الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

«الرُّؤْيَا على رِجْلِ طَائِرٍ ما لم تُعْبَرْ، فإذا عُبِرَتْ وَقَعَتْ». قال: وأَحْسَبُهُ قال: «ولا تَقُصَّهَا إلَّا على وَادٍّ أو ذِي رَأْيٍ».


رواه أحمد برقم: (16182)، وأبو داود برقم: (5020) واللفظ له، وابن ماجه برقم: (3914)، من حديث أبي رَزِين -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (3535)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (120).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«تُعْبَرْ»:
أي: تُفسَّر. التيسير، للمناوي (2/ 38).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
يقال: عَبَرْتُ الرؤيا أعْبُرُها عَبرًا، وعَبَّرْتُها تعبيرًا: إذا أوَّلتها وفسَّرتها، وخبَّرت بآخر ما يؤول إليه أمرها. النهاية (3/ 170).
وقال الزجاج -رحمه الله-:
واشتقاقه من عَبْرِ النهْرِ، وهو شَاطِئ النهْرِ، فتأويل عَبْرت النَهْرَ، أي: بلغتُ إلى عِبْرِه، أي: شاطئه، وهو آخر عَرْضِهِ. معاني القرآن وإعرابه(3/ 112).

«وادٍّ»:
‌بتشديد الدال؛ ‌أي: ‌مُحِبٍّ؛ لأنَّه لا يستقبلُك في تعبيرِها إلَّا بما يُحِبُّ. شرح المصابيح، لابن الملك (5/ ١٤٨).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
اسم فاعل، أصله وادد، وأُدْغِمَ تشديد الدال المهملة، وهو على حذف المضاف، تقديره: إلا على ذي ودٍّ، أي: حبيب وصديق، والمودة: المحبة. شرح سنن أبي داود (19/ 202).


شرح الحديث


قوله: «الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعْبَرْ»:
قال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «على رِجْل طائر» مَثَلٌ، ومعناه: أنها لا تستقر قرارها ما لم تُعَبَّر. معالم السنن (4/ 140).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
«على ‌رجل ‌طائر» أي: أنها على رجل قَدَر جارٍ، وقضاء ماضٍ من خير أو شر، وأن ذلك هو الذي قسمه الله لصاحبها، من قولهم: اقتسموا دارًا، فطار سهم فلان في ناحيتها، أي: وقع سهمه وخرج، وكل حركة من كلمة أو شيء يجري لك فهو طائر، والمراد: أن الرؤيا هي التي يُعبِّرها المُعبِّر الأول، فكأنها كانت على ‌رِجْل ‌طائرٍ، فسقطت ووقعت حيث عُبِّرت، كما يسقط الذي يكون على رجل الطائر بأدنى حركة. النهاية (2/ 204).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
أقول: التركيب من باب التشبيه التمثيلي، شبَّه الرؤيا بالطائر السريع طيرانه، وقد عَلِقَ على رِجله شيء يسقط بأدنى حركة، فينبغي أن يتوهم للمشبه حالات متعددة مناسبة لهذه الحالات؛ وهي أن الرؤيا مستقرة على ما يسوقه التقدير إليه من التعبير، فإذا كانت في حكم الواقع قيَّض وألهم مَن يتكلم بتأويلها على ما قدَّره فيقع سريعًا، وإن لم يكن في حكمه، لم يقدِّرْ لها مَن يُعبِّرها. الكاشف عن حقائق السنن (9/ 3011).
وقال ابن قتيبة -رحمه الله-:
قالوا: رويتم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الرؤيا على رجل طائر، ما لم تعبر، فإذا عُبرت وقعت».
قالوا: كيف تكون الرؤيا على رِجْل طائر؟ وكيف تتأخر عما تُبشِّر به أو تنذر منه بتأخر العبارة لها، وتقع إذا عبرت، وهذا يدل على أنها إن لم تعبر لم تقع؟
قال أبو محمد (ابن قتيبة): ونحن نقول: إن هذا الكلام خرج مخرج كلام العرب، وهم يقولون للشيء إذا لم يستقر: هو على رِجْل طائر، وبين مخاليب طائر، وعلى قرن ظبي، يريدون: أنه لا يطمئن ولا يقف... وكذلك الرؤيا على رِجْل طائر ما لم تُعَبَّر، يراد أنها تجول في الهواء حتى تُعَبَّر، فإذا عُبِّرت وقعت. تأويل مختلف الحديث (ص: 483- 484).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
والمعنى: أنها كالشيء المعلق برِجْل الطائر، لا استقرار لها، ما لم يتكلم بها أو بتعبيرها...، ولعله أراد به: المنع عن التحدث بما يكره، والتوهم لنزوله، إذ الغالب أنه من أضغاث الأحلام، أو حث المعبِّر على أن يعبِّرَها تعبيرًا حسنًا، فإن الوهم يفعل ما لا تفعل الرؤيا. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/ 200).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «وهي على رِجْل طائر...» هذا مَثَلٌ؛ يعني: الطائر إذا كان يطير في الهواء لا قرار له؛ يعني: الرؤيا قبل التعبير لا يثبت شيء من تعبيرها على الرائي، ولا يلحقه منها ضرر، بل تحتمل تلك الرؤيا أشياء كثيرة، فإذا عُبِّرت ثبت للرائي حكم تعبيرها خيرًا كان أو شرًّا، وهذا تصريح منه -صلى الله عليه وسلم- بأن التعبير لا ينبغي لكل أحد، بل ينبغي لعالم بالتعبير؛ لأنه إذا عبَّر يلحق الرائي حكم تعبيره، فإن كان جاهلًا ربما يُعبِّر على وجه قبيح، فيلحق من تعبيره ضرر بالرائي. المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 113).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
قلتُ: وفي أكثر الروايات وأوثقها عن أبي رَزِين: «ما لم تُعبَّر» تعبر: على بناء المفعول خفيفة الباء، والتشديد فيها لم يوجد في الكتاب ولا في السنة، وهي وإن وردت في كلامهم، فإنها لغة قليلة.
ومعنى الحديث: لا تستقر الرؤيا قرارها كالشيء المعلق على رِجْل طائر، وذلك مثل قولهم: كأنه على جناح طائر، أراد بذلك -والله أعلم- أن الرؤيا على ما يسوقه التقدير إليه من التفسير، فإذا كانت في حكم الواقع قيَّض لك مَن يتكلم بتأويلها على ما قُدِّر. الميسر في شرح مصابيح السنة (3/ 1020).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
«على رِجْل طائرٍ» قيل: معناه: أنه لا يستقر قرارها ما لم تُعبَّر. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (32/ 137).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
فالمعنى: أنها كالشيء المعلق برجل الطائر لا استقرار لها «ما لم يحدث» أي: ما لم يتكلم المؤمن أو الرائي «بها» أي: بتلك الرؤيا أو تعبيرها. مرقاة المفاتيح (7/ 2929).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «على رِجْل طائر» كناية عن السقوط وعدم الاستقرار، والعرب تقول في أمر لم يتقرر وهو في محل السقوط: هو على رِجْل طائر، فإن الطير في غالب أحواله لا يستقر، فكيف ما يكون على رجله؟! أي: لا يستقر للرؤيا قرارها، ولا يعتبر بها، ولا تقع ما لم يُحدَّث بها، فإذا حدث بها وعُبِّرت استقرت ووقعت كما عُبِّرت، فلا ينبغي أن يحدث برؤيا يتوهم ضررها لو وقعت. لمعات التنقيح (7/ 587).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«‌الرؤيا ‌على ‌رجل ‌طائر ما لم تُعبَّر» على بناء المجهول وبتخفيف الباء في أكثر الروايات، أي: ما لم تُفسَّر. مرقاة المفاتيح (7/ 2929).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«ما لم تُعبَّر» بضم المثناة فوق وسكون العين المهملة وفتح الموحدة، ويجوز ضم أوله وفتح ثانيه، وتشديد الموحدة، يقال: عَبَرْتُ الرؤيا أَعْبُرُها، وعَبَّرْتُها تعبيرًا: إذا أوَّلتها وفسَّرتها، وأخبرتُ بآخر ما يؤول إليه أمرها. شرح سنن أبي داود (19/ 201).

قوله: «فَإِذَا عُبِرَتْ وَقَعَتْ»:
قال ابن قتيبة -رحمه الله-:
«فإذا عبرت وقعت» ولم يرد أن كل مَن عبَّرها من الناس وقعت كما عبر، وإنما أراد بذلك العالم بها، المصيب الموفق.
وكيف يكون الجاهل المخطئ في عِبارتها، لها عابرًا، وهو لم يصب ولم يقارب؟ وإنما يكون عابرًا لها، إذا أصاب.
يقول الله -عزَّ وجلَّ-: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} يوسف: 7، يريد: إن كنتم تعلمون عِبارتها.
ولا أراد أن كل رؤيا تعبر وتتأول؛ لأن أكثرها أضغاث أحلام، فمنها ما يكون عن غلبة الطبيعة، ومنها ما يكون عن حديث النفس، ومنها ما يكون من الشيطان، وإنما تكون الصحيحة التي يأتي بها المَلَك مَلَك الرؤيا عن نسخة أم الكتاب، في الحين بعد الحين. تأويل مختلف الحديث (ص: 484- 485).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فإذا عُبِّرت» بضم أوله وتخفيف الموحدة وتشديدها كما تقدم «وقعت» كما عبرت، وللترمذي: «على رِجْل طائر ما لم يحدث بها، فإذا تحدث بها سقطت»، وله في رواية: «فإذا حدث بها سقطت»، فإذا احتملت الرؤيا تأويلين أو أكثر فعبَّرها مَنْ يعرف عبارتها وقعت على ما أوَّلها، وانتفى عنها غيره من التأويلات.
قلتُ: فإن عبَّرَها مَن لا يعرف عبارتها بالجهل دون علم؛ فظاهر قوله: «لأول عابر» أنها تقع على تأويله. شرح سنن أبي داود (19/ 202).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فإذا عبرت وقعت» أي: يلحق الرائي والمرئي له حكمها؛ يريد أنها سريعة السقوط إذا عُبِّرت. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 38).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «وقعت» أي: وقعت تلك الرؤيا على الرائي؛ يعني: يلحقه حكمها. المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 113).

