عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أَخذ بيدِهِ يومًا، ثم قال: «يا معاذُ إنِّي لأُحِبُّكَ»، فقال له معاذٌ: بأبي أنت وأُمِّي يا رسول الله وأنا أُحِبُّكَ، قال: «أُوصِيكَ يا معاذُ لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ أنْ تقول: اللهمَّ أَعِنِّي على ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ، وحُسْنِ عبادَتِكَ».
رواه أحمد برقم: (22119) ورقم: (22126)، وأبو داود برقم: (1522)، والنسائي برقم: (1303).
صحيح الجامع برقم: (7969)، صحيح سنن أبي داود برقم: (1362).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«دُبُرِ»:
دُبُر كلِّ شيءٍ خلاف قُبُله. العين، للفراهيدي (8/31).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
دُبر كُلّ شيء: وراءه وعقِبه، والمراد به: الفراغ من الصلوات. جامع الأصول في أحاديث الرسول (4/141)
شرح الحديث
قوله: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيده يومًا»:
قال السهارنفوري -رحمه الله-:
قوله: «أخذ بيده» فيه إشارة إلى تمام المحبة بينهما. المنهل العذب المورود (8/ 185).
قوله: «يا معاذ إني لأحبك»:
قال العيني -رحمه الله-:
استحباب قول الرجل لمن يُحبه: إني أُحبك. شرح سنن أبي داود (5/ 433).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«يا معاذ إني لأحبك» توطئة وبَعْثٌ له على امتثال ما يؤمره به، وسبق قبيل باب التشهد نظير ذلك لعلي -رضي الله عنه-، لكن بزيادة: «يا علي، إني لأحب لك ما أحب لنفسي» فرقًا بين مقاميهما. فتح الإله في شرح المشكاة (4/161- 162).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
فيه: دليل على استحباب إظهار المحبة في الله. تطريز رياض الصالحين (ص: 259).
وقال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان -حفظه الله-:
ففيه مزيد تشريف منه -صلّى الله عليه وسلّم- لمعاذ، وترغيب له في ما يُريد أن يُلقي عليه من هذا التوجيه. منحة العلام في شرح بلوغ المرام (3/ 196).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
قال بعضهم: لما صحت محبة معاذ للنبي -صلى الله عليه وسلم- جازاه بأعلى منها كما هو عادة الكِرام. تطريز رياض الصالحين (ص: 259).
قوله: «فقال له معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأنا أحبك»:
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«بأبي أنت وأمي يا رسول الله» أي: بأبي أنت وأمي تُفْدَى من المكاره، وهو كلام يستعملونه في محل المحبة والمبالغة في الإكرام والاحترام، وقد صرحوا بذلك المعنى المقدَّر، فقالوا: فداك أبي وأمي، وجعلني الله فداك. المفهم (2/ 89).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
أفديك بأبي وأمي، يعني: أجعل أبي وأمي فداء لك. فتح ذي الجلال والإكرام (2/ 42).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
أي: أفديك أنت بأبي وأمي، أي: جعلتهما فداء لك من كل مكروه. مرشد ذوي الحجا والحاجة (5/ 81).
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قال ابن المسيب: مخاطبته -صلى الله عليه وسلم- بالمحبة لمعاذ أشد تأكيدًا من مخاطبة معاذ له بها، قلتُ: لأنه لا يحتاج التأكيد من جانب معاذ؛ إذ لا يمكن عدم محبته له -عليه الصلاة والسلام-، ولعل معاذًا ما كان بلغه ما ورد أنه يقال في الجواب: «أحبك الله الذي أحببتني له»، أو اختصر الراوي. مرقاة المفاتيح (2/ 756).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
فيه: أنه لما صدق محبته له -صلى الله عليه وسلم- جازاه بأعلى من محبته؛ جريًّا على عادة الكرام، ولا أكرم منه -صلى الله عليه وسلم-؛ ولهذا أكَّد -صلى الله عليه وسلم- باللام التي هي لام الابتداء عند البصريين، أو لام القسم عند جمع آخرين، ولم يؤكد به معاذ. فتح الإله في شرح المشكاة (4/ 162).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وقوله: «وأنا أحبك» يعني: هذا القول عناية منك وأين أنا من ذلك؟ واللائق أن أكون أنا محبًّا لك، وذلك منصبي وشأني. لمعات التنقيح (3/ 80).
وقال الشيخ عطية محمد سالم -رحمه الله-:
وكون معاذ يحب رسول الله هذا أَمر واجب «والله لا يؤمن أَحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين» {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا} التوبة:24، ولا ينبغي أبدًا أن يُقدم محبة مخلوق عرضًا كان أو أصلًا، إنسانًا أو مالًا؛ على محبة رسول الله؛ لأن محبة رسول الله هي معيار الإيمان. شرح بلوغ المرام (70/ 3).
قوله: «أوصيك يا معاذ»:
قال السهارنفوري -رحمه الله-:
أي: آمرك، وفي هذا مزيد اهتمامه -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- بمعاذ، وترغيب له فيما يريد أن يلقيه عليه؛ لأنه من جوامع الدعاء. المنهل العذب المورود (8/ 185).
وقال المظهري -رحمه الله-:
وهذا دليل على أن من يحب أحدًا ينبغي أن يريد له كل خير، ويدله على كل خير. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 172).
وقال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان -حفظه الله-:
ووصية النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لواحد من الصحابة وصية للأمة كلها؛ لأن شريعته عامة، ولكن ذلك يدل على مزية لهذا الشخص؛ حيث خصه بهذا العلم حتى يعمل به ويحمله ويبلغه الناس، والله تعالى أعلم. منحة العلام في شرح بلوغ المرام (3/ 196).
قوله: «لا تدعن في دُبُر كل صلاة أن تقول»:
قال المظهري -رحمه الله-:
لا تترك أن تقول خلف كل صلاة هؤلاء الكلمات. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 172).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«لا تدعن» أي: لا تتركن «في دُبُر» بضم المهملة والموحدة، أي: عقب «كُل صلاة» أي: مفروضة. دليل الفالحين (3/ 258).
وقال المغربي -رحمه الله-:
قوله: «لا تدعن» نهي من (وَدَعَ) كوضَعَ بمعنى ترك، وقد هجر استعمال ماضيه استغناء عنه بـ(ترك). البدر التمام شرح بلوغ المرام (3/ 175).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «لا تدعن» هو نهي من (وَدَعَهُ)...، (و) النهي أصله التحريم، فيدل على إيجاب هذه الكلمات دُبر الصلاة، وقيل: إنه نهي إرشاد، ولا بد من قرينة على ذلك؛ وقيل: يحتمل أنها في حق معاذ نهي تحريم، وفيه بُعْد؛ وهذه الكلمات عامة لخير الدنيا والآخرة. سبل السلام (1/ 297).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
وأما لفظ «دُبر الصلاة» فقد يُراد به آخر جزء منه، وقد يُراد به ما يلي آخر جزء منه، كما في دُبر الإنسان؛ فإنه آخر جزء منه ومثله لفظ «العقب» قد يراد به الجزء المُؤخر من الشيء كعقب الإنسان، وقد يُراد به ما يلي ذلك.
فالدعاء المذكور في دُبر الصلاة، إما أَن يُراد به آخر جزء منها ليوافق بقية الأحاديث، أو يُراد به ما يلي آخرها، ويكون ذلك ما بعد التشهد كما سُمي ذلك قضاء للصلاة وفراغًا منها حيث لم يبق إلا السلام المنافي للصلاة؛ بحيث لو فعله عمدًا في الصلاة بطلت صلاته ولا تبطل سائر الأذكار المشروعة في الصلاة أو يكون مطلقًا أو مجملًا، وبكل حال فلا يجوز أنْ يُخص به ما بعد السلام؛ لأن عامة الأدعية المأثورة كانت قبل ذلك. مجموع الفتاوى (22/499).
