الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا توضأَ خلَّلَ لحيتَهُ بالماءِ».


رواه أحمد برقم: (25970) ورقم: (25971)، والحاكم برقم: (531)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
صحيح الجامع برقم: (4699).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«خلَّلَ»:
التخليل تفريق الشعر وأصابع اليدين والرجلين، وأصله من إدخال الشيء في خلال الشيء، وهو وسَطه. المطلع على ألفاظ المقنع، لابن أبي الفتح (ص:31).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
فحقيقة ‌التخليل: إدخال الأصابع فيما بين أجزاء الشعر. العدة (1/ 206).

«لحيتَهُ»:
اللِّحْيَةُ بالكسر: ‌شَعَرُ ‌الخَدَّيْنِ ‌والذَّقَنِ. القاموس المحيط، للفيروزآبادي (ص:1330).


شرح الحديث


قوله: «كان إذا توضأ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
عند غسل الوجه؛ لأنه من تمامه، لا بعد فراغه كما توهم. مرقاة المفاتيح (2/ 411).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
ويكون تخليل اللحية ‌عند ‌غسل ‌الوجه. شرح سنن أبي داود (24/ 4).
وقال التهانوي -رحمه الله-:
فيه لفظة «كان» الدالة على الاستمرار، وبه تثبت السُّنية. إعلاء السنن (1/94).

قوله: «خلَّل لحيته بالماء»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«‌خلل ‌لحيته بالماء» أي: أدخل الماء في خلالها بأصابعه، فيُندب تخليل اللحية الكثة؛ فإن لحيته الشريفة كثة. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 243).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: ‌أدخل ‌كفًّا ‌من ماء تحت لحيته من جهة حلقه، فخلل به لحيته؛ ليصل الماء إليها من كل جانب. مرقاة المفاتيح (2/ 411).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
أي: أدخل أصابعه خلال لحيته من أسفل. مرشد ذوي الحجا والحاجة (3/ 507).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
أحيانًا، ولم يكن يواظب على ذلك. زاد المعاد (1/ 190).
وقال السندي -رحمه الله-:
من التخليل: وهو تفريق شعر اللحية وغيرها، وأصله إدخال الشيء في خلال شيء آخر، وهو مشط. كفاية الحاجة (1/ 165، 166).
وقال الشيخ عطية محمد سالم -رحمه الله-:
والتخليل: هو إدخال شيء بين شيئين، وتخليل الأصابع: هو إدخال الأصبع بين فجوات الأصابع الأخرى، وكذلك تخليل اللحية بأن تدخل أصابعك خلال شعر الوجه، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- كث اللحية، وكان ‌يخلل ‌لحيته في الوضوء، وهذا الفعل منه -صلى الله عليه وسلم- أقل ما يقال فيه قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} الأحزاب:21. شرح بلوغ المرام (16/ 7).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
أي: يدخل الماء فيما بين الشَّعر؛ من أجل أن يصل الماء إلى جميع الشعر. فتح ذي الجلال والإكرام (1/ 186).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
التخليل مطلق على ما إذا بل أصابعه، ثم أدخلها في الشعر من غير نقل ماء، وعلى ما إذا نقل الماء فخلل به، والإطلاق الذي في هذا الحديث لا يعرض له بإحدى الكيفيتين. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (4/ 229).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
بغَرْفَة مستقلة، أو بنفس الماء الذي غسل به الوجه. شرح سنن أبي داود (24/ 4).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وأما الصحابة والتابعون فروي عن جماعة منهم تخليل اللحية، وأكثرهم لم يفرقوا بين الوضوء والجنابة، وروي عن جماعة منهم الرخصة في ترك تخليل اللحية. التمهيد (12/ 477).
وقال ابن سيد الناس -رحمه الله-:
وقال بهذا أكثر أهل العلم، مِن أصحاب النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ومَن بعدهم، رأوا تخليل اللِّحية، وبه يقول الشافعيُّ.
