«العقيقة تُذبحُ لسبعٍ، أو أربعَ عشرةَ، أو إحدى وعشرين».
رواه الطبراني في الأوسط برقم: (4882)، والطبراني في الصغير برقم: (723)، والبيهقي في السنن الكبرى برقم: (19293)، من حديث بريدة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«العقيقة»:
الذبيحة التي تذبح عن المولود، وأصل العق: الشق والقطع، وقيل للذبيحة: عقيقة؛ لأنها يشقُّ حلقها. النهاية، لابن الأثير (3/ 276).
وقال الخليل بن أحمد -رحمه الله-:
والعقيقة: الشَّعر الذي يُولد الولد به. العين (1/ 62).
شرح الحديث
قوله: «العقيقة تُذبح لسبع، أو أربع عشرة، أو إحدى وعشرين»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«العقيقة تذبح لسبع» من الأيام «أو لأربع عشرة» يومًا «أو لإحدى وعشرين» يعني: تذبح يوم السابع وإلا ففي أربع عشرة، وإلا ففي إحدى وعشرين يومًا من ولادة الطفل. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 155).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«العقيقة تذبح لسبع» من الأيام «أو لأربع عشرة» يومًا «أو لإحدى وعشرين» يومًا، قال أحمد: يعني أنها تذبح يوم السابع، فإن لم يفعل ففي أربع عشرة، فإن لم يفعل ففي إحدى وعشرين. وحكمة كونها في السبع: أن الطفل لا يغلب ظن سلامة بنيته وصحة خلقته وقبوله للحياة إلا بمضي الأسبوع، والأسبوع دور يومي، كما أن السنة دور شهري. فيض القدير (4/ 382).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«العقيقة تذبح لسبع» من يوم الولادة «أو لأربع عشرة» إن لم يذبح في سابع «أو لإحدى وعشرين» إن لم يذبح في أحد الوقتين قبله. قيل: الحكمة في تأخيرها إلى يوم السابع: أنه لا يغلب ظن سلامة بنيته وصحة خلقته وقبوله للحياة إلا بمضي الأسبوع، وظاهر الحديث: أن قبله لا يكون لو ذبح عنه عقيقة، ولا بعد الأحد والعشرين. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 390).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قيل: يُحسَبُ السّابعُ من غروب الشَّمس، وقيل: من طلوع الفجر، وقيل: من زوال الشّمس، وقيل: يحسب منه بقيّته قبل الغروب. المسالك في شرح موطأ مالك (5/ 333).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
وروِّينا عن ابن سيرين أنَّه كان لا يبالي أنْ يُذبح العقيقة قبل السابع أو بعده، ولا نقول بهذا، ولا يجزي قبل السابع؛ لأنه خلاف النص، ولم تجب العقيقة بعد. المحلى بالآثار (6/ 240).
وقال الترمذي -رحمه الله-:
العمل على هذا عند أهل العلم يستحبون أنْ يُذبح عن الغلام العقيقة يوم السابع، فإن لم يتهيأ يوم السابع فيوم الرابع عشر، فإن لم يتهيأ عقَّ عنه يوم حادٍ وعشرين. سنن الترمذي (4/ 101)
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
قال الحسن البصري وقتادة: يعق عنه يوم سابعه، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق، غير أنَّ مالكًا قال: إنما يعد الليالي، فإن ولد بعد الفجر عدله من الليلة التي تأتي عليه، وإن ولد قبل الفجر عدله من ليلته، تلك سبع ليالٍ، ثم ينسك عنه، ثم يسميه.
وقد اختلفوا فيمن أغفل فلم يعق عنه يوم سابعه، فكان عطاء يقول: إن أخطأهم وأحبوا أن يؤخروا إلى السابع الآخر، وقال: أكل أهل العقيقة ويهدونها، وقد روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: في يوم السابع، فإن لم يفعل ففي أربعة عشر، فإن لم يفعل ففي أحد وعشرين، وبه قال إسحاق.
وكان مالك يقول: في الرجل يكون غائبًا، فيولد له، فيأتي بعد السابع، فيريد أن يعق عن ولده، فقال: ما علمتُ أنَّ هذا من أمر الناس، وما يعجبني. الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 419-420).
