الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«الرَّجُلُ على دينِ خَلِيلِهِ، فلْيَنْظُرْ أَحدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ».


رواه أحمد برقم: (8028)، وأبو داود برقم: (4833)، والترمذي برقم: (2378)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (3545)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (927).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«على دِين»:
أي: على عادة صاحبه وطريقته وسيرته. التيسير، المناوي (2/ 40).
والخليل -رحمه الله-:
الدِّين: العَادة. العين، للخليل (8/ 73).

«خليله»:
أي: صاحبه. فيض القدير، للمناوي (4/ 52).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
الخُلة بالضم: الصداقة والمحبة التي تخللت القلب، فصارت خلاله، أي: في باطنه، والخليل: ‌الصديق، ‌فعيل ‌بمعنى ‌فاعل، وقد يكون بمعنى مفعول. النهاية، لابن الأثير (2/ 72).


شرح الحديث


قوله: «الرّجل على دين خليله»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«الرجل» يعني: الإنسان «على ‌دين ‌خليله» أي: على عادة صاحبه وطريقته وسيرته. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 40).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
فإن المخالَّة تحابٌّ وتوادٌّ؛ ولهذا قال: «المرء ‌على ‌دين ‌خليله»، فإن المتحابَّين يحب أحدهما ما يحب الآخر بحسب الحب، فإذا اتبع أحدهما صاحبه على محبته ما يبغضه الله ورسوله؛ نقص من دينهما بحسب ذلك إلى أن ينتهي إلى الشرك الأكبر. مجموع الفتاوى (7/ 73).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «على دين خليله» أي: الصحبة تؤثر في الصلاح وغيره، فينبغي للإنسان أن يختار صحبة الصالحين، وخلَّتَهم، لا صحبة الأشرار. حاشيته على مسند أحمد (2/550).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وقيل: هو مشتق من الخَلة، وهي الحاجة والفقر؛ لأن الأخ يفتقر إلى خليله، ويحتاج إليه في مهماته وحوائجه. شرح سنن أبي داود (18/ 525).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «المرء ‌على ‌دين ‌خليله» إشارة إلى تأثير صحبته وسراية صفاته إليه، وإنما قال: «‌على ‌دين ‌خليله» لأن مجرد الصحبة مع إنكارٍ وتوحش في الباطن لا يؤثر في السراية المذكورة، وقد جُرِّب ذلك، ومع ذلك لا يخلو عن ضرر وإن لم يتخذه دينًا، نسأل اللَّه العافية. لمعات التنقيح (8/ 281).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«المرء ‌على ‌دين ‌خليله» أي: في الأغلب، فإن الطباع تسرق الطباع، والجليس يميل إلى جليسه، ويبالغ فيما يحببه إليه، وإنما قلنا: في الأغلب؛ لأنه قد يصحب الإنسان لحاجة مَنْ هو مِنْ الأشرار، وإن لم يكن على دينه، كما قال الزمخشري -رحمه الله-:
وعن صحبة الأشرار لا تسألنني *** فصحبتهم منزوعة الحب من قلبي
ولكنني أصطاد رزقي بأرضهم *** ولا بد للصياد من صحبة الكلب. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 674).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«الرجل ‌على ‌دين ‌خليله» أي: أنه يسرق أخلاقه، فأخلاقه أخلاقه، ودينه دينه، وهو مشاهد. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 295).
وقال خليل السهارنفوري -رحمه الله-:
«الرجل ‌على ‌دِينِ ‌خَلِيلِه» أي: يختار طريقة ومذهب خليله. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (13/ 255).
وقال السعدي -رحمه الله-:
وفوائد الأصحاب الصالحين لا تُعدُّ ولا تحصى، وحسب المرء أن يُعتبرَ بقرينه، وأن يكون ‌على ‌دين ‌خليله.
وأما مصاحبة الأشرار: فإنها بضد جميع ما ذكرنا، وهم مضرة من جميع الوجوه على مَنْ صَاحَبَهُمْ، وشرٌّ على مَنْ خالطهم، فكم هلك بسببهم أقوام، وكم قادوا أصحابهم إلى المهالك من حيث يشعرون، ومن حيث لا يشعرون.
ولهذا كان من أعظم نعم الله على العبد المؤمن: أن يوفّقه لصحبة الأخيار، ومن عقوبته لعبده: أن يبتليه بصحبة الأشرار.
صحبة الأخيار توصل العبد إلى أعلى عليين، وصحبة الأشرار توصله إلى أسفل سافلين.
صحبة الأخيار توجب له العلوم النافعة، والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة، وصحبة الأشرار تحرمه ذلك أجمع. بهجة قلوب الأبرار (ص:140- 141).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
الخليل: الصديق، وأقل درجات الصداقة: النظر بعين المساواة والكمال، ورؤية الفضل للصديق. تطريز رياض الصالحين (ص: 250).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«المرء ‌على ‌دين ‌خليله» يعني: أن الإنسان يكون في الدِّين، وكذلك في الخلق على حسب مَنْ يصاحبه. شرح رياض الصالحين (3/ 246).

