث) أنه لا نقص على الإمام في عيادة بعض رعيته ولو أعرابيًا جاهلًا جافيًا، ولا على العالم في عيادة الجاهل ليعلِّمه، ويذكِّره ما ينفعه ويأمره بالصبر ويسليه، إلى غير ذلك مما يجبر خاطره، وخاطر أهله. فيض القدير (5/ 131).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
في هديه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يسأل المريض عن شكواه، وكيف يجده، ويسأله عما يشتهيه، ويضع يده على جبهته، وربما وضعها بين ثدييه، ويدعو له، ويصف له ما ينفعه في علته، وربما توضأ وصب على المريض من وضوئه، وربما كان يقول للمريض: «لا بأس طهور إن شاء الله»، وهذا من كمال اللطف، وحسن العلاج والتدبير. الطب النبوي (ص: 87).


ابلاغ عن خطا