الأربعاء 26 رمضان 1446 هـ | 26-03-2025 م

A a

«جاءَ الفقراءُ إلى النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فقالوا: ذهبَ أهلُ الدُّثُورِ مِن الأموالِ بالدَّرجاتِ العُلا، والنَّعِيمِ المقِيمِ يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، ويصومونَ كما نصومُ، ولهم فَضْلٌ مِن أموالٍ يَحُجُّونَ بها، ويَعْتَمِرُونَ، ويُجَاهِدُونَ، ويَتَصَدَّقُونَ، قال: ألا أُحَدِّثُكُمْ إنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَن سَبَقَكُمْ ولم يُدْرِكْكُمْ أحدٌ بَعْدَكُمْ، وكنتم خيرَ مَن أنتم بينَ ظهرانَيْهِ إلَّا مَن عملَ مِثْلَهُ؟ تُسَبِّحُونَ وتَحْمَدُونَ وتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين؛ فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا، فقال بعضُنَا: نُسَبِّحُ ثلاثًا وثلاثين، ونَحْمَدُ ثلاثًا وثلاثينَ، ونُكَبِّرُ أربعًا وثلاثينَ، فرَجَعْتُ إليه، فقال: تقولُ: سُبحانَ اللَّهِ، والحمدُ لِلَّهِ، واللَّهُ أكبرُ، حتَّى يكونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثلاثًا وثلاثين».


رواه البخاري برقم: (843) واللفظ له، ومسلم برقم: (595) عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الدُّثُور»:
جمع َدَثْر وهو المال الكثير، ويقع على الواحد والاثنين والجميع. النهاية، لابن الأثير (2/100).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
الدُّثُور: بِضَم الدَّال، جمع دَثْر بفتحها، وهو المال الكثير، يُقال: مالٌ دَثْرٌ، لا يُثنى، ولا يجمع، والدثور أيضًا: الدُّرُوس، يُقال: دَثَرَ أَثَره وعَفا ودَرَس بمعنى، وجاء في رواية المروزي: «أهل الدُّور» وهو وهْمٌ. مشارق الأنوار (1/ 253).

«ظَهْرَانَيْه»:
أي: بَيْنَهُم على سبيل الاسْتِظْهَار والاسْتِنَاد إليهم. المجموع المغيث، الأصبهاني (2/393).
قال الزمخشري -رحمه الله-:
يقال: أقامَ فلَان بين أظهر قومه، وظهرانيهم، أي: أقامَ بينهم. الفائق في غريب الحديث(1/ 41).


شرح الحديث


قوله: «جاء الفقراء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «جاء الفقراء» وهو جمع فَقِير، ولم يُعلم عددهم هنا. عمدة القاري (6/128).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «جاء الفقراء» سُمِّي منهم في رواية محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة: أبو ذر الغفاري؛ أخرجه أبو داود، وأخرجه جعفر الفِرْيَابِي في كتاب الذكر له من حديث أبي ذرٍّ نفسه، سُمِّي منهم: أبو الدرداء عند النسائي وغيره من طرق عنه، ولمسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة: «أنهم قالوا: يا رسول الله»؛ فذكر الحديث، والظاهر: أن أبا هريرة منهم، وفي رواية النسائي عن زيد بن ثابت قال: «أُمِرْنَا أن نسبح» الحديث، وهذا يمكن أن يقال فيه: إن زيد بن ثابت كان منهم، ولا يعارضه قوله في رواية ابن عجلان عن سُمَيٍّ عند مسلم: «جاء فقراء المهاجرين»؛ لكون زيد بن ثابت من الأنصار؛ لاحتمال التغليب. فتح الباري (2/ 327).
وقال محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
جاؤوه يشكون إليه فقرهم بسبب فَقْدِ ما يتصدقون به. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (8/316).

قوله: «فقالوا: ذهب أهل الدُّثُور من الأموال»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«قالوا» على وجه الغِبْطَة والتَّأَسُّف على عدم تمكنهم من ذلك. دليل الفالحين (4/565).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
ومعنى هذا: أنَّ الفقراء ظنوا أن لا صدقة إلا بالمال، وهم عاجزون عن ذلك، فأخبرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن جميع أنواع فعل المعروف والإحسان صدقة، وفي صحيح مسلم عن حذيفة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كل معروف صدقة». جامع العلوم والحكم (2/ 684).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «من الأموال» بيان للدُّثور وتأكيد، أو وصف؛ لأن الدثور يجيء بمعنى: الكثرة، يقال: مال دَثْر، أي: كثير. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (5/191).

