الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

«أدخلَ اللهُ الجنة رجلًا كان سهلًا مُشْتَرِيًا وبائِعًا وقاضِيًا ومُقْتَضِيًا».


رواه أحمد برقم: (508) واللفظ له، والنسائي برقم: (4696)، وابن ماجه برقم: (2202)، والبيهقي في الشُّعب برقم: (10743)، عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1181)، صحيح سنن النسائي برقم: (4379). (4696).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«سَهْلًا»:
السَّهْل: كل شيء إلى اللين وذهاب الخشونة. المحيط في اللغة، الصاحب بن عباد (1/ 292).
وقال الجوهري -رحمه الله-:
والتَسْهيل: التيسير، والتساهل: التسامح. الصحاح (5/ 1733).
وقال الحميري -رحمه الله-:
وسهَّل الشيء: نقيض عسَّره. شمس العلوم (5/ 3250).

«مشتريًا»:
الشِراءُ يمدّ ويقصر، يقال منه: شرَيْتُ الشيء أَشْرِيهِ شِراءً، إذا بعتُه وإذا اشتريته أيضًا وهو من الأضداد. الصحاح، للجوهري(6/ 2391).
وقال الراغب الأصفهاني -رحمه الله-:
والشراء والبيع يتلازمان، فالمشتري دافع الثمن، وآخذ المثمَّن، والبائع دافع المثمَّن، وآخذ الثمن، هذا إذا كانت المبايعة والمشاراة بناضٍّ وسلعة (والناضّ: ما صار من المال ورقًا وعينًا بعد أن كان سلعة)، فأما إذا كانت بيع سلعة بسلعة صح أن يتصور كل واحد منهما مشتريًا وبائعًا، ومن هذا الوجه صار لفظ البيع والشراء يستعمل كُل واحدٍ منهما في موضع الآخر، وشريتُ بمعنى بعتُ أكثر، وابتعتُ بمعنى اشتريتُ أكثر. المفردات (ص: 453).
وقال محمد عميم -رحمه الله-:
والشِّرَاء: كالبيع من الأضداد أي: بذلُ الثمن وأخذُ المثمن، أو بذلُ المثمن وأخذ الثمن، إلا أن الشراء يطلق غالبًا على إخراج الثمن عن الملْك قصدًا، والبيع على إخراج المبيع عن الملْك قصدًا. التعريفات الفقهية (ص: 120-121).

«وبائعًا»:
بيع: الباء والياء والعين أصل واحد، وهو بيع الشيء، وربما سُمي الشِّرَاء بيعًا، والمعنى واحد. مقاييس اللغة، لابن فارس (1/ 327).
وقال الشريف الجرجاني -رحمه الله-:
البيع: في اللغة مطلق ‌المبادلة، وفي الشرع: مبادلة المال المتقوّم بالمال المتقوّم، تمليكًا وتملُّكًا. التعريفات (ص:48).
وقال المطرِّزي -رحمه الله-:
البيع: من الأضداد، يُقال: باع الشيء إذا شراه، أو اشتراه، ويُعدَّى إلى المفعول الثاني بنفسه، وبحرف الجر، تقول: باعه الشيء، وباعه منه. المغرب في ترتيب المعرب (ص: 56).
وقال محمد جبل -رحمه الله-:
باع الشيءَ: أخرجه من مِلْكه بعِوَض، وباعه من غيره: اشتراه. المعجم الاشتقاقي المؤصل (1/ 141).

«وقاضيًا»:
القضاء: الحُكْم...، وقد يكون (القضاء) بمعنى الأداء والإنهاء، تقول: قَضَيْتُ دَيْني. الصحاح، للجوهري (6/ 2463).
وقال الزبيدي -رحمه الله-:
وقَضَى فلان دينه، تأويله: أنَّه قد قطع ما لغريمه عليه وأدَّاه إليه، وقطع ما بينه وبينه. تاج العروس (39/ 310).

«ومُقْتَضِيًا»:
أي: طالبًا ماله؛ ليأخذه، فلا يُعسِّر عليه، ولا يضايقه في استيفائه، ولا يرهقه لبيع متاعه بالبخس. التيسير بشرح الجامع الصغير، للمناوي (1/ 53).