وقال العراقي -رحمه الله-:
في حديث عائشة: «أن العق عن الحسن والحسين كان يوم السابع من ولادتهما»، وفي حديث سمرة عند أصحاب السنن: «تذبح عنه يوم السابع». وهل ذلك على سبيل الأفضلية أو التعيين؟ اختلف فيه على ثلاثة أقوال:
أحدها: إنه على سبيل الأفضلية، فلو ذبحها قبل فراغ السبعة أو بعد السابع ما لم يبلغ أجزأت، قاله الشافعي، وبه قال محمد بن سيرين، قال أبو عبد الله البوشنجي منهم: إن لم تُذبح في السابع ذُبحت في الرابع عشر، وإلا ففي الحادي والعشرين، ثم هكذا في الأسابيع، وقيل: إذا تكررت السبعة ثلاث مرات فات وقت الاختيار، وروى الطبراني في معجميه الأوسط والصغير والبيهقي عن بريرة مرفوعًا: «العقيقة تُذبح لسبع أو أربع عشرة أو إحدى وعشرين»، ورواه أبو الشيخ (الأصبهاني) بلفظ: «لسبع أو لتسع أو لإحدى وعشرين». وقال الحنابلة: إن فات ففي أربعة عشر، وإلا ففي إحدى وعشرين، فلا أدري قالوا ذلك على سبيل الاستحباب أو على سبيل الوجوب.
وقال الترمذي: العمل على هذا عند أهل العلم؛ يستحبون أن تُذبح يوم السابع، فإن لم يتهيأ فيوم الرابع عشر، فإن لم يتهيأ فيوم إحدى وعشرين.
وحكاه ابن المنذر عن عائشة وإسحاق. قال الشافعي: فإذا بلغ سقط حكمها في حق غير المولود، وهو مخيّر في العقيقة عن نفسه، واستحسن القفال الشاشي أن يفعلها، وقال الحسن البصري: إذا لم يعق عنك فعق عن نفسك وإن كنت رجلًا، ويروى: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عق عن نفسه بعد النبوة»، رواه البيهقي من حديث عبد الله بن محرر عن قتادة عن أنس، وقال: إنه حديث منكر، ثم حكى عبد الرزاق أنه قال: إنما تركوا عبد الله بن محرر بسبب هذا الحديث، ثم قال البيهقي: وقد روي من وجه آخر عن قتادة ومن وجه آخر عن أنس وليس بشيء. قلتُ: له طريق لا بأس بها، رواها أبو الشيخ وابن حزم من رواية الهيثم بن جميل عن عبد الله المثنى عن ثمامة عن أنس، وذكرها والدي -رحمه الله- في شرح الترمذي، وقال النووي: هو حديث باطل، وعبد الله بن محرر اتفقوا على ضعفه، قال الرافعي: ونقلوا عن نص الشافعي في رواية البويطي: أنه لا يفعل ذلك واستغربوه، قال النووي نصه في البويطي: ولا يعق عن كبير، وليس مخالفًا لما سبق؛ فإن معناه: لا يعق عنه غيره، وليس فيه نفي عقه عن نفسه.
القول الثاني: أنها مؤقتة بالسابع؛ فلا تقع الموقع لا قبله ولا بعده بل تفوت، وهذا هو قول مالك بن أنس، قال ابن عبد البر: وروي عنه أنه يعق عنه يوم السابع الثاني، وبه قال إسحاق بن راهويه، وهو مذهب ابن وهب. انتهى، وقال ابن شاس في الجواهر: وروى ابن وهب أن الأسابيع الثلاثة في العقيقة كالأيام الثلاثة في الضحايا. وفي مختصر الوقار: يعق عنه في الأسبوع الأول، فإن فات ففي الثاني، فإن أخطأه ذلك فلا عقيقة. انتهى، وقال ابن المنذر: قال مالك في الغائب يولد له فيأتي بعد السابع، فيريد أن يعق عن ولده فقال: ما علمتُ أن هذا من أمر الناس ولا يعجبني. انتهى، وهذا يقتضي الفوات بعد السابع ولو تعذر كالغيبة، وقال ابن حزم: لا نعلم أحدًا قال قبل مالك بالاقتصار على السابع الثاني؛ وفي المستدرك للحاكم وصحح إسناده: أن امرأة نذرت إن ولدت امرأة عبد الرحمن نحرنا جزورًا، فقالت عائشة: لا، بل السنة أفضل؛ عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة تقطع جُدُولًا (العظام تفصل بما عليه من اللحم)، ولا يكسر لها عظم، فيأكل ويطعم ويتصدق، وليكن ذلك يوم السابع، فإن لم يكن ففي أربعة عشر، فإن لم يكن ففي إحدى وعشرين.
القول الثالث: أنها لا تجزئ قبل السابع، ولا تفوت بفواته، فتذبح بعده متى أمكن، قاله ابن حزم الظاهري؛ وذلك أنه يراها فرضًا؛ فلا بد من فعلها ولو قضاء، والله أعلم. طرح التثريب في شرح التقريب (5/ 209).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وفيه أيضًا دليل على أن وقت العقيقة سابع الولادة، وأنها تفوت بعده، وتسقط إن مات قبله، وبذلك قال مالك، وحكى عنه ابن وهب أنه قال: إن فات السابع الأول فالثاني، ونقل الترمذي عن أهل العلم أنهم يستحبون أن تذبح العقيقة في السابع، فإن لم يمكن ففي الرابع عشر، فإن لم يمكن فيوم أحد وعشرين.
