الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«إنَّ أوَّلَ ما يُحَاسَبُ به العبدُ يومَ القيامةِ مِن عملِهِ صلاتُهُ، فإنْ صَلَحَتْ فقد أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وإنْ فَسَدَتْ فقد خَابَ وخَسِرَ، فإنْ انْتَقَصَ مِن فَرِيضَتِهِ شيءٌ، قال الرَّبُّ -عزَّ وجلَّ-: انْظُرُوا هل لعبدي مِن تطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بها ما انْتَقَصَ مِن الفريضةِ، ثم يكونُ سَائِرُ عملِهِ على ذلك».


رواه أحمد برقم: (9494)، وأبو داود برقم: (864)، والترمذي برقم: (413) واللفظ له، والنسائي برقم: (465)، وابن ماجه برقم: (1426)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح سنن أبي داود برقم: (810)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (540).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أَفْلَح»:
أي: فاز بمقصوده. مرقاة المفاتيح، للقاري (3/997).

«أَنْجَح»:
أي: ظَفَرَ بمطلوبه. مرقاة المفاتيح، للقاري (3/997).

«خَابَ»:
أي: لم يَظْفَرْ بما طلب. دليل الفالحين، لابن علان (6/565).

«انْتَقَص»:
ذهب منه شيء بعد تمامه. المصباح المنير، للفيومي (2/ 621).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«انتقص» أي: نَقَّص. دليل الفالحين (6/565).

«تَطَوَّع»:
أي: نافلة من الصلاة. دليل الفالحين، لابن علان (6/565).


شرح الحديث


قوله: «إن أوَّل ما يُحَاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته»:
قال محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
«إن أوَّل ما يحاسب» مقول القول؛ ولهذا كُسِرَتِ الهمزة من «إن»، «ما» اسم موصول في محل جر بالإضافة، وصلتها جملة: «يحاسب به العبد». شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (4/1042).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«يحاسب» بالبناء للمفعول. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (6/212).
وقال محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «يحاسب به» أي: عليه، والمراد النظر فيه: هل هو على الوجه الأكمل أو غيره؟ ويحتمل: أن هذا من جملة العرض؛ لأن مُنَاقشة الحساب لا تكون لأكثر المسلمين، كما في حديث عائشة: «من نُوْقِش الحساب عُذِّب، قالت: قلتُ: ألم يقل الله: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} الانشقاق:8؟، قال: إنما ذلك العرض، ولكن من نُوْقِشَ الحساب عُذِّب»، وأما الكافر فقد قال الله في حقه: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} الكهف:105. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (4/1042).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«به» الباء سببية، ويحتمل: كونها بمعنى: (عن) أي: أوَّل شيء يحاسب به العبد من أعماله، أو أوَّل شيء يحاسب عنه العبد من الأعمال. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (6/212).
وقال محمد عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
«العبد» بالرفع على أنه نائب الفاعل. تحفة الأحوذي (2/383).
وقال محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «العبد» أي: الشامل للذكر والأنثى، ولكن المراد به: المؤمن دون غيره. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (4/1042).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«إن أوَّل ما يُحاسب به العبد يوم القيامة من عمله» أي: المتعلق بحق الله تعالى. دليل الفالحين (6/565).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«من عمله» أي: طاعاته. مرقاة المفاتيح (3/997).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«أوَّل ما يُحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة» المفروضة هل أتى بها؟، وهل أحسن القيام بحقوقها وشرائط الطهارة أم لا؟ التنوير شرح الجامع الصغير (4/332).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته»؛ لأن الله تعالى قد أَذِنَ بتعظيم أمرها، وأشار إليه بالاهتمام بشأنها، فإنها مقدمة عنده على غيرها، حيث كان أول شيء بدأ به عباده من الفرائض، وكان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إذا أسلم رجل أول شيء يعلمه الصلاة؛ لأنه إنما يضع الأمور على حسب وضع ربه، ناظرًا في ذلك إلى حكمته الإلهية، فبعد تقرُّر هذه الأولية والأهمية عند العبد ناسب أن يكون أول السؤال عنها؛ إذ لا عذر لها حينئذٍ. فيض القدير (3/96).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
المراد بها: الصلاة المفروضة بدليل قوله: «فإن انتقص من فريضته شيء». ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (6/212).

