الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«يدخلُ أهلُ الجنةِ الجنةَ جُرْدًا مُرْدًا بِيضًا جِعَادًا مُكَحَّلِينَ، أبناءُ ثلاثٍ وثلاثين، على خَلْقِ آدمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا في عَرْضِ سَبْعِ أَذْرِعٍ».


رواه أحمد برقم: (7933) واللفظ له، وابن أبي شيبة برقم: (34006)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
ورواه أحمد -أَيضًا- برقم: (22106)، والترمذي برقم: (2545)، من حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (8072)، مشكاة المصابيح برقم: (5639).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«جُرْدًا»:
جمع أَجْرَد، والأَجْرَدُ الذي ليس على بدنه شَعر. النهاية، لابن الأثير (1/ 256).

«مُرْدًا»:
الأمرد: الشاب طرَّ (نَبَتَ) شَارِبُه، ولم تنبت لحيته. القاموس المحيط (ص:319).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
المرد: جمع أَمْرَد وهو الذي لا شَعر على ذقنه. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (14/ 696).

«بِيضًا»:
بكسر فسكون: جمع أبيض. حاشية السندي على مسند أحمد (2/529).

«جِعَادًا»:
جمْع جَعْد، بفتح فسكون. حاشية السندي على مسند أحمد (2/529).
وقال الفتني -رحمه الله-:
والجَعْد: بالفتح من الشَّعر والجسم خلاف السَّبِط (المسترسل). مجمع بحار الأنوار (5/ 355).

«أَذْرُع»
جمع ذراع، والذِّراع من طَرَفِ الْمِرْفَقِ إلى طَرَفِ الْإِصبع الوسطى. غريب الحديث لإبراهيم الحربي (1/ 277).


شرح الحديث


قوله: «يدخلُ أهلُ الجنةِ الجنةَ جُرْدًا مُردًا»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«جُرْدٌ»: جمع الأجرد، وهو الَّذي لا شَعْرَ في بدنه... «مُرْدٌ»: جمع الأمرد، وهو الَّذي لا شَعْرَ على ذقنه. شرح المصابيح (6/ 109- 110).
وقال حسن أبو الأشبال -حفظه الله-:
ومعنى «جردًا» أي: لا شَعر في أبدانهم، «مُرْدًا» أي: لا شَعر في لِحَاهُم، والغلام الأمرد: هو الذي لا شَعر في لحيته، والأَجْرد: الذي لا شَعر في بدنه كله، فيدخل أهل الجنة الجنة جُرْدًا، لا شَعر في أبدانهم، ولا شَعر في لحاهم. شرح صحيح مسلم (5/ 14).
وسئل الحافظ ابن حجر -رحمه الله-:
عن حديث معاذ في (الترمذي) في دخول أهل الجنة جُردًا مُردًا أبناء ثلاث وثلاثين سنة، وفي بعض الكتب الفارسية: أن لإبراهيم الخليل -عليه السلام- ولأبي بكر لحية في الجنة، فما الحكمة في ذلك؟ وهل صح ذلك أم لا؟
فأجاب: أنه لم يصح أن للخليل ولا للصِّدِّيق لحية في الجنة، ولا أعرف ذلك في شيء من كُتب الحديث المشهورة ولا الأجزاء المنثورة، وعلى تقدير ورود ذلك فيظهر لي أن الحكمة في ذلك: أما في حق الخليل -عليه السلام- فلِكَوْنِه منزلًا منزلة الوالد للمسلمين؛ لأنه الذي سمَّاهم بهذا الاسم، وأُمِرُوا باتِّباع مِلَّته، وأما في حق الصِّدِّيق -رضي الله عنه- فيُنْتَزع من نحو ما ذُكر في حق الخليل -عليه السلام-، فإنه كالوالد للمسلمين؛ إذ هو الفاتح لهم باب الدخول إلى الإسلام.
لكن أخرج الطبراني من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- بسند ضعيف: «أهل الجنة جُرْدٌ مُرْدٌ إلا موسى -عليه السلام-، فإن له لحية تضرب إلى سُرَّتِه»، وذكر القرطبي في (تفسيره) أن ذلك ورد في حق هارون -عليه السلام- أخيه أيضًا، ورأيتُ بخط بعض أهل العلم أنه ورد في حق آدم -عليه السلام-، ولا أعلم شيئًا من ذلك ثابتًا، والله أعلم. مسائل أجاب عنها الحافظ ابن حجر(ص:24).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
تنبيه: زعم بعضُ الناسِ أنَّه يدخل الجنة سيدنا آدم وموسى وهارون وسيدنا إبراهيم الخليل وسيدنا أبو بكر الصدِّيق، وزاد بعضُهم نوحًا -عليهم الصلاة والسلام- بلحية، ونَظَم بعضهم ذلك في أبياتٍ من الشِّعْر، وكل هذا كذب مُفترى، أنشدنا شيخنا العلامة الشيخ محمد العجلوني الشافعي قال: أنْشَدَنَا شيخُنا علامة وقته الشيخ أبو رميلة التميمي الخليلي لنفسه في المسجد الأقصى قال -رحمه الله تعالى-:
وستةٌ ليستْ لأهل الجنَّةِ *** لا بول لا غائط لا أجِنَّة
كذاك لا نومَ ولا أَسْنَانا *** ولا لِحى أيضًا كما أَتَانَا
واستثنِ منهم ستّة قد خُصِّوا *** بلحية قد جاء فيهم نصُّ
هم آدم ونوح إبراهيم *** هارون والصّدِّيق والكليمُ. البحور الزاخرة في علوم الآخرة (3/ 1063).

