«أَرَانِي في المنام أَتَسَوَّكُ بسوَاكٍ، فَجَذَبَنِي رجُلَانِ أَحدُهُمَا أَكبر مِنَ الآخر، فنَاوَلْتُ السِّواك الأصغر منهما، فقيلَ لِي: كَبِّرْ، فدفعته إلى الأكبر».
رواه البخاري برقم: (246)، ومسلم برقم: (2271) واللفظ له، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«أَرَانِي»:
أي: أرى نفسي، وأصله رأيتُ نفسي، وعدَل إلى المضارع لحكاية الحال الماضية. مرقاة المفاتيح، للقاري (1/ 400).
«فَجَذَبَنِي»:
أي: جرَّني، يُقالُ: جَذَبَهُ: إذا جَرَّهُ إليه، وأزالَهُ عن مَوْضِعِهِ إلى غيره. النظم المستعذب، للركبي (1/ 102).
«كَبِّرْ»:
أي: قدِّم الكبير في السن، يعني: ادفع إلى الأكبر. مرقاة المفاتيح، للقاري (1/ 400).
شرح الحديث
قوله: «أراني في المنام أتسوَّك بسواك»:
قال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «أَراني» بفتح الهمزة بلفظ متكلِّم المضارع، والفاعل والمفعول عبارتان عن معنىً واحد، وهذا من خصائص أفعال القلوب، وفي بعضها بضم الهمزة فمعناه: أظن نفسي. الكواكب الدراري (3/ 105).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «أَراني» بفتح الهمزة من الرؤية، ووَهِم مَن ضمَّها، وفي رواية المستملي: «رآني» بتقديم الراء، والأول أشهر، ولمسلم من طريق علي بن نصر الجهضمي، عن صخر: «أراني في المنام»، وللإسماعيلي: «رأيت في المنام» فعلى هذا فهو من الرؤيا. فتح الباري (1/ 357).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «أراني» بفتح الهمزة أي: أرى نفس، فالفاعل والمفعول عبارتان عن معبّر واحد، وهذا من خصائص أفعال القلوب، قال الكرماني: وفي بعض النُّسخ بضم الهمزة، فمعناه: أظن نفسي، وقال بعضهم: ووهِم مَن ضمَّها، قلت: ليس بوهْم، والعبارتان تستعملان. عمدة القاري (3/ 186).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
وللمستملي: «رآني» بتقديم الراء، قالوا: وهو خطأ؛ لأنه إنما أخبر عما رآه في النوم. إرشاد الساري (1/ 311).
وقال الزركشي -رحمه الله-:
وحَذَفَها (أي: الهمزة) المستملي، وهو خطأ؛ لأنه أخبر عما رآه في النوم. التنقيح (1/ 159).
وقال الدماميني -رحمه الله- معلقًا:
قلتُ: ما أسرعَ الناسَ إلى الطعن في الروايات بمجرد الآراء! يحتمل ما رواه المستملي أن يكون فاعلُ «رآني» ضميرًا يعود إلى المَلَك الذي قال له في النوم: «كَبِّرْ»، فترك التصريحَ بالظاهر، فأضمر لقرينة حالية. مصابيح الجامع (1/ 369).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«أراني» بفتح همزة «أراني» أي: أعتقد أني أتسوَّك، وبضمها أي: أظنُّ ذلك، وكلٌّ منهما إخبارٌ بما رآه في النوم. منحة الباري (1/ 552).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أراني» قال ميرك: وقع في أصل سماعنا بفتح الهمزة -يعني بلفظ المتكلم- أي: أرى نفسي، وأصله رأيتُ نفسي، وعدَلَ إلى المضارع لحكاية الحال الماضية، قال الشيخ ابن حجر: ووَهِمَ مَن ضمَّها، لكن قال الأبهري: وفي بعض النُّسخ بضم الهمزة، فمعناه: أظن نفسي، قاله الكرماني، كأنه ظن الكرماني أن الرؤيا المنامية يعبَّر عنها بالظن؛ ولذا يقال: رأيتُ كأني أفعل كذا ونحوه، ولكن هذا مِن بعض الظن؛ إذ رؤيا الأنبياء حق، فإنْ ثبت بضم الهمزة فالصواب أن يُحمل على أنه مجهول من باب الإراءة بمعنى الإعلام، ولم يذكر ابن حجر إلا معنى الضم، والله أعلم. مرقاة المفاتيح (1/ 400).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «أراني» الرواية المشهورة بفتح الهمزة، والرؤية الحُلُمِيَّة مثل العلمية في جواز اتحاد ضميري الفاعل والمفعول، وقد يُروى بضم الهمزة فيكون بمعنى أظن، فيكون من أفعال القلوب. لمعات التنقيح (2/ 111).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«أراني في المنام» بفتح الهمزة من الرؤيا، أي: رأيت نفسي في المنام، وفي رواية البخاري: «أراني أتسوك بسواك، فجاءني رجلان»، وعند أبي داود عن عائشة -رضي الله عنها-: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَسْتَنُّ وعنده رَجُلان، فأُوْحِي إليه أن أعطِ السواك الأكبر».
وهذا يقتضي أن تكون القضية وقعت في اليقظة، وجمع العلماء بين روايتنا ورواية أبي داود باحتمال أن القضية وقعت في المنام، ووقعت في اليقظة، ولما وقعت في اليقظة أخبرهم -صلى الله عليه وسلم- بما رآه في النوم، تنبيهًا على أن أَمْرَه بذلك وحي متقدِّم. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (9/ 65).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «أتَسَوَّك» ثالث مفاعيل أرى، بحذف (أن) ورفع الفعل، كقوله:
ألا أيُّهذا اللائمي أَحضَرَ الوَغَى.
والمفعول الأول الضمير المرفوع المستتر في الفعل، والثاني المنصوب البارز، وقد تقرر جواز أن يكون الفاعل والمفعول في باب علمتُ واحدًا، و«في المنام» ظرف، أي: رأيتُ نفسي في المنام متَسَوِّكًا. شرح المشكاة (3/ 788).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«في المنام أتسوَّك بسِوَاكٍ» أي: رأيتُ نفسي في المنام متسوكًا، فالمفعول الأول مستتر والثاني البارز، وجاز في (علِمْتُ) كون الفاعل والمفعول ضميري واحد، والثالث «أتسوَّك» كذا قيل، وهو مبني على أن رواية الضم من الإراءة دون الرؤية، وأتسوَّك بإضمار أن مصدر بمعنى الفاعل. مرقاة المفاتيح (1/ 400).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«في المنام» مصدر ميمي أي: النوم، والظرف في محلّ الحال، وجملة «أتسوَّك» بتشديد الواو في محل المفعول الثاني «بسِوَاك» الباء فيه للاستعانة. دليل الفالحين (3/ 211).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «بسواك» صرَّح به اهتمامًا بشأنه، كما يدل عليه سياق الحديث. لمعات التنقيح (2/ 111).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«في المنام» هذا لفظ مسلم، وهو صريح في أن القضية كانت في المنام، وأخرجه أحمد والبيهقي بلفظ: رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستنُّ فأعطاه أكبر القوم، ثم قال: إن جبرئيل أمرني أن أكبِّر، وهذا يقتضي أن تكون القضية وقعت في اليقظة، ويشهد لرواية أحمد والبيهقي، وما رواه أبوداود بإسناد حسن عن عائشة -أعني الذي ذكره المصنف بعد حديثين-، ويجمع بين الروايتين: أن ذلك لَمَّا وقع في اليقظة أخبرهم -صلى الله عليه وسلم- بما رآه في المنام؛ تنبيهًا على أن أمره بذلك بوحي متقدِّم، فحَفِظَ بعض الرواة ما لم يحفظ بعض. مرعاة المفاتيح (2/ 84).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «أتسوَّك» مضارع تسوَّك من باب تَفَعَّل الخماسي، أي: أرى نفسي في المنام مسوِّكًا. الكوكب الوهاج (22/ 456).
