«الدنيا متاعٌ، وخيرُ متاعِ الدنيا المرأةُ الصَّالحةُ».
رواه مسلم برقم: (1467)، من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«مَتَاعٌ»:
ما يُنتفع به ويُستمتع. كشف المشكل، لابن الجوزي (4/ 129).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
يقال: جبل ماتع: طويل مرتفع، ونخلة ماتعة، ومن المجاز: متع النهار متوعًا: ارتفع غاية الارتفاع، وهو ما قبل الزوال. أساس البلاغة (2/ 192).
شرح الحديث
قوله: «الدنيا متاع»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«الدنيا» أي: دارها ونعيمها. الكوكب الوهاج (16/ 149).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «الدنيا متاع» أي: شيء يُتمتع به حينًا ما، كما قال تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} النساء: 77. المفهم (4/ 221).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
يعني: ما في الدنيا خُلق لِأن يستمتع به بنو آدم. شرح المصابيح (3/ 539).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
«المتاع» كُل ما يُنتفع به من عَرَض الدنيا. وعَرَض الدنيا بفتح العين والراء، وهو ما يُقتنى من مال وغيره من حطام الدنيا. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (8/ 584).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
شبَّه الدنيا بالمتاع الذي يُدلَّس به على المستام (المشتري للسلعة)، ويُغرُّ حتى يشتريه، ثم يتبين له فساده ورداءته. تفسير الكشاف (1/ 449).
وقال المناوي -رحمه الله-:
هي (الدنيا) مع دناءتها إلى فناء، وإنما خُلِق ما فيها لأن يستمتع به مع حقارته أمدًا قليلًا ثم ينقضي، والمتاع ما ليس له بقاء...، وقال الحرالي: وعبَّر بلفظ المتاع إفهامًا لخستها؛ لكونه من أسماء الجيفة التي إنما هي منال المضطر على شعوره برفضه عن قرب من مرتجي الغَناء (الكفاية) عنها، وأصل المتاع انتفاع ممتدّ من قولهم: ماتع، أي: مرتفع طويل. فيض القدير (3/ 548).
وقال القزويني -رحمه الله-:
أقولُ: إنَّه من مَتَعَ النهار إذا طال؛ ولذلك يُستعمل في امتداد مشارقٍ للزوال، منه متاع المسافر، والتمتع بالجواري والنساء؛ لهذا غَلَبَ استعماله في معرض التحقير، لا سيما في كتاب الله الكريم. الكشف عن مشكلات الكشاف مخطوط، لوح رقم: (41).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
«الدنيا كلها متاع» هو اسم لما يُتمتَّعُ ويُنتفَعُ به، والمراد: تقليلها وتحقيرها. لمعات التنقيح (6/ 11).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«الدنيا كلها متاع» أي: تمتع قليل نفع زائل عن قريب، قال تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} النساء: 77، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «لو كانت الدنيا تَعدِلُ عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء». مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 2043).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«الدنيا متاع» يعني: شيء يتمتع به، كما يتمتع المسافر بزاده ثم ينتهي. شرح رياض الصالحين (3/ 136).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«الدنيا متاع» التنكير في (متاع) للتقليل، يقول تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى} النساء: 77، والمعنى: أن الدنيا ظرف للتمتع بلذاتها وشهواتها: شهوة البطن وشهوة الفرج، وشهوات النفس الأخرى من السيطرة والانتقام والأنانية... إلخ. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (6/ 44).
وقال محمد الأُبي -رحمه الله-:
المتاع: ما يُستمتع به من متاع الدنيا، قليلًا أو كثيرًا، ولا يبعد أنه إشارة إلى أنَّ متنعمات الدنيا حقيرة لا يؤبه بها؛ ولذلك لما ذكر الله تعالى أصناف متنعماتها في قوله: {زُيِّنَ للِنَّاسَ...} الآية، قال بعد ذلك: {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} آل عمران: 14. إكمال إكمال المعلم (4/99).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
«الدنيا متاع» أي: بلاغ، يتبلغ به الإنسان إلى الآخرة. توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (4/ 148).
قوله: «وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة»:
قال المظهري -رحمه الله-:
«المتاع» ما يُتمتع به؛ أي: ما يُنتفع به، وأراد بـ«الدنيا» ما في الدنيا مما يُنتفع به؛ يعني: مال الدنيا خُلق لبني آدم لينتفعوا به. المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 9).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«وخير متاع الدنيا» أتى بالاسم الظاهر موضع الضمير لزيادة الإيضاح. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 107).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
المتاع: ما يُنتفع به ويُستمتع، وصلاح المرأة: دينها، وصاحبة الدين تجتنب الأنجاس والأوساخ، وتُحسِّن أخلاقها، وتصبر على جفاء زوجها وقلة نفقته، ولا تخونه في ماله، فيطيب لذلك عيشه. كشف المشكل (4/ 129).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
و«المرأة الصالحة» هي الصالحة في دينها، ونفسها، والمصلحة لحال زوجها، وهذا كما قال في الحديث الآخر: «ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟» قالوا: بلى، قال: «المرأة الصالحة؛ التي إذا نظر إليها سرَّته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته». المفهم (4/ 221).