قوله: «فإن صَلَحت فقد أَفْلَح وأَنْجَح»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«فإن صَلَحت» صلاحها: بأدائها صحيحة. شرح مصابيح السنة (2/209).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«فإن صلَحت» بفتح اللام وذلك باسْتِجْمَاع مصحِّحاتها، وفقد مفسداتها. دليل الفالحين (6/565).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فإن صلَحت»... أي: إن صلحت الصلاة بأدائها صحيحة، أو بوقوعها مقبولة. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (6/212).
وقال محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «فإن صلحت» أي: وجدت صالحة، أي: تامَّة على الوجه المطلوب شرعًا، بأنْ أتمَّ سُنَنَها وآدابها وخشوعها وأذكارها وأدعيتها، بعد الشروط التي تشترط لها وأركانها. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (4/1042).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
الصلاح: كون الشيء على حالة استقامته وكماله، والفساد ضده. الكاشف عن حقائق السنن (4/1251).
وقال محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
الصلاح: ضد الفساد، والمعنى: وُجِدَتْ في صحيفته على الوجه المطلوب شرعًا كاملة، كما تقدم في حديث عبادة: «من جاء بِهِنَّ ولم يُضَيِّع شيئًا مِنْهُنَّ...» الحديث. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (4/1043).
وقال محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «فقد أَفْلَح» الفاء واقعة في جواب الشرط. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (4/1043).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«أَفْلَح وأَنْجَح» يأتي لازمًا ومُتَعدِّيًا وهنا لازمًا؛ أي: صارت حاجته، ومراده نافذًا. المفاتيح في شرح المصابيح (2/306).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«فقد أَفْلَح وأَنْجَح» أي: فاز وظفر بمطلوبه. دليل الفالحين (6/565).
وقال محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
«أفلح» أي: نال الفلاح، وهو: الظَّفَر بالمطلوب، والنَّجاة من المكروه، ويطلق على البقاء. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (4/1043).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
والفلاح: الفوز بالبُغْيَة، والمفلِح كأنه الذي انفتحت له وجوه الظَّفر، ولم تستغلق عليه، والنَّجَاح: إصابة ما احتيج إليه، فالثاني تكميل للأول؛ لأن ذا (صاحب) الحاجة عاجز، والمفلح مقتدر. الكاشف عن حقائق السنن (4/1251).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«وأنجح» أي: قُضِيَتْ حاجته. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (6/213).
وقال محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «أنجح» النجاح هو: الحصول على المراد، فهو بمعنى الفلاح؛ فيكون ذكره من باب التوكيد. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (4/1043).

قوله: «وإن فسدت فقد خاب وخسر»:
قال المظهري -رحمه الله-:
«وإن فسدت» أي: وإن لم يؤدِ جميع فرائض الصلاة، أو أدَّاها غير صحيحة. المفاتيح في شرح المصابيح (2/306).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«وإن فسدت» لفقد ركن أو شرط، أو وجود ما يفسدها من قول أو عمل. دليل الفالحين (6/565).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«وإن فسدت» الصلاة، بأن لم تؤدَّ، أو أُدِّيَتْ غير صحيحة، أو غير مقبولة. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (6/213).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«خاب» أي: صار محرومًا عن الفوز والخلاص قبل العذاب. المفاتيح في شرح المصابيح (2/306).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«فقد خاب» أي: لم يظفر بما طلب. دليل الفالحين (6/565).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فقد خاب» بحرمان المثوبة...، وقيل: معنى «خاب»: نَدِمَ. مرقاة المفاتيح (3/997).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«وخسر» أي: هلك، أو خسر في تجارته الأخروية؛ فلم يربح الثواب المرتب على عملها لو كانت صحيحة. دليل الفالحين (6/565).

