الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«كلُّ عَملٍ مُنقطِعٌ عن صاحبِهِ إذا مات، إلَّا المرابِطُ في سبيلِ اللهِ، فإنَّه يُنْمَى له عملُهُ، ويُجْرَى عليه رزقُهُ إلى يومِ القيامةِ».


رواه الطبراني في الكبير برقم: (641)، وأبو نعيم في الحلية: (5/156)، والطبراني في مسند الشاميين برقم: (1158)، وابن قانع في معجم الصحابة برقم: (836)، من حديث العِرْبَاض بن سارية -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (4539)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (1220).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«المُرَابِط»:
أي: الملازم للثغر للجهاد. مجمع بحار الأنوار، للفتني (5/ 445).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
الرباط في الأصل: الإقامة على جهاد العدو بالحرب، وارتباط الخيل وإعدادها. النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 185- 186).
وقال ابن قتيبة -رحمه الله-:
وأصل المرابطة ‌الرباط: أن يربط هؤلاء خيولهم، ويربط هؤلاء خيلوهم في الثغر، كلٌّ يعدُّ لصاحبه، وسمي المقام بالثغور رباطًا. غريب القرآن (ص:104).

«يُنْمَى»:
أي: يُزاد ويُرفع. كشف المناهج والتناقيح، لمحمد بن إبراهيم المناوي (3/ 331).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
يُقال: نمى الشيء يَنْمَى وينمو: إذا زاد وارتفع. النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 121).


شرح الحديث


قوله: «كل عمل منقطعٌ عن صاحبه إذا مات»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«كل عمل» من أعمال البر والصلاح «منقطع» أجره «عن صاحبه إذا مات». التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 190).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
معناه: أن الرجل إذا مات لا يُزاد في ثواب ما عمل، ولا ينقص منه شيء إلا الغازي، ‌فإن ‌ثواب ‌مرابطته ‌ينمو ويضاعف، وليس فيه ما يدل على أن عمله يزاد بضم غيره أو لا يزاد. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 149).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
يريد أن الحصر يدل على أن الثواب بانضمام الغير يجري له، كأنه قيل: ينقطع عمله المنضم إلى عمل الغير إلا عن ثلاث، والمرابطة ليس بداخلة فيها، فلا يخل بالحصر، وهو ينظر إلى ما يروي التوربشتي عن الطحاوي حيث قال: والذي ذكر عن المرابط، فإنه عمله الذي قدمه في حياته، فينمو له إلى يوم القيامة.
وأقول: لعلها داخلة في الصدقة الجارية؛ لأن القصد في المرابطة نصرة المسلمين، ودفع أعداء الدين، والمجاهدة مع الكفار، ودعوتهم إلى الإسلام؛ لينتفعوا في الدارين، ونية المؤمن خير من عمله، فلا يبعد أن يدخل تحت جنس الصدقة الجارية، كبناء الرباط، وحفر البئر، وفيه تحريض على الجهاد وحث عليه. الكاشف عن حقائق السنن (2/ 664).
وقال الصنعاني -رحمه الله- معلِّقًا على كلام البيضاوي السابق:
قلتُ: لا حاجة إلى هذا، بل نقول: يُزاد فيه، وحكمه مع الحصر في الحديث المذكور حكم نظائره في أنه قال ذلك قبل العلم بما ذكر من المرابط في سبيل الله، أنَّ الذين تجري لهم أجورهم بعد الموت عشرة، وتقدَّم نظم المصنف (السيوطي) في ذلك، ويأتي فيه زيادة على هذا. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 190).

قوله: «إلا المرابط في سبيل الله»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«إلا المرابط في سبيل الله» المقيم في ثغر من ثغور الإِسلام. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 190).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
(قال ابن قتيبة): "الرباط: المرابطة، وهو أن يربط هؤلاء خيولهم في ثغرهم، وهؤلاء خيولهم في ثغرهم، ويكون كل منهم معدًّا لصاحبه، متربصًا لقصده"، ثم اتسع فيها، فأطلقت على ربط الخيل واستعدادها لغزو العدو حيث كان وكيف كان، وقد يتجوَّز به للمقام بأرض والتوقف فيها، وهو في الحديث يحتمل كل واحد من المعنيين. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (2/ 579).