وقال محمد الأُبي -رحمه الله-:
خصَّ منها (متنعَّمَات الدنيا) المرأة، وقيَّدها بالصلاح؛ ليؤذن بأنَّها شرُّ متاعها، إذا لم تكن بتلك الصفة. إكمال إكمال المعلم (4/99).
وقال المظهري -رحمه الله-:
وخير ما ينتفع به الرجل المرأة الصالحة، فإنه يتلذذ منها، وتكون له سكنًا وأنيسًا، وتحفظ عينه وفرجه من الحرام، وتعينه على دينه بأن تمنعه عن الكَلِّ (الكسل) في الطاعات، ويحصل له منها أولاد يطيعون الله، وتزيد بهم أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فأيُّ متاع من أمتعة الدنيا يكون نفعها مثل نفع المرأة الصالحة؟! المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 9).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
أقول: الظاهر أنه -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن الاستمتاعات الدنيوية كُلها حقيرة، لا يُعبأ بها، وكذلك أنه تعالى لَمَّا ذكر أصنافها وأنواعها وسائر ملاذها في قوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} إلى قوله: {وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} أتبعه بقوله: {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، ثم قال بعده: {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} آل عمران: 14، فنبَّه على أنها تَضادُّ ما عند الله تعالى من حسن الثواب، وخص منها المرأة، وقيدها بالصالحة؛ ليؤذن بأنها شرُّها لو لم تكن على هذه الصفة، ومن ثمة قدَّمها في الآية على سائرها، وورد في حديث أسامة: «ما تركتُ بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء». الكاشف عن حقائق السنن (7/ 2259).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وخير متاعها المرأة الصالحة»... قال الحرالي: فيه إيماء إلى أنها أطيب حلال في الدنيا، أي: لأنه سبحانه زين الدنيا بسبعة أشياء ذكرها بقوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ} آل عمران: 14 الآية، وتلك السبعة هي ملاذها وغاية آمال طلابها، وأعمها زينة، وأعظمها شهوة النساء؛ لأنها تحفظ زوجها عن الحرام، وتعينه على القيام بالأمور الدنيوية والدينية، وكل لذة أعانت على لذات الآخرة فهي محبوبة مرضية لله، فصاحبها يلتذ بها من جهة تنعمه وقرة عينه بها، ومن وجهة إيصالها له إلى مرضاة ربه، وإيصاله إلى لذة أكمل منها. فيض القدير (3/ 548).
وقال أكمل الدين البابرتي -رحمه الله-:
المراد بالمرأة الصالحة: الدَيِّنة التقية، المصلحة لحال زوجها في بيته، عند غيبته، المطيعة لأمره عند حضوره. تحفة الأبرار شرح مشارق الأنوار مخطوط، لوح رقم: (110).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وخير متاع الدنيا» أي: خير ما يتمتع به في الدنيا «المرأة الصالحة» لأنها معينة على أمور الآخرة؛ ولذا فسر عليٌّ -رضي الله عنه- قوله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} البقرة: 201 بالمرأة الصالحة، {وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} البقرة: 201 بالحور العين، {وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} البقرة: 201 بالمرأة السليطة. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 2043).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفيه إيماء إلى أنَّها أطيب حلال في الدنيا. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 141).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «متاع» أي: محل للاستمتاع، لا مطلوبة بالذات، فتؤخذ على قدر الحاجة. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 571).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«وخير متاعها المرأة الصالحة» إذا وُفِّقَ الإنسان لامرأة صالحة في دينها وعقلها فهذا خير متاع الدنيا؛ لأنها تحفظه في سرِّه وماله وولده.
وإذا كانت صالحة في العقل أيضًا، فإنها تدبِّر له التدبير الحسن في بيته، وفي تربية أولادها، إن نظر إليها سرَّته، وإن غاب عنها حفظته، وإن وكل إليها لم تخنه، فهذه المرأة هي خير متاع الدنيا.
ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، وحسبها، وجمالها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»، يعني: عليك بها، فإنها خير مَن يتزوجه الإنسان؛ فذات الدين وإن كانت غير جميلة الصورة، لكن يجمِّلُها خلقها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك. شرح رياض الصالحين (3/ 136- 137).
وقال الشيخ موسى لاشين -رحمه الله-:
«المرأة الصالحة» التي تسرُّ إذا نظرت، وتطيع إذا أمرت، وتحفظ نفسها وماله وأولاده. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (6/ 44).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
وخير هذا المتاع المرأة الصالحة التي تعينه على دينه ودنياه. توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (4/ 148).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: الحديث):
1- منها: بيان فضل المرأة الصالحة.
2- ومنها: أن فيه الحثَّ على البحث عن المرأة الصالحة؛ إذ هي أفضل متاع الدنيا، فينبغي للعاقل البحث، والتنقيب عنها؛ لتتكامل له الحياة المرضيّة التي تتّصل بالحياة الأبديّة، والسعادة السرمديّة.
3- ومنها: أن فيه الحثَّ على الزهد في الدنيا، حيث إنها متاعٌ قليلٌ زائلٌ عن قريب، فهي كما قال الله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} الحديد: 20، والترغيب في الآخرة، حيث إنها النعيم المقيم الذي لا يزول ولا يحول، فهي كما وصفها الله تعالى بقوله: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} العنكبوت: 64. البحر المحيط الثجاج (25/ 825- 826).