الإثنين 24 رمضان 1446 هـ | 24-03-2025 م

A a

«أنّ رجلًا أَكلَ عندَ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بشمالِهِ، فقال: «كُلْ بيمينِكَ»، قال: لا أستطيعُ، قال: «لا استطعتَ»، ما منعَهُ إلا الكِبرُ، قال: فما رفعَهَا إلى فِيه.  


رواه مسلم برقم: (2021)، من حديث سَلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-. 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الكِبْر»:
هو أن يجعل ما جعله الله حقًّا من توحيده وعبادته باطلًا. وقيل: هو أن يتجبر عند الحق فلا يراه حقًّا. وقيل: هو أن يتكبر عن الحق فلا يقبله. النهاية، لابن الأثير(1/ 135).


شرح الحديث


قوله: «أنّ رجلًا أكل عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشماله»:
قال النووي -رحمه الله-:
هذا الرجل هو بُسر بضم الباء وبالسين المهملة، ابن راعي العَير بفتح العين وبالمثناة، الأشجعي، كذا ذكره ابن منده وأبو نعيم الأصبهاني وابن ماكولا وآخرون، وهو صحابي مشهور، عدَّه هؤلاء وغيرهم من الصحابة -رضي الله عنهم-. شرح مسلم (13/ 192).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
الرجل يقال له: ‌بشر ا‌بن ‌راعي العير. وقيل: بسر بالسين المهملة، وهو من أشجع. الميسر في شرح مصابيح السنة (4/ 1291).
وقال المظهري -رحمه الله-:
كان رجلًا شجاعًا. المفاتيح في شرح المصابيح (6/ 242).
وقال برهان الدِّين ابن العجمي -رحمه الله-:
قوله: «أنّ رجلًا أكل عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشماله» هو بسر ابن راعي العَير، كذا في آداب العُبَّاد لابن المنذر، وفي أمالي السلفي، قاله ابن بشكوال، وقال ابن طاهر: إنه من أشجع، وأنه قيل فيه: بشر بالمعجمة، انتهى.
قلتُ: والذي أعرفه بالباء الموحدة المضمومة، وبعدها سين مهملة. تنبيه المعلم بمبهمات صحيح مسلم (ص: 347-348).
وقال البيهقي -رحمه الله-:
والصحيح بِشر بخفض الباء، وبالشين المعجمة، هكذا ذكره ابن منده وغيره من الحُفاظ، والله أعلم. السنن الكبرى(7/ 277).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قد تبيَّن بما ذُكِرَ أنَّ الأكثرين على أنَّه بسر بالسين المهملة، فليتنبه، والله تعالى أعلم. البحر المحيط الثجاج (34/ 130).