شرح الحديث


قوله: «أدخل اللهُ الجنةَ رجلًا»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «أدخل الله» بصيغة الماضي دعاء، وقد يجعل خبرًا، وعبر عنه بالماضي إشعارًا بتحقق الوقوع، «الجنة» دار الثواب، وقدم الجزاء لمزيد التشويق والترغيب، «رجلًا» يعني: إنسانًا ذكرًا أو أنثى، والمراد: كل مؤمن. فيض القدير (1/ 226).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «أدخل الله الجنة رجلًا» أي: أخبر تعالى أنه من أهلها وحكم بذلك، وإلا فإِنَّه لا دخول للمكلفين إلى الجنة إلا بعد بعث الأمم وحشرها، وأول من يدخلها نبينا -صلى الله عليه وسلم-، هذا إن جعل إخبارًا عن ذلك الشخص المعين، ويؤيده ما أخرج النسائي وابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «أدخل الله الجنة رجلاً لم يعمل خيرًا قط، وكان يداين الناس فيقول لرسوله: خذ ما تيسر واترك ما تعسر وتجاوز؛ لعل الله تعالى أَنْ يتجاوز عنا، قال الله تعالى: قد تجاوزتُ عنك»، ويحتمل أَنَّه دعاء بلفظ الإخبار من باب: رحم الله تعالى فلانًا. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 468- 469).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «رحم الله» فإِنْ قلتَ: هذا إخبار أم دعاء؟
قلتُ: ظاهره الإخبار عن حال رجل كان سمحًا، لكن قرينة الاستقبال المستفاد من (إذا) تجعله دعاء، وتقديره: «رحم الله رجلًا» يكون سمحًا، وقد يستفاد العموم من تقييده بالشرط. الكواكب الدراري (9/ 200).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «رحم الله رجلًا» يحتمل الدعاء ويحتمل الخبر، وبالأول جزم ابن حبيب المالكي وابن بطال ورجحه الداودي، ويؤيد الثاني ما رواه الترمذي... بلفظ: «غفر الله لرجل كان قبلكم، كان سهلًا إذا باع...» الحديث، وهذا يُشعر بأنَّه قصد رجلًا بعينه. فتح الباري (4/ 307).

قوله: «كان سهلًا مشتريًا وبائعًا»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «كان سهلًا» أي: ليِّنًا منقادًا حالة كونه «مشتريًا وبائعًا...». التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 53).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وفي رواية: «رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى»، قوله: «سمحًا» بسكون الميم وبالمهملتين أي: سهلًا، وهي صفة مشبهة تدل على الثبوت، فلذلك كرر أحوال البيع والشراء والتقاضي.
والسمح: الجواد، يقال: سمح بكذا إذا جاد، والمراد هنا المساهلة. فتح الباري (4/ 307).
وقال بدر الدين العيني -رحمه الله-:
قوله: «أدخل الله الجنة رجلًا كان سهلًا مشتريًا وبائعًا وقاضيًا ومقتضيًا»... وفي الحديث: الحض على المسامحة وحسن المعاملة واستعمال محاسن الأخلاق ومكارمها، وترك المشاحة في البيع؛ وذلك سبب لوجود البركة؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لا يحض أُمَّته إلا على ما فيه النفع لهم دينًا ودنيا، وأما فضله في الآخرة فقد دعا -صلى الله عليه وسلم- بالرحمة والغفران لفاعله، فمن أحب أن تناله هذه الدعوة فليقتدِ به وليعمل به...، وقال ابن حبيب -رحمه الله-: تستحب السهولة في البيع والشراء وليس هي تلك المطالبة فيه، إنما هي ترك المضاجرة ونحوها. عمدة القاري (11/ 189).
وقال محمد عبد العزيز الخَوْلي -رحمه الله-:
فالسماحة في البيع: ألا يكون شحيحًا بسلعته، مستقصيًا في ثمنها، مغاليًا في الربح منها، مكثرًا من المساومة فيها، بل يكون كريم النفس، راضيًا بيسير الربح، مقلًّا من الكلام، والسماحة في الشراء: أن يكون سهلًا في كياسة، فلا يدقق في الدانق والملّيم، خصوصًا إنْ كانت السلعة شيئًا هينًا كفجْلَة أو بصلة، والمشتري غنيًّا، والبائع فقيرًا معدمًا، ولا يسأم البائع بالأخذ والرد، وتعطيله عن المشترين الآخرين، أو مصالحه الأخرى، ولا يكثر التقليب في البضاعة بعد أن سَبَرَ غورها، ووقف على حقيقتها. الأدب النبوي (ص: 34- 35).