قوله: «فإن انْتَقَصَ من فريضته شيء»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«فإن انتقص» أي: نَقَّص. دليل الفالحين (6/565).
وقال محمد عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
«فإن انْتَقَص» بمعنى: نَقَّص المتعدي. تحفة الأحوذي (2/383).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فإن انْتَقَص» بمعنى: نَقَّص اللازم. مرقاة المفاتيح (3/997).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «فإن انتقص» قوبل الصلاح بالفساد تارة، وهو مقابل حقيقيّ، وبالنقصان أخرى، وهو مقابل معنويٌّ. الكاشف عن حقائق السنن (4/1252).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«من فريضته شيئًا» أي: غير مفسد تركه لها، ويحتمل: مطلقًا. دليل الفالحين (6/565).
وقال محمد عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
«شيئًا» أي: من الفرائض. تحفة الأحوذي (2/383).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«من فريضته شيء» أي: من الفرائض. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (6/215).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
فرَّع على النقصان قوله: «ثم يكون سائر عمله على ذلك» أي: على أن الزكاة إن نقصت كُمِّلت بالصدقة، وكذلك الصوم والحج، هذا بالنظر إلى الكمال، وأما إذا نظر إلى الصلاح نفسه فلا؛ لأنه رتب عليه قوله: «فقد أَفْلَح وأَنْجَح»؛ وذلك أن الصلاة أُمُّ العبادات ومستتبعها، وهي بمنزلة القلب من الإنسان، فإذا صَلحَت صَلحَتِ الأعمال، وإذا فسدت فسدت الأعمال. الكاشف عن حقائق السنن (4/1252).