قوله: فقال: «كُلْ بيمينك»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«فقال» يعني: النبيّ «‌كل ‌بيمينك» أي: كما هو الأدب المندوب المحبوب. دليل الفالحين (5/ 69).
وقال ابن علان -رحمه الله- أيضًا:
«فقال» إرشادًا له للأفضل: «كل ‌بيمينك» الأمر فيه للندب. دليل الفالحين (5/ 226).
وقال المظهري -رحمه الله-:
وفيه دليل على أن الأكل باليمين من السُّنن. المفاتيح في شرح المصابيح (6/ 242).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقد أجاز العلماء لمن به عذر بيمينه أَكله بشماله وشربه به؛ إذ هو غاية مَقدوره. إكمال المعلم (6/ 487).
وقال المغربي -رحمه الله-:
«كل بيمينك» فيه دلالة على استحباب الأكل باليمين، وكذلك الشرب؛ لحديث ابن عمر: «إذا أَكل أَحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله». وكان نافع يزيد فيها: «ولا يأخذ بها، ولا يعطي بها»، وهذا إذا لم يكن عذر، فإن كان عذر منع الأكل والشرب باليمين، من مرض أو جراحة أو غير ذلك، فلا كراهة. البدر التمام شرح بلوغ المرام (7/ 328).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
ولا يحل لأحد أن يأكل بشماله إلا أنْ لا يقدر فيأكل بشماله؛ لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عمر بن أبي سلمة (الآمر) بالتسمية والأكل باليمين، ومن طريق الليث عن أبي الزبير عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تأكلوا بالشمال؛ فإن الشيطان يأكل بالشمال» وهذا عموم في النهي عن شماله وشمال غيره، فإن عَجز فالله تعالى يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} البقرة: 286 ، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أَمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».
ومن تحكم فجعل بعض الأوامر فرضًا، وبعضها ندبًا فقد قال على الله ورسوله ما لا علم له به، وقال تعالى: {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} النور: 15. المحلى بالآثار (6/ 103-104).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ويدل على وجوب الأكل باليمين، ورود الوعيد في الأكل بالشمال، ففي صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا يأكل بشماله، فقال: «كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت» فما رفعها إلى فيه بعد. فتح الباري (9/ 522).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وفي هذا دليلٌ على وجوب الأكل باليمين والشرب باليمين، وأن الأكل باليسار حرام، يأثم عليه الإنسان، وكذلك الشرب باليسار حرام، يأثم عليه الإنسان؛ لأنه إذا فعل ذلك أي: أكل بشماله أو شرب بشماله شابه الشيطان وأولياء الشيطان، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لا يأكل أحدكم بشماله، ولا يشرب بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله».
وإذا نظرنا الآن إلى الكفار، وجدنا أنهم يأكلون بيسارهم، ويشربون بيسارهم، وعلى هذا فالذي يأكل بشماله أو يشرب بشماله متشبِّه بالشيطان وأولياء الشيطان.
ويجب على مَن رآه أن ينكر عليه، لكن بالتي هي أحسن، أما أن يُعرِّض إذا كان يخشى أن يخجل صاحبه، أو أن يستنكف ويستكبر، يُعرِّض فيقول: من الناس مَن يأكل بشماله أو يشرب بشماله، وهذا حرام ولا يجوز.
أو إذا كان معه طالب علم سأل طالب العلم، وقال له: ما تقول فيمَن يأكل بالشمال ويشرب بالشمال؟ حتى ينتبه الآخر، فإن انتبه فهذا المطلوب، وإن لم ينتبه قيل له -ولو سرًّا-: لا تأكل بشمالك، ولا تشرب بشمالك، حتى يعلم دين الله تعالى وشرعه.
يوجد بعض المترفين يأكل باليمين، ويشرب باليمين، إلا إذا شرب وهو يأكل فإنه يشرب بالشمال، يدعي أنه لو شرب باليمين لوَّث الكأس، فيُقال له: المسألة ليست هيّنة، وليست على سبيل الاستحباب حتى تقول: الأمر هين، بل أنت إذا شربت بالشمال فأنت عاصٍ؛ لأنه محرم، والمحرم لا يجوز إلا للضرورة، ولا ضرورة للشرب بالشمال؛ خوفًا من أن يتلوث الكأس بالطعام، ثم إنه يمكن أن لا يتلوث، يمكن أن تمسكه بين الإبهام والسبابة من أسفله، وحينئذٍ لا يتلوث، والإنسان الذي يريد الخير والحق يسهل عليه فعله، أما المعاند أو المترف أو الذي يقلد أعداء الله من الشيطان وأوليائه، فهذا له شأن آخر، والله الموفق. شرح رياض الصالحين (3/ 543- 544).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
أن ذلك (الأكل بالشمال) ينقسم إلى أقسام:
أولًا: أنْ يخالف هذا الأمر لعذر؛ أي: أنْ يأكل بشماله لعذر؛ فهذا لا حرج عليه؛ لعموم قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُم} التغابن: 16، وقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} البقرة: 286، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».
ثانيًا: أنْ يتركها تهاونًا، فهذا محرم.
ثالثًا: أنْ يتركها كبرًا، فهذا من كبائر الذنوب؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا على الذي قال: لا أستطيع أنْ آكل باليمين ما منعه إلا الكبر، فقال له: «لا استطعت»، فلم يرفعها إلى فيه بعد ذلك. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (4/ 621).

قوله: «قال: لا أستطيع»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«قال» أي: الرجل مخبرًا بخلاف الواقع: «لا أستطيع». دليل الفالحين (5/ 226- 227).
وقال ابن علان -رحمه الله- أيضًا:
أخذته نفسه فلم ينقد للحق، واعتذر بما ليس كذلك في الواقع «فقال: لا أستطيع» أي: الأكل بها، أي: لعلة تمنع من إعمالها. دليل الفالحين (5/ 69).

