«أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أنْ يتقدَّمَ أو يتأخَّرَ، أو عن يَمِينِهِ أو عن شماله في الصلاةِ» يعني: في السُّبْحَةِ.
رواه أحمد برقم: (9496)، وأبو داود برقم: (1006) واللفظ له، وابن ماجه برقم: (1427)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (2662)، صحيح سنن أبي داود برقم: (922).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«أَيَعْجِزُ»:
بكسر الجيم. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (5/ 309).
وقال الفراهيدي -رحمه الله-:
العجز: نقيض الحزم. العين(1/ 215).
وقال الرازي -رحمه الله-:
العجز: الضعف. مختار الصحاح، للرازي (ص: 200).
«السُّبْحَةُ»:
السُّبحة من الصلاة: التطوع. تهذيب اللغة، للأزهري (4/ 197).
وقال ابن فارس -رحمه الله-:
السُّبحة: وهي الصلاة، ويختص بذلك ما كان نفلًا غير فرض. مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 125).
شرح الحديث
قوله: «أيعجِز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر، أو عن يمينه أو عن شماله في الصلاة»:
قال السندي -رحمه الله-:
«أن يتقدم» أي: من محل الفرض؛ لأجل النفل. قوله: «أو عن يمينه» أي: جهته أو ينصرف عن يمينه، قيل: هذا مخصوص بالإمام، وسوْق هذا الحديث يقتضي العموم، كيف والخطاب مع المقتدين؟ وكان -صلى الله عليه وسلم- هو الإمام يومئذٍ. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 436).
وقال محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«أنْ يتقدم» عن موضع فرضه إلى الإمام لصلاة الراتبة «أو يتأخر» عنه إلى ورائه لصلاة النفل، «أو» يعجز «عن» أن ينصرف إلى جهة «يمينه» لصلاة النفل «أو عن» أن ينصرف إلى جهة «شماله» لصلاة النفل، قيل: وكذا النفل، فينتقل فيه من مكان إلى مكان؛ لتكثير مواضع السجود والعبادة. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (8/ 469-470).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وفيه دليل على أنه يستحب للمتنفل أن ينتقل عن مصلاه الذي صلى فيه لكل صلاة يفتتحها من أفراد النوافل؛ كالضحى والتراويح وغيرها، ويجوز أن ينتقل بالتقدم أو التأخر أو عن اليمين أو الشمال؛ لتكثر مواضع العبادة. شرح سنن أبي داود (5/ 309).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وكان المعنى في كراهة ذلك خشية التباس النافلة بالفريضة. فتح الباري (2/ 335).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
والحديث يدلّ على مشروعية انتقال المصلي من مصلاه الذي صلى فيه المكتوبة إذا أراد أن يتنفل، لا فرق بين الإِمام وغيره. وتقدم أن ذلك لتكثير مواضع السجود كما قال البخاري والبغوي؛ لأن مواضع السجود تشهد له يوم القيامة، كما في قوله تعالى {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} الزلزلة: 4. أي: تخبر بما عمل عليها؛ ولأن بقاء الإِمام في موضعه الذي صلى فيه يهمل اشتباهًا للداخل. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (6/ 124).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قيل: والحكمة في ذلك؛ لئلا يشتبه الفرض بالنافلة، وقد ورد أن ذلك هلكة، وقد ذكر العلماء أنه يستحب التحول للنافلة من موضع الفريضة، والأفضل أن يتحول إلى بيته، فإنَّ فعل النوافل في البيوت أفضل، وإلا فإلى موضع في المسجد أو غيره، وفيه تكثير لمواضع السجود، وقد أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله في الصلاة، يعني: السبحة»، ولم يضعفه أبو داود، وقال البخاري في صحيحه: ويذكر عن أبي هريرة يرفعه: «لا يتطوع الإمام في مكانه»، ولم يصح النهي. سبل السلام (2/ 54).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قال أصحابنا: إن لم يرجع المصلي إلى بيته وأراد التنفل في المسجد فيستحب أن ينتقل عن موضعه قليلًا؛ لتكثر مواضع سجوده، هكذا علله البغوي وغيره؛ لأن مواضع السجود تشهد له، كما في قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} الزلزلة: 4، أي: تخبر بما عمل عليها، وورد في تفسير قوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} الدخان: 29، أن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلَّاه من الأرض، ومصعد عمله من السماء، قيل: وعلامة البكاء احمرار السماء عند موته، وهذِه العلة تقتضي أن ينتقل أيضًا إلى الفرض من موضع نفله، وأن ينتقل لكل صلاة يفتتحها من إفراد النوافل كالضحى والتراويح، فإن لم ينتقل المصلي إلى موضع آخر فينبغي أن يفصل بين الفريضة والنافلة بكلام إنسان. شرح سنن أبي داود (4/ 29- 30).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
والسنة أن يفصل بين الفرض والنفل في الجمعة وغيرها، كما ثبت عنه في الصحيح «أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى أن توصل صلاة بصلاة حتى يفصل بينهما بقيام أو كلام»، فلا يفعل ما يفعله كثير من الناس، يصل السلام بركعتي السنة، فإن هذا ركوب لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي هذا من الحكمة التمييز بين الفرض وغير الفرض، كما يميز بين العبادة وغير العبادة. مجموع الفتاوى (24/ 202).
وقال الشوكاني -رحمه الله- بعد الكلام على حديث المغيرة، وحديث أبي هريرة هذا:
والحديثان يدلان على مشروعية انتقال المصلي عن مصلاه الذي صلى فيه لكل صلاة يفتتحها من أفراد النوافل، أما الإمام فبنص الحديث الأول وبعموم الثاني، وأما المؤتم والمنفرد فبعموم الحديث الثاني وبالقياس على الإمام، والعلة في ذلك تكثير مواضع العبادة. نيل الأوطار (3/ 235).
قوله: «يعني: في السُّبْحَةُ»:
قال العيني -رحمه الله-:
«يعني: في السُّبحة» أي: التطوع.
وبهذا الحديث استدل أصحابنا أنَّ الرَّجل لا يتطوع في مكان الفرض، وإليه ذهب ابن عباس، وابن الزبير، وابن عمر، وأبو سعيد، وعطاء، وعامر الشعبي. وقال صاحب (المحيط): ولا يتطوعُ في مكان الفرض؛ لقوله -عليه السلام-: «أيعجز أحدكم إذا فرغ من صلاته أن يتقدم أو يتأخر بسُبحته» ولأَنه رُبما يشتبه حاله على الدّاخل فيحسبُ أنه في الفرض فيقتدي به في الفرض وأنه لا يجوز.شرح سنن أبي داود (4/ 291).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
أي: زاد مسدد في روايته عن حماد قوله: «في الصلاة يعني: في السُّبحة» أي: النافلة، والعناية من بعض الرواة. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (6/ 124).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
في السبحة: أي: عندما يصلي النافلة التي يُقال لها السُّبحة؛ لأن النوافل يُقال لها ذلك، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه لما جمع بين الصلاتين لم يسبح بينهما، أي: لم يتنفل، والحديث ذكره الألباني في صحيح سنن أبي داود، وفيه رجلان مجهولان: أحدهما مجهول العين، والثاني مجهول الحال، لكنه قد جاء حديث آخر يدل على ما دل عليه وهو يتعلق بالجمعة، وهو أن على الإنسان أن يفصل بكلام أو قيام أو قريب من هذا، ولعله صححه لوجود شيء يشهد له، وإلا فإنه من حيث الإسناد فيه رجلان مجهولان.شرح سنن أبي داود(ص126)