عن أُمّ مَعْقِل الأسديَّة أنَّ زوجها جعل بَكْرًا لها في سبيلِ الله، وأنها أَرَادَتِ العُمرة فسألت زوجها البَكْرَ، فأبَى، فأَتت النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- فذكرت ذلك له، فَأَمَرَهُ أنْ يُعْطِيَهَا، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الحج والعمرةُ من سبيلِ اللهِ، وقال: عمرةٌ في رمضانَ تَعْدِلُ حَجَّةً، أو تُجْزِئُ حَجَّةً، وقال حَجَّاجٌ: تَعْدِلُ بِحَجَّةٍ، أو تُجْزِئُ بِحَجَّةٍ».
رواه أحمد برقم: (27286)، وابن خزيمة برقم: (3075)، والحاكم برقم: (1774).
صحيح الجامع برقم: (1599) وفي إرواء الغليل برقم: (869)، صحيح بدون ذِكر العُمرة، وأَمّا بها فشاذ.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«بَكْرًا»:
البَكْر -بالفتح-: الفَتِيُّ من الإبلِ، بمنزلةِ الغلامِ من النَّاسِ، والأنثى: بَكْرَة، وقد يُسْتعار للنَّاسِ. النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 149).
«في سبيلِ اللهِ»:
سبيلُ اللَّهِ: عامٌّ يقعُ على كلِّ عملٍ خالصٍ، سُلك به طريقُ التقرُّب إلى اللَّهِ تعالى، بأداءِ الفرائض والنَّوافل وأنواع التطوعات، وإذا أُطْلق فهو في الغالب واقعٌ على الجهاد، حتَّى صارَ لكثرة الاستعمال كأنَّه مقصورٌ عليه. النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير(2/ 338-339).
«تَعْدِلُ حَجَّةً»:
أي: تُقابل وتُماثل في الثواب كأجر حَجَّة. شرح المصابيح، لابن الملك (3/ 237).
شرح الحديث
قوله: «أنَّ زوجَها جَعَلَ بَكْرًا لها في سبيلِ اللهِ»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «بَكْرًا» أي: جملًا شابًّا. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 464).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «في سبيل الله» أي: بأنْ يُنتفع به في الغزو. شرح سنن أبي داود (9/ 128).
العظيم آبادي -رحمه الله-:
«فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أَيِ: الغزو والجهاد. عون المعبود وحاشية ابن القيم (5/ 321).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
أما سبيل الله: فالأكثر على أنَّه يختص بالغازي غنيًّا كان أو فقيرًا، إلا أنَّ أبا حنيفة قال: يختص بالغازي المحتاج، وعن أحمد وإسحاق: الحج من سبيل الله، وقد تقدَّم أثر ابن عباس، وقال ابن عمر: أما إنَّ الحج من سبيل الله. فتح الباري (3/ 332).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
الأظهر في إطلاق سبيل الله: الجهاد، وقد يُؤخَذ بعموم اللفظ، كما أذن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لمن جعل بعيره في سبيل الله أنْ يحج عليه، وقال: «الحج من سبيل الله». فتح الباري (8/ 199).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
القول الراجح عندي: هو ما ذهب إليه الجمهور: من أن المراد به: الغزو والجهاد خاصة؛ لأن سبيل الله إذا أُطْلِقَ في عُرف الشرع فهو في الغالب: واقع على الجهاد؛ حتى كأنه مقصورٌ عليه. مرعاة المفاتيح(6/ 239).
قوله: «وأنَّها أَرَادَتِ العُمرة، فسألت زوجها البَكْرَ، فأبَى»:
قال الساعاتي -رحمه الله-:
أي: لم يجب طلبها؛ لاعتقاده أنَّ جَعْل البَكْر في سبيل الله يمنع من استخدامه في الحج، فأمرهُ النبي -صلى الله عليه وسلم- بإعطائها، وقال: «الحج والعمرة في سبيل الله». الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (9/ 69).