قوله: «فإنه يُنمَى له عملُه، ويُجرى عليه رزقُه إلى يوم القيامة»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«فإنه» إن مات مرابطًا «يُنمى له عمله ويُجرى عليه رزقه»؛ لأنه حي عند الله كما نطقت به الآيات «إلى يوم القيامة». التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 190).
وقال النووي -رحمه الله-:
هذه فضيلة ظاهرة للمرابط، وجريان عمله عليه بعد موته فضيلة مختصة به، لا يشاركه فيها أحد، وقد جاء صريحًا في غير مسلم: «كل ميت يختم على عمله إلا المرابط، فإنَّه يُنْمَى له عمله إلى يوم القيامة». شرح مسلم (13/ 61).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
(فيه) فضيلة مختصة به، أنَّ عمله يجرى له أجره بعد موته... «وأجرى عليه رزقه» من قوله تعالى في الشهداء: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} آل عمران: 169. إكمال المعلم (6/ 342).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«وأجري عليه رزقه» يعني به -والله تعالى أعلم-: أنه يرزق في الجنة كما يرزق الشهداء؛ الذين تكون أرواحهم في حواصل الطير، تأكل من ثمر الجنة، (كما) في الشهيد. المفهم (3/ 756).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «وأُجري عليه رزقه» (لفظ حديث في مسلم) موافق لقول الله تعالى في الشهداء: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} آل عمران: 169، والأحاديث السابقة: «أنَّ أرواح الشهداء تأكل من ثمار الجنة». شرح مسلم (13/ 61).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يعني: إن مات أو قتل في الغزو يكتب له ثواب العمل الذي كان يعمله في حياته؛ يعني: أبدًا يصل إليه ثواب العمل؛ لأنه كان يسعى في إحياء الدين، وقتل أعداء الله.
قوله: «وأُجري عليه رزقه» أي: يطعم من طعام الجنة، ويشرب من شرابها. المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 337).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
يعني: يُعطى ثواب الجهاد، فيُعطى ثواب عمله ناميًا غير منقطع إلى يوم القيامة.
«وأجري عليه رزقه» وهو الرزق الموعود للشهداء، كما قال الله تعالى: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ} آل عمران: 169، 170. شرح المصابيح (4/ 307).
وقال الفتني -رحمه الله-:
والجمع بينه وبين حديث: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح» أن هذه الثلاثة إنما جرى ثوابهم لوجود ثمرة أعمالهم بعد موتهم، وثواب ‌المرابط مع فقد عمله، فهو المستثنى حقيقة لا إياها، وأيضًا ‌المرابط يجري عليه سائر أعماله الرباط وغيره؛ ولذا قال: «‌المرابط» ولم يقل: الرباط، وقال هناك: «إلا من ثلاث» فاستثنى الأعمال دون عاملهن. مجمع بحار الأنوار (5/ 445).
وقال محمد الأُبي -رحمه الله-:
قلتُ: ولا يعارض هذا الحديث حديث: «إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث» إما لأنه لا مفهوم للعدد الثلاث، وإما بأن يرجع هذا إلى إحدى الثلاث، وهو صدقة جارية. إكمال إكمال المعلم (6/ 669).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فإن قلتَ: هذا الحديث يعارض حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم، فكيف يجمع بينهما؟
قلتُ: يجمع بأن حديث الباب مخصوص من عموم حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- المذكور، فهو عام مخصوص بحديث الباب، فلا تعارض بينهما، والله تعالى أعلم. البحر المحيط الثجاج (32/ 695).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- أيضًا:
في فوائده (أي: الحديث):
1- منها: بيان فضل الرباط في سبيل الله -عزَّ وجلَّ-.
2- ومنها: أن من مات مرابطًا أجري عليه عمله بعد موته، وهذا فضل من الله تعالى، حيث أكرم المرابط بعد موته بعدم انقطاع عمله...
3- ومنها: أنّ مَن مات مرابطًا فإنه شهيد حي عند ربه؛ يُجرى عليه رزقه، كسائر الشهداء، والله تعالى أعلم. البحر المحيط الثجاج (32/ 697).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا