«إنَّ الرَّجُلَ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِهِ وَصَدْرِ فِرَاشِهِ، وأنْ يَؤُمَّ في رَحْلِهِ».
رواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم: (913)، والدارمي برقم: (2708)، من حديث عبد الله بن حنظلة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (1613)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1595).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«بِصَدْرِ دَابَّتِهِ»:
أي: مقدمها. فيض القدير، للمناوي (4/ 51).
«يَؤُمَّ»:
أي: صار إمامًا لهم. بذل المجهود، للسهارنفوري(11/ 405).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
أي: يصلي بالناس إمامًا لهم. مرشد ذوي الحجا والحاجة (16/ 452).
«رَحْلِهِ»:
والرَّحْلُ: المسْكَنُ. معجم ديوان الأدب، للفارابي (1/ 126).
وقال ابن فارس -رحمه الله-:
والرَّحل منزل الرجل ومأواهُ. مجمل اللغة (ص:424).
شرح الحديث
قوله: «إن الرَّجل أحقّ بصدر دابته»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
صدرها من ظهرها: ما يلي عنقها. شرح المصابيح (4/ 370).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«إن الرَّجل أحق بصدر دابته» بأن يَرْكب على مقدمها، ويُرْكِب خلفه، ولا يعكس. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 285).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«أحق بصدر دابته» من غيره إلا أن يجعل ذلك لغيره. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 40).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إن الرَّجل أحق بصدر دابته» في الركوب، فالرديف يركب من خلفه، كما كان -صلى الله عليه وسلم- يصنع ذلك في إردافه للفضل بن العباس وغيره، والأحقيَّة تفيد أنه لا يحل لغيره إلا بإذنه. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 461، 462).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«أحق بصدر دابته» أي: في الركوب عليها إن أركب معه غيره. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 293).
وقال المظهري -رحمه الله-:
فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن المالك أحق بركوب صدر دابته، إلا أن يُؤْثِرَ غيره بصدر دابته على نفسه، وصدر الدابة مِن ظهرها ما يلي عنقها. المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 387).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
لئلا يظن الرجل أن من هو أكبر قدرًا أحق بركوب صدرها مالكًا كان أو غيره، فبين -صلى الله عليه وسلم- أن المالك أحق بصدر دابته، إلا أن يُؤْثِرَ غيره به على نفسه. شرح المصابيح (4/ 370).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
السنَّة أَن الرجل أَحَق بصدر دَابَّته. الفائق في غريب الحديث (1/ 331).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال ابن العربي: إنَّما كان الرجل أحق بصدر دابته لأنه شرفٌ، والشرف حق المالك؛ ولأنه يصرفها في المشي حيث شاء، وعلى أي وجهٍ أراد، من إسراع أو بطء، ومن طول أو قِصَر، بخلاف غير المالك. فتح الباري (10/ 397).
وقال محمد الشبيهي -رحمه الله-:
ولأنه عارف بطبعها من عثار، وغيره. الفجر الساطع على الصحيح الجامع (8/ 162).
قوله: «وصدر فراشه»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«وصدر فراشه» بأن يجلس في أرفع تَكْرُمَتِه (التكرمة ما يُخص به ويُكرم من فراش ونحوه)، فلا يتقدم عليه في ذلك نحو ضيف ولا زائر، إلا بإذنه. فيض القدير (2/ 339).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وصدر فراشه» هو كحديث: «لا يقعد على تكرمة الرَّجُل إلا بإذنه». التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 462).
وقال المظهري -رحمه الله-:
لا يقعد أحد على سجادة أحد، أو سريره، أو غير ذلك، إلا بإذنه. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 234).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
لا يجلس على دَسْتِه (الوسادة أو صدر المجلس) وسريره، والموضع الذي يُخص به ويعتاد الجلوس فيه. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 343).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
فراشه يريد الذي يُكْرم بالإجلاس عليه من يقصده، وكذا الوساد وشبهه. لمعات التنقيح (3/ 244).
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله-:
السُّنة أن الرجل أَحَق بصدر فرَاشه وَصدر دَابَّته. غريب الحديث (3/ 108).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ووجه هذا المنع: أنه مبني على منع التصرف في ملك الغير إلا بإذنه. المفهم (2/ 299).
قوله: «وأن يَؤُمَّ في رحله»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«وأن يَؤُمَّ» يكون إمامًا في الصلاة لغيره «في رحله» بفتح الراء وبالحاء المهملة ساكنة: المنزل، ومنه:
ومن يكُ أمسى بالمدينة رحله *** فإني وقيار بها لغريب
وهو نظير حديث: «لا يؤم الرجل في منزله». التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 462).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
والمعنى: لا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في محل ولايته ومظهر سلطانه، أو فيما يملكه، أو في محل يكون في حكمه. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/ 294، 295).
وقال النووي -رحمه الله-:
معناه: ما ذكره أصحابنا (الشافعية) وغيرهم أن صاحب البيت والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره، وإن كان ذلك الغير أفقه وأقرأ وأورع وأفضل منه، وصاحب المكان أحق، فإن شاء تقدم، وإن شاء قدم من يريده، وإن كان ذلك الذي يقدمه مفضولًا بالنسبة إلى باقي الحاضرين؛ لأنه سلطانه فيتصرف فيه كيف شاء.
قال أصحابنا: فإن حضر السلطان أو نائبه قُدِّم على صاحب البيت وإمام المسجد وغيرهما؛ لأن ولايته وسلطنته عامة، قالوا: ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل منه. شرح مسلم (5/ 173).
وقال المناوي -رحمه الله-:
أي: أن يصلي إمامًا بمن حضر عنده في منزله الذي يسكنه بحق، فإذا دخل إنسان على آخر في منزله لنحو زيارة، أو ضيافة، وحضرت الصلاة فصاحب المنزل أولى بالتقدم للإمامة، ويستثنى الوالي في محل ولايته. فيض القدير (2/ 339).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
أي: يكون إمام صلاة من أتاه. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 294).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
صاحب الدار أحق بالإمامة، لكنه حق له، فإن تركه وقدم غيره جاز ذلك، بل يستحب له أن يقدم أفضل من حضر، فإن لم يفعل وكان ممن تجوز إمامته كان أولى، إلا أن يحضر الإمام، أو أبو رب المنزل، أو عمه، وهما ممن يصلح إمامتهما، فهؤلاء أولى منه. إكمال المعلم (1/ 268).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
أي: في بيته ومحله؛ لأنه موضع سلطنته... فإن لم يتقدم قدَّم من شاء ممن يصلح للإمامة، وإن كان غيره أصلح منه؛ لأن الحق فيها له فاختص بالتقدم والتقديم، ويراعى في الولاة تفاوت الدرجة الأعلى فالأعلى من الولاة والحكام. شرح سنن أبي داود (3/ 634، 635).
وقال إبراهيم بن علي النعماني -رحمه الله-:
فإنَّ مالكَ الشيء سلطانٌ عليه، والإمام الأعظم سلطان على المالك. مزيد فتح الباري بشرح البخاري (ص: 237).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
فلا يتقدم على الوالي مع ترتيب في الولاة والحكام كالإمام الأعظم وخلفائه، ولا على إمام الحي ورب البيت إلا أن يأذنوا؛ لأن ذلك يفضي إلى توهين أمر سلطنتهم وعزتهم. لمعات التنقيح (3/ 242).