قوله: «فجذَبَنِي رجلان، أحدهما أكبَرُ مِن الآخر»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
«فجذبني رجلان» كذا لهم، وعند الطبري: «فجاءني» وكذا ذكره البخاري في حديث عفان. مشارق الأنوار (1/ 144).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«فجذبني رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فناولتُ السواك الأصغر منهما» أي: جذب انتباهي، ورغبتي في إعطاء السواك أحدهما أوّلًا، كل منهما له وجهٌ في استحقاق التقديم، ولعل الأصغر سنًّا كان أعلم من الأكبر، أو أفضل في التقوى، وكانا في المواجهة مثلًا، أما لو كان أحدهما على اليمين والآخر على الشمال فقد قال المهلب: السُّنة حينئذ تقديم الأيمن. فتح المنعم (9/ 65).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فجذبني» أي: غمزني ودفعني «رجلان» مِن قُدَّامي من الجانبين؛ طلبًا للسواك مِني، «أحدهما أكبر من الآخر». الكوكب الوهاج (22/ 456).
وقال أحمد سبط ابن العجمي -رحمه الله-:
قوله: «فَجَذَبَني رَجُلَانِ» هما: جبريل، وميكائيل. تنبيه المعلم (ص: 454).
وقال محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- مُعلقًا:
وفي كون الرجلين جبريل ومكيائيل نَظَر لا يخفى، والله تعالى أعلم. البحر المحيط الثجاج (45/ 289).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«أحدهما أكبر من الآخر» أي: سنًّا. مرعاة المفاتيح (2/ 84).
قوله: «فناولتُ السواكَ الأصغرَ منهما»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«فناولت» أي: أعطيتُ «السواك الأصغرَ منهما». إرشاد الساري (1/ 311).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«فناولت السواك» أي: أعطيتُه. منحة الباري (1/ 552).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فناولتُ» أي: أعطيتُ «السواك» يعني: أردت مناولة السواك «الأصغر منهما»؛ لعله لقُربه. مرقاة المفاتيح (1/ 400).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «فناولتُ» أي: أعطيتُ، أَنَالَهُ: أعطاه، فتناولَه: أَخَذَه، و«الأصغر» مفعول ثانٍ لـ«ناولت». لمعات التنقيح (2/ 111).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«فناولتُ السواك الأصغر»؛ لِعلَّةٍ أو لمعنى رآه فيه مِن علمٍ أو نحوه. دليل الفالحين (3/ 211).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«فناولت السواك» أي: أردتُ إعطاء السواك «الأصغر منهما»؛ لعله لقُربِه، أو لأنه -صلى الله عليه وسلم- عدّ السواك شيئًا حقيرًا. مرعاة المفاتيح (2/ 84).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«فناولْتُ السواك الأصغر منهما» أي: مددتُ يدي بالسواك ولم يتسلمه المعطَى، ففيه مجاز المشارفة، أي: قاربتُ مُنَاوَلَتُه. فتح المنعم (9/ 65).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فناولتُ» أي: أعطيتُ «السواك الأصغر منهما» أي: من الرَّجُلين دون الأكبر، أي: مددتُ وبسطتُ بيدي إلى الأصغر منهما لإعطاء السواك له. الكوكب الوهاج (22/ 456).
قوله: «فقيل لي: كبِّر؛ فدفعته إلى الأكبر»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «فقيل لي» قائلُ ذلك له جبريل -عليه السلام- كما في رواية ابن المبارك، قوله: «كبِّر» أي: قدِّم الأكبر في السِّن. فتح الباري (1/ 357).