قوله: «فأَتَتِ النبي-صلى الله عليه وسلم-، فذَكَرَتْ ذلك له، فَأَمَرَهُ أن يُعْطِيَهَا، وقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: الحَجُّ والعمرةُ من سبيلِ اللهِ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«الحج في سبيل الله» احتج به أحمد في إحدى الروايتين عنه، وهو مذهب ابن عباس، وابن عمر، وإسحاق على: أنَّ الحاج يُعطى منها -أي: من الزكاة- وإنْ كان غنيًّا، وعن أحمد رواية أخرى: لا يتصرف منها في الحج، وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي، وأبو ثور وابن المنذر، وهذا أصح عند أحمد؛ لأن سبيل الله عند الإطلاق إنما ينصرف إلى الجهاد، فإنَّ كل ما في القرآن من ذكر سبيل الله، إنما أُريد به: الجهاد إلا اليسير، فيجب أنْ يُحمل ما في الآية على الكثير؛ لأن الظاهر إرادته به؛ ولأن الزكاة إنما تدفع للمحتاج إليها، أو مَن يحتاج إليه المسلمون كالعامل، وإذا قلنا: يجوز دفع الزكاة في الحج، فلا تُدْفَع إلا بشرطين:
أحدهما: أنْ يكون ممن ليس له ما يحج به سواها.
والثاني: أنْ يأخذه لحجة الفرض؛ لأنه يحتاج إلى إسقاط فرضه، وإبراء ذمته، وأما الْمُتَطَوِّع فله مندوحة عنه.
وأما هذا الحديث: فلا يمتنع أنْ يكون الحج في سبيل الله، والمراد بالآية: غير سبيل الحج؛ لما ذكرناه. شرح سنن أبي داود(9/ 128-129).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وأحاديث الباب (حديث أم مَعْقِل وحديث أبي لاس الخزاعي): تدل على أنَّ الحج والعمرة من سبيل الله، وأنَّ مَن جعل شيئًا مِن ماله في سبيل الله جاز له صرفه في تجهيز الحُجَّاج والمعتمرين، وإذا كان شيئًا مركوبًا، جاز حمل الحاج والمعتمر عليه.
وتدل أيضًا على أنه يجوز صرف شيء من سَهم سبيل الله من الزكاة إلى قاصدين الحج والعمرة. نيل الأوطار(4/ 203).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
فيه: أَنه جعل الحج من السبيل، وقد اختلف الناس في ذلك، وكان ابن عباس لا يرى بأسًا أنْ يعطي الرّجل من زكاته في الحج، وروي مثل ذلك عن ابن عمر، وكان أحمد وإسحاق يقولان: يُعطى من ذلك في الحج.
وقال سفيان وأصحاب الرأي والشافعي: لا تصرف الزكاة إلى الحج، وسهم السبيل: الغزاة والمجاهدون. معالم السنن (2/ 215).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
فإنْ قيل: قد رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الحج من سبيل الله، وصح عن ابن عباس أنْ يُعطى منها الزكاة في الحج.
قلنا: نعم، وكل فعل خير فهو من سبيل الله تعالى، إلا أنَّه لا خلاف في أنَّه تعالى لم يُرِدْ كل وجه من وجوه البر في قسمة الصدقات، فلم يَجُزْ أنْ تُوضع إلا حيث بيَّن النصُّ. المحلى بالآثار (4/ 275).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
قال (أحمد): ويُعطى أيضًا في الحج، وهو من سبيل الله، يُروى هذا عن ابن عباس، وعن ابن عمر: الحج في سبيل الله، وهو قول إسحاق؛ لِمَا روي: «أنَّ رجلًا جعل ناقة له في سبيل الله، فأرادت امرأته الحج، فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: اركبيها، فإنَّ الحج في سبيل الله».
