الأربعاء 26 رمضان 1446 هـ | 26-03-2025 م

A a

«‌من ‌قطع ‌رحمًا، أو حَلَفَ على يمين فاجِرة، رأى وَبَالَهُ قبل أن يموت».


رواه البخاري في التاريخ الكبير برقم: (2189)، من حديث القاسم بن عبد الرحمن (مولى يزيد بن معاوية) مرسلًا.
صحيح الجامع برقم: (6475)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1121).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«رحمًا»:
الرَّحِم هم الأقارب، ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب. النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير (2/ 210).

«يمين فاجِرة»:
هي ما كانت على غير حق. التنوير شرح الجامع الصغير للصنعاني (10/ 365).
وقال حسن العطار -رحمه الله-:
اليمين الفاجرة: أي: الكاذبة، وهو من الإسناد للمسبِّب؛ لأنها سبب لفجور الآتي بها. حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (4/ 282).

«وَبَالَ»:
الْوَبَالُ: سوء العاقبة. مطالع الأنوار لابن قرقول (6/ 165).
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
الوَبال -بفتح الواو- في الأصل: الثقل والمكروه. مرقاة المفاتيح، شرح مشكاة المصابيح (8/ 3245).


شرح الحديث


قوله: «‌من ‌قطع ‌رحمًا»:
قال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
واختُلف في المراد بالقطيعة، فقال أبو زرعة: ينبغي أن تختص بالإساءة، وقال غيره: هي ترك الإحسان ولو بدون إساءة؛ لأن الأحاديث آمرة بالصلة، ناهية عن القطيعة، ولا واسطة بينهما، والصلة: إيصال نوع من الإحسان، كما فسرها بذلك غير واحد، فالقطيعة ضدها، فهي ترك الإحسان. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (10/ 11).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
ولا خلاف أنَّ صلة الرحم واجبة على الجملة، وقطعها كبيرة، ولكن الصلة درجات، بعضها فوق بعض، وأدناها ترك المهاجرة.
وصلتها ولو بالسلام، كما قال -عليه الصلاة والسلام-، وهذا بحكم القدرة على الصلة، وحاجتها إليها، فمنها ما يتعيَّن ويَلزم، ومنها ما يُستحب، ويُرغَّب فيه، وليس من لم يبلغ أقصى الصلة يُسمى قاطعًا، ولا من قصَّر عما ينبغي له، ويقدر عليه يُسمى واصلًا.
واختُلف في حد الرحم التي يجب صلتها، فقال بعض أهل العلم: هي كل رحم مَحْرَمِيّة مما لو كان أحدهما ذكرًا حَرُم عليه نكاح الآخر، فعلى هذا لا يجب في بني الأعمام وبني الأخوال، وبني العمات، واستدل على قوله بتحريم الجمع بين الأختين، والمرأة وعمتها وخالتها؛ مخافة التقاطع، وجواز ذلك بين بني العم والخال.
وقيل: بل هذا في كل ذي رحم ممن ينطلق عليه ذلك في ذوي الأرحام في المواريث، محرميًّا كان أو غيره، وقد جاء في أثر: «أن الله يسأل عن الرحم ولو بأربعين»، ويدل على هذا قوله -عليه الصلاة والسلام-: «ومولاك، ثم أدناك فأدناك». إكمال المعلم (8/ 20-21).

قوله: «أو حلف على يمين فاجرة»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«أو حلف على يمين فاجرة» صفة لما يوصف حالها، فإنها الفاجِرة، وهي ما كانت على غير حق. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 365).
وقال النسفي -رحمه الله-:
اليمين الفاجرة: أي: الكاذبة، وقد فَجَرَ فجورًا مِن حَدِّ دَخَلَ، أي: كَذَبَ، ومعناها: المفجور فيها، أي: كذب فيها حالِفُها، فاعلة بمعنى مفعولة، كقوله تعالى: {فِي عِيشَةٍ رَاضِية} الحاقة: 21، أي: مرضية، وقوله تعالى: {مِن مَاءٍ دَافِقٍ} الطارق: 6، أي: مدفوق، وقال الراجز:
اغفر له اللهم إن كان فجر
أي: كذب. ويقال: فاجرة، أي: ذات فجور، وكذلك يقال في عيشة راضية، أي: ذات رضا، وهذا على تأويل من يأبى أن يكون الفاعل بمعنى المفعول؛ لما فيه من إبطال الوضع. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 67).
وقال المناوي -رحمه الله-:
في جمع اليمين الفاجرة مع القطيعة ما يلوِّح باشتراكهما في القطيعة؛ لأن اليمين الفاجرة قَطَعَتْ الوصلة بين العبد وبين الله، والقطيعة قَطَعَتْ ما بينه وبين الرحم، وفي هذا الاقتران في التحذير ما لا يخفى. فيض القدير (6/ 206).
وقال النحاس -رحمه الله-:
اليمين الفاجرة لا كفارة لها عند أكثر أهل العلم؛ لعظم إثمها. معاني القرآن (2/ 364).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
اليمين الفاجرة من الكبائر؛ لتوعُّد الشارع عليها بأنها موجبة للنار، ومحرِّمة للجنة. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (39/ 351).
قال الفيومي -رحمه الله-:
فليحذر الإنسان من ‌اليمين ‌الفاجرة في هذه المساجد فإن عقوبتها عاجلة، روي أنّ عمر بن عبد العزيز أَمر بحمل عمال سليمان بن عبد الملك إلى الصخرة ليحلفوا عندها فحلفوا عندها إلا واحدًا فَدى يمينه بألف دينار فما جاء الحول على واحدٍ منهم، بل ماتوا كلهم، أ. هـ، قاله الزركشي في كتابه الذي ألفه فيما يتعلق بالمساجد، قال الحافظ (المنذري) -رحمه الله-: كانت اليمين على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند المنبر، ذكر ذلك أبو عبيد والخطابي، واستشهد بحديث أبي هريرة (مَنْ حلَفَ على يمينٍ آثمَةٍ عند منْبَري هذا..) والله أعلم أ. هـ. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب(8/٣٧٤).

قوله: «رأى وَبَالَهُ قبل أن يموت»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«رأى وَبَالَهُ» هلاكه في دينه ودنياه «قبل أن يموت».
وفيه: تحذير عن الأمرين شديد، وجَمَعَ بينهما لأن اليمين قاطعة ما بين الله وعبده، كقطع الرحم ما بينه وبينه تعالى. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 366).
وقال العيني -رحمه الله-:
الوبال: الضرر والمكروه الذي يَنال في العاقبة مَن عَمِلَ سوءًا؛ لثقله عليه. عمدة القاري (15/ 497).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قاطع الرحم يُعجّل له العقوبة بقلة المال، وعدم البركة في النَّسْل. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 466).
وقال المناوي -رحمه الله-:
لأن فاعل ذلك لما افترى باقتحام ما تطابقت على النهي عنه الكُتُب السماوية والإشارات الحكمية، وقطع الوصل التي بها نظام العالم وصلاحه، أسرع إليه الوبال في الدنيا، مع ما ادُّخر له من العقاب في العقبى. فيض القدير (1/ 505).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
عَدُّوا قطع الرَّحم من الكبائر، وضبطوا ذلك: بترك ما أَلِفَه من إحسان، أو نحوه، كمكاتبة ومراسلة، ونحوها. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 587).


ابلاغ عن خطا