وتعقَّبه الحافظ (ابن حجر) بأنه لم ينقل ذلك صريحًا إلا عن أبي عبد الله البوشنجي، ونقله صالح بن أحمد عن أبيه، ويدل على ذلك ما أخرجه البيهقي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «العقيقة تذبح لسبع ولأربع عشرة، ولإحدى وعشرين». وعند الحنابلة في اعتبار الأسابيع بعد ذلك روايات، وعند الشافعية أن ذكر السابع للاختيار لا للتعيين.
ونقل الرافعي أنه يدخل وقتها بالولادة، وقال الشافعي: إن معناه: أنها لا تؤخر عن السابع اختيارًا، فإن تأخرت إلى البلوغ سقطت عمن كان يريد أن يعق عنه، لكن إن أراد هو أن يعق عن نفسه فعل. ونقل صاحب البحر عن الإمام يحيى: أنها لا تجزئ قبل السابع ولا بعده إجماعًا، ودعوى الإجماع مجازفة؛ لما عرفت من الخلاف المذكور. نيل الأوطار (5/ 157).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وقوله: «يوم سابعه» أي: يوم سابع ولادته بأن تذبح قبل يوم من ولادته في اليوم الذي يسبق يوم ولادته، فمثلًا: إذا ولد يوم الأربعاء متى تذبح؟ يوم الثلاثاء. وإذا ولد يوم الاثنين تذبح يوم الأحد، وهلم جرًّا.
وإنما اُختِير أن تذبح في هذا اليوم؛ لأنه مرت عليه أيام الدهر كلها. مثلًا إذا قلنا: إنه ولد يوم الأربعاء نعد الخميس، والجمعة، والسبت، والأحد، والاثنين، والثلاثاء، كل أيام الدهر مرت عليه فيكون ذبحها في هذا اليوم تفاؤلًا بطول عمره، وأن يبقى ما بقيت هذه الأيام، ومن المعلوم أن كل شيء له أجل، لكن من باب التفاؤل تذبح يوم سابعه...
ومن فوائد الحديث: اختيار اليوم السابع لذبح العقيقة «تذبح عنه يوم سابعه» فإن ذُبحت من قبل فلا بأس؛ لأن توقيتها بالسابع على سبيل الأفضلية فقط، فإن ذبحها في الخامس أو في الرابع أو في أول يوم فلا بأس، لكن بعد السابع أحسن؛ لتمر عليه أيام الدهر كلها، فإن لم يتيسر في اليوم السابع ففي الرابع عشر، فإن لم يتيسر ففي الحادي والعشرين، هكذا روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثٌ في صحته نظر، لكن العلماء مشوا على هذا. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (6/ 94).
وقال الباجي -رحمه الله-:
فإنَّها (العقيقة) تُذبح يوم سابع الصبي المولود؛ وذلك أن يمضي للمولود سبعة أيام، وسبع ليال، روى سمرة بن جُنْدُب أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «كل غلام رهن بعقيقته؛ يذبح عنه يوم سابعه، ويحلق ويُسمَّى»، فإن لم يعق عنه يوم سابعه فهل يعق عنه بعد ذلك أم لا؟
روى ابن حبيب عن ابن وهب عن مالك من ترك أن يعق عن ابنه في يوم سابعه، فإنه يعق عنه في السابع الثاني، فإن ترك ذلك ففي الثالث، فإن جاوز ذلك فقد فات وقت العقيقة. وروى ابن حبيب عن مالك: لا يجاوز بالعقيقة اليوم السابع، قال الشيخ أبو بكر (الأبهري): والقول الثاني أقيس، وجه رواية ابن وهب: أن هذا نسك، فلم يكن وقت ذبحه أقل من ثلاثة أيام، كالأضحية، ووجه الرواية الثانية: أنه لما كان اليوم الثامن أقرب إلى السابع مما بعده، ثم مع ذلك لا يذبح فيه، فبأن لا يذبح فيما بعده أولى. المنتقى شرح الموطأ (3/ 101-102).
وقال الباجي -رحمه الله- أيضًا:
ولا يجوز تقديم العقيقة قبل السابع، قال مالك في المبسوط: إن مات الصبي قبل السابع فليس عليهم أن يذبحوا عنه، فاقتضى ذلك أن وقت ثبوت حكمها هو الوقت المذكور من اليوم السابع، فإن أدرك الصبي ذلك الوقت ثبت حكمها، وإن مات قبل ذلك بطل حكمه، والله أعلم وأحكم. المنتقى شرح الموطأ (3/ 102).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قد اتضح بما ذُكر أنَّ الأرجح تقييد العقيقة باليوم السابع، كما هو نصّ الشارع، فلا تشرع قبله، وتفوت بفواته، فإن قضاها بعد ذلك كَانَ حسنًا، والله تعالى أعلم بالصواب. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/ 373).