قوله: «قال: لا استطعتَ»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«قال» -صلى الله عليه وسلم- دعاء عليه حيث خالف أمره الذي أوجب الله تعالى امتثاله، حيث قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} الحشر: 7، وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} النور: 63: «لا استطعتَ». البحر المحيط الثجاج (34/ 130).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فـ«قال» النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا استطعتَ»؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عرف أنه متكبر، فقال: «لا استطعتَ» أي: دعا عليه بأن الله تعالى يصيبه بأمر لا يستطيع معه رفع يده اليمنى إلى فمه، فلما قال: «لا استطعتَ» أجاب الله دعوته، فلم يرفعها إلى فمه بعد ذلك، صارت -والعياذ بالله- قائمة كالعصا، لا يستطيع رفعها؛ لأنه استكبر على دين الله -عزّ وجلّ-. شرح رياض الصالحين (3/ 543).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«قال» داعيًا عليه؛ لِما ظهر له من عناده وكبره عن الانقياد للحق: «لا استطعت». دليل الفالحين (5/ 227).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«لا استطعتَ» دعاء منه عليه؛ لأنَّه لم يكن له في ترك الأكل باليمين عذر، وإنما قصد المخالفة. المفهم (5/ 297).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«لا استطعت» دعاء عليه؛ لأنه كَذبَ في اعتذاره. مرقاة المفاتيح (9/ 3804).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«فقال: لا استطعتَ» ويحتمل أن يكون ذلك منه من أوّل الأمر عنادًا واستكبارًا فأصابه ما أصابه. دليل الفالحين (5/ 69).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
ولا يدعو -صلى الله عليه وسلم- إلا على مَن ترك الواجب، وأما كون الدعاء لتكبره فهو محتمل أيضًا، ولا ينافي أن الدعاء عليه للأمرين معًا. سبل السلام (2/ 234).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
دعا عليه -صلى الله عليه وسلم-؛ لِما رأى من عناده وكبره عن الانقياد للحق. تطريز رياض الصالحين (ص:472).
وقال الشيخ ابن جبرين -رحمه الله-:
فعوقب ذلك الرَّجل بأن أجيبت دعوته -عليه السلام- فيه؛ فلم يستطع بعد ذلك أن يستعمل يمينه في الأكل ولا في غيره؛ عقوبة له لِمَا امتنع وتكبر عن الأكل باليمين، وقد رأينا وسمعنا كثيرًا من الذين خالفوا هذه السنة والشريعة فصار أحدهم يأكل ويشرب بشماله، ولا يبالي بالإرشادات النبوية، وربما أن بعضهم يفضِّل العمل بها، ويدعو إلى ذلك. ويذكر أن الذين يعملون بالشمال نجحوا في أعمالهم، ولا شك أن هذا مصادمة للشريعة، وطعن في تعاليم الإسلام، فعلى المسلم أن يتجنب أولئك، وأن يعمل بالشريعة بقدر المستطاع. شرح عمدة الأحكام (1/ 55).

قوله: «ما منعه إِلا الكِبرُ»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«ما منعه إلا الكبر» الظاهر أنه من قول سلمة -رضي الله عنه-، والله تعالى أعلم. البحر المحيط الثجاج (34/ 130).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«ما منعه إلا الكبر» هو قول الراوي وَرَدَ استئنافًا لبيان موجب دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-، كأن قائلًا قال: لِمَ دعا عليه بـ«لا استطعت» وهو رحمة للعالمين؟
فأجيب بأن ما منعه عن الأكل باليمين العجز، بل منعه الكبر. الكاشف عن حقائق السنن (12/ 3782).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«ما منعه» ذلك أي: ما منع الرجل من الأكل بيمينه «إلا الكبر» فيه دليل على أن الأكل باليمين من السنن. شرح المصابيح (6/ 334).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ما منعه» أي: من قبول الحق... «إلا الكبر» أي: لا العجز. مرقاة المفاتيح (9/ 3804).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
«ما منعه إلا الكبر» أي: لم يتواضع بنفسه مخالفة لهواها، وطاعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيما أمر به؛ ولهذا استحب النبي -صلى الله عليه وسلم- الدعاء عليه، ولو علم أن قوله: «لا أستطيع» صحيحًا لَمَا دعا عليه. إكمال المعلم (6/ 487).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«ما منعه إلا الكبر» جملة مستأنفة لبيان الذي اقتضى دعاءه عند ذلك، مع كمال رحمته ومزيد عفوه وصفحه، أي: إنه لَمَّا علم أن المانع له عن الانقياد كبره عن الحق ودفعه له دعا عليه، ففيه الدعاء على مَن قصد الخروج عن الشريعة عمدًا. دليل الفالحين (5/ 69).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
والمعنى: أنه كان لا يحتفل للطعام ولا يبالي، فيتناوله باليسرى، وينبغي للعاقل أن يعرف قدر ما جعل قوامًا له. كشف المشكل (2/ 311).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ويحتمل قوله: «ما منعه إلا الكبر» يعني إلا التكبر عن أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويحتمل أنه «ما منعه إلا الكبر» يعني: ما منعه أن يأكل بيمينه إلا الكبر، وأيًّا كان فإن دعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليه بهذه الدعوة التي أوجبت أن تنشل يده حتى لا ترفع إلى فمه؛ دليلٌ على أن الأكل بالشمال حرام. شرح رياض الصالحين (4/ 210).