قوله: «قال الرب -عزَّ وجلَّ-: انظروا، هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة؟»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«قال الرَّب -عزَّ وجلَّ-» في التعبير بالرب إِيْمَاء إلى أن ما ذُكِرَ بعده من مظهر التَّرْبِية؛ لما فيه من التَّرقية من دَنَسِ الإخلال إلى شرف التكميل. دليل الفالحين (6/565).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«انظروا» الخطاب -والله أعلم- للملائكة الموكلين به. دليل الفالحين (6/565).
وقال محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
«انظروا هل لعبدي من تطوع» أي: في صحيفة عمله، وليس ذلك خافيًا على الله، ولكن لإظهار ما للعبد من تقصير أو تَشْمِير في طاعته. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (4/1043).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«هل لعبدي» في إضافته من التشريف ما يذهب التَّدْنِيْس. دليل الفالحين (6/565).
وقال محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «لعبدي» بياء الإضافة، فيه نوع من الإيْنَاس والإطْمَاع في سعة الرحمة. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (4/1043).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«من» زائدة. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (6/215).
وقال محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «من تطوع» التَّطوع: ما زاد على الفرض، وهو في الصلاة ما عدا الصلوات الخمس، كما... في قوله: «إلا أن تَطَّوع». شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (4/1044).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«هل لعبدي من تطوع؟»... أي: سنة أو نافلة من صلاة على ما هو ظاهر من السياق قبل الفرض أو بعده أو مطلقًا، ولم يعلم العبد نقصان فرضه حتى يقضيه. مرقاة المفاتيح (3/997).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«من تطوع» يشمل المسنون المؤكد وغير المؤكد، والمؤقت وذات السبب، والمستحبات والنوافل المطلقة. شرح سنن أبي داود (4/673).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«فيكمَّل» بالبناء للمجهول. دليل الفالحين (6/565).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فيكمَّل» بتشديد الميم: من التَّكميل، أو بتخفيفها: من الإكمال، وبناء الفعل للفاعل، أو المفعول، وهو الأظهر، وهو منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية في جواب الاستفهام...، ويجوز رفعه على الاستئناف. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (6/215).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«فيكمل بها» أنَّث ضمير التطوع نظرًا إلى معنى الصلاة، والظاهر: نصبه على جواب الاستفهام على أنه من كلام الله تعالى، ويؤيده رواية أحمد: «فكملوا بها فريضته»، وهو عطف على «انظروا». الكاشف عن حقائق السنن (4/1252).
وقال محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «فيكمَّل به» أي: بالتطوع إن كان له «ما نقص من الفريضة». شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (4/1044).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«بها» أي: بالتطوع، وتأنيث الضمير باعتبار النافلة. شرح مصابيح السنة (2/210).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«بها» أي: بالنافلة. دليل الفالحين (6/565).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ما انتقص من الفريضة» أي: مقداره. مرقاة المفاتيح (3/997).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«ما انتقص من الفريضة» فتعود كاملة بعد نقصها. دليل الفالحين (6/565).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
قوله: «فيتكمل بها...» إلخ، اختلفوا في تكافؤ النوافل الفرائض، فقيل: لا تكافئها ولو صلى النافلة مدة العمر، فمراد الحديث على مشربهم: أن النوافل تُكافئ ما نقص من دواخل الصلاة لا أصل الصلاة، وقيل: إنها تُكافئ الفريضة، ثم في حديث: «أن سبعمائة نافلة تُكافئ فريضة واحدة». العرف الشذي شرح سنن الترمذي (1/ 392).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
«فيكمل» والإكمال قد يكون كيفًا وقد يكون كمًّا، وقد ورد في بعض الروايات: «أن ركعة من الفريضة تحاسب بسبعين من النافلة»، ولا يظن بذلك فضل لكثرة السجود على طول القيام؛ لأن ركعة طويلة لا تُعَدُّ ركعة، فإن من الركعات ركعة تساوي وحدها أربعين أو خمسين أو أزيد من ذلك. الكوكب الدري على جامع الترمذي (1/376).
وقال القرافي -رحمه الله-:
قال بعض العلماء: ما ورد من أن النوافل في الصلاة تكمَّل بها الفرائض يوم القيامة معناه: تُجْبَرُ السنن التي فيها، ولا يمكن أن تعدل النوافل، وإن كثرت فرضًا؛ لقوله تعالى في الحديث: «ما تقرب إليَّ عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه»؛ ففضل الفرض على النفل وإن كثُر، وهذا وإن كان مقصودًا بهذا الظاهر؛ غير أنه يشكل بأن الثواب يتبع المصالح، والعقاب يتبع المفاسد، فلا يمكننا أن نقول: إن ثمن درهم من الزكاة يَرْبَىْ على ألف درهم صدقة تطوع، وإن قيام الدهر لا يعدل الصبح. الذخيرة (13/ 358).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«ما نقص من الفريضة» أي: مقداره، وضمير «نقص» راجع إلى الموصول على أنه لازم، أو إلى العبد، فيكون متعديًا، أي: ما نقصه العبد من الفريضة. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (6/215).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
وإن لم يكن له تطوع بَقِيَتْ ناقصة؛ فلا يجازى عليها جزاء صلاة كاملة؛ إلا أن يكمل الله ثوابها بمحض فضله، أما من ترك الصلاة أصلًا أو أفسدها بترك شرط أو ركن فقد خاب وخسر. المنهل العذب المورود (5/311).