وقال أحمد سبط ابن العجمي -رحمه الله-:
والقائل: «كبِّر» هو جبريل. تنبيه المعلم بمبهمات صحيح مسلم (ص: 454).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فقيل لي: كَبِّر» أي: قدِّم الكبير في السن، يعني: ادفع إلى الأكبر، «فدفعته إلى الأكبر منهما»، الظاهر أنهما كانا في أحد جانبيه أو في يساره وهو الأنسب، فأراد تقديم الأقرب فأُمر بتقديم الأكبر، فلا ينافي ما في حديث ابن عباس أو الأعرابي في إيثاره بسؤره -عليه الصلاة والسلام- من اللبن؛ لكونه على اليمين على الأشياخ من أبي بكر وعمر وغيرهما؛ لكونهم على اليسار بعد أن استأذنه -صلى الله عليه وسلم- في إعطائه لهم، فقال: «لا أُوْثِرُ بنصيبي منك أحدًا». مرقاة المفاتيح (1/ 400).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«فدفعْتُه إلى الأكبر منهما» فيه أنَّ إعطاء السواك إكرام، وينبغي أنَّ محله فيما إذا وقع بعد التسوك به، وإن غُسِلَ، فيمن يعلم منه محبة ذلك وإيثار، أو اعتقاد بتبرك، وظاهر حديث ابن عباس أو الأعرابي في إيثار بسؤره -صلى الله عليه وسلم- اللبن؛ لكونه عن اليمين، على الأشياخ أبي بكر وعمر وغيرهما؛ لكونهم عن اليسار، بعد أن استأذنه -صلى الله عليه وسلم- في إعطائه لهم، فقال: «لا أوثر نصيبي منك أحدًا» إن المراد الكِبر هُنا في السِّن لا في العلم والقَدر، ووجه أخذ ذلك من هذا: أنَّ ذاك دال على اعتبار مَن على اليمين، من غير نظر لسنٍّ ولا لفضيلة، نظرًا إلى أن جلوسه باليمين هو المرجَّح له، فكذا أكبر السن هنا يكون مرجحًا من غير اعتبار فضل ولا قدر.
فإن قلتَ: يمكن الفرق بأنه ثَمَّ وجد مرجِّح خارجي، وهو الجلوس على اليمين، ولا كذلك هنا؛ لاستوائهما في كونها أمامه.
قلتُ: ممنوع، بل هنا مرجِّح خارجي أيضًا، وهو كبر السن، فهو لظهوره لكل أحد أحق بالرعاية من الفضل الذي لا يظهر إلا للبعض. فتح الإله في شرح المشكاة (2/253-254).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- معلقًا:
وأنت خبير بأنَّ كِبَرَ سِن الصِّديق وفضله معًا على ابن عباس أو الأعرابي أظهر من الشمس، ومع هذا حيث كان المفضول من الجهتين على اليمين استحق التقديم، ثم قوله: لاستوائهما في كونهما أمامه، مدفوع لتحقُّق تقابل اليمين واليسار حينئذٍ أيضًا، ثم المنع بعد تسليمه في الجواب، فالعدول عن سنن المنع إلى الاضطراب ليس من آداب أولي الألباب، والله أعلم بالصواب. مرقاة المفاتيح (1/ 400).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
ومعنى: «كَبِّر» بفتح الكاف وتشديد الباء المكسورة، أي: اقصد الكبير سنًّا وقدِّمه، «فقيل لي: كَبِّر؛ فدفعته إلى الأكبر» في رواية لأحمد أن القائل له جبريل -عليه السلام-، ولفظها: «إن جبريل أمرني أن أُكَبِّر»، ولفظ الطبراني: «أمرني جبريل أن أُكَبِّر». فتح المنعم (9/ 65).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فقيل لي» في ذلك المنام، والقائل له هو الملَك: «كبّر» أي: قدِّم الأكبر منهما في الإعطاء، «فدفعته» أي: دفعتُ السواك «إلى الأكبر» منهما وأعطيته له؛ امتثالًا لأمر الملك. الكوكب الوهاج (22/ 456).
وقال الشيخ أحمد حطيبة -حفظه الله-:
«فقيل لي: كَبِّر» يعني: أعطِ الكبير وابدأ به، أما إذا كان الكبير والصغير مع الشخص أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره فيُعطي الذي عن اليمين قبل الذي عن اليسار، فإن كان الاثنان أمامه فليقدّم الكبير على الصغير. شرح رياض الصالحين (18/ 3).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فيه: دليل على اعتبار الكِبَر، وأَنه يُقدم الأكبر في إعطاء الشيء.
ومن ذلك: إِذا قدّمتَ الطعام مثلًا أو القهوة أو الشاي فلا تبدأ باليمين، بل ابدأ بالأكبر الذي أمامك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أَراد أنْ يُعطيه الأصغر قيل له: كبّر، ومعلوم أَنه لو كان الأصغر هو الأيسر لا يذهب الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعطيه إِياه، فالظاهر أَنه أَعطى الأَيمن من أجل التّيامُن، لكن قيل له كبّر: يعني: أعطه الأكبر، فهذا إذا كان الناس أمامك تبدأ بالكبير، لا تبدأ باليمين، أَما إذا كانوا جالسين عن اليمين وعن الشمال فابدأ باليمين. شرح رياض الصالحين(3/٢٣٨).
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
فيه: تقديم الأكبر، ورؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- حق، وهذا معلوم من سُنته وأمره في غير هذا الحديث. إكمال المعلم (7/ 230).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
الذي يقتضيه هذا الحديث: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر هذه تبيينًا للتعليم للبداية بالأكابر في مناولة سِواكٍ أو سؤرِ شرابٍ؛ لأنه أُري في المنام، ومنامه -صلى الله عليه وسلم- وحيٌ. الإفصاح عن معاني الصحاح (4/ 171).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
فيه: تقديم ذي السِّن في السواك، وكذلك ينبغي تقديم ذي السِّن في الطعام والشراب والكلام والمشي والكتاب، وكل منزلة؛ قياسًا على السواك، واستدلالًا من قوله -صلى الله عليه وسلم- لحويصة ومحيصة: « كبِّر كبِّر» -يريد ليتكلم الأكبر-، وهذا من باب أدب الإسلام، وقال المهلَّب: تقديم ذي السن أولى في كل شيء، ما لم يترتب القوم في الجلوس، فإذا ترتبوا فالسنة تقديم الأيمن فالأيمن من الرئيس أو العالم، على ما جاء في حديث شرب اللبن. شرح صحيح البخاري (1/ 364).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
ومن فقه الحديث: أن يُوَقَّر الكبير ويُقدَّم على الصغير، ولكن هذا إذا لم يكونوا مرتَّبِين في المجلس، وإلا يقدَّم مَن على الجانب الأيمن، لما يأتي من حديث ابن عباس والأعرابي... الكوثر الجاري (1/ 402).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
1. منها: بيان فضيلة الرؤيا المناميّة؛ إذ هي للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- وحي وبشرى؛ إذ رؤيا الأنبياء وحي، وبالنسبة لغيره بُشرى؛ إذ هي جزء من ستّة وأربعين جزءًا من النبوّة.
2. ومنها: بيان فضيلة السواك، وقد تقدّم ما يتعلّق بذلك في كتاب الطهارة، فراجِعْهُ تستفد.
3. ومنها: أن فيه تقديمَ ذي السنّ في السواك، ويلتحق به الطعام والشراب، والمشيُ والكلام، قاله ابن بطال، وقال المهلَّب: هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس، فإذا ترتبوا فالسُّنَّة حينئذٍ تقديم الأيمن؛ لحديث: «الأيمنون الأيمنون» متّفقٌ عليه.
4. ومنها: أن استعمال سواك الغير ليس بمكروه، إلا أن المستحب أن يغسله، ثم يستعمله؛ لحديث عن عائشة -رضي الله عنها- في سنن أبي داود، قالت: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعطيني السواك لأغسله، فأبدأ به، فأستاك، ثم أغسله، ثم أدفعه إليه»، وهذا دالّ على عظيم أدبها، وكبير فطنتها؛ لأنها لم تغسله ابتداءً حتى لا يفوتها الاستشفاء بريقه -صلى الله عليه وسلم-، ثم غسلته تأدبًا، وامتثالًا، ويَحْتَمِل أن يكون المراد بأمرها بغسله: تطييبه، وتليينه بالماء قبل أن يستعمله، والله تعالى أعلم. البحر المحيط الثجاج (37/141- 142).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)