وقال أحمد: إنْ سها عن التخليل فهو جائز.
وقال إسحاق: إن تركه ناسيًا أو متأوِّلًا أجزأه، وإن تركه عامدًا أعاد. النفح الشذي شرح جامع الترمذي (1/ 313).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قد أوجب بعض العلماء تخليل اللحية وقال: إذا تركه عامدًا أعاد الصلاة، وهو قول إسحاق بن راهويه وأبي ثور، وذهب عامة العلماء إلى أن الأمر به استحباب وليس بإيجاب، ويشبه أن يكون المأمور بتخليله من اللحى على سبيل الوجوب ما رَقَّ من الشَّعر منها فتراءى ما تحتها من البشرة. معالم السنن (1/ 56).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
اختلفوا في تخليل اللحية، فممن كان ‌يخلِّل ‌لحيته: عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وابن عباس وابن عمر وأنس، ومن التابعين أبو قلابة والنخعي وسعيد بن جبير وعطاء، وممن رخص في تخليلها: الشعبي وطاوس والقاسم والحسن وأبو العالية ورواية عن النخعي، واختلف قول مالك في تخليلها، فروى عنه ابن القاسم أنه لا يجب تخليلها في غسل الجنابة ولا في الوضوء، وروى عنه ابن نافع وابن وهب في المجموعة إيجاب تخليلها مطلقًا، ولم يذكرا غسلًا ولا وضوءًا، وروى عنه أشهب في العتبية أن تخليلها في الغسل واجب، ولا يجب في الوضوء، وبه قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق، وحكى ابن القصار عن الشافعي أن التخليل مسنون، وإيصال الماء إلى البشرة مفروض في الجنابة، مثل أن يغلغل الماء في شعره، أو يبله حتى يعلم أن الماء قد وصل إلى البَشرة، وقال المزني ومحمد بن عبد الحكم: تخليلها واجب في الوضوء والغسل جميعًا. [شرح صحيح البخاري (1/ 386، 387)
.
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
واختلف ‌العلماء ‌في ‌تخليل اللحية والذقن.
فذهب مالك والشافعي والثوري والأوزاعي إلى أن تخليل اللحية ليس بواجب في الوضوء، وقال مالك وأصحابه وطائفة من أهل المدينة: ولا في غسل الجنابة، لا يجب تخليل اللحية أيضًا.
وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي والليث وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وداود والطبري وأكثر أهل العلم: تخليل اللحية في غسل الجنابة واجب، ولا يجب ذلك عندهم في الوضوء. التمهيد (12/ 475).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ليس في تخليل اللحية شيء صحيح. التلخيص الحبير (1/ 278).
وقال ابن أبي حاتم -رحمه الله-:
وسمعتُ أبي (أبو حاتم الرازي) يقول: لا يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تخليل اللحية حديث. علل الحديث (1/ 553).
وقال العيني -رحمه الله- بعد ذكره لقول أبي حاتم السابق:
ولأجل هذا قال أبو حنيفة: تخليل اللحية فضيلة، وليست بسُنة، وبه قال محمد (ابن الحسن). شرح أبي داود (1/ 343).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قلتُ: قولهما (أبو حاتم والإمام أحمد) هذا معارَض بتصحيح الترمذي لحديث عثمان الآتي، وبتصحيح الحاكم وابن القطان وغيرهما لبعض أحاديث الباب غيره، ولا شك في أنَّ أحاديث تخليل اللحية كثيرة، ومجموعها يدل على أن لها أصلًا، كيف وقد صحح الترمذي حديث عثمان، وحسنه الإمام البخاري، وحسَّن الحافظ ابن حجر حديث عائشة، وهي بمجموعها تصلح للاحتجاج على استحباب تخليل اللحية في الوضوء، وهذا هو الحق عندي، والله تعالى أعلم. تحفة الأحوذي (1/ 107).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
دليل من نفى ذلك (تخليل اللحية) أنه لم يورده أحد ممن ضبط صفة وضوئه مثل علي وعثمان وغيرهما، ولا ذكره -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي والمسيء صلاته، بل قال له: «توضأ كما أمرك الله»، إلا أنه لا يخفى أن ذلك لا يقاوِم ما ثبت من قوله -صلى الله عليه وسلم-، وإن المثبت مقدَّم على النافي. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 280).