وعن أحمد -رحمه الله- رواية أخرى: لا يُصرف منها في الحج، وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وهذا أصح؛ لأن سبيل الله عند الإطلاق إنما ينصرف إلى الجهاد، فإنَّ كل ما في القرآن من ذِكْر سبيل الله، إنما أُريد به الجهاد إلا اليسير، فيجب أنْ يُحمل ما في هذه الآية على ذلك؛ لأن الظاهر إرادته به؛ ولأن الزكاة إنما تُصرف إلى أحد رجلين: محتاج إليها: كالفقراء والمساكين وفي الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم، أو مَن يحتاج إليه المسلمون: كالعامل والغازي والمؤلَّف والغارم لإصلاح ذات البيْن، والحج من الفقير لا نفع للمسلمين فيه، ولا حاجة بهم إليه، ولا حاجة به أيضًا إليه؛ لأن الفقير لا فرض عليه فيسقطه، ولا مصلحة له في إيجابه عليه، وتكليفه مشقة قد رفَّهَهُ الله منها، وخفَّف عنه إيجابها، وتوفير هذا القدر على ذوي الحاجة من سائر الأصناف، أو دفعه في مصالح المسلمين أولى، وأما الخبر فلا يمنع أنْ يكون الحج من سبيل الله، والمراد بالآية غيره؛ لما ذكرنا.
وقال الشافعي: يجوز الدفع إلى مَن أراد الحج؛ لكونه ابن سبيل، ولا يصح؛ لأن ابن السبيل المسافر المنقطع به، أو مَن هو محتاج إلى السفر، ولا حاجة بهذا إلى هذا السفر. المغني (7/ 327).
وقال ابن قدامة -رحمه الله- أيضًا:
فإنْ قلنا: يدفع في الحج منها (الزكاة) فلا يُعطى إلا بشرطين:
أحدهما: أنْ يكون ممن ليس له ما يحج به سواها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مِرَّةٍ القُوَّةُ والشِّدَّةُ سَوِي»، وقال: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة»، ولم يذكر الحاج منهم، ولأنه يأخذ لحاجته، لا لحاجة المسلمين إليه، فاعتُبِرَت فيه الحاجة، كمن يأخذ لفقره.
والثاني: أنْ يأخذه لحجة الفرض، ذكره أبو الخطاب؛ لأنه يحتاج إلى إسقاط فرضه، وإبراء ذمته، أما التطوع فله مندوحة عنه.
وقال القاضي (أبو يعلى): ظاهر كلام أحمد: جواز ذلك في الفرض والتطوع معًا، وهو ظاهر قول الخرقي؛ لأن الكل من سبيل الله، ولأن الفقير لا فرض عليه، فالحجة منه كالتطوع، فعلى هذا: يجوز أنْ يدفع إليه ما يحج به حجة كاملة، وما يغنيه في حجه، ولا يجوز أنْ يحج من زكاة نفسه، كما لا يجوز أن يغزو بها. المغني (7/ 327).
وقال محمد رشيد رضا -رحمه الله-:
من جهة المعنى:
أولًا: إنَّ جَعْلَ أبي مَعْقِل جمله في سبيل الله، أو وصيته به صدقة تطوع، وهي لا يُشترط فيها أنْ تُصرف في هذه الأصناف التي قصرتها عليها الآية.
وثانيًا: أنَّ حجَّ امرأته عليه ليس تمليكًا لها، يخرج الجمل عن إبقائه على ما أوصى به أبو مَعْقِل، ويقال مثل هذا في حديث أبي لاس.
ثالثًا: أنَّ الحج من سبيل الله بالمعنى العام للفظ، والراجح المختار: أنَّه غير مراد في الآية. تفسير المنار (10/ 434).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
حديث أم مَعْقِل فيه اضطراب كثير، واختلاف شديد في سنده ومتنه، حتى تعذر الجمع والترجيح، مع ما في بعض طرقه من راوٍ ضعيف ومجهول ومدلس قد عنعن، وهذا مما يُوجِب التوقُّف فيه؛ وذلك لا يشك فيه مَن ينظر في طرق هذا الحديث في مسند الإمام أحمد. مرعاة المفاتيح (6/ 239).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
اختلفوا في إعطاء الزكاة في الحج: فروينا عن ابن عباس: أنَّه كان لا يرى بأسًا أن يعطي الرجل من زكاته في الحج، وعن ابن عمر أنه قال: الحج في سبيل الله، وقال أحمد وإسحاق: يُعطى من ذلك في الحج.