قوله: «فلينظر أحدكم من يُخالل»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «من يخالل» أي: مَنْ يجري بينه وبينك خلة؛ أي: محبة، إن اتخذ صالحًا خليلًا يكون هو صالحًا، وإن اتخذ فاسقًا يكون هو فاسقًا، فإذا كان كذلك فلا يجوز أن يتخذ الرجل فاسقًا خليلًا؛ كي لا يصير بسببه فاسقًا. المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 234).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فلينظر أحدكم مَنْ يخالل» أي: فلينظر أحدكم بعين بصيرته إلى أمور مَنْ يريد صداقته وأحواله، فمَنْ رآه فرضي دينه صادقَهُ، ومَنْ سخط عليه في دينه فليجتنبه، ومَنْ رآه يرى له مثل ما يرى له صَحِبَهُ.
وروى ابن عدي في الكامل من حديث أنس -رضي اللَّه عنه-: «لا خير في صحبة مَنْ لا يرى مثل ما يُرى له». فأقل درجات الأخوة والصداقة النظر بعين المساواة والكمال في رؤية الفضل للأخ؛ ولذلك قال أبو معاوية الأسود: إخواني كلهم خير مني، قيل: وكيف؟ قال: كلهم يرى لي الفضل على نفسه، ومَنْ فضلني على نفسه فهو خير مني، قال سفيانلم أجد من هو: إذا قيل لك: أنت شر الناس فغضبت، فأنت شر الناس. أي: ينبغي لك أن تكون معتقدًا ذلك في نفسك أبدًا. شرح سنن أبي داود (18/ 525- 526).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فلينظر أحدكم مَنْ يخالل» وضمير المفعول محذوف؛ أي: يخالـله؛ يعني: إن اتخذ صالحًا خليلًا يكون هو صالحًا، وإن اتخذ فاسقًا يكون هو فاسقًا. شرح المصابيح (5/ 319).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فلينظر» أي: يتأمل ويتدبر «أحدكم مَنْ يخالل» فمن رضي دينه وخلقه خالـله، ومن لا تجنبه؛ فإن الطباع سرَّاقة. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 40).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فلينظر الإنسان مَنْ يخالل» أي: يختر لنفسه خليلًا يعينه على دينه، ويجذبه إلى ما يصلحه. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 674).
وقال خليل السهارنفوري -رحمه الله-:
«فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكم مَنْ يُخَالِلُ» فينبغي للمؤمن أن يُخالل مَنْ يرضى دينَه وخلقَه، ولا يخالل مَنْ يكون في دينه وطريقته فساد. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (13/ 255).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
«فلينظر» أي: فليتأمل وليتدبر «مَنْ يخالل» من المخالة، وهي المصادقة والإخاء، فمَنْ رضي دِينه وخُلقه خالـله، ومَنْ لا تجنبه؛ فإن الطباع سرَّاقة، والصحبة مؤثرة في إصلاح الحال وإفساده. تحفة الأحوذي (7/ 42).
وقال أبو حامد الغزالي -رحمه الله-:
وأما الحريص على الدنيا فصحبته سم قاتل؛ لأن الطباع مجبولة على التشبه والاقتداء، بل الطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري صاحبه، فمجالسة الحريص على الدنيا ‌تحرك ‌الحرص، ومجالسة الزاهد تزهد في الدنيا، فلذلك تكره صحبة طلاب الدنيا، ويستحب صحبة الراغبين في الآخرة، قال علي –رضي الله عنه-: أحيوا الطاعات بمجالسة مَنْ يستحيا منه. إحياء علوم الدين (2/ 173).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«فلينظر أحدكم مَنْ يخالل» فلينظر أحدكم مَنْ يصاحب، فإنْ صاحب أهل الخير؛ صار منهم، وإنْ صاحب سواهم؛ صار مثلهم.
فالحاصل أن هذه الأحاديث وأمثالها كلها تدل على أنه ينبغي للإنسان أن يصطحب الأخيار، وأن يزورهم ويزوروه لِمَا في ذلك من الخير، والله الموفق. شرح رياض الصالحين (3/ 246).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: الحث على محبة الصالحين؛ لأن مَنْ أحبّهم دخل معهم الجنة، والمعية تحصل بمجرد الاجتماع، وإنْ تفاوتت الدرجات. تطريز رياض الصالحين (ص: 250).


ابلاغ عن خطا