وقال ابن القيِّم -رحمه الله-:
ودُبر الصلاة يحتمل قبل السلام وبعدَه، وكان شيخُنا يرجِّح أن يكون قبلَ السلام، فراجعتُه فيه، فقال: دُبر كلِّ شيءٍ منه، كدُبرِ الحيوان. زاد المعاد (1/ 295).
وقال بدر الدين البَعلي -رحمه الله-:
لفظَ «دُبُر» قد يرادُ به: آخِرُ جزءٍ من الصلاةِ، كما يرادُ بدُبُرِ الشيءِ: مؤخَّرُه، وقد يرادُ به: ما بعدَ انقضائِها؛ كقولِه: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}ق: 40، وقد يرادُ مجموعُهما. مختصر الفتاوى المصرية (1/ 182).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
فإن قيل: المُراد بدُبر كل صلاة قُربُ آخرها، وهو التشهد، قلنا: قد وردَ الأمرُ بالذِّكر دُبرَ كل صلاة، والمراد به بعد السلام إجماعًا، فكذا هذا حتى يثبتَ ما يخالفه. فتح الباري (11/133).
وقال العيني -رحمه الله-:
(فيه) استحباب المواظبة على الدعاء المذكور عقيب كُلِّ صلاةٍ. شرح سنن أبي داود (5/ 433).
وقال الشَّوكاني -رحمه الله-:
دُبر الصلاة بعدها على الأقرب... ويحتمل دُبر الصلاة آخرها قبل الخروجِ منها؛ لأنَّ دبر الحيوان منه، وعليه بعضُ أئمَّة الحديث. نيل الأوطار (2/343).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
كلمة دُبر القاعدة فيها: أنَّه إذا كان المذكور أذكارًا، فإنه يكون بعد السلام، وإذا كان المذكور دعاءً، فإنه يكون قبل السَّلام؛ لأنَّ ما قبل السلام وبعد التشهُّد هو دُبر الصلاة، وكما قال ابن تيمية دُبر الشيء مِن الشيءِ، كما يُقال: دُبر الحيوان المؤخِّرة، وعلى هذا فيكون حديثُ سعد بن أبي وقاص، وحديث معاذ بن جبل، يكون هذا الدعاء قبل أن تُسلِّم إذا انتهيتَ من التشهُّد. شرح رياض الصالحين (5/499).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
والمتأمل في هذه المسألة يتبن له: أن ما قيد بدبر الصلاة إن كان ذكراً فهو بعدها، وإن كان دعاء فهو في آخرها.
أما الأول: فلأن الله تعالى جعل ما بعد الصلاة محلاً للذكر، فقال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} النساء:103، وجاءت السنة مبينة لما أجمل في هذه الآية من الذكر مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين» فيحمل كل نص في الذكر مقيد بدبر الصلاة على ما بعدها ليطابق الآية الكريمة.
وأما الثاني: فلأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل ما بعد التشهد الأخير محلًا للدعاء، فيحمل كل نص في الدعاء مقيد بدبر الصلاة على آخرها، ليكون الدعاء في المحل الذي أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الدعاء فيه، إلا أن يكون حمل النص على ذلك ممتنعًا، أو بعيدًا بمقتضى السياق المعين فيحمل على ما يقتضيه السياق. مجموع فتاوى ابن عثيمين (13/268).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
هذا يدل على مشروعية هذا الدعاء دبر الصلوات المفروضة، ولكن ما المراد بدبر الصلاة؟ يحتمل أن يكون قبل الفراغ من الصلاة، ويحتمل أن يكون بعدها؛ لأن الدبر هو آخر الشيء وما يلي آخر الشيء، والصلاة آخرها السلام؛ فيكون الذي قبله وما بعده ويكون هو آخرها، هذا دبر وهذا دبر، وكونه يؤتى بهذا الدعاء قبل السلام أو بعده كل ذلك يمكن أن يدخل تحت هذا الحديث. شرح سنن أبي داود (3/182).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
الحديث دليل على مشروعية هذا الدعاء في دُبر الصلاة، وهو دعاء جامع شامل مع إيجازه وقلة ألفاظه، فإن من رزقه الله الإعانة على ذِكره وشُكره وحسن عبادته فقد تَمَّ أمره، وكملت أسباب سعادته؛ لأن الدِّين متضمن ذلك كُله، فإنه ذكرٌ لله تعالى، وثناءٌ عليه، وشكر لإنعامه وجزيل إفضاله، ومن تمام ذلك أن يحسن عبادة ربه ويؤديها على الوجه الأكمل.
والدُّبر في هذا الحديث يحتمل أن يكون مرادًا به ما قبل السلام، أو ما بعد السلام، والأفضل أن يكون ما قبل السلام لأمرين:
الأول: ما تقدم أنَّ الدُّبر هو آخر الشيء وطرفه ومؤخرته، وطرف الصلاة هو التشهد الأخير ما قبل السلام.
الثاني: أنَّ ما قبل السلام موضع دعاء، كما في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- فيكون الأنسب لهذا الدُّعاء ما قبل السلام، ويؤيد ذلك رواية النسائي: «فلا تدع أن تقول في كُل صلاة…» فإن نسيه قبل السلام وأتى به بعده فلا بأس؛ لأن كلاًّ منهما يسمى دبرًا. منحة العلام في شرح بلوغ المرام (3/ 195-196).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وفي رواية لأحمد: "فإني أوصيك بكلمات تقولهنّ في كلّ صلاة…"، وفي "عمل اليوم والليلة": «أوصيك يا معاذ، لا تدعنّ في دبر كلّ صلاة أن تقول …» (أن تقول) في تأويل المصدر مفعول "تدع" (في كُلّ صلاة) أي: في آخرها قبل الخروج منها، وهذا هو الظاهر من هذه الرواية، وهو الذي مال إليه المصنف حيث أَورده في جملة الدعوات التي يُدعَى بها في الصلاة قبل التحلل منها.
وقيل: يدعو بها بعد الخروج من الصلاة، لما تقدّم في رواية "عمل اليوم والليلة"، بلفظ: «في دُبر كُلّ صلاة»، وهي عند أحمد، وأبي داود أيضًا.
قال الجامع -عفا الله تعالى عنه-: عندي أنه لا تخالف بين الروايتين، إذ الدُّبر يُطلق على المتصل بالشيء، كدُبر الحيوان، فيكون المعنى في آخر الصلاة قبل الخروج منها، أو يحمل على الحالتين، فيدعو بها في الصلاة قبل السلام، وبعده، لكن المعنى الأول هو الأشبه بظاهر الحديث. والله تعالى أعلم.ذخيرة العقبى في شرح المجتبى(15/٢٣٢).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فيه استحباب هذا الذِّكر بعد السلام من الصلاة، أيّ صلاة كانت فريضة أو نافلة، وإن كانت الفريضة آكد. شرح سنن أبي داود (7/ 335).
قوله: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
«أعني على ذكرك» المطلوب منه شرح الصدر، وتيسير الأمر، وإطلاق اللسان، وأن يلهمه ويرشده إلى كيفيته. الكاشف عن حقائق السنن (3/ 1052).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«أعني على ذكرك» بتيسير أسبابه، وفتح أبوابه، والوصول لغاياته المؤدية إلى قطع العلائق، ونسيان الخلائق، ودوام الشهود، والخروج عن الوجود، وهذا مشرب وملمح من مشارب موسى -عليه السلام- التي تضمنها قوله: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} طه: 25، إلى قوله: {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} طه: 33، 34. فتح الإله في شرح المشكاة (4/ 162).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«على ذكرك» من طاعة اللسان. مرقاة المفاتيح (2/ 756).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
الشامل للقرآن وسائر الأذكار. دليل الفالحين (3/ 258).
