الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«قال اللهُ -عزَّ وجلَّ-: ابنَ آدمَ، تَفَرَّغْ لعبادَتِي، أَمْلَأْ صدرَكَ غِنًى، وأَسُدَّ فقرَكَ، وإلا تَفْعَلْ، مَلَأْتُ صَدرَكَ شُغْلًا، ولم أَسُدَّ فقرَكَ».


رواه أحمد برقم: (8696) واللفظ له، والترمذي برقم: (2466)، وابن ماجه برقم: (4107)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
ورواه ابن حبان برقم:(393) بلفظ: «‌مَلَأْتُ ‌يَدَكَ شُغُلًا».
صحيح الجامع برقم: (1914)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (3166).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«‌تَفَرَّغْ»:
أي: تخلَّى من الشّغل. تاج العروس، للزبيدي (22/ 550).

«أَسُدَّ»:
أي: أُزيل عنك فقرَك. شرح المصابيح، لابن الملك (5/ 392).
والسدُّ: ردم الثَّلمة، والشَّعب ونحوه. العين، للفراهيدي (7/ 183).
والسد: إغلاق الخلل، وردم الثَّلم. المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده (8/ 402).


شرح الحديث


قوله: «قال الله -عز وجل- : ابنَ آدمَ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«‌ابنَ آدمَ» خُصَّ بالنداء؛ لأنه عمدة العابدين، وأُضيف إلى آدم إشعارًا بأنه يتبعه في مرتبة التائبين. مرقاة المفاتيح (8/ 3238).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «إن الله تعالى يقول» ورسوله بلَّغه النبأ...وهو من الأحاديث القدسية. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 410).

قوله: «‌تَفَرَّغْ ‌لعبادتي»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «تفرَّغ ‌لعبادتي» أي: تفرَّغ من مهامك لعبادتي حتى أقضي مهامك، ومن كان الله تعالى قاضيًا لمهامه يستغني به عن خلقه؛ لأنه الغني على الإطلاق. الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3282).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«تفرَّغ» بصيغة الأمر. شرح المصابيح (5/ 392).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«‌تفرَّغ ‌لعبادتي» أي: بالغ في فراغ قلبك لعبادة ربك. مرقاة المفاتيح (8/ 3238).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«‌تفرَّغ ‌لعبادتي» أي: تفرَّغ عن مهماتك لطاعتي، ولا تشتغل باكتساب ما يزيد على قُوتِك وقُوتِ مموّنك. فيض القدير (2/ 308).
وقال الألوسي -رحمه الله-:
يعني: ‌تفرَّغ ‌لعبادتي، ولا تلتفت إلى ما الكفرة فيه؛ فإنه مهلك، فإن ما أوليناك واخترناه لك هو المقصد الأسنى، وفي هذا حث عظيم على الاشتغال بالعبادة، وزجر بليغ عن الركون إلى الدنيا ونعيمها. روح المعاني (8/ 488).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «تفرَّغ لعبادتي» أي: كن فارغًا عن كل شيء لأجل العبادة، واصرف وقتك كلَّه فيها. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (2/ 525).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يا ابن آدم تفرَّغ لعبادتي» تجرَّد وتخلَّى لها. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 410).
وقال محمد منير الأزهري -رحمه الله-:
«تفرَّغ لعبادتي» أمرٌ من الله تعالى لعباده أن يفرِّغوا قلوبهم إلى عبادته تعالى، ولا يشغلوها بالسوى، فتملأ صدورهم غنى، فلا ينظرون إلى الدنيا وزهرتها، ولا إلى ما في أيدي الناس، بل الدنيا بأيديهم دون قلوبهم، يأخذون الزاد للآخرة، كمثل المسافر ليس له من سفره إلا المرور إلى مقصده، وهذه طريقة السلف الصالح، والقرون الأُول. النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية (ص: 10).
وقال عبد الله بن زيد آل محمود -رحمه الله-:
ومعنى «‌تفرَّغ لعبادتي» ليس معناه: التخلي عن الدنيا، بترك البيع والشراء، والأخذ والعطاء، فإن هذا مذموم شرعًا، وإنما معناه: الحث على المحافظة على العبادات الواجبة من الصلاة والزكاة والصيام، ثم التزود بنوافل العبادات. مجموعة رسائل عبد الله بن زيد آل محمود (2/209).

قوله: «أَمْلَأْ صدرك غِنًى»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«أملأ» بالجزم: جواب الأمر. شرح المصابيح (5/ 392).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أملأ صدرك غنى» أي: أحشُ قلبك علومًا ومعارف؛ تورث الغنى عن غير المولى. مرقاة المفاتيح (8/ 3238).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«أملأ صدرك» أي: قلبك الذي في صدرك «غنى» وذلك هو الغنى على الحقيقة؛ لأن ما هنا فيمن يهتم بما زاد على كفاية نفسه ومموّنه على وجه الكفاية كما تقرر. فيض القدير (2/ 308).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «أملأ صدرك» أي: باطنك بالرضا «عنى» فأغنيك عن الناس. لمعات التنقيح (8/ 412).
وقال السندي -رحمه الله-:
«أملأ» يحتمل الجزم على أنه جواب الأمر، والرفع على الاستئناف. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (2/ 525).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«أملأ صدرك غنَى» قلبك الذي في صدرك، والغنى ضد الفقر، كما في القاموس، قال تعالى: {الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} الحج: 46، إذ القلب محل الغنى والفقر. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 410).

قوله: «وأَسُدَّ فقرك»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«وأسدّ فقرك» أي: أزيل عنك فقرك. شرح المصابيح (5/ 392).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وأسدّ فقرك» أي: وأسدّ باب حاجتك إلى الناس، وهو بفتح الدال المشددة في النسخ المصححة؛ لعطفه على المجزوم من جواب الأمر، وفي نسخة بضمها؛ لمتابعة عينها، وقد جُوِّز في (لم يمدَّ) الحركات الثلاث مع الإدغام. مرقاة المفاتيح (8/ 3238).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وأَسُد» بسين مهملة «فقرك» يعني: تفرَّغ عن مهماتك لعبادتي؛ أقض مهماتك، ومن قضى الله مهماته استغنى عن خلقه؛ لأنه الغنى على الإطلاق، وهو المعني بقوله: «أملأ صدرك غنى»، وبما تقرر من أن المأمور به التفرغ عن اكتساب ما يزيد على الكفاية عُلِمَ أنه لا تدافع بينه وبين نحو خبر: «أعظم الناس همًّا الذي يهتم بأمر دنياه وآخرته». فيض القدير (2/ 308).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«‌وأسد ‌فقرك» هو من سدِّ الثَّلمة أصلحها ووثقها، والمراد أنه لا يبقى للفقر ضرر، بل يغنيه الله في نفسه، ويبارك له في القليل من ماله. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 410).

قوله: «وإلا تفعل»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «وإن لا تفعل» يعني: وإن لا تفعل ما أمرتك من الإعراض عن الدنيا، والاشتغال بطاعتي. المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 281).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وإن لم تتفرغ واشتغلت بغيري لم أسدَّ فقرك؛ لأن الخلق فقراء على الإطلاق، فيزيد فقرك على فقرك، وهو المراد بقوله: «ملأت يدك شغلًا». الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3282).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وإن لا تفعل» أي: ما أمرتك من الإعراض عن الدنيا والإقبال على عبادة المولى النافعة في الدين والأخرى. مرقاة المفاتيح (8/ 3238).

قوله: «مَلَأْتُ صدرك شُغْلًا»:
قال المظهري -رحمه الله-:
«ملأت يدك شغلًا» أي: كثَّرت شغلك الدنيوي، فتتعب نفسك بالشغل وكثرة التردد في طلب المال والغنى، ولا يحصل لك الغنى، فتُجعل محرومًا من ثوابي، ولا يحصل لك من الرزق إلا ما قدرت لك. المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 281).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«ملأت يدك شغلًا» فاليد عبارة عن سائر جوارحه؛ لأن معظم الكسب إنما يتأتى من اليد. الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3282).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«ملأت يدك شغلًا» أي: كثَّرت شغلك بالدنيا. شرح المصابيح (5/ 392).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ملأت يدك» أي: جوارحك، كما يدل عليه رواية: «‌يديك»، وفي الجامع: «‌يديك» بصيغة التثنية، وإنما خصت اليد لمزاولة أكثر الأفعال بها.
«شغلًا» بضم فسكون، ويجوز ضمهما وفتحهما وفتح فسكون؛ على ما في القاموس، أي: اشتغالًا من غير منفعة. مرقاة المفاتيح (8/ 3238).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ملأت يديك شغلًا» بضم الشين وبضم الغين وتسكن للتخفيف، وشغلت به بالبناء للمفعول: تلهيت به. وخص اليدين لأن مزاولة الاكتساب بهما. فيض القدير (2/ 308).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وقوله: «ملأت يدك» أي: ظاهرك بالمال، وتشتغل، وكنت مشتغلًا به فقيرًا إليه، فالغنى إنما هو بالقلب لا بالمال، وذلك ثمرة القصد والتقوى. لمعات التنقيح (8/ 412).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ملأت يديك شغلًا» بضم المعجمتين، وتسكن الثانية. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 410).

قوله: «ولم أَسُدَّ فقرك»:
قال ابن القيم -رحمه الله-:
وهذا أيضًا من أنواع العذاب، وهو اشتغال القلب والبدن بتحمل أنكاد الدنيا، ومحاربة أهلها إياه، ومقاساة معاداتهم، كما قال بعض السلف: من أحب الدنيا فليوطِّن نفسه على تحمل المصائب، ومحب الدنيا لا ينفك من ثلاث: همّ لازم، وتعب دائم، وحسرة لا تنقضي؛ وذلك أن محبها لا ينال منها شيئًا إلا طمحت نفسه إلى ما فوقه. إغاثة اللهفان (1/ 37).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«ولم أسدَّ فقرك» فتتعب نفسك بكثرة الترف وفي طلب المال، ولا تنال من الرزق إلا ما قدَّرت لك. شرح المصابيح (5/ 392).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ولم أسدَّ فقرك» أي: لا من شغلك ولا من غيره، وحاصله: أنك تتعب نفسك بكثرة التردد في طلب المال، ولا تنال إلا ما قدَّرت لك من المال في الآزال، وتحرم عن غنى القلب لترك عبادة الرب. مرقاة المفاتيح (8/ 3238).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ولم أسدَّ فقرك» أي: وإن لم تتفرغ لذلك واشتغلت بغيري لم أسدَّ فقرك؛ لأن الخلق فقراء على الإطلاق، فتزيد فقرًا على فقرك. فيض القدير (2/ 308).
قال العَزِيزي -رحمه الله-:
«ولم أسدَّ فقرك» أي: تستمر فقير القلب منهمكًا في طلب الدنيا وإن كنت غنيًّا من المال. السراج المنير شرح الجامع الصغير (2/ 13).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ولم أسدَّ فقرك» بل يبقى ملتهب القلب على الدنيا، غير بالغ منها أمله، وفي معناه عدة من الأحاديث. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 410).


ابلاغ عن خطا