وكان الشافعي والثوري وأبو ثور يقولون: لا يُعطى منها في حج ولا غيره، وحكى أبو ثور ذلك عن الكوفي (إذا قيل: قال الكوفي، أو عن الكوفي؛ فالمراد به: أبو حنيفة دون سائر فقهاء الكوفة).
قال أبو بكر (ابن المنذر): هكذا أقولُ. الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 95).
قوله: «وقال: عمرةٌ في رمضانَ تَعْدِلُ حَجَّةً، أو تُجْزِئُ حَجَّةً»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «عمرة في رمضان» أي: كائنة «تعدل حجّة» أي: تعادل وتماثل في الثواب، وبعض الروايات: «حجّة معي»، وهو مبالغة في إلحاق الناقص بالكامل ترغيبًا.
وفيه: دلالة على أنَّ فضيلة العبادة تزيد بفضيلة الوقت، فيشمل يومه وليله، أو بزيادة المشقة فيختص بنهاره -والله أعلم-.
ثم قيل: المراد: عمرة آفاقية، ولا تجوز العمرة المكية عند الحنبلية، ويؤيدهم سبب ورود الحديث، وهو «أنَّ امرأة شكت إليه -صلى الله عليه وسلم- تخلفها عن الحج معه، فقال لها: اعتمري، وكان ميقات تلك المرأة ذا الحليفة».
وأيضًا: لم يُحفظ عنه -صلى الله عليه وسلم- إيقاعها في رمضان، مع إدراكه أيامًا منه في مكة بعد فتحها، مع ما قيل من أنَّه دخل مكة من غير إحرام بها، وإنما وقع عُمَرهُ كلها في ذي القعدة، وقيل: قد اعتمر مرةً في رجب على ما قاله ابن عمر، وأنكرته عائشة -رضي الله عنها-.
وقد ذهب مالك وتبعه المزني: أنها لا تجوز في العام إلا مرة واحدة، إلا أنَّ علماءنا والشافعي -رحمه الله- ذهبوا إلى: أنَّ العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب -والله أعلم-.
ثم العمرة بوقوع أفعالها في رمضان، لا إحرامها، كما مال إليه ابن حجر، فَتَدَبَّر. مرقاة المفاتيح (5/ 1742).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «عُمْرة في رمضانَ تعدِلُ حَجَّةً» أي: تُقابلُ وتُماثِلُ في الثواب، وإنما عَظُمَ ثوابُ العمرةِ في رمضانَ؛ لأن رمضانَ شهرٌ شريفٌ، والزمانُ إذا كان شريفًا يكون ثوابُ الطاعةِ فيه أكثرَ من ثوابِ الطاعةِ في زمان غيرِ شريفٍ. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 255).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
«تعدل حجة» فقيل: هو على بابه، أنها تساوي الحج في الفضل والثواب؛ لمزيد شرف الوقت، وقيل: هو خاصٌّ بتلك المرأة.
وقال ابن راهويه: هو نظير حديث: «{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} الإخلاص: 1، تعدل ثلث القرآن». التوشيح شرح الجامع الصحيح (3/ 1351).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فُضِّلت العمرة في رمضان لشدة المشقة اللاحقة من عمل العمرة في الصوم. شرح سنن أبي داود (9/ 129-130).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «في رمضان» في ليله أو نهاره، «تعدل حجة» تقابلها وتماثلها في الثواب؛ لأن الأعمال تفضل بفضل الوقت...، فيعلم أنها لا تقوم مقامه في إسقاط الفرض. التنوير شرح الجامع الصغير (7/344- 345).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
هذا من باب المبالغة، وإلحاق الناقص بالكامل ترغيبًا وبعثًا عليه، وإلا كيف يعدل ثواب العمرة ثواب الحج؟! الكاشف عن حقائق السنن(6/ 1939).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
معنى ذلك: في الأجر والثواب، لا في الإجزاء عن الفريضة بغير خلاف. إكمال المعلم (4/ 333).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«تعدل حجة» في الثواب، لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض؛ للإجماع على أنَّ الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 148).