وقال الشيخ عطية محمد سالم -رحمه الله-:
والصلاة من الذِّكر، أي: استعن بالله على الحفاظ على الصلاة، والصلاة عون هي بذاتها. شرح بلوغ المرام (70/ 4).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
أي: على إكثار ذكرك، والمداومة عليه. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (15/ 233).
وقال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان –حفظه الله-:
هذا شامل لجميع أنواع الذكر، من قراءة القرآن، والثناء على الله تعالى، والاشتغال بالعلم النافع، ونحو ذلك، وقدَّم الذكر على الشكر؛ لأن العبد إذا لم يكن ذاكرًا لم يكن شاكرًا. منحة العلام في شرح بلوغ المرام (3/ 195).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«وشكرك» المطلوب منه توالي النعم المستجلبة لتوالي الشكر، وإنما طلب المعاونة عليه لأنه عسير جدًّا؛ ولذلك قال الله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} سبأ: 13. الكاشف عن حقائق السنن (3/ 1052).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وشكرك» من طاعة الجَنَان. مرقاة المفاتيح (2/ 756).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
أي: شكر نعمتك الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، التي لا يمكن إحصاؤها. دليل الفالحين (3/ 258).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«وشكرك» بتفرغي له عن كل شاغل، وتيقظي لمواقع أسبابه، المزيلة لكل حالٍ حائل، أو صف دنيء، أو ليس لغايته من طائل. فتح الإله في شرح المشكاة (4/ 162).
وقال الشيخ عطية محمد سالم -رحمه الله-:
شكر النعم بحسبها: تكون بالقول وبالفعل وبالقلب، وكما يقال: شكر النعمة عامل دوامها وحفظها، وبشكرها تدوم. شرح بلوغ المرام (70/ 4).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
أي: وأعني على إدامة شكرك. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (15/ 233).
وقال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان -حفظه الله-:
الشكر: أن تَظْهُر آثار نعمة الله تعالى على لسان عبده ثناءً، وعلى قلبه اعترافًا، وعلى جوارحه انقيادًا، ويَصْرِف نعمه فيما يحبه ويرضاه، ويستعين بها على طاعته، ويحذر من صرفها في معصيته. منحة العلام في شرح بلوغ المرام (3/ 195).
قوله: «وحسن عبادتك»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وحسن عبادتك» وهو أن يحافظ على سنن العبادة الظاهرة وأذكارها وتسبيحاتها؛ حتى يأتي فيها بجميع السنن والآداب والهيئات، فهذِه الأشياء مع الإخلاص والصدق في العبادة لا تحصل إلا بمعونة الله تعالى. شرح سنن أبي داود (7/ 336).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
المطلوب منه: التجرد عما يشغله عن الله تعالى؛ ليفرغ إلى المناجاة. شرح المصابيح (2/ 42).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وحسن عبادتك» من طاعة الأركان. مرقاة المفاتيح (2/ 756).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
أي: بالقيام بشرائطها وأركانها وسننها، من خضوع وخشوع وإخلاص واستغراق وتوجه تام. دليل الفالحين (3/ 258).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«وحسن عبادتك» المشار إليه بقول أعظم أخصائك، وواسطة عقد أنبيائك: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، فالأول يستدعي كمال التفرغ عن الأغيار، والثاني يستدعي دوام استفراغ الجهد في العبادات والأذكار، بتصفيتها عن الشوائب، وتطهيرها عن المعائب.
وبما تقرَّر عُلم أنَّه -صلى الله عليه وسلم- جمع في هذه الألفاظ القليلة مطالب الدنيا والآخرة، وجعل الشكر وسطًا لتكفله بمصالح الدنيا والآخرة، بنص قوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} إبراهيم: 7، أي: مما أنتم فيه من نعم الدارين، ولعزة مقام الشكر، وعظيم خطره؛ إذ هو اصطلاحًا: صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من حواسه الظاهرة والباطنة، إلى ما خُلق لأجله من عبادة ربه في سائر أزمنته، قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} سبأ: 13، فجعل القليل من أخِصَّائه وأوليائه كما أفادته الإضافة إليه، لا من مطلق العباد، إشارة إلى تقليل أولئك القليل، وإلى أن مرتبة الشكر الكاملة لا تحصل لكل مقرَّب، وإنما هي لخواص المقربين، وجعل الذكر وحسن العبادة مبدأ ومنتهى؛ لأنهما لما تمحَّضا للمصالح الأخروية، والمعارف الربانية، استحقا أن يبدأ بأحدهما، ويختم بالآخر، إشارة إلى أن الآخرة وشهودها، وما يؤدي إليهما، هو المقصود في البداية والنهاية.