قوله: قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: «وَلَا تَقُصَّهَا إِلَّا عَلَى وَادٍّ أَوْ ذِي رَأْيٍ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«قال» الراوي «وأحسبه قال: لا يقصها إلا على وادٍّ» اسم فاعل، أصله وادد، وأدغم تشديد الدال المهملة، وهو على حذف المضاف، تقديره: إلا على ذي ودٍّ، أي: حبيب وصديق، والمودة: المحبة.
و«أو ذي رأي» أي: عقل وتدبير، وتعبيره وما يوضح معنى الواد وذو الرأي رواية الترمذي، ولفظه: «ولا يحدث بها إلا لبيبًا أو حبيبًا»؛ فإن اللبيب هو ذو الرأي والحبيب الوادّ، والمراد بهذين الوصفين أن الحبيب أو الصديق لا يحب أن يستقبلك في تعبيرها إلا بما تحب، ولا يخبر أداءها ولا بتأويلها، واللبيب يتثبت في تأويلها، ويؤولها بأحسن تأويل؛ إذ هو عارف بمواقع الألفاظ والمعاني، ولعل أن يكون في تعبيرها موعظة فيروعك عن قبيح ما أنت عليه، أو بشارة فيأمرك لتشكر اللَّه تعالى وحده. شرح سنن أبي داود (19/ 202- 203).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وأحسبه» أي: النبي -صلى الله عليه وسلم- «قال: ولا تقصها» بفتح الصاد المشددة، وجُوِّز ضمها، والأول أفصح، والثاني يجوز أن يراد به النهي أو النفي معناه النهي للمبالغة... والمعنى: لا تعرض رؤياك «إلا على وادٍّ» بتشديد الدال، أي: محب؛ لأنه لا يستقبلك في تفسيرها إلا بما تحب... «أو ذي رأي» أي: عاقل أو عالم. مرقاة المفاتيح (7/ 2929- 2930).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
معنى هذا الكلام: حسن الإرشاد لموضع الرؤيا، واستعبارها العالم بها الموثوق برأيه وأمانته. معالم السنن (4/ 140).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
«لا تقصها إلا على وادٍّ أو ذي رأي» أي: على حبيب لا يقع في قلبه لك إلا خير، أو عاقل لبيب، لا يقول إلا بفكر بليغ، ونظر صحيح، ولا يواجهك إلا بخير، والله أعلم. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/ 201).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«قال: ولا تقصها إلا على وادٍّ» بتشديد الدال؛ أي: محب؛ لأنه لا يستقبلك في تعبيرها إلا بما يحب، ولم يعجل لك بما لا يعلم «أو ذي رأي» أي: ذي علم؛ لأنه يخبرك بحقيقة تفسيرها، أو بأقرب ما يعلم منها. شرح المصابيح (5/ 147).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ولا تقصها إلا على وادٍّ» بتشديد الدال، أي: محب؛ لأنه لا يفسِّرها بما تكرهه «أو ذي رأي» أي: صاحب علم بالتعبير، فإنه يخبرك بحقيقة حالها. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 38).

قوله: «أو ‌ذِي ‌رأي»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: عاقل أو عالم. قال الزجاج معناه: ذُو ‌عِلمٍ بعبارة الرؤيا، فإنه يُخبرك بحقيقة تفسيرها، أَو بأقرب ما يعلم منه لا أنّ تعبيرهُ يزيلها عمَّا جعلها الله عليه.مرقاة المفاتيح(7/٢٩٣٠)
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
فإن قيل: كيف له التّخيير فيمن يُعبر على ما ورد به الحديث ولا يَقُصّها إلا على وادٍ أو ذي رأي، ‌والأقضية ‌لا ‌تُردُّ بالتَّوقي عن الأسباب، ولا تختلف أحكامها باختلاف الدواعي.
قلنا: هو مثل السعادة والشَّقاوة والسلامة، والآفة المقضي بكل واحدة منها لصاحبها، ومع ذلك فقد أَمر العبد بالتَّعرض للمحمود منها، والحَذر عن المكروه منها.الميسر في شرح المصابيح(3/١٠٢٠)
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-:
والحديث صريح بأنَّ الرؤيا تقع على مثل ما تُعبَّر، ولذلك أرشدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَلَّا نقصُّها إلا على ناصح أو عالم؛ لأن المفروض فيهما أنْ يختارا أَحسن المعاني في تأويلها فتقع على وفق ذلك، لكن مما لا ريب فيه أن ذلك مقيد بما إذا كان التعبير مما تحتمله الرؤيا ولو على وجه، وليس خطأ محضا، وإلا فلا تأثير له حينئذ، والله أعلم.سلسلة الأحاديث الصحيحة(1/٢٤٠).


ابلاغ عن خطا