وقال الجصاص -رحمه الله-:
ولا خلاف بين فقهاء الأمصار في أنَّ تخليل اللحية ليس بواجب، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه خلل لحيته، وروي عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خلل لحيته، وقال: «بهذا أمرني ربي»، وروى عثمان وعمار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه خلل لحيته في الوضوء، وروى الحسن عن جابر قال: وضَّأت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا مرة ولا مرتين ولا ثلاثًا، فرأيته يخلل لحيته بأصابعه، كأنها أسنان مشط.
وروي أخبار أُخَر في صفة وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس فيها ذكر تخليل اللحية، منها حديث عبد خير عن علي، وحديث عبد الله بن زيد، وحديث الربيع بنت معوذ وغيرهم كلهم ذكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غسل وجهه ثلاثًا، ولم يذكروا تخليل اللحية فيه، وغير جائز إيجاب تخليل اللحية، ولا غسلها بالآية؛ وذلك لأن الآية إنما أوجبت غسل الوجه، والوجه ما واجهك منه، وباطن اللحية ليس من الوجه كداخل الفم والأنف، لما لم يكونا من الوجه لم يلزم تطهيرهما في الوضوء على جهة الوجوب، فإن ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تخليلها أو غسلها كان ذلك منه استحبابًا لا إيجابًا كالمضمضة والاستنشاق. أحكام القرآن (3/ 342).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
مَن أوجب إيصال الماء إلى منابتها من الذقن، يوجب التخليل إذا لم يحصل الواجب إلا به، كما قيل في الأصابع، ومن لا يرى الوجوب حين حيلولتها بين الرائي وبين البشرة، فذلك عنده مستحب. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (4/ 226).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
وقال إسحاق بن راهويه وأبو ثور والحسن بن صالح والظاهرية: يجب تخليلها أخذًا بظاهر قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في حديث أنس: «هكذا أمرني ربي»، وأجاب الجمهور: بأن الأمر فيه وفي نحوه للندب.
نعم الاحتياط والأخذ بالأوفق أولى، لكن بدون مجارأة على الحكم بالوجوب. الدين الخالص (1/ 259).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
واختلف في ذلك اختلافًا كثيرًا حتى للحنفية وحدهم فيه ثمانية أقوال كما في رد المختار، والراجح عندي أنه يجب في غسل الجنابة غسل جميع اللحية أي ما يلاقي البشرة منها، وما يسترسل، ويلزم إيصال الماء إلى باطنها خفيفة كانت أو كثة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «تحت كل شعرة جنابة فبلُّوا الشَّعر، وأَنْقُوا ‌الْبَشَرَ».
وأما الوضوء فلا يجب فيه غسلها وإيصال الماء إلى باطنها وتخليلها مطلقًا، لا ما يلاقي البشرة -أي: الشعر المقابل المماس للخدين والذقن- ولا المسترسل -أي: الشعر الخارج عن دائرة الوجه-، بل يسن تخليلها ومسحها ... وأما الخفيفة التي ترى بشرتها فيجب إيصال الماء إلى ما تحتها. مرعاة المفاتيح (2/ 110، 111).
وقال سحنون -رحمه الله-:
قال مالك: ‌تُحرَّك ‌اللحية ‌في ‌الوضوء ‌من ‌غير ‌تخليل، ‌قال ‌ابن ‌وهب: إن ربيعة بن أبي عبد الرحمن كان ينكر تخليل اللحية، وقال: يكفيها ما مر عليها من الماء.
وقال القاسم بن محمد: أغرف ما يكفيني من الماء فأغسل به وجهي وأمرُّه على لحيتي، من حديث ابن وهب عن حيوة بن شريح عن سليمان بن أبي زينب.
وقال ابن القاسم: لست من الذين يخللون لحاهم، وقال إبراهيم النخعي: يكفيها ما مر عليها من الماء من حديث وكيع عن الفضيل عن منصور.
قال وكيع: وقال ابن سيرين: ليس من السنة غسل اللحية، وأن ابن عباس لم يكن يخلل لحيته عند الوضوء، من حديث ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر. المدونة (1/ 125).
وقال الشيرازي -رحمه الله-:
والمستحب أن يخلل لحيته؛ لما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخلل لحيته، فإن كان بعضها خفيفًا وبعضها كثيفًا غسل ما تحت الخفيف وأفاض الماء على الكثيف، ولا يجب غسل ما تحت الشعر الكثيف في الوضوء. المهذب (1/ 39).
وقال الجويني -رحمه الله-:
وهي (التخليل) من السنن في اللحية الكثيفة، وإن كانت خفيفة وجب إيصال الماء إلى المنابت. نهاية المطلب في دراية المذهب (1/ 74).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
وجملة ذلك: أن اللحية إن كانت خفيفة تَصِفُ البشرة وجب غسل باطنها، وإن كانت كثيفة لم يجب غسل ما تحتها، ويستحب تخليلها. المغني (1/ 148).
وقال النووي -رحمه الله-:
اللحية الكثيفة يجب غسل ظاهرها بلا خلاف، ولا يجب غسل باطنها ولا البشرة تحتها، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي -رحمه الله- وقطع به جمهور الأصحاب في الطرق كلها، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين وغيرهم، وحكى الرافعي قولًا ووجهًا أنه يجب غسل البشرة، وهو مذهب المزني وأبي ثور، قال الشيخ أبو حامد (الإسفراييني): غلط بعض الأصحاب فظن المزني ذكر هذا عن مذهب الشافعي -رحمه الله-، قال: وليس كذلك، وإنما حكى مذهب نفسه، وانفرد هو وأبو ثور في هذه المسألة ولم يتقدمهما فيها أحد من السلف...، وإن كانت اللحية خفيفة وجب غسل ظاهرها وباطنها والبشرة تحتها بلا خلاف عندنا، وإن كان بعضها خفيفًا وبعضها كثيفًا فلكل بعضٍ منهما حكمه لو كان متمحضًا، فللكثيف حكم اللحية الكثيفة، وللخفيف حكم اللحية الخفيفة، هذا هو المذهب الصحيح، وبه قطع الأصحاب في الطرق. المجموع (1/ 374، 375).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
في ضبط اللحية الكثيفة والخفيفة أوجه:
أحدها: ما عدَّه الناس خفيفًا فخفيف، وما عدوه كثيفًا فهو كثيف، ذكره القاضي حسين (أبو علي) في تعليقه (التعليق على مختصر المزني)، وهو غريب.
والثاني: ما وصل الماء إلى ما تحته بلا مشقة فهو خفيف، وما لا فكثيف، حكاه الخراسانيون.
والثالث: وهو الصحيح وبه قطع العراقيون والبغوي وآخرون وصححه الباقون وهو ظاهر نص الشافعي: أن ما ستر البشرة عن الناظر في مجلس التخاطب فهو كثيف، وما لا فخفيف. المجموع (1/ 375).
وقال الزركشي -رحمه الله-:
وصفة التخليل: من تحتها بأصابعه، نص عليه، أو من جانبيها. شرح مختصر الخرقي (1/ 174).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
وهذا كله في الرَّجُل، أما المرأة والخنثى فيجب غسل ذلك كله منهما باطنًا وظاهرًا كثيفًا وخفيفًا. فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام (ص: 84).


ابلاغ عن خطا