قوله: «وقاضيًا»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «وقاضيًا» أي: مؤديًا لغريمه ما عليه. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 53).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله في رواية حكاها ابن التين: «وإذا قضى» أي: أعطى الذي عليه بسهولة بغير مَطْلٍ. فتح الباري (4/ 307).
وقال محمد عبد العزيز الخَوْلي -رحمه الله-:
وأما السماحة في القضاء: فأنْ يردَّ الحق لصاحبه في الموعد المضروب، ولا يكلفه عناء المطالبة أو المقاضاة، ويشفع القضاء بالشكر والدعاء، أو الهدية إن كان لها مستطيعًا إلى غير ذلك مما ينطوي تحت المسامحة، فالحديث يرغِّبنا في حسن المعاملة، وفي كرم النفس، وفي مراعاة المصلحة، وفي حفظ الوقت. الأدب النبوي (ص: 35).

قوله: «ومقتضيًا»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «ومقتضيًا» طالبًا ماله ليأخذه، فلا يُعسِّر عليه ولا يضايقه في استيفائه، ولا يرهقه لبيع متاعه بالبخس. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 53).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
طلب قضاء حقه بسهولة وعدم إلحاف. فتح الباري (4/ 307).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
باب: ذكر الأمر بحسن المطالبة وإن قبض الطالب دون حقه... عن ابن عمر وعائشة -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه السلام- قال: «مَن طلب حقًّا فليطلبه في عفاف وافٍ أو غير وافٍ». الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (10/ 401).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «ومقتضيًا» طالبًا ماله ليأخذه، والقصد بالحديث، الإعلام بفضل اللين والسهولة في المعاملات: من بيع وشراء وقضاء واقتضاء وغير ذلك، وأَنَّه سبب لدخول الجنة، موصِل للسعادة الأبدية، وخص المذكورات لغلبة وقوعها وكثرة المضايقة فيها حتى في التافه لا لإخراج غيرها، فجميع العقود والحلول كذلك. فيض القدير (1/ 226).
وقال محمد عبد العزيز الخَوْلي -رحمه الله-:
والسماحة في الاقتضاء: أَنْ يطلب حقه أو دَينه في هوادة بلا عنف، وفي لين بلا شدة، ويراعي حال المدين، فإن كان معسرًا أنظره وأخَّره، بل إن كانت حاله لا تسمح بالسداد تصدَّق عليه بحقه أو من حقه، قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة: 280، ومن السماحة في الاقتضاء: ألا يطالب المدين على مشهد من الناس ومسمع، خصوصًا إذا كانوا لا يعلمون بالدَّين، أو يتأذى المدين بالجهر، وألا يُلْحِف في الطلب، أو يطالبه في أوقات راحته وهناءته؛ فينغِّص عليه صفوه، وهو من أحرص الناس على قضاء الحقوق، وألا يرفع أمره إلى القضاء وهو مستعد للدفع في وقت قريب، فيغرمه الرسوم وأجر المحاماة، ويشغل باله، ويستنفذ من وقته من غير جدوى تعود عليه إلا الإضرار بأخيه. الأدب النبوي (ص: 35).
وقال محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
منها: ما ترجم له المصنف -رحمه الله تعالى- (النسائي) وهو بيان حسن المعاملة، والرفق في المطالبة.
ومنها: الحض على استعمال معالي الأخلاق، وترك المشاحة. ومنها: الحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو عنهم. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (35/ 314).


ابلاغ عن خطا