قوله: «ثم يكون سَائِر عمله على ذلك»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«سائر عمله» أي: باقي عمله. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (6/217).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «ثم يكون سائر عمله على ذلك» يعني: كذلك الصوم، إن ترك شيئًا من الصيام الواجب يؤخذ بدله ما صام من السنة والنوافل، وإن ترك شيئًا من الزكاة يؤخذ بدلها ما أعطى من الصدقات. المفاتيح في شرح المصابيح (2/306).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «ثم يكون سائر عمله» من الزكاة والصوم والحج؛ يُكَمَّلُ فرائضُها بتطوعها. لمعات التنقيح (3/441).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وفي رواية: «ثم الزكاة مثل ذلك» يعني: الأعمال المالية مثل الأعمال البدنية على السوية. مرقاة المفاتيح (3/997).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
«إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته» لا ينافي حديث: «إن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء»؛ لأن ذاك بالنسبة إلى مظالم العباد، وهذا في حقوق الله تعالى. حاشية السيوطي على سنن النسائي (1/232).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
الأول من ترك العبادات، والثاني من فعل السيئات. مرقاة المفاتيح (3/997).
وقال محمد عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
وفي الحديث: إشارة إلى أن الأول الحقيقي هو الصلاة؛ فإن المحاسبة قبل الحكم. تحفة الأحوذي (4/544).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وإنما أراد -والله أعلم-: أن كل واحد من تلك الأوليات أوَّلَ بالنسبة إلى التي في بابه، فأول ما يحاسب به من أركان الإسلام الصلاة، وأول ما يحاسب به من المظالم الدماء، وأول ما يحاسب به مما ينتشر فيه صيت فاعله تلك الأمور (يعني: المجاهد والقارئ والمنفق)، وهذا أول ما يقاربه ويناسبه، وهكذا تعتبر ما يرد عليك من هذا الباب. المفهم (3/747).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
أول ما يحاسب به العبد المسلم يوم القيامة الصلاة المكتوبة، وأما الكافر فأول شيء يحاسب عليه الإيمان. المنهل العذب المورود (5/310).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
فإن قيل: فأيّهما يقدّم محاسبة العباد على حقّ الله تعالى، أو محاسبتهم على حقوقهم (يعني: العباد)؟ فالجواب: إنّ هذا الأمر توقيفي، وظاهر الأحاديث دالّة على أنّ الذي يقع أوّلًا المحاسبة على حقوق الله تعالى قبل حقوق العباد. مرقاة الصعود (1/330).
وقال العراقي -رحمه الله-:
قال العلماء: الحكمة في مشروعية الرواتب قبل الفرائض وبعدها تكميل الفرائض بها إن عرض نَقْصٌ...، وفي النوافل التي قبل الفريضة معنى آخر: وهو رياضة النفس بالدخول في النافلة وتصفيتها عمَّا هي مُكْتَفِيَة به من الشَّواغِل الدنيوية؛ ليتفرغ قلبه للفريضة أكمل فراغ، ويحصل له النشاط. طرح التثريب (3/34-35).
وقال السندي -رحمه الله-:
ظاهره: أن من فاتته الصلاة المكتوبة، وصلى نافلة يحسب عنه النافلة موضع المكتوبة. حاشية السندي على سنن النسائي (1/233).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
وقال العراقي في شرح الترمذي: يحتمل: أن يراد به: ما انتقصه من السنن والهيئات المشروعة فيها من الخشوع والأذكار والأدعية، وأنه يحصل له ثواب ذلك في الفريضة، وإن لم يفعله فيها، وإنما فعله في التطوع.
ويحتمل: أن يراد به: ما انتقص أيضًا من فروضها وشروطها.
ويحتمل: أن يراد: ما ترك من الفرائض رأسًا فلم يصله، فيعوض عنه من التطوع، والله تعالى يقبل من التَّطوعات الصحيحة عوضًا عن الصلوات المفروضات. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (6/216).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
يحتمل: أن يكون يكمل له ما نقص من فرض الصلاة وأعدادها بفضل التطوع.
ويحتمل: ما نقصه من الخشوع، والأول عندي أظهر؛ لقوله: «ثم الزكاة كذلك وسائر الأعمال»، وليس في الزكاة إلا فرض أو فضل؛ فكما يُكَمَّل فرض الزكاة بفضلها؛ كذلك الصلاة، وفضل الله أوسع، ووعده أَنْفَذ، وعَزْمُه أعمُّ وأتمُّ. عارضة الأحوذي (2/207).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