فإن قلتَ: لم ذكر -صلى الله عليه وسلم- هنا لمعاذ الغايات فقط، ولم يذكر له شيئًا من البدايات، وفي باب السجود لمن سأله مرافقته في الجنة (ذكر) البدايات فقط، من إعانته له بكثرة السجود؟
قلتُ: لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان الطبيب الأكبر، والحكيم الأبر، فأعطى كلًّا من الرَّجُلين ما يناسب داءه من الأدوية، وما يقدر عليه من الأغذية، ولقد أشار إلى ذلك بتصديره الكلام مع معاذ بأنه -صلى الله عليه وسلم- يحبه، ونتيجة محبته المخصوصة تستدعي حيازة الغايات، وبلوغ النهايات، وبتصديره الكلام مع ذلك الرَّجُل بقوله: «أو غير ذلك؟» إشارة لعجزه عما سأله من الموافقة، ثم بقوله: «أعني على نفسك بكثرة السجود» إشارة إلى أنه له نفْسًا يحتاج لمجاهدتها باستعمال الأدوية الجادة حتى يزيل جميع موادها، ويستخرج سائر مكامنها إلى أن يتأهل لتلك الموافقة المستلزمة لكمال المرافقة. فتح الإله في شرح المشكاة (4/ 162-163).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
أي: وأعني على أن أحسن عبادتك التي أمرتني بها. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (15/ 233).
وقال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان -حفظه الله-:
العبادة الحسنة: هي العبادة الخالصة لله تعالى الموافقة للشرع. منحة العلام في شرح بلوغ المرام (3/ 195).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
ووجه تخصيص الوصية بهذه الكلمات: أنها مشتملة على جميع خير الدنيا والآخرة. نيل الأوطار (2/ 343).
وقال الشوكاني -رحمه الله- أيضًا:
وأخرجه (أي: هذا الحديث الإمام أحمد) من حديث ابن مسعود مطلقًا غير مقيد بأذكار بعد الصلاة، ورجاله رجال الصحيح غير عمرو بن عبد الله الأودي، وهو ثقة، وقد أخرجه أبو داود والنسائي من حديث معاذ مقيدًا بأذكار الصلاة، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، فهذا الدعاء بهذا اللفظ ورد مطلقًا كما هنا، وورد مقيدًا بأذكار الصلاة؛ ولهذا ذكره المصنف (ابن الجزري) في البابين، وفيه طلب الإعانة من الرب -سبحانه وتعالى- على هذه الثلاثة الأمور، وهي الذكر لله -عز وجل-، والشكر له، وحسن عبادته، فإنه لا يقول بها إلا الموقنون المعانون من الله -عز وجل-؛ لأن الذكر إذا وقع مع حضور وخشوع وتذلل كان له موقع غير موقع الدعاء مع الذهول، وعدم الحضور، وعدم الخشوع، وعدم التذلل والمراقبة، وهكذا الشكر فإنه لا يقوم به إلا من استحضر نعم الله تعالى عليه، وعرف مقدارها، وشكرها عن خلوص وإقبال، وتطابق على الشكر لسانه وقلبه وأركانه، وهكذا العبادة، فإنه لا يهتدي لحسنها وإحسانها إلا الراغبون في الخير المقبلون على الله -عز وجل-، الطالبون لما لديه من الثواب الجزيل، والعطاء الجليل. تحفة الذاكرين (ص: 449- 450).