وقال ابن خزيمة -رحمه الله-:
الشيء قد يُشَبَّه بالشيء، ويُجْعَل عِدْله إذا أشبهه في بعض المعاني، لا في جميعه؛ إذ العمرة لو عدلت حجة في جميع أحكامها لَقُضِيَ العمرة من الحج، ولكان المعتمر في رمضان إذا كان عليه حجة الإسلام تُسْقِطُ عمرته في رمضان حجة الإسلام عنه، فكان الناذر حجًّا لو اعتمر في رمضان كانت عمرته في رمضان قضاء لما أوجب على نفسه من نذر الحج. صحيح ابن خزيمة (4/ 360).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
وعدل العمرة في رمضان بحجة يكون لأحد ثلاثة أوجه:
أحدها: أنْ ينسحب فضل رمضان على العمرة، فيجتمع من الوجهين ما يعادل الحج.
ثانيهما: إنه روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال وذَكَرَ رمضان: «لله تعالى في كلِّ ليلةٍ عُتَقَاءٌ من النَّارِ كما أنَّ له يومَ عرفةٍ عُتَقَاءَ من النارِ».
ثالثها: أنَّ المعتمِر في رمضان أجاب الداعيين، داعي الحج، وهو قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} الحج 27، وأجاب داعي رمضان، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ونادى مُنَادٍ يا باغيَ الخيرِ أقْبِلْ ويا باغِيَ الشرِّ أقْصِرْ»، ومن دُعِي فأجاب، ومن أجاب دعاءه تعيَّن عليه الثواب.
وقوله في الزيادة: «تعدل حجة معي» زيادة في التفضيل، فإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا وقف مع الخلق فدعا ودعوا معه كانت تلك وسيلة كريمة إلى الإجابة، فلما استأثر الله تعالى برسوله خلَّف فينا شهر رمضان ننال تلك البركة فيه، كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}، ثم استأثر الله تعالى برسوله، ثم قال: {وَمَا كَانَ} الآية؛ إلى قوله: {يَسْتَغْفِرُونَ} الأنفال 33، فصار الاستغفار خلفًا لنا من الأمن من العذاب من وجود شخصه الكريم معنا. القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (ص:563- 564).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«تعدل حجة»، وفي رواية: «تقضي حجة» أي: تقوم مقامها في الثواب، لا أنها تقوم عن حجة الإسلام، ولا عن غيرها؛ فإنه لو كان على الإنسان حجة فاعتمر في رمضان لم تجزئه عن الحجة بالاتفاق، لكن لما صحت نِيَّتُها (هذه المرأة) في الحج، وجعلتْ البَكْر له، ورأت أنها عاجزة عن الحج لما حصل لها من الكِبَر والضعف، جُعِلَ ثواب ذلك في العُمرة في رمضان، خير لها، ومجازاة لاحتراصها على الخير، ورغبتها فيه، ومجازاة بنيتها. شرح سنن أبي داود (9/ 126).
وقال ابن رسلان -رحمه الله- أيضًا:
وهذا (الثواب) ليس خاصٌّ بها (المرأة) كما قال القرطبي وغيره، بل كل مَن يساويها في تلك الحال والنية، من النساء والرجال، واعتمر في رمضان، كان له مثل ذلك الثواب. شرح سنن أبي داود (9/ 129-130).
قوله: «وقال حَجَّاجٌ: بِحَجَّةٍ، أو تُجْزِئُ بِحَجَّةٍ»:
قال الساعاتي -رحمه الله-:
«وقال حَجَّاجٌ» هو ابن محمد، أحد رجال السند، قال في روايته: «تعدل بحجة، أو تجزئ بحجة»، والمعنى واحد. الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (9/ 69).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
فيه من الفقه: جواز إحباس الحيوان. معالم السنن (2/ 215).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)