الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

أنَّ رجلًا لَعَنَ الرِّيحَ -وقال مُسْلِمٌ: إنَّ رجلًا نَازَعَتْهُ الرِّيحُ رِدَاءَهُ على عَهْدِ النبي-صلى الله عليه وسلم-، فَلَعَنَهَا-، فقال النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «لا تَلْعَنْهَا؛ فإنَّها مأْمُورَةٌ، وإنَّه مَن لَعَنَ شيئًا ليس له بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعنةُ عليه».


رواه أبو داود برقم: (4908) واللفظ له، والترمذي برقم: (1978)، وابن حبان برقم: (5745)، والطبراني في الصغير برقم: (957)، والكبير برقم: (12757)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (7447)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (528).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«نَازَعَتْهُ»:
‌أي: جاذَبْتُه الشيء..، والتَجاذُبُ هو التَّنازُعُ. الصحاح، للجوهري (1/ 98).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«‌نازعته الريح» أي: جاذَبْتُه. مرقاة المفاتيح (7/ 3046).

«مأْمُورَةٌ»:
أي: مُسخَّرة بأمر الله تعالى. المفهم، لأبي العباس القرطبي (3/ 532).


شرح الحديث


قوله: «أن رجلًا لعن الريح»:
قال ابن درستويه -رحمه الله-:
واللعن: ‌الشتم والذم والإبعاد. تصحيح الفصيح وشرحه (ص:352).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
مثل: أن يلعنها أو يسبها بوصف عيب، أو ما أشبه ذلك. فتح ذي الجلال والإكرام (2/ 432).
وقال الشافعي -رحمه الله-:
ولا ينبغي لأحد أنْ يسُبّ الريح؛ فإنها خَلْقُ الله -عز وجل- مطيع، وجند من أجناده يجعلها رحمة ونقمة إذا شاء. الأم (1/ 290).
قوله: «وقال مُسلمٌ: إن رجلًا نازعته الريح رداءه على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلعنها»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وقال مسلمٌ» ابن إبراهيم، شيخ المصنف(أبي داود). شرح سنن أبي داود (18/ 661).
وقال ابن رسلان -رحمه الله- أيضًا:
«نازعته الريح» أي: جاذَبَتْهُ الريح في «ردائه» لتَحْمِلَهُ وتسير به. شرح سنن أبي داود (18/ 661).

قوله: «فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تلعنها، فإنها مأمورة»:
قال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ -رحمه الله-:
أي: لا تشتموها ولا تلعنوها للحوق ضرر فيها؛ فإنها مأمورة مقهورة، فلا يجوز سبها، بل تجب التوبة عند التضرر بها، وهو تأديب من الله تعالى لعباده، وتأديبه رحمة للعباد. تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد (ص: 581).
وقال الشيخ صالح بن عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
لا تشتموا الرّيح وتذمّوها وتلعنوها، كما كان عليه أهل الجاهليّة أنهم يسبّون الريح إذا جاءت على غير رغبتهم، والواجب أن الإنسان عندما يصيبُه ما يكره أن يحاسب نفسَه؛ لأنّه ما أصابه هذا المكروه إلّا بسببه وبفعلِه، فيحاسب نفسَه ويتوب إلى الله عزّ وجلّ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} الشورى: 30. إعانة المستفيد (2/ 237).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فإنها ‌مأمورة» مسخَّرة لا تسير ولا تتحرك إلا بأمر اللَّه، فليست بأهل للعنة. شرح سنن أبي داود (18/ 661).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فإنها مأمورة» أي: إما بالرحمة، أو بالنقمة. مرقاة المفاتيح (3/ 1117).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- أيضًا:
أي: بأمر ما، أو المنازعة من خاصيتها ولوازم وجودها عادة، أو فإنها مأمورة حتى هذه المنازعة أيضًا ابتلاء لعباده، وهو الأظهر. مرقاة المفاتيح (7/ 3046).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- أيضًا:
فإنها ‌مأمورة مقهورة. مرقاة المفاتيح (3/ 1116).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
يعني: أنها تهبُّ بأمر الله -سبحانه وتعالى-، فهي ليست أهلًا للعن. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (13/ 318).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«فإنها مأمورة» بما تأتي به من الرحمة والعذاب، فلا مساغ للعنها، وإنما المفر عند الضرر بها التوبة إلى الله تعالى، فإنها تأديب من الله تعالى لعصاة عباده، وتأديبه تعالى لهم غاية الرحمة في حق مؤمنيهم، فهي لا تأتي للمؤمنين إلا بخير، فكيف يليق مع ذلك سبها أو لعنها؟!
وظاهر كلامهم: أنَّ لعنها من جملة سبها، فيكون مكروهًا لا حرامًا، وعليه يفرق بينه وبين حرمة لعن الحيوان، بأنَّ اللعن يتصور له وجود في حقها (الحيوانات) تتألم به، وهو الهلاك الناشئ عن الغضب، بخلافه في الريح، فإنَّها جماد لا يتصور له وجود في حقها. فتح الإله في شرح المشكاة (5/400-401).
وقال الغزالي -رحمه الله-:
والصفات المقتضية للعن ثلاثة: الكفر والبدعة والفسق. إحياء علوم الدين (3/ 123).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- بعد ذِكْر كلام الغزالي السابق:
وليست الريح متصفة بواحدة (يعني: من هذه الصفات الثلاث). مرقاة المفاتيح (3/ 1117).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
لا يجوز للإنسان أن يسب الريح؛ لأنها مرسَلة مأمورة، فسبُّها سب لمن أرسلها -سبحانه وتعالى-، فلا يحل لأحد أن يسب الريح. فتح ذي الجلال والإكرام (2/ 432).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فاللعنة خطرة؛ لأنه حكم بأنه أبعد الملعون؛ وذلك غيب لا يطلع عليه غير اللَّه. شرح سنن أبي داود (18/ 657).

قوله: «وإِنه مَن لعن شيئًا ليس له بأهل»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«لعن شيئًا» حيوانًا أو غيره «ليس له بأهل» أي: لا يستحق اللعنة؛ احترازًا ممن يستحق اللعنة {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} هود: 18، «لعن اللَّه اليهود والنصارى» ونحو ذلك. شرح سنن أبي داود (18/ 661).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وإنه» أي: الشأن «من لعن شيئًا ليس» أي: ذلك الشيء «له» أي: اللعن «بأهل» أي: بمستحق. مرقاة المفاتيح (7/ 3046).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «ليس له» صفة «شيئًا» واسمه ضمير راجع إليه، والضمير في «له» راجع إلى مصدر «لعن»، وفي عليه إلى «مَن» على تضمين «رجَعَتْ» معنى استقلت، يعني: من لعن شيئًا ليس ذلك الشيء أهلًا له، رجع اللعن إلى اللاعن؛ لأن اللعن طرد عن رحمة الله تعالى، فمن طرد ما هو أهل لرحمة الله عن رحمته جُعل مطرودًا. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1327-1328).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وقوله: «من لعن شيئًا» إنسانًا كان، أو غيره. لمعات التنقيح (8/ 163).

قوله: «‌رجعت ‌اللعنة ‌عليه»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «رجعت اللعنة عليه» الضمير في «عليه» يرجع إلى اللاعن هنا، لا إلى قوله: «شيئًا»، وباقي معناه ظاهر. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 379).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«رجعت اللعنة عليه» بتعدِّيه بلعنه ما لا يستحق. شرح سنن أبي داود (18/ 661).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: على اللاعن، أي: استقلت اللعنة عليه راجعة؛ لأن اللعن طرد عن رحمة الله تعالى، فمن طرد ما هو أهل لرحمة الله عن رحمته جُعِل مطرودًا. مرقاة المفاتيح (3/ 1117).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- أيضًا:
لأن اللعنة وكذا الرحمة تعرف طريق صاحبها. مرقاة المفاتيح (7/ 3046).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«‌رجعت ‌اللعنة ‌عليه» فلا يُؤخَذ من هذا بتقدير صحته: حُرمة لعن الريح، وهو قويم من جهة المعنى؛ لأن رجوع اللعن عِقاب أيّ عقاب، وهو لا يكون إلا على محرم، فتفطَّن له، فإنَّ ظاهر كلام أئمتنا (الشافعية): الكراهة، وظاهر هذا الحديث بل صريحه: الحُرمة، وكأن عندهم أَنه لم يصح سنده. فتح الإله في شرح المشكاة (5/401).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
فيه: النهي عن ‌سبّ ‌الريح؛ لأنها مأمورة بما تجيء به مِن رحمة لمن أراد الله رحمته، أو عذابٍ لمن أراد الله عذابه. تطريز رياض الصالحين (ص: 973).


ابلاغ عن خطا