«مَن حجَّ للهِ فلم يرفُثْ، ولم يفسُقْ، رَجَعَ كيومِ ولدتْهُ أُمُّهُ».
رواه البخاري برقم: (1819) واللفظ له، ومسلم برقم: (1350)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«حَجَّ»:
الحج في اللغة: القصد إلى كل شيء، فخصّه الشرع بقصد معينٍ ذي شروط معلومة، وفيه لغتان: الفتح والكسر، وقيل: الفتح المصدر، والكَسر الاسم. النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (1/ 340).
«يَرْفُث»:
الرَّفَث: كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من المرأة. معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (1/ 255).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
الرَّفث: الجماع، ويُطلق على التعريض به، وعلى الفحش في القول. فتح الباري (3/ 382).
«يَفْسُق»:
أصل الفسق الخروج من الشيء... وسمي الرجل فاسقًا؛ لانسلاخه من الخير. غريب الحديث للخطابي (1/ 603).
شرح الحديث
قوله: «مَن حجّ لله»:
قال ابن الجوزي -رحمه الله-:
«مَن حجّ لله»: إشارة إلى الإخلاص. كشف المشكل (3/ 458).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«مَن حجّ لله»: أي: خالصًا لوجه الله من غير رياء. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (4/ 9).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«من حج» زاد الطبراني: «واعتمر»، «لله»؛ لابتغاء وجه الله. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 197).
وقال العيني -رحمه الله-:
وفي رواية للبخاري: «من حج هذا البيت»، وفي رواية مسلم من طريق جرير عن منصور: «من أتى هذا البيت»، وفي رواية الدارقطني بلفظ: «من حج أو اعتمر». عمدة القاري (9/ 135).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ولمسلم من رواية جرير عن منصور: «مَن أتى هذا البيت»، وهو أعم من قوله في بقية الروايات: «مَن حج»، ويجوز حمل لفظ «حجَّ» على ما هو أعم من الحج والعمرة، فتساوي رواية: «مَن أتى»؛ من حيث إن الغالب أن إتيانه إنما هو للحج أو للعمرة. فتح الباري (4/ 20).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «من حج لله» أي: لابتغاء وجه الله تعالى، والمراد الإخلاص، وفي رواية للبخاري: «من حج هذا البيت» أي: قَصَدَ البيت الحرام لحج أو عمرة، ولمسلم في رواية: «من أتى هذا البيت»، قال الحافظ: وهو أعم من قوله: «من حج» يعني: أنه يشمل الحج والعمرة، ويجوز حمل لفظ «حجَّ» على ما هو أعم من الحج والعمرة، فتساوي رواية: «من أتى»؛ من حيث إنّ الغالب أن إتيانه إنما هو للحج والعمرة، وللدارقطني بسند فيه ضعف: «من حج أو اعتمر». مرعاة المفاتيح (8/ 302).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
الذي يظهر لي أنه لا تَساوي بين الحج والعمرة في هذا الفضل، فالأَوْلى حمل رواية: «من أتى» على رواية: «من حج»، فيكون المعنى: من أتى هذا البيت للحج، والدليل على ذلك التفريق الذي تقدم في حديث: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، فهذا التفريق يرشد إلى زيادة فضل الحج على العمرة. والله تعالى أعلم. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (23/ 314- 315).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
«من حج» يعني: حج البيت الحرام، مخلصًا لله -عز وجل- من مال حلال. شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (23/ 1).
قوله: «فلم يرفث»:
قال ابن الجوزي -رحمه الله-:
الرَّفَث: الكلام المستقبح. كشف المشكل (3/ 458).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قال ابن عباس: الرفث: التكلم بذكر الجماع، وقال ابن مسعود: الرفث: الجماع. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 254).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
والرفث: الجماع أو التعريض به، أو القبيح من القول... وزعم ابن حزم أنه لا يحرم على الْمُحْرِم إلا الإيلاج فقط، ويباح له أن يقبِّلها ويباشرها قال: لأن الله تعالى لم ينه إلا عن الرفث، وهو الجماع فقط، ولا عجب أعجب ممن نهى عن ذلك، ولم ينه الله تعالى ولا رسوله عن ذلك. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (11/ 41).
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-:
الرفث: الجماع، ويطلق على التعريض به وعلى الفحش في القول، وقال الأزهري: الرفث اسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة، وكان ابن عمر يخصه بما خوطب به النساء، وقال عياض: هذا من قول الله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ} البقرة: 197، والجمهور على أن المراد به في الآية الجماع. انتهى.
والذي يظهر أن المراد به في الحديث ما هو أعم من ذلك، وإليه نحا القرطبي، وهو المراد بقوله في الصيام: «فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث».
فائدة: فاءُ الرفث مثلثة في الماضي والمضارع، والأفصح الفتح في الماضي، والضم في المستقبل. والله أعلم. فتح الباري (3/ 382).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
أي: لم يفحش من القول، ولم يتكلم كلام الجماع عند النساء. شرح المصابيح (3/ 236).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
والفاء في «فلم يرفث» معطوف على الشرط وجوابه «رجع» أي: صار، والجار والمجرور خبر، ويجوز أن يكون حالًا، أي: رجع مشابهًا لنفسه في البراءة عن الذنوب في يوم ولدته أمه. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1939).
قوله: «ولم يفسق»:
قال ابن الجوزي -رحمه الله-:
الفسق: الخروج عن طاعة الله -عز وجل-. كشف المشكل (3/ 458).
وقال المظهري -رحمه الله-:
وأما الفسوق فهو المعاصي، وقيل: اللغو، مثل الشَّتم وكل كلام محرم. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 254).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
«ولا فسوق» أي: لا خروج عن حدود الشريعة. الكواكب الدراري (8/ 60).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
والفسوق: المعاصي كلها، أو الذبح لغير الله، أو إتيان المعاصي في الحرم، أو السباب، أقوال، وقال ربيعة: هو قول الزور. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (11/ 41).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
أي: لم يأتِ بسيئة ولا معصية، وأغرب ابن الأعرابي فقال: إنَّ لفظ الفسق لم يُسمع في الجاهلية ولا في أشعارهم، وإنما هو إسلامي، وتُعقب بأنه كثر استعماله في القرآن، وحكايته عمن قبل الإسلام، وقال غيره: أصله انْفَسَقَتْ الرطبة إذا خرجت، فسُمي الخارج عن الطاعة فاسقًا. فتح الباري (3/ 382).
وقال العيني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: ذكر هنا الرفث والفسوق ولم يذكر الجدال، كما في القرآن؟
قلتُ: اعتمادًا على الآية، والله أعلم. عمدة القاري (9/ 136).
وقال العيني -رحمه الله-:
الفسق: العصيان والترك لأمر الله تعالى، والخروج عن طريق الحق ... قالوا: والفسق والفسوق في الدين اسم إسلامي لم يُسمع في الجاهلية، ولا يوجد في أشعارهم، وإنما هو مُحْدَث سمي به الخارج عن الطاعة بعد نزول القرآن العظيم، وقال ابن الأعرابي: لم يُسمع قط في كلام الجاهلية ولا في شِعرهم: فاسق، وهذا عجيب، وهو كلام عربي. عمدة القاري (9/ 135).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ولم يفسُق» بضم السين، أي: لم يفعل فيه كبيرة، ولا أصرّ على صغيرة، ومن الكبائر ترك التوبة عن المعاصي قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} الحجرات: 11. مرقاة المفاتيح (5/ 1741).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
أي: لم يأتِ بسيئة، ولا معصية، وأغرب ابن الأعرابي، فقال: إنَّ لفظ الفسق لم يُسمع في الجاهلية، ولا في أشعارهم، وإنما هو إسلامي، وتُعقب بأنه كثر استعماله في القرآن، وحكايته عمن قبل الإسلام ... وإنما صرح بنفي الفسق في الحج مع كونه ممنوعًا في كل حال وفي كل حين؛ لزيادة التقبيح والتشنيع، ولزيادة تأكيد النهي عنه في الحج، وللتنبيه على أن الحج أبعد الأعمال عن الفسق، والله تعالى أعلم. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (23/ 316).
قوله: «رجع كيوم ولدته أُمه»:
قال ابن الجوزي -رحمه الله-:
أي: رجع بغير ذنب. كشف المشكل (3/ 458).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
وتقديره: رجع مشابهًا لنفسه في البراءة عن الذنوب في يوم ولدته أمه، أو هو بمعنى صار. الكواكب الدراري (8/ 60).
وقال العيني -رحمه الله-:
أي: رجَع مشابهًا لنفسه في البراء من الذنوب في يوم ولدته أمه، ورجع بمعنى: صار، جواب الشرط، ولفظ: «كيوم» يجوز فيه البناء على الفتح. عمدة القاري (9/ 136).
وقال السندي -رحمه الله-:
«رجع كيوم ولدته أمه» أي: صار، أو رجع من ذنوبه، أو فرغ من الحج، وحَمْله على معنى رجع إلى بيته بعيد، وقوله: «كيوم ولدته أمه» خبر على الأول، أو حال على الوجوه الأُخر، بتأويل: كنفسه يوم ولدته أمه؛ إذ لا معنى لتشبيه الشخص باليوم، وقوله: «كيوم» يحتمل الإعراب والبناء على الفتح، والله تعالى أعلم. حاشية السندي على سنن النسائي (5/ 114).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
لأنه في هذه الحالة حج تائبًا نادمًا، فاستحق هذه المغفرة، فحجه كفارة لجميع الذنوب والسيئات، (و) لو حُج عن ميت بهذه الصفة رُجي له هذا الوعد العظيم. الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري (2/ 7).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
أي: امتنع عن الرفث والفسوق أيام الحج خاصة أزال ذلك كل رفث وفسوق سبق، فرجع إلى الصفاء والطهارة والخلوص كيوم ولدته أمه، لا ذنب له وبقي حجُّه فاضلًا له، وباقيًا عليه؛ لأن مما شرع الله -عز وجل- أن الحسنات يذهبن السيئات. الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 410).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يعني: من حج بحيث يجتنب جميع ما فيه إثم من القول والفعل غُفرت ذنوبه. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 254).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وإنما لم يذكر الجدال في الحديث اعتمادًا على الآية. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1939).
وقال ابن حجر -رحمه الله- معلقًا:
ذَكر لنا بعض الناس: أن الطيبي أفاد أن الحديث إنما لم يُذكر فيه الجدال كما ذكر في الآية على طريق الاكتفاء بذكر البعض وترك ما دلّ عليه ما ذكر، ويحتمل أن يقال: إن ذلك يختلف بالقصد؛ لأن وجوده لا يؤثِّر في ترك مغفرة ذنوب الحاج إذا كان المراد به المجادلة في أحكام الحج فيما يظهر من الأدلة، أو المجادلة بطريق التعميم فلا يؤثر أيضًا، فإن الفاحش منها داخلٌ في عموم الرفث، والحُسن منها ظاهر في عدم التأثير، والمستوي الطرفين لا يؤثر أيضًا. فتح الباري (3/ 383).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
وقد روى ابن ماجه عن عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداس عن أبيه، وكذا البيهقي: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سأل في حجة الوداع بعرفة ربه تعالى غفران ذنوب أمَّته، فأجابه فيما بينه وبين الله، فألحَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السؤال، فقال: «يا ربّ أنت قادر على إرضاء خصومهم»، فلم يجبه تلك الليلة، فلما وقف يوم العيد بمزدلفة بالمشعَر الحرام أجابه الله إلى ذلك السؤال، فتبسَّم، فسألوه عن ذلك، فأخبرهم، وأنّ تبسّمه إنما هو لكون إبليس لما علم بذلك حث التراب على رأسه، ودعا بالويل، وهذا -إن شاء الله تعالى- واقع؛ لأنه داخل تحت المشيئة التي شملت دون الشرك رأفة من الله بعباده، وقد سلف مِنّا تحقيقُ هذه المسالة؛ وهو: أنَّ حقوق العباد لا بدّ من الوفاء بها، وإيصالها إلى المظلوم لا محالة، ولكن لا يلزم أن يكون من حسنات الظالم؛ بل من خزائن رحمته يوصل إليه مقدار ما كان يستحقُّه في ذمة الظالم، ولكن هذا إذا تعلَّقت مشيئته، ألا ترى إلى سؤال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرَّب -تعالى وتقدَّس- في أنّ يُرضي خصومه، هذا الذي يجب اعتقاده على كل مسلم، وله شواهد من الأحاديث في البخاري، منها: ذلك الذي قتل تسعة وتسعين، ثم قتل تمام مائة، ثم تاب إلى الله فتاب الله عليه، قال شيخنا أبو الفضل ابن حجر: حديث الباب من أقوى الشواهد لحديث عباس بن المرداس.
وههنا نكتة، وهي: أن الآية فيها ذكر الفسوق والرفث والجدال، وحُذِفَ في الحديث ذكرُ الجدال؛ لأن الإنسان قلَّما يَسْلَم على نوعِ جدال، لا سيما مع الخدم والحمال، وهذا أيضًا من ألطاف الله بعباده. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (4/ 10).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وظاهره: غفران الصغائر والكبائر والتبعات، وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن مرداس المصرِّح بذلك، وله شاهد من حديث ابن عمر في تفسير الطبري...وقد وقع في رواية الدارقطني المذكورة «رجع كهيئته يوم ولدته أُمه». فتح الباري (3/ 382- 383).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
اعلم أنّ ظاهر الحديث يفيد غفران الصغائر والكبائر السابقة، لكن الإجماع أن المكفِّرات مختصة بالصغائر عن السيئات التي لا تكون متعلقة بحقوق العباد من التبعات، فإنه يتوقف على إرضائهم مع أن ما عدا الشرك تحت المشيئة. مرقاة المفاتيح(5/ 1741).
وقال الدماميني -رحمه الله-:
أي: رجَعَ مماثلًا لحاله يوم ولدته أمه، يريد: أنه رجع بلا ذنب، وهذا يقتضي أنه يكفر الصغائر والكبائر. مصابيح الجامع (4/ 41).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
أي: بغير ذنب، وظاهره: غُفرت الصغائر والكبائر حتَّى التبعات، وهو مصرح به في حديث آخر، فيكون ذلك من خصائص الحج. التوشيح شرح الجامع الصحيح (3/1218).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «رجع كيوم ولدته أمُّه» أي: بلا ذنب، وهذا يتضمن غفران الصغائر والكبائر والتبعات، وقد بيَّنَّا ذلك فيما تقدَّم من كتاب الصيام وغيره. المفهم (3/ 464).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«رجع كيوم..» بالفتح والكسر، وهو حالٌ أي: مُشابهًا لنفْسه في البراءة من الذُّنوب في يوم الولادة، أو رجَع بمعنى: صارَ، والظَّرف خبَره.اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح(6/٢٦٩).
وقال العيني -رحمه الله-:
وظاهره الصغائر والكبائر...ويقال: هذا فيما يتعلق بحق الله؛ لأن مظالم الناس تحتاج إلى استرضاء الخصوم.
فإن قلتَ: العبد مأمور باجتناب ما ذكر في كل الحالات، فما معنى تخصيص حالة الحج؟ قلتُ: لأن ذلك مع الحج أسمج وأقبح، كلبس الحرير في الصلاة. عمدة القاري (10/159).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وهذا شامل للكبائر والتبعات وإليه ذهب القرطبي لكن قال الطبري: هو محمول بالنسبة إلى المظالم على من تاب وعجز عن وفائها.
وقال الترمذي: هو مخصوص بالمعاصي المتعلقة بحق الله لا العباد، ولا يسقط الحق نفسه، بل مَن عليه صلاة يسقط إثم تأخيرها لا نفسها، ولو أخَّرها بعده تجدد إثم آخر. التنوير شرح الجامع الصغير (10/197).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وهذا ظاهر الحديث، وليس لنا أن نعدو الظاهر إلا بدليل، وقال بعض العلماء: إذا كانت الصلوات الخمس لا تكفِّر إلا إذا اجتُنبت الكبائر، وهي أعظم من الحج وأَحبّ إلى الله، فالحج من باب أولى، لكن نقول: هذا ظاهر الحديث: ولله تعالى في حُكمه شؤون، والثواب ليس فيه قياس. مجموع الفتاوى (21/40).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
وظاهر قوله: «كيوم ولدته أمه» يفيد غفران الصغائر والكبائر والتبعات التي هي حقوق العباد، وبهذا الظاهر قيل، ويؤيده ظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، وقوله: «تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد، وليس للحج المبرور ثواب دون الجنة»، وقال الطبري: إنه محمول على من مات وعجز عن الوفاء، وقال الترمذي: هو مخصوص بالمعاصي -أي بالذنوب -المتعلقة بحقوق الله تعالى خاصة دون العباد، فمن كان عليه صلاة أو كفارة أو نحوهما من حقوق الله لا تسقط عنه؛ لأنها حقوق لا ذنوب، إنما الذنوب تأخيرها، فنَفْس التأخير يسقط بالحج، لا هي أنفسها، فلو أخرها بعد الحج تجدد إثم آخر، فالحج المبرور يُسقط إثم المخالفة لا الحقوق. أهـ.
وعليه فالذنوب المتعلقة بحقوق العباد كذنب الغصب والتعدي بالقتل والسب لا يُسقطه إلا استرضاء صاحب الحق أو عفو الله.
ويؤخذ من الحديث:
1-الحث على جعل الطاعات خالصة لله.
2-فضل الحج على سائر الطاعات.
3-الحث على صفاء العبادة من مكدِّرات الذنوب.
4-أن بعض الأعمال تكفِّر الذنوب. المنهل الحديث في شرح الحديث (2/181-182-183).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: الحديث):
1- منها: بيان فضل الحج.
2- ومنها: بيان أن الحج المستوفي للشروط المذكورة في هذا الحديث مكفِّر للذنوب كبائرها وصغائرها.
3- ومنها: أن الفسوق، وإن كانت ممنوعة في جميع حالات العبد إلا أن ذلك يتأكد في حالة الحج.
4- ومنها: أن فيه الحث على عناية الحاج في تخليص حجه عما يشينه من هذه الأمور المذكورة.
5- ومنها: بيان شؤم الذنوب والمعاصي؛ حيث إنها تُنقص الأعمال الصالحة، وتجعلها قليلة الفائدة، بل ربما أبطلتها، فينبغي العناية بالابتعاد عنها، وإن بدرت بادرة بادر إلى التوبة منها، والرجوع واللجوء إلى الله -سبحانه وتعالى-. البحر المحيط الثجاج (24/ 399).
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
اعلم أن من حج بقصد الحج والتجارة كان ثوابه دون ثواب التخلي عن التجارة، وكان القياس أن لا يكون للحاج التاجر ثواب؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «من حج لله» أي: خالصًا لرضاه، إلا أنه صح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن الناس تحرَّجوا من التجارة وهم حُرم بالحج، فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} البقرة: 198، وصح عن ابن عمر أن رجلًا سأل أن يكري جِمَاله للحج ويحج، وأن ناسًا يقولون له: لا حج لك، فقال: إن رجلًا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله عما سألتني عنه حتى نزلت هذه الآية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} البقرة: 198، فأرسل إليه فقرأها عليه وقال: «لك حج»، وجاء بسند حسن عن ابن عباس أن رجلًا سأله فقال: لو آجر نفسي من هؤلاء القوم فأنسك أليَ أجرٌ؟ قال: أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب. مرقاة المفاتيح (5/ 1741).