قوله: «قال: فما رفعها إلى فِيه»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«قال» الراوي، وهو سلمة -رضي الله عنه- «فما رفعها» أي: يده اليمنى «إلى فيه» يعني: أن ذلك الرجل لم يستطع بعد ذلك اليوم أن يرفع يده اليمنى إلى فيه، وهو كناية عن كونها شلت بدعائه -صلى الله عليه وسلم- عليه، و«فيه» لغة في (فمه). البحر المحيط الثجاج (34/ 130).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«قال» أي: سلمة «فما رفعها» أي: الرجل يمينه «إلى فيه» أي: فمه «بعد ذلك» لدعائه - صلى الله عليه وسلم -. مرقاة المفاتيح (9/ 3804).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«فما رفعها إلى فيه» إجابة لدعوته؛ لاستحقاقه لها بقصده السابق. دليل الفالحين (2/ 421).
وقال ابن علان -رحمه الله- أيضًا:
«فما رفعها» أي: فما رفع المدعو عليه يمينه «إلى فيه» أشار به إلى حصول الإجابة حالًا. دليل الفالحين (5/ 227).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
فيه إجابة دعاء النبي -عليه السلام- وتعجيل معاقبة مَن خالف أمره في الدنيا، وهذا يدل على أن الرجل كان منافقًا -والله أعلم-؛ لقوله: «ما منعه إلا الكبر». إكمال المعلم (6/ 487).
وقال النووي -رحمه الله- معقبًا:
قول القاضي عياض -رضي الله عنه-: إن قوله: «ما منعه إلا الكِبر» يدل على أنه كان منافقًا فليس بصحيح؛ فإن مجرد الكِبر والمخالفة لا يقتضي النفاق والكفر، لكنه معصية إن كان الأمر أمر إيجاب. شرح مسلم (13/ 192).
وقال ابن علان -رحمه الله- معلقًا:
ولا يدل مجرد الكِبر والمخالفة على نفاقه كما قال المصنف (النووي) بل هو معصية إن كان الأمر في قوله: «‌كل ‌بيمينك» أمر إيجاب، وأخذ القاضي عياض من ذلك نفاقه ردَّه المصنف (النووي) بما ذكر، ومحل النهي عن الأكل بالشمال حيث لا عذر يمنع من الأكل باليمين من مرض أو قطع، وإلا فلا كراهة حينئذٍ. دليل الفالحين (2/ 421).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
واستدل عياض في شرح مسلم على أنَّه كان منافقًا، وزيَّفه النووي في شرحه، متمسكًا بأنَّ ابن منده وأبا نُعَيم وابن ماكولا وغيرهم ذكروه في الصحابة.
وفي هذا الاستدلال نظر؛ لأن كل مَن ذكره لم يذكر له مستندًا إلا هذا الحديث، فالاحتمال قائم، ويمكن الجمع أنَّه كان في تلك الحالة لم يسلم، ثم أسلم بعد ذلك. الإصابة (1/ 99).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«قال» أي: سلمة «فما رفعها» أي: فما رفع المدعو عليه شماله «إلى فيه» إجابة لدعائه. وقدَّمنا ثمة أنه كان مؤمنًا خلافًا لِمَا قال القاضي عياض: إنه كان من المنافقين. دليل الفالحين (5/ 69).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وقد أجاب الله تعالى دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الرجل، حتى شُلَّت يمينه، فلم يرفعها لفيه بعد ذلك اليوم. المفهم (5/ 297).
وقال النووي -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث: جواز الدعاء على مَن خالف الحكم الشرعي بلا عذر، وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل حال حتى في حال الأكل، واستحباب تعليم الآكل آداب الأكل إذا خالفه. شرح صحيح مسلم (13/ 192).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
فيه استحباب الأكل والشرب باليمين وكراهتهما بالشمال...،‌وهذا ‌إِذا ‌لم ‌يكن ‌عُذر، ‌فإن ‌كان ‌عذرٌ ‌يمنع ‌الأكل والشرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك فلا كراهة في الشِّمال.
وفيه أنه ينبغي اجتناب الأفعال التي تشبه أفعال الشياطين، وأنَّ للشياطين يدين. شرح صحيح مسلم(13/192)
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
في هذه الأحاديث: وجوب الأكل باليمين، والشرب باليمين، والنهي عن الأكل بالشمال، والشرب بالشمال.
وفيها: دليل على أن مَن عارض السُّنة يخشى عليه من العقوبة العاجلة، فهذا الرجل عوقب في الحال...
قال بعض العلماء: هذه الأوامر للاستحباب؛ لأنها من باب الآداب، لكن ظاهر الحديث أنها للوجوب، ولو كانت للاستحباب ما دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- على مَن لم يستجب للأكل بيمينه، والأصل في الأوامر الوجوب إلا بصارف، والأصل في النواهي التحريم إلا بصارف. توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (6/ 58- 59).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا