«رأيتُ رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- إذا توضَّأَ يَدْلُكُ أصابِعَ رجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ».
رواه أحمد برقم: (18010)، ورقم: (18016)، وأبو داود برقم: (148)، والترمذي برقم: (40)، وابن ماجه برقم: (446)، من حديث المسْتَوْرِد بن شَدَّادٍ -رضي الله عنه-.
وفي لفظ عند أحمد برقم: (18016) «يخلل أَصابع رجليه بِخنصُرهِ».
صحيح الجامع برقم: (4700)، مشكاة المصابيح برقم: (407).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«يَدْلُكُ»:
دَلَك الجَسَدَ: دعَكه وعَركَه وفرَكه. دَلَك ساقَه بمرهمٍ، دلَك وَجْهَه بالطِّيب، دلَك الثوبَ: دعكَه بيده ليغسله...معجم اللغة العربية المعاصرة(1/٧٦٢).
«بِخِنْصَرِهِ»:
الخِنْصَر: الإِصبع الصُّغرى القصوى من الكَفِّ. العين، للخليل بن أحمد الفراهيدي (4/ 338).
شرح الحديث
قوله: «رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا توضأ»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
«إذا توضأ» أي: إذا شرع في الوضوء. فتح الباري (1/ 263).
قوله: «يَدْلُكُ أصابع رجليه بِخِنْصَرِهِ»:
قال العيني -رحمه الله-:
من دَلكت الشيء بيدي أدلُكه دلْكًا. وفيه دليل على أنّ الدَّلك سُنة، ودليل أن الرِّجل مغسول. شرح سنن أبي داود (1/ 348).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «يَدْلُكُ أصابع رجليه» أي: يخللها «بِخِنْصَرِهِ» أي: بخُنصره اليُسرى، فالسُّنة تخليل الأصابع بخنصر اليد اليُسرى؛ يبدأ برجله اليُمنى من الخنصر إلى الإبهام، وبرجلهِ اليُسرى من الإبهام إلى الخنصر. المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 400).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«بخنصره» أي: بخنصر إحدى يديه، والظاهر: أنها اليُسرى. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 243).
وقال القاري -رحمه الله-:
«يَدْلُكُ أصابع رجليه» أي: يخلل. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 411).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وقوله: «بِخِنْصَرِهِ» بكسر الخاء وكسر الصاد ويفتح: الأصبع الصغرى، وقيل: في وجهه؛ لأنه أصغر، والخدمة بالصغار أَجدر، والدخول في الخلال أَيسر؛ ودَلك أصابع الرَّجل يستلزم التخليل، وفي بعض الشروح: الدّلك ها هنا بمعنى التخليل. لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (2/ 142).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«يَدْلُكُ» أي: يخلل، «أصابع رجليه بِخِنْصَرِهِ» أي: بخنصر يده اليسرى، أي: يبالغ في إيصال الماء في داخل أصابعه؛ لحصول الاستيعاب. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (1/ 636).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
إنْ أراد المستوردُ بالدلك التخليل لأصابع الرجلين، فهو حجة لما مر من ندبه بالخنصر، وخُصَّت اليسرى بذلك؛ لأنها أليق به؛ إذ لا تكرمة في ذلك بالنسبة للرجلين، وإنْ أراد به إمرار الخنصر فهو حجة لندب الدلك في سائر الأعضاء، وهو مذهبنا، أو لوجوبه وهو مذهب مالك -رحمه الله-، فهو إمرار اليد على العضو عقب ملاقاته للماء، أو معها، ويتأكد عندنا رعايته خروجًا من خلاف مالك، وتعهد ما يخالف إغفاله، كَمُوقَيْهِ وعقبيه وإلا وجب؛ لأنه يمنع إيصال الماء لِمَا تحته، وتعهد ما تحت الخاتم إذا وصله الماء بدون ذلك التعهد، فإن لم يصل إلا به وجب.
ويسن أنْ يبدأ في غسل يديه ورجليه بأطراف أصابعهما، وإن صب عليه غيره مجريًا للماء بيده، ولا يكتفي بجريانه بطبعه، فإنه حينئذٍ ينقطع على العضو ولا يعمه.
وسُنَّ الصب عليهما بيمينه، والدلك بيساره، والاجتهاد في ذلك نحو العقب، لا سيما في نحو الشتاء عند كثرة الأوساخ، ونحوها. فتح الإله في شرح المشكاة (2/272-273).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
يعني: يخلل أصابع رجليه حال غسلهما، كما في رواية ابن ماجه والترمذي، والدلك في الأصل إمرار اليد على العضو، ومرسه بها (المرس والمراس: الممارسة وشدة العلاج)، والتخليل نوع منه، والظاهر أن المراد بالخنصر: خنصر يده اليسرى؛ لأن دلك أصابع الرجلين ليس من الأعمال الشريفة التي تُباشر باليمنى. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (2/ 100، 101).
وقال البغوي -رحمه الله-:
وتخليل أصابع الرجل سنة في الوضوء مع وصول الماء إلى باطنها من غير التخليل، فإن انضمت الأصابع بعضها إلى بعض بحيث لا يصل الماء إلى باطنها إلا بالتخليل، فيجب التخليل. شرح السنة (1/ 419).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
وأما تخليل الأصابع فإنه مستحب، فإن علم وَصل الماء إلى الأصابع أجزأه، واستحب له التخليل، وإن لم يعلم ذلك وجب عليه إيصال الماء إليها، وابتدأ بالتخليل من الخنصر. الشافي في شرح مسند الشافعي (1/ 201).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
فالتخليل سنة إن وصل الماء إلى أثنائها، وإن لم يصل بأن كانت الأصابع منضمة فواجب. شرح المصابيح (1/ 277).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وفيه أن تخليل الأصَابع سُنة، وهو يشمل أصَابع اليدَين والرجلَين. شرح سنن أبي داود (2/ 107).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
وكذلك تخليل الأصابع لم يكن يحافظ عليه، وفي السنن عن المستورد بن شداد: «رأيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره»، وهذا إنْ ثبت عنه، فإنما كان يفعله أحيانًا؛ ولهذا لم يروه الذين اعتنوا بضبط وضوئه، كعثمان وعلي وعبد الله بن زيد والربيع، وغيرهم، على أنَّ في إسناده عبد الله بن لهيعة. زاد المعاد (1/ 191).
قال ابن علان -رحمه الله-:
ومحل كونه من السنن ما لم يتوقف وصول الماء عليه، وإلا كالأصابع الملتفة، فيجب إذا لم يصل الماء لباطنها إلا به. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (7/ 52).
وقال الشيخ محمد بن علي آدم الإتيوبي -رحمه الله-:
ذهب المالكية إلى أن تخليل أصابع اليدين واجب، بخلاف أصابع الرجلين، فإن تخليلها مندوب؛ وذلك لإيجابهم تدليك كل عضو، ولتفرق أصابع اليدين اعتُبِر كل أصبع كعضو مستقل، يلزم تدليكه، وأما أصابع الرجلين فلشدة اتصالها اعتبرت كعضو واحد، فلا يلزم تخليلها. وذهب غيرهم إلى أن تخليل أصابع اليدين والرجلين مسنون، وحملوا أحاديث الباب على الندب جمعًا بينها وبين سائر الروايات التي حُكِيَ فيها صفة وضوئه -صلى الله عليه وسلم-، فإنها لم يذكر فيها التخليل، ومحل هذا كله: إذا وصل الماء إلى ما بين الأصابع بدون تخليل، وإلا فيجب اتفاقًا. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (3/ 79، 80).
وقال البغوي -رحمه الله-:
والأدب أن يُخلِّل بخنصر يده اليسرى من تحت القدم، فيبدأ بخنصر رجله اليمنى، ويختم بخنصر رجله اليسرى. شرح السنة (1/ 419).
وقال الباجي -رحمه الله-:
وإنما المراد بذلك إمرار اليدين على ما بين الأصابع، على أن حك بعضها ببعض في اليدين يجزئ عن ذلك، إلا أن التخليل أفضل. المنتقى شرح الموطأ (1/ 37).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وذلك بالتشبيك بين أصابع اليدين، وفي الرجلين بأي كيفية كانت. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (7/ 52).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
والأكمل في تخليل اليدين أن يضع بطن الكف اليمنى على اليسرى، ويدخل الأصابع بعضها في بعض، وفي الرجلين أن يكون بخنصر اليد اليسرى بادئًا بخنصر الرجل اليمنى خاتِمًا بخنصر الرجل اليسرى؛ لما فيه من السهولة والمحافظة على التيامن. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (2/ 90).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وكيفية تخليل أصابع الرجل: أن يُخلِّل بخنصر اليد اليسرى، يبتدئ بخنصر الرجل اليمنى، ويختم بخنصر الرجل اليسرى؛ رعاية للتيامن، وتخليل أصابع اليدين بإدخال بعضها في بعض. لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (2/ 141).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
والحديث يدل على طلب غسل الرجلين؛ لأن الدلك لا يكون إلا بعد الغسل أو معه، وعلى طلب الدلك، ويعضده ما في رواية أحمد عن عبد الله بن زيد بن عاصم «أن النبي -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- توضأ فجعل يقول: هكذا يَدْلُكُ»، وعلى مشروعية تخليل أصابع الرجلين بالخنصر. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (2/ 101).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
والأحاديث قد صرَّحت بوجوب التخليل، وثبتت من قوله -صلى الله عليه وسلم- وفعله، ولا فرق بين إمكان وصول الماء بدون تخليل وعدمه، ولا بين أصابع اليدين والرجلين، فالتقييد بأصابع الرجلين، أو بعدم إمكان وصول الماء لا دليل عليه. نيل الأوطار (1/ 196).
وقال محمد المباركفوي -رحمه الله-:
قلتُ: الأمر كما قال الشوكاني. تحفة الأحوذي (1/ 124).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
وقد روي أنَّ مالِكًا -رحمهُ اللهُ- رجَعَ إلَى الأمرِ بالتخليلِ في الأصابعِ من جِهةِ أحمدَ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ وهبٍ قالَ: سمعتُ عمِّي يقولُ: سُئِلَ مالكُ بنُ أنسٍ عن تخليلِ أصابعِ الرجلينِ في الوضوءِ فقالَ: ليسَ ذلكَ علَى الناسِ. فأمهلتُهُ حتَّى خَفَّ الناسُ، ثمَّ قُلتُ لهُ: يا أبا عبدِ الله، سمعتُكَ تُفتي في مسألةٍ عندنا فيها سُنَّةٌ، قالَ: وما هي؟ قُلتُ: ثنا ابنُ لهيعةَ وليثُ بنُ سعدٍ، عن يزيدَ بنِ عمرو المعافِريِّ، عن أبي عبدِ الرحمنِ الحُبُليِّ، عن المُستوْرِد بنِ شدادٍ القُرَشِيِّ قالَ: «رأيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضَّأُ، فيُخلِّلُ بخِنْصِرِه ما بينَ أصابعِ رِجليهِ». قالَ: فقالَ مالك: إنَّ هذا الحديثَ حسن، وما سمعتُ بهِ قطُّ إلا الساعةَ، قالَ عَمي: ثمَّ سمعتُهُ بعدُ يسألُ عن تخليلِ الأصابعِ في الوضوءِ فيأمرُ بهِ. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (4/ 205).