قوله: «بيضًا»:
قال حسن أبو الأشبال -حفظه الله-:
قال: «بِيضًا» وهو احتراز من السَّواد. شرح صحيح مسلم (5/ 14).

قوله: «جِعادًا»:
قال الفتني -رحمه الله-:
الجعْد في صفات الرجال يكون مدحًا وذمًّا، فالمدح أن يكون شديدَ الأَسْرِ والخَلْقِ، أو يكون جَعْدَ الشَّعر وهو ضد السَّبْط؛ لأن السُّبُوطَة أكثرها في شعور العجم، والذم القصير المتردد الخَلْق، وقد يُطلق على البخيل، يقال: هو جعد اليدين، ويجمع على الجِعَاد. مجمع بحار الأنوار (1/ 363).
وقال ابن قاضي شبهة -رحمه الله-:
الشَّعر ‌المجعد هو: الذي فيه التواءٌ وانقباض لا المفلفل؛ كشعر السودان.بداية المحتاج في شرح المنهاج(2/66)
وقال الشيخ حسن أبو الأشبال -حفظه الله-:
«جِعَادًا» أي: أصحاب الشعر المجعَّد، وفيه إشارة إلى أن معظم أهل الجنة من العرب...، يعني: شَعرهم مجعَّد، وهذه صفة مدح، خلافًا للعَجَم الذين شَعرهم سايح، وهو ليس لائقًا للرجال، وأخيرًا لما اكتشفوا أن الجُعُودة أفضل من النعومة في هذا الوقت ذهبوا إلى الكوافير من أجل تجعيد شعورهم. شرح صحيح مسلم (5/ 14).

قوله: «مُكَحَّلِينَ»:
قال السندي -رحمه الله-:
«مُكحَّلين» الظاهر: أنه اسم مفعول من التكحيل، والمراد: التشبيه بمن كحلت عينه. حاشية السندي على مسند أحمد (2/529).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«مكحَّلين» أي: خِلْقةً، أو كمكحلين. مرقاة المفاتيح (16/ 244).