الأظهر عندي: أن يُرَادَ به: ما هو أعمُّ من ترك الفرض رأسًا، أو الشروط، أو الهيئات؛ لعموم النص. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (6/217).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وهذا عندي معناه: فيمن سَهَا عن فريضة ونسيها ولم يذكرها إلى أن مات.
وأما من ترك صلاة مكتوبة عامدًا أو نسيها ثم ذكرها فلم يقمها؛ فهذا لا يكمل له فريضة من تطوع أبدًا -والله أعلم-؛ لأن ترك الصلاة عمدًا من الكبائر، لا يكفرها إلا الإتيان بها لمن كان قادرًا عليها هي توبته لا يجزئه غير ذلك. الاستذكار (2/365).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
فيه حث على إتقان الفرائض والاهتمام بِمُصَحِّحَاتِها وترك مفسداتها، وحَضٌّ على إكثار النوافل لتكون جَابِرَة لخلل الفرائض الذي لا يخلو منها إلا الفَذُّ النَّادر. دليل الفالحين (6/566).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
دل الحديث: على وقوع الحساب على الأعمال يوم القيامة، وعلى أن الصلاة أعظم أركان الدين بعد الشهادتين، وعلى التحذير من التقصير في الأعمال المفروضة، وعلى الترغيب في الإكثار من التطوعات حيث يكمل بها الفرائض. المنهل العذب المورود (5/312).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فيه تشديد أمر الصلوات الخمس، فإذا ضاق الوقت واجتمع فرض وصلاة جنازة قُدِّم الفرض، وكذا غيرها من العبادات حتى إذا ضاق وقت عَرَفَة واجتمع فرض وحضور عَرَفة قُدِّم الفرض، وإن فات الحج. شرح سنن أبي داود (4/671).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
والحديث يدل على أن ما لَحِقَ الفرائض من النقص كمَّلَتْه النوافل، وأورده المصنف (يعني: ابن تيمية الجد) في حجج من قال بعدم الكفر؛ لأن نقصان الفرائض أعمُّ من أن يكون نقصًا في الذات وهو ترك بعضها، أو في الصفة وهو عدم استيفاء أذكارها أو أركانها، وجبرانها بالنوافل مشعر بأنها مقبولة مثاب عليها، والكفر ينافي ذلك. نيل الأوطار (1/366).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
من فضل الله ورحمته ونعمته وإحسانه أن شرع لنا النوافل خلف الصلوات وقبلها، وفي كل وقت إلا الأوقات المنهي عنها؛ وذلك لأن الإنسان لا بد أن يكون في صلاته خَلَلٌ فيكمَّل بهذه النوافل، فالظهر له أربع ركعات قبلها بتسليمين، وركعتان بعدها، وصلاة العصر ليس لها راتبة؛ لكن لها سنة مطلقة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بين كل أَذَانَيْنِ صلاة»، (و) صلاة المغرب لها راتبة بعدها ركعتان، وسنة مطلقة قبلها، (و) صلاة العشاء بعدها ركعتان، (و) الفجر قبلها ركعتان، (و) صلاة الليل، (و) صلاة الوتر، (و) صلاة الضحى، كل هذه النوافل يزداد بها أجر المصلي، ويكمَّل بها النقص الذي حصل في الفريضة، وهذه من نعمة الله -عزَّ وجلَّ-. شرح رياض الصالحين (5/104).
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
الحديث فيه دليل على وقوع الحساب على الأعمال يوم القيامة -نسأل الله اللطف بنا-؛ كما قال تعالى: {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُون} النحل:93، وأن أول الحساب يكون على الصلاة بالنسبة لما بين العبد وبين الله، والظاهر: أن المراد به: العرض، ويحتمل: أن المراد به النوعين: الحساب اليسير والمناقشة.
وفيه: دليل على أن الصلاة أعظم أركان الإِسلام بعد الشهادتين، وعلى أن المحافظة عليها من أعظم وسائل السعادة، فهي أهم أمور الدين، والأحاديث في معنى ذلك كثيرة، وكذلك دل عليه القرآن في عدة آيات كقوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ...} البقرة:238.
وفيه: التحذير من تضييعها.
وفيه: الحث على الإكثار من التطوع، وبيان فضله؛ لأنه يكون وسيلة إتمام الفرائض، وأن ذلك لا يختص بتطوع الصلاة.
وفيه: بيان كرم الله على عباده المؤمنين ورحمته بهم. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (4/1044-1045).


ابلاغ عن خطا