جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: يا رسول الله رأيتُ في المنامِ كأنَّ رأسي قُطِعَ، قال: فضحِكَ النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: «إذا لَعِبَ الشَّيطانُ بأحدِكم في منامِهِ فلا يُحَدِّثْ به الناسَ»، وفي رواية أبي بكر: «إذا لُعِبَ بأحدكم»، ولم يَذكر الشَّيطان.
رواه مسلم برقم: (2268)، من حديث جابر -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: يا رسولَ اللهِ رأيتُ في المنامِ كأنَّ رأسي قُطِعَ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«كأن رأسي قُطع» وأخذ مني. الكوكب الوهاج (22/ 447).
قوله: «قال: فَضَحِكَ النبي -صلى الله عليه وسلم-»:
قال ابن قتيبة -رحمه الله-:
عن أبي مِجْلَز أنَّ رجلًا أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: رأيتُ فيما يرى النائم، كأنَّ رأسي قطع، فجعلتُ أنظرُ إليه بإحدى عينيَّ، فضحك النبي -صلَّى اللَّه عليه وسلّم- وقال: «بأيهما كنتَ تنظر؟» فلبث ما شاء الله أنْ يلبث، فعبر الناس أنَّ الرأس كان النبي -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم-، والنظر إليه اتباع سنته. تعبير الرؤيا (ص:93).
قوله: وقال «إذا لعب الشيطان بأحدكم في مَنَامِهِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: لأنه ربما يصير ضُحْكَة؛ فيحصل له الخَجَالة. مرقاة المفاتيح (7/ 2921).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه» بأن أراه رؤيا تحزنه، أو خلط عليه فيها. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 127).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
أصل الحديث: أن رجلًا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله رأيتُ في المنام كأن رأسي قطع فضحك، ثم قال: «إذا لعب...» فذكره، واعلم أنه -صلى الله عليه وسلم- قد قسَّم الرؤيا ثلاثة أقسام: من الله تعالى، وحديث النفس، وتخويف من الشيطان، فالمراد هنا ما فيه تخويف من الشيطان، ورؤية ما يكره الرائي. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 205).
وقال المازري -رحمه الله-:
يُحتمَل أنَّ يكون -صلى الله عليه وسلم- علم أنَّ منامه هذا من الأضغاث بوحي أوحي إليه، أو دلالة من المنام دلَّته على ذلك، أو على أنَّه من المكروه الذي هو من تحزين الشّيطان.
وحُكِيَ عن بعض العابرين أنَّه قال: يمكن أنْ يكون اختصر من المنام، أو سقط من بعض الرّواة منه ما لو ذكر لدلَّ على أنَّه من الأضغاث، وأمَّا العابرون فيتكلَّمون في كتبهم على قطع الرَّأس، ويجعلونه على الجملة دلالة على مفارقة ما فيه الرائي من النِّعم، ويفارق مَنْ هو فوقه، ويزول سلطانه، وتتغير حاله في جميع أموره، إلا أنْ يكون عبدًا فيدلُّ على عتقه، أو مريضًا فعلى شفائه، أو مديونًا فعلى قضاء دينه، أو ضَرورة (الذي لم يحج) فعلى حجِّه، أو مغمومًا فعلى فَرَجِه، أو خائفًا فعلى أمنه، وينظرون أيضًا في اتِّباع هذا له، ويصرفون دلالة ذلك فيما مضى مما ذكرناه عنهم، وفي غيره مما لم نذكره، حتى يخلص لهم معنى مما قلناه، أو معنى آخر تقتضيه دلالة الحال، وهذا مصروف للعابرين، وإنَّما ذكرنا دلالة قطع الرَّأس على الجملة لا الحكم بغير هذا المنام بعينه. المعلم بفوائد مسلم (3/ 208).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قلتُ: وهذا أيضًا زيادة تهويل، لا سيما بالنسبة إلى الصحابي الذي رأسه ورئيسه سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم-؛ قال: إلا أن يكون عبدًا، فيدل على عتقه، أو مريضًا فعلى شفائه، أو مديونًا فعلى قضاء دينه.
قلتُ: لا يخفى بعد دلالته على ما ذكر من الأشياء. وأبعدُ منه قوله: ومن لم يحج فعلى أنه يحج، أو مغمومًا فعلى فرجه، أو خائفًا فعلى أمنه. مرقاة المفاتيح (7/ 2921).
قوله: «فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ النَّاسَ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«فلا يحدث به» أي: بما رآه «الناس» ندبًا؛ لئلا يستقبله المعبِّر في تفسيرها بما يزيده غمًّا، بل يفعل ما مرَّ من الاستعاذة والتفل والتحول. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 127).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ولا يحرص على أن تُعبَّر؛ لأن بعض الناس إذا رأى ما يكره حرص على أنْ تُعبَّر، وذهب إلى العابرين، أو يطالع في الكتب؛ لينظر ما هذه الرؤيا المكروهة، ولكنها إذا عُبِّرت، فإنها تقع على الوجه المكروه، وإذا استعاذ الإنسان من شر الشيطان، ومن شر ما رأى، ولم يُحدِّث بها أحدًا، فإنها لا تضره، مهما كانت، وهذا دواء سهل: أنَّ الإنسان يتصبَّر ويكتهما، ويستعيذ من شر الشيطان، ومن شرها حتى لا تقع. شرح رياض الصالحين (4/ 371-372).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فلا يحدث به الناس»؛ وقد أرشد -صلى الله عليه وسلم- إلى أدوية رؤية ما يكره، وتقدم الكلام في ذلك، وهنا نهى بقوله: «فلا يحدث الناس به» أي: بما رآه، فإنه لم يُرِدْ بالناس إلا جنس المحدَّث، فيشمل بحديث الواحد؛ وذلك لئلا يفسِّرَها السامع بما يريده، مما يكره الرائي. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 206).
قوله: «وفي رواية أبي بكر: «إذا لُعِبَ بأَحَدِكُمْ» ولم يَذْكُرِ الشَّيطانَ»:
قال محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «إذا لُعِبَ بأحدكم» ببناء الفعل للمفعول. البحر المحيط الثجاج (37/ 113).