قوله: «أبناء ثلاثٍ وثلاثين»:
قال الدهلوي -رحمه الله-:
«ثلاث وثلاثين» يعني كما يكون أهل الدنيا في هذا السن؛ إذ فيه كمال قوة الإنسان وأشده. لمعات التنقيح (9/ 122).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
والَّذي دلّ عليه القرآن أنَّ الطِّفْل والسّقط يُحشران على قدر عمرهما، وحينئذٍ فهما مستثنيان من الحديث الأول -أعني قوله: «كلهم أبناء ثلاث وثلاثين»-، هذا كله إنْ صحَّ الحديث، وإلَّا فقضية كلامهم أن النَّاس في المحشر على تفاوت صفاتهم في الدُّنيا حتَّى في الأَسْنَان، وإنَّما يقع التبديل عند دخول الجنَّة. الفتاوى الحديثية (ص:5- 6).
وقال الشيخ حسن أبو الأشبال -حفظه الله-:
«أبناء ثلاث وثلاثين» فالذي يدخل الجنة يكون في سن ثلاث وثلاثين سنة، فمن مات قبل سنّ ثلاث وثلاثين -كمن كان طفلًا صغيرًا- فإنه سيدخل الجنة وعمره ثلاث وثلاثون سنة، وهؤلاء الأطفال حَوْلَ أبويهم.
وما المانع أن الطفل يأخذ بيد أبويه وعمره ثلاث وثلاثون سنة إذًا، وسيكون أبوه أيضًا في نفس السن؟ فإذا كان آدم -عليه السلام- سيكون في هذا السن؛ فكذلك غيره. والسقط يدخل الجنة على سن ثلاث وثلاثين سَنة، والسقط هو ما نُفخ فيه الروح ... «أبناء ثلاث وثلاثين» وهذا نص قاطع أنه لا يوجد أحد سيدخل الجنة إلا وعمره ثلاث وثلاثون سنة ... وعن المقداد بن معدي كرب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يُحشَر الناس يوم القيامة ما بين السقط إلى الشيخ الفاني» يعني: ابتداء من السقط حتى الشيخ الهرم الفاني: أي: الكبير الذي أفنى عمره وطال، فيحشرون جميعًا وهم: «أبناء ثلاث وثلاثين سنة». شرح صحيح مسلم (5/ 14).
وقال ابن القيم -رحمه الله- عن رواية: «ثلاثين سنة»:
فإنْ كان هذا محفوظًا لم يُناقِض ما قبله (أي: رواية «ثلاث وثلاثين»)؛ فإنَّ العرب إذا قدَّرت بعدد له نَيِّف، فإنَّ لهم طريقين: تارة يذكرون النَّيِّف للتحديد، وتارة يحذفونه، وهذا معروف في كلامهم، وخطاب غيرهم من الأمم. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص: 153).
وقال عبد القادر الجيلاني -رحمه الله-:
فأهل الجنة كلهم رجالهم ونساؤهم على قَدْرٍ واحدٍ يكبُر الصغير حتى يكون ابن ثلاث وثلاثين سنة، وينحطُّ الشيخ عن حاله إلى ثلاث وثلاثين سَنة، كلهم رجالهم ونساؤهم على قدر واحد، في حُسن يوسف بن يعقوب -عليهما السلام-. الغنية لطالبي طريق الحق (1/ 315-316).
وقال أبو عبدالله القرطبي -رحمه الله-:
ذُكر أنَّ الآدميَّات في الجنة على سن واحد، وأما الحور العين فأصناف مصنَّفة، صغار وكبار على ما اشتهت أنفس أهل الجنة. التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (2/ 119).
قوله: «على خَلْقِ آدمَ ستونَ ذِراعًا في عرضِ سبعِ أذرعٍ»:
قال ابن أبي الدنيا -رحمه الله-:
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يدخلُ أهلُ الجنةِ الجنةَ على طولِ آدمَ -عليه السلام- ستونَ ذراعًا بذراعِ الملَكِ، ‌على ‌حُسنِ ‌يوسفَ، على ميلادِ عيسى ثلاث وثلاثون سَنة، وعلى لسانِ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، جُردٌ مُردٌ مكحّلون». صفة الجنة (ص:158).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
الرواية: «على خَلْق» بفتح الخاء وسكون اللام، والأخلاق كما تكون جمعًا للخُلق بالضم فهي جمع للخَلْق بالفتح، والمراد: تَسَاوِيْهِم في الطول والعرض والسِّن، وإنْ تفاوتوا في الحُسن والجمال؛ ولهذا فسَّره بقوله: «على صورة أبيهم آدم -عليه السلام- ستون ذراعًا في السماء»...، وكذلك وَصَف الله -سبحانه وتعالى- نساءهم بأنهن أتراب، أي: في سنٍ واحدٍ، ليس فيهن العجائز والشوابّ.
وفي هذا الطول والعَرض والسن من الحكمة ما لا يخفى، فإنه أبلغ وأكمل في استيفاء اللذات؛ لأنه أكمل سن القوة مع عِظَم ألآت اللذة، وباجتماع الأمرين يكون كمال اللذة وقوتها، بحيث يصل في اليوم الواحد إلى مائة عذراء. ولا يخفى التناسب الذي بين هذا الطول والعرض، فإنه لو زاد أحدهما على الآخر فات الاعتدال، وتَنَاسُب الخِلْقة، ويصير طولًا مع رقة أو غلظًا مع قِصَر، وكلاهما غير مناسب، والله أعلم. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص: 153-154).
وقال الشيخ حسن أبو الأشبال -حفظه الله-:
«على خَلْقِ آدم» أي: على صورة آدم؛ أنه في السماء. شرح صحيح مسلم (5/ 14).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«ستون ذراعًا» في الارتفاع مِن ذراع نفسه والله أعلم، ويحتمل أن يكون ذلك الذراع مقدرًا بأَذْرِعَتِنا. المفهم (7/ 182).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا