الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إذا قام الإمامُ في الركعتين، فإنْ ذَكَرَ قبلَ أن يَسْتَويَ قائمًا فليجلسْ، فإنْ استوى قائمًا فلا يجلسْ، ويسجدْ سجدتي السهوِ».


رواه أحمد برقم: (18223) وأبو داود برقم: (1036) واللفظ له، وابن ماجه برقم: (1208)، من حديث المغيرة -رضي الله عنه-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (321)، صحيح سنن أبي داود برقم: (949).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«استوى»:
أي: انْتَصَبَ. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (5/409).


شرح الحديث


قوله: «إذا قام الإمام في الركعتين»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إذا قام الإمام» أي: شرع في القيام، وفي معناه المنفرد. مرقاة المفاتيح (2/807).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«إذا قام الإمام من الركعتين» يعني: في موضع التشهد. شرح سنن أبي داود (5/408).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«إذا قام الإمام» ومثله المنفرد «في الركعتين» أي: بعدهما، وترك التشهد الأول ناسيًا، ومثله الجهل بمشروعيته. فتح الإله في شرح المشكاة (4/177).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «إذا قام الإمام في الركعتين» يعني: إذا ترك التشهد الأول. المفاتيح في شرح المصابيح (2/200).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «فقام في الركعتين» يعني: أنه قام إلى الركعة الثالثة، ولم يتشهد عقب الركعتين. نيل الأوطار (3/143).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«إذا قام أحدكم من الركعتين» الأوليين بلا تشهد بعدهما، أي: إذا شرع في القيام والنهوض. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (7/354).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«في الركعتين» أي: بعدهما من الثلاثية أو الرباعية قبل أن يقعد ويتشهد. مرقاة المفاتيح (2/807).

قوله: «فإن ذكر قبل أن يَسْتَوي قائمًا فليجلس»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فإن ذَكَرَ» أي: ذكر التشهد. شرح سنن أبي داود (5/408).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فإن ذَكَرَ» أي: تذكر أن عليه بقية من الصلاة. مرقاة المفاتيح (2/807).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«فإنْ ذَكَرَ قبل أنْ يستوي قائمًا فليجلس» ندبًا؛ لأنه لم يتلبَّس بفرض؛ ولهذا صرفنا الأمر عن حقيقته من الوجوب إلى الندب. فتح الإله في شرح المشكاة (4/177).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«قائمًا» أي: منتصبًا معتدلًا، بل شرع في النهوض ولم يقم. مرشد ذوي الحجا والحاجة (7/354).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«قبل أن يستوي قائمًا» سواء يكون إلى القيام أقرب، أو إلى القعود، وهو ظاهر الرواية، واختاره ابن الهمام، ويؤيده الحديث. مرقاة المفاتيح (2/807).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فليجلس» أي: فليَعُد إلى الجلوس للتشهد الأول؛ لأنه لم يشرع في ركن القيام. مرشد ذوي الحجا والحاجة (7/354).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
«فإنه يجلس» أي: سواء كان ذلك في أول القيام أو في آخره، ما دام أنه لم يستقر قائمًا. شرح سنن أبي داود (131/3).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«قبل أن يستوي قائمًا فليجلس» استدل به الشافعي على أن من نسي التشهد الأول مع نسيان قعوده أو مع الإتيان به ثم تذكَّره قبل أن ينتصب قائمًا فعليه أن يعود إلى الجلوس والتشهد لهذا الحديث.
وقيل: إذا صار إلى حال هي أرفع من حد أقلِّ الركوع وكان كالانتصاب فلا يعود، والخلاف مبني على أن القادر على الانتصاب هل له أن يقف كذلك؟ شرح سنن أبي داود (5/408-409).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وظاهر المذهب عندنا (يعني: الأحناف): إن كان أقرب إلى القعود عاد وقعد وتشهد، وإن كان أقرب إلى القيام لم يعد.
واختلفوا في تفسير القُرب، فقيل: لو استوى النصف الأسفل فهو إلى القيام أقرب، وإلا فإلى القعود أقرب.
وقيل: لو رفع أَلْيَتَيه وركبتيه فهو إلى القيام أقرب، وإلا فإلى القعود أقرب.
وقيل: المعتبر رفع ركبتيه وعدمه. لمعات التنقيح (3/153).
وقال السندي -رحمه الله متعقبًا على بعض الأحناف-:
قوله: «قبل أن يستوي قائمًا» هذا يقتضي أن المعتبَر هو نفس القيام كما هو المختار في مذهبنا (يعني: الأحناف)، لا القُرب إلى القيام كما اعتبره بعض الفقهاء من علمائنا الحنفية. فتح الودود (1/603).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقد اختلف العلماء في ذلك (أي في قوله: «قبل أن يستوي قائمًا»)، فذهبت طائفة إلى أنه متى استقلَّ عن الأرض وفارقها لم يرجع إلى الجلوس، وهو قول مالك في آخرين، ثم اختَلف هؤلاء في حد مفارقة الأرض، فقيل: مفارقة أَلْيَتَيه الأرض، وقيل: تجافي ركبتيه عنها.
وهذا عندي على الاختلاف في هيئة القيام، ومن قال: يُقْعِي قال: بمفارقة الأَلْيَتِين، ومن قال: يعتمد قال: بمفارقة الركبتين، وعلى هذا يأتي مذهب مالك، وإن كان المحكي عن مذهبه مفارقة الأَلْيَتَين، وهذا لا يأتي على اختياره في القيام، وقيل: يرجع ما لم يعتدل قائمًا، وهو قول جماعة من أئمة العلماء وابن حبيب من أصحابنا (يعني: المالكية)، وقيل: يرجع ما لم يقرأ، وهو قول النخعي، وقيل: ما لم يركع وهو قول الحسن.
والرد على هؤلاء ما جاء في الحديث من مُضِيِّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على صلاته بعد التسبيح به، وما جاء في حديث المغيرة أيضًا عنه -عليه السلام-: «إذا قام الإمام في الركعتين، فإن ذَكَرَ قبل أن يستوي قائمًا فليجلس، فإن استوى قائمًا فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو» ذكره أبو داود، إلا أن راويه جابر الجعفي، لكن مطابقته لمعنى الحديث المتقدم في مسلم والآثار الأُخَر تَشُّده، ولم يختلف المذهب عندنا أنه لا يرجع بعد استوائه، واختلف إذا فعل ورجع جالسًا، هل تفسد صلاته أو تصح؟ وإذا صحَّت متى يسجد، أَقَبْلُ؛ لنقصه المتقدم، أم بَعْدُ؛ للزيادة؟ إكمال المعلم (2/511-513).
وقال النووي -رحمه الله-:
إذا نهض من الركعة الثانية ناسيًا للتشهد، أو جلس ولم يقرأ التشهد ثم نهض ناسيًا ثم تذكر فله حالان:
أحدهما: أن يتذكر بعد الانتصاب قائمًا فيحرم العود إلى القعود، هذا هو المذهب، وبه قطع الجمهور، ودليله: حديث المغيرة...، وفيه (يعني: في المذهب) وجه شاذ أنه يجوز العود ما لم يشرع في القراءة، لكن الأَوْلى أن لا يعود، حكاه الرافعي وهو ضعيف أو باطل.
والصواب: تحريم العَوْدِ، فإن عاد متعمدًا عالمًا بتحريمه بطلت صلاته، وإن عاد ناسيًا لم تبطل، ويلزمه أن يقوم عند تذكُّره ويسجد للسهو...
الحال الثاني: أن يتذكر قبل الانتصاب قائمًا، قال الشافعي والأصحاب -رحمهم الله-: يرجع إلى القعود للتشهد، والمراد بالانتصاب الاعتدال والاستواء، هذا هو الصحيح وبه قطع الجمهور، وفيه وجه حكاه الرافعي: أن المراد به أن يصير إلى حال هي أرفع من حدِّ أَقَلِّ الركوع، والمذهب الأول. المجموع شرح المهذب (4/43-44).
وقال موفق الدين ابن قدامة -رحمه الله-:
وإنْ ذكر التشهد قبل انتصابه قائمًا رجع فأتى به، وإنْ ذَكَرَ بعد شروعه في القراءة لم يرجع لذلك؛ لأنه تلبَّس بركن مقصود، فلم يرجع إلى واجب، وإن ذكَرَه بعد قيامه، وقبل شروعه في القراءة لم يرجع أيضًا لذلك؛ لما روى المغيرة بن شعبة عن النبي -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- أنه قال: «إذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائمًا جلس، فإن استتم قائمًا لم يجلس وسجد سجدتي السهو» رواه أبو داود، وقال أصحابنا: وإنْ رجع في هذه الحال لم تفسد صلاته، ولا يرجع إلى غيره من الواجبات؛ لأنه لو رجع إلى الركوع لأجل تسبيحة لزاد ركوعًا في صلاته، وأتى بالتسبيح في ركوع غير مشروع. الكافي (1/ 280).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
وقالت الحنابلة: إن استتم قائمًا ولم يقرأ فعدم رجوعه أَوْلى، وإنما جاز رجوعه لأنه لم يتلبس بركن مقصود؛ لأن القيام ليس بمقصود في نفسه، وعليه سجود السهو لذلك كله.
وقالت المالكية: يرجع ما لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه ولا سجود عليه، وإن فارق الأرض بما ذكر فلا يرجع، فإن رجع ففي بطلان صلاته خلاف، والراجح عدم البطلان، ولو رجع بعد أن استقلَّ بل ولو قرأ بعض الفاتحة.
أما لو رجع بعد قراءة الفاتحة كلها بطلت صلاته.
وهذا كله في حق الإمام والمنفرد، أما المأموم فلو ترك التشهد ناسيًا وجلس إمامه وجب عليه الرجوع مطلقًا؛ لمتابعة إمامه، وبه قالت المالكية والحنفية والحنابلة وهو الأرجح عند الشافعية. المنهل العذب المورود (6/165).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فالفقهاء يقولون: من قام عن التشهد الأول فله ثلاث حالات:
- إما ألا ينهض، يعني: يعزم ويتهيأ ولكن ما ينهض، فهذا يأتي بالتشهد ولا شيء عليه؛ لأنه ما زاد في صلاته ولا نقص.
- وإما أن ينهض ولا يستتم، فهذا يجب عليه الرجوع وسجود السهو.
- وإما أن يستتم. فهم يقولون أيضًا: إنْ شَرَعَ في القراءة حرم الرجوع، وإن لم يَشْرَعْ كُرِهَ الرجوع، ومع ذلك فعليه السجود هنا؛ لأنه ترك التشهد.
أما الحديث فإنه يقتضي أن يكون لتارك التشهد الأول حالان فقط: إما أن يذكر بعد أن يستتم قائمًا فلا يرجع، وعليه سجود السهو، أو يذكر قبل أن يستتم قائمًا فيرجع وليس عليه سجود السهو، فإن صح الحديث -كما قال الطحاوي- فهو حُجَّة، ولا قول لأحد بعد قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإن لم يصح فإنَّ ما ذكر الفقهاء -رحمهم الله- هو الصواب؛ لكن نرى أنه إذا استتم قائمًا لا يرجع مطلقًا، يعني أن الرجوع حرام عليه. فتح ذي الجلال والإكرام (2/212).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
وظاهر الحديث: أنه لا يرجع سواء شَرع في قراءة الفاتحة أَم لم يشرع، وهذا هو الصحيح.
وأما من قال: إنْ لم يشرع في القراءة كُرِهَ له الرّجوع، وإن شرع حَرم الرجوع فلا وجه لقوله.
فالصواب: أنه إذا استتم قائمًا فإنه لا يرجع؛ لأنه انتهى إلى الركن، والتشهد الأول واجب وليس بركن. فتح ذي الجلال والإكرام (2/211).
وقال النووي -رحمه الله-:
إذا عاد قبل الانتصاب هل يسجد للسهو؟ فيه قولان مشهوران أصحهما: عند المصنف (يعني: الشِّيْرَازِي) وجمهور الأصحاب (يعني: الشافعية) لا يسجد، والثاني: يسجد، وصححه القاضي أبو الطيب (الطبري).
وقال القفال (أبو بكر الشاشي) وطائفة: إن صار إلى القيام أقرب منه إلى القعود ثم عاد سجد، وإن كان إلى القعود أقرب أو استوت نسبتهما لم يسجد. المجموع شرح المهذب (4/44).
وقال برهان الدين المرغيناني الحنفي -رحمه الله-:
ومن سها عن القعدة الأولى ثم تذكر وهو إلى حالة القعود أقرب عاد وقعد وتشهد؛ لأن ما يقرب من الشيء يأخذ حكمه، ثم قيل: يسجد للسهو للتأخير، والأصح أنه لا يسجد، كما إذا لم يقم. الهداية في شرح بداية المبتدي (1/ 75).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
ظاهره (يعني: الحديث) أنه لا يسجد للسهو، وفي الهداية قيل: يسجد للسهو؛ للتأخير، والأصح أنه لا يسجد، ثم هو يدل على أن المعتبر هو تمام القيام وعدمه. لمعات التنقيح (3/152-153).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
وظاهر الحديث أن قوله الآتي: «ويسجد سجدتي السهو» خاص بالقسم الثاني (من استوى قائمًا) فلا يسجد هنا للسهو، وإنْ كان إلى القيام أقرب، وهو الأصح عند جمهور أصحابنا، وصحَّحه النووي في عدةٍ من كتبه، واستدل له بالحديث الصحيح: «لا سهو في وثبة الصلاة إلا قيام عن جلوس، أو جلوس عن قيام». فتح الإله في شرح المشكاة (4/177).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- مُعلِّقًا:
وهو الأصح عند جمهور أصحابنا (الأحناف). مرقاة المفاتيح (2/807).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وفي وجوب سجود السهو عليه حينئذٍ (أي: بعد الجلوس) اختلاف بين المشايخ (يعني: الأحناف)، والأصح عدم الوجوب؛ لأنَّ فِعْلَهُ لم يُعَد قيامًا، فكان قعودًا. مرقاة المفاتيح (2/807).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
وبعض أهل العلم يقول: إنه يرجع ولو قام ما لم يبدأ بقراءة الفاتحة، والحديث هنا فيه أنه إذا استوى قائمًا لا يرجع، ولكن يأتي بسجدتي السهو؛ جبرًا لتركه التشهد والجلوس له. شرح سنن أبي داود (131/3).

قوله: «فإن استوى قائمًا فلا يجلس»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فإن استوى» أي: انتصب. شرح سنن أبي داود (5/409).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«قائمًا» أي: مستويًا منتصبًا في القيام. «فلا يجلس» أي: فلا يعد إلى الجلوس للتشهد الأول، ويستمر في قيامه؛ لامتناع قطع الركن لأجل سُنة أو لأجل واجب. مرشد ذوي الحجا والحاجة (7/354).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«وإنْ استوى قائمًا فلا يجلس»؛ لتَلَبُّسه بفرض، فلا يقطعه لنفل، فإن جلس عامدًا عالمًا بطلت صلاته؛ لزيادته ركنًا عمدًا، أو ناسيًا أو جاهلًا لم تبطل صلاته، ويلزم القيام عند التذكر والعلم. فتح الإله في شرح المشكاة (4/177-178).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فلا يجلس» أي: فلا يجوز له أن يعود إلى القعود والتشهد؛ لأنه بالانتصاب قد تلبَّس بالفرض، فلا يقطعه ويرجع إلى السنة، وقيل: يجوز له العود ما لم يشرع في القراءة، فإن عاد عالمًا بالتحريم بطلت؛ لأنه زاد قعودًا، وهذا إذا تعمد العَوْد، فإن عاد ناسيًا لم تبطل صلاته؛ لأن القلم مرفوع عنه، نعم يلزمه القيام عند التذكر. شرح سنن أبي داود (5/409).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
النهي في قوله: «فلا يجلس» للتحريم. الأزهار شرح المصابيح مخطوط لوح (159).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
وهو (أي: الحديث) صريح في أن المصلي إذا ترك التشهد الأول والجلوس له رجع إليه ما لم يَسْتَقِل قائمًا، فإن استقلَّ قائمًا لم يرجع، وسجد سجدتي السهو، وبه قال الجمهور، ومنهم الحنفية والشافعية، فإن عاد بعد أن استقلَّ قائمًا فسدت صلاته على الصحيح عند الشافعية، وعلى الصحيح عند الحنفية. المنهل العذب المورود (6/165).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
ولا تبطل صلاته... إذا عاد جاهلًا بالتحريم؛ قياسًا على الناسي؛ لأنه مما يخفى على العوام، وقيل: تبطل صلاة الجاهل؛ لتقصيره بترك تعلُّم ما يحتاج إليه في صلاته، لا فرق في هذا التفصيل بين الإمام والمنفرد. شرح سنن أبي داود (5/409).

قوله: «ويسجد سجدتي السهو»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«و» لكن «يسجد» في آخر صلاته «سجدتي السهو»؛ جبرًا لما تركه من التشهد الأول. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (7/354).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«ويسجد سجدتي السهو» لأنه ترك تشهدًا وزاد جلوسًا. شرح سنن أبي داود (5/409).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«ويسجد سجدتي السهو» سواءً عاد ناسيًا أو جاهلًا؛ لأنه زاد جلوسًا في غير موضعه، وترك التشهد والجلوس في موضعه، أم لم يَعُدْ؛ لتركه التشهد الأول وجلوسه. فتح الإله في شرح المشكاة (4/178).
وقال المغربي -رحمه الله-:
وفي الحديث دلالة على أن السجود إنما هو لفوات التشهد الأوسط لا لفعل القيام؛ لقوله (في الحديث: «فإِن لَمْ يسْتَتمَّ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ)، ولا سهو عليه»، وقد ذهب إلى هذا النخعي وعلقمة والأسود، وأحد قولي الشافعي، وذهب أهل البيت -عليهم السلام-، وأحمد بن حنبل إلى أنه يسجد للسهو، قالوا: لحديث أنس، وهو أنه -صلى الله عليه وسلم- تحرك للقيام في الركعتين الأخيرتين من العصر على جهة السهو فسبَّحوا له، فقعد ثم سجد للسهو. البدر التمام (3/212).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
فالحديث يدل على أن الإنسان إذا قام فإن لم يستقر قائمًا عاد إلى الجلوس، فإن استقر قائمًا فقد فاته الجلوس والتشهد فلا يرجع؛ فإذا تذكر قبل الاستقرار قائمًا ورجع فإنه مع ذلك يسجد للسهو؛ لأنه وُجِدَ السهو منه في هذه الحركة.
ولكن هنا بيان الفرق بين الحالة التي يرجع فيها، والحالة التي لا يرجع فيها، وهو أنه إن لم يستقر قائمًا فعليه أن يرجع، وإن استقر قائمًا لم يرجع، بل يواصل، ويكفي أن يأتي بسجدتي السهو في آخر صلاته. شرح سنن أبي داود (131/3).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
فيه: أنه لا يجوز العَوْدُ إلى القعود والتشهد بعد الانتصاب الكامل؛ لأنه قد تلبَّس بالفرض فلا يقطعه ويرجع إلى السُّنة.
وقيل: يجوز له العَوْدُ ما لم يَشْرَع في القراءة، فإن عاد عالمًا بالتحريم بطلت صلاته؛ لظاهر النهي؛ ولأنه زاد قعودًا، وهذا إذا تعمد العَود، فإن عاد ناسيًا لم تبطل صلاته.
وأما إذا لم يستتم القيام فإنه يجب عليه العَود؛ لقوله في الحديث: «إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائمًا فليجلس». نيل الأوطار (3/144-145).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
إذا نقص واجبًا ناسيًا كالتشهُّدِ الأول ونَهَضَ، فلا يخلو من ثلاث أحوال:
الحال الأُولى: أن يذكرهُ بعد أن ينهض، أي: بعد أن تفارق فخذاه ساقيه، وقبل أن يستتمَّ قائمًا، ففي هذه الحال يجلس ويتشهَّد، ويتم صلاته، ويسجد للسَّهو.
الحال الثانية: أنْ يذكرهُ بعد أنْ يستتمَّ قائمًا، لكن قبل أن يشرع في القراءة، فهنا لا يرجع؛ لأنه انفصل عن التشهُّدِ تمامًا، حيث وصل إلى الرُّكن الذي يليه.
الحال الثالثة: أن يذكرهُ بعد الشُّروع في قراءة الرَّكعة التي تليها: فيحرم الرُّجوع...
قوله (صاحب الزاد): "وعليه السجود للكلِّ" أي: في كلِّ الأحوال الثلاث: إذا نهض ولم يستتمَّ قائماً، إذا استتم قائماً ولم يقرأ، إذا شَرَعَ في القراءة فعليه السجود في الكُلِّ.
وبقي حال رابعة...، وهي: ما إذا ذَكَرَ قبل أن ينهض، أي: تأهَّب للقيام، ولكن قبل أن ينهض وتفارق فخذاه ساقيه، ذَكَرَ أنه لم يتشهَّد فإنه يستقرُّ ولا يجب عليه السُّجود في هذه الحال؛ لعدم الزيادة وعدم النقص، أما عدم النقص فلأنه أتى بالتَّشهُّدِ وأمّا عدم الزيادة فلأنه لم يأتِ بفعل زائد.
وعلى هذا؛ فتكون الأحوالُ أربعًا، وصار الرُّجوع: محرمًا، ومكروهًا، وواجبًا، ومسكوتًا عنه.
فالمحرم: إذا شَرَعَ في القراءة، ولو رَجَعَ عالمًا بطلت صلاتُه؛ لأنه تعمَّد المفسد.
والمكروه: إذا استتمَّ قائمًا ولم يشرع في القراءة، ولو رَجَعَ لم تبطل؛ لأنه لم يفعل حرامًا.
وقال بعض العلماء: يحرم الرُّجوع إذا استتمَّ قائمًا، سواءٌ شرعَ في القِراءة أم لم يشرعْ؛ لأنه انفصلَ عن محلِّ التشهُّد تماماً. وهذا أقرب إلى الصَّواب.
والواجب: إذا لم يستتمَّ قائمًا ونهضَ، ولكن في أثناء النهوض ذَكَرَ ثم رَجَع، ففي هذه الأحوال الثلاث يجب عليه سجود السَّهو.الشرح الممتع(3/٣٧٦ ـ ٣٧٧).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
في هذا الحديث وفي حديث ابن بحينة (أنه -صلى الله عليه وسلم صلى- ركعتين وقام إلى الثالثة دون أن يجلس) وغيره مِن ترك الرجوع لمن قام من اثنتين دليل على صحة ما ذهب إليه أصحابنا (يعني: المالكية) ومن قال بقولهم، (فالجلسة) الوسطى سُنة ليست بفريضة؛ لأنها لو كانت من فروض الصلاة لرجع الساهي إليها متى ذكرها فقضاها، ثم سجد لسهوه كما يصنع من ترك ركعة أو سجدة، وكان حكمها حكم الركوع والسجود والقيام. التمهيد (10/188).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله- أيضًا:
وقد ذهب آخرون إلى (أن) الجلسة الوسطى فرض، وأنها مخصوصة من بين سائر فروض الصلاة بأن ينوب عنها السجود كالعَرَايَا من المُزَابَنَة، وكسقوط (الفاتحة) بعد الإحرام لمن وجد الإمام راكعًا، وبأنها لا يقاس عليها شيء من أعمال البدن في الصلاة، فدل على خصوصها.
واحتجوا بأنها لو كانت سُنة ما كان العامد لتركها تبطل صلاته، كما لا تبطل بترك سنن الصلاة إذا أتى بفرائضها، وبما أجمعوا عليه في سائر أعمال البدن أنها فرض في الصلاة من أولها إلى آخرها من قيام وقعود وركوع وسجود، والقول الأول أصح من جهة الأثر والنظر. الاستذكار (1/523).


ابلاغ عن خطا