قوله: «بالدَّرجات العُلا والنَّعِيْم الـمُقِيم»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«بالدرجات» الباء فيه للتعدية، وفيها معنى المصاحبة. دليل الفالحين (4/565).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
والباء في «بالدرجات» بمعنى: المصاحبة، وهو أولى وأوقع في هذا المقام من الهمزة المتضمنة لمعنى الإزالة، يعني: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلا، واستصحبوها معهم في الدنيا والآخرة، ومضوا بها، ولم يتركوا لنا شيئًا منها، فما حالنا يا رسول الله؟ ولو قيل: أَذْهَب أهلُ الدثور الدرجات، أي: أزالوها، لم يكن بذلك، هذا مذهب المبرِّد، وصاحب الكشاف نص في قوله تعالى: {ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ} البقرة:17 على هذا المعنى، ولم يقف على سِرِّ المعاني، ومن النحاة مَن تكلم عليه، وقد أجبنا عن ذلك في فتوح الغيب مستقصى، وهذا الحديث من أقوى الدليل على ما قصدناه. الكاشف عن حقائق السنن (3/1059).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
«العلا» جمع العلياء؛ تأنيث الأعلى. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (5/191).
وقال محمد الخضر الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «بالدرجات العُلا» -بضم العين-: جمع العلياء؛ تأنيث الأعلى، يحتمل: أن تكون حسية، والمراد: درجات الجنات، أو معنوية، والمراد: علو القدر عند الله تعالى.
قلتُ: المعنوية لازمة عليها الحسية. كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (9/414).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«العلا» أي: الرفيعة. دليل الفالحين (4/565).
وقال الفاكهاني -رحمه الله-:
والنَّعيم: ما يُتَنَعَّم به من مطعم أو ملبس، أو منكح أو منظر، أو علوم ومعارف، أو غير ذلك. رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (2/588).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
«المقيم» الدائم. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (7/304).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«والنعيم المقيم» وهو نعيم الجنة الذي لا ينقضي أبدًا. دليل الفالحين (4/565).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
وذِكْرُ «المقيم» تَعْرِيْضٌ بالنعيم العاجل، فإنه قَلَّمَا يَصْفُو، وإن صَفَا فهو في وشك الزوال وسرعة الانتقال. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (5/191).
وقال الدماميني -رحمه الله-:
قولهم: «ذهب أهل الدثور بالدرجات العلا» يعنون: المستحقة بالصدقة، ولعل هناك ما هو أعلى منها للصابرين على البأساء والضراء. مصابيح الجامع (2/400).

قوله: «يُصَلُّون كما نُصَلِّي»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«يصلون كما نصلي» «ما» كافة مهيئة للدخول على الجملة الفعلية، وتفيد تشبيه مضمون الجملة بالجملة، أو مصدرية، أي: مثل صلاتنا، أو موصولة: أي: مثل الذي نصليه. دليل الفالحين (4/565-566).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«يصلون كما نصلي» أي: فرضًا ونفلًا...، أي: صلاتهم مثل صلاتنا. مرقاة المفاتيح (2/ 763).

قوله: «ويصومون كما نصوم»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «ويصومون كما نصوم» زاد في حديث أبي الدرداء المذكور: «ويذكرون كما نذكر»، وللبزار من حديث ابن عمر: «صدَّقوا تصديقنا، وآمنوا إيماننا». فتح الباري (2/ 327).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«ويصومون كما نصوم» أي: هم في العبادات البدنية مماثلون لنا مساوون فيها، وزائدون علينا بالعبادات المالية الـمَدْلُول عليها بقولهم: «ويتصدقون ولا نتصدق». دليل الفالحين (4/566).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ويصومون كما نصوم» ولفظ (ما) كافَّة، تصحح دخول الجار على الفعل، وتفيد تشبيه الجملة بالجملة، كقولك: يكتب زيد كما يكتب عمرو، أو مصدرية، كما في قوله تعالى: {بِمَا رَحُبَتْ} التوبة: 25، أي: صلاتهم مثل صلاتنا، وصومهم مثل صومنا. مرقاة المفاتيح (2/ 763).

قوله: «ولهم فَضْل من أموال يَحُجُّون بها، ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدقون»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «ولهم فضل أموال» كذا للأكثر، بالإضافة، وفي رواية الأصيلي: «فضل الأموال»، وللكشميهني: «فضل من أموال». فتح الباري (2/ 327).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«من الأموال» بيان للمذكور، وتأكيد، أو وصف؛ لأن الدثور تجيء بمعنى الكثرة، يقال: مال دَثْر، أي: كثير. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (4/215). تقدم
وقال محمد الخضر الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «ويحجون» أي: ولا نحج. كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (9/415).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «يحجون» بها، أي: ولا نحج، يشكل عليه ما وقع في رواية جعفر الفِرْيَابي من حديث أبي الدرداء: «ويحجون كما نحج»، ونظيره ما وقع هنا «ويجاهدون»، ووقع في الدعوات من رواية وَرْقَاء عن سُمَيٍّ: «وجاهدوا كما جاهدنا»؛ لكن الجواب عن هذا الثاني ظاهر، وهو التفرقة بين الجهاد الماضي؛ فهو الذي اشتركوا فيه، وبين الجهاد المتوقع؛ فهو الذي تقدر عليه أصحاب الأموال غالبًا، ويمكن أن يقال مثله في الحج، ويحتمل: أن يقرأ يُحجون بها بضم أوله؛ من الرباعي، أي: يعينون غيرهم على الحج بالمال. فتح الباري (2/ 327).

قوله: «قال: ألا أحدثكم إن أخذتم أدركتم من سَبَقَكم؟»:
قال الكوراني -رحمه الله-:
«ألا أحدثكم» «ألا» حرف تَنْبِيه يُنَبَّه به المخاطب في صدر الكلام؛ لئلا يفوته المقصود بعده. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (2/465).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«أدركتم» أي: من سبقكم من أهل الأموال في الدرجات العلا. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (4/216).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «أدركتم من سبقكم» أي: من أهل الأموال الذين امتازوا عليكم بالصدقة، والسبقية هنا يحتمل أن تكون معنوية وأن تكون حسية. فتح الباري (2/327).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«إن أخذتم به أدركتم من سبقكم» يريد السَّبْق في الطاعة لا الزمان. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (2/465).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: قال: «أدركتم من سبقكم» يعني: تساوونهم، وثانيًا كنتم من أنتم بينهم، يعني: يكونون أفضل منهم، فيلزم المساواة وعدم المساواة على تقدير عملهم مثله.
قلتُ: لا نُسَلِّم أن الإدراك يستلزم المساواة، فربما يدركهم ويتجاوز عنهم. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (5/192).

قوله: «ولم يُدْرِكْكُّم أحد بعدكم»:
قال الكوراني -رحمه الله-:
«ولم يُدْرِكْكُم أحد بعدكم» إن لم يعمل بما عملتموه؛ لقوله: «إلا من عمل مثله». الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (2/465).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «لم يُدْرِكْكُم أحد» فإن قلتَ: لِمَ لا يحصل لمن بعدهم ثواب ذلك؟ قلتُ: «إلا من عمل» استثناء منه أيضًا؛ كما هو مذهب الشافعي في أن الاستثناء المتعقب للجمل عائد إلى كلها. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (5/192).

قوله: «وكنتم خير من أنتم بين ظَهْرَانَيْه إلا من عمل مثله»:
قال البرماوي -رحمه الله-:
«وكنتم خيرَ» لا تَنَافِيْ بينه وبين قوله: «أدركتم» الذي ظاهره المساواة؛ لأنَّا نمنع ذلك، ونقول: الإدراك أعم من المساواة، فربما تفوق أيضًا. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (4/216).
وقال العيني -رحمه الله-:
«بين ظَهْرَانِيْهِ» بالإفراد، ومعناه: أنهم أقاموا بينهم على سبيل الاستظهار والاستناد إليهم، وزيدت فيه الألف والنون المفتوحة تأكيدًا، ومعناه: إن ظهرًا منهم قدامه، وظهرًا وراءه، فهو مكنوف (محفوف) من جانبيه ومن جوانبه، إذ قيل: بين أظهرهم، ثم كثُر حتى استعمل في الإقامة بين القوم. عمدة القاري (6/129).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«وكنتم خيرَ من أنتم بين ظَهْرَانَيْهِم» لفظ الظهر مُقْحَمٌ، والتثنية للتأكيد، والنون زائدة على خلاف القياس، وهذا جار مجرى التفسير لما تقدمه، فلا وجه لحمل الكلام على مذهب الشافعي من رجوع الاستثناء إلى الجملة المتقدمة. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (2/465).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «إلا من عمل مثله» أي: إلا الغني الذي يسبِّح فإنكم لم تكونوا خيرًا منه، بل هو خير منكم أو مثلكم، نعم إذا قلنا: الاستثناء يرجع إلى الجملة الأولى قبله، فإن قلتَ: فالأغنياء إذا سبحوا يترجحون فبقى بحاله ما شكا الفقراء منه، وهو رجاحتهم من جهة الجهاد وأخواته.
قلتُ: مقصود الفقراء تحصيل الدرجات والنعيم المقيم لهم أيضًا؛ لا نفي زيادتهم مطلقًا. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (5/192).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
والذي يظهر أن مقصودهم إنما كان طلب المساواة، ويظهر أن الجواب وقع قبل أن يعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن مُتَمَنِّي الشيء يكون شريكًا لفاعله في الأجر. فتح الباري (2/331).

قوله: «تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «خلف كل صلاة» هذه الرواية مفسرة للرواية التي عند المصنف في الدعوات، وهي قوله: «دبر كل صلاة»، ولجعفر الفِرْيَابِي عن أبي ذر «إثر كل صلاة»، ورواية: «دُبُر» بضمتين. فتح الباري (2/ 328).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قوله: «كل صلاة» تشمل الفرض والنفل، وإن وقع التقييد في حديث كعب بن عُجْرَة بالمكتوبة. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (7/304).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وعلى هذا: هل يكون التشاغل بعد المكتوبة بالراتبة بعدها فاصلًا بين المكتوبة والذكر أو لا؟ محل نظر. فتح الباري (2/ 328).
وقال محمد الخضر الشنقيطي -رحمه الله-:
مقتضى الحديث: أن الذكر المذكور يكون عند الفراغ من الصلاة، فلو تأخر ذلك عن الفراغ فإن كان يسيرًا بحيث لا يعد معرضًا أو كان ناسيًا أو متشاغلًا بما ورد أيضًا بعد الصلاة كآية الكرسي، فلا يضر، وتقديم الذكر المأثور قبل النافلة هو الذي عليه الجمهور.
وعند الحنفية يبدأ بالتطوع، ويكره عندهم تأخيره عن أداء الفريضة؛ فيتقدم أو يتأخر أو ينحرف يمينًا أو شمالًا، وعن الحلواني -من الحنفية-: جواز تأخير السنن بعد المكتوبة، والنص: أن التأخير مكروه، وحجة الجمهور في تقديمه (الذِّكْر) تقييده في الأخبار الصحيحة بدبر الصلاة، وزعم بعض الحنابلة أن المراد بدبر الصلاة: ما قبل السلام، وتُعُقِّب بحديث: «ذهب أهل الدثور»؛ فإن فيه: «تسبحون دبر كل صلاة»، وهو بعد السلام جزمًا؛ فكذلك ما شابهه. كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (9/416).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
الذي يظهر لي: أن تأخيره عن الرواتب لا يُعَدُّ فاصلًا؛ لأنها توابع للمكتوبات. البحر المحيط الثجاج (13/215).
وقال الدماميني -رحمه الله-:
«ثلاثًا وثلاثين» كذا ثبت في الروايات، وروي: «ثلاث وثلاثون».
قال الزركشي: وهو الوجه.
قلتُ: مقتضاه: أن الروايات الآخر لا وجه لها مع ثبوتها، وهو قريب من التصريح بالتَّلْحِين، وليس كذلك، فوجه الرفع ظاهر، وهو أن يكون «ثلاث وثلاثون» هو اسمها، «ومنهن كلهن» خبرها، ولا ضمير حينئذٍ في «يكون»، ووجه النصب أن يكون في «يكون» ضمير مستتر عائد على العدد المتقدم، «وثلاثًا وثلاثين» هو الخبر، والمعنى: حتى يكون العدد منهن ثلاثًا وثلاثين، ولا إشكال. مصابيح الجامع (2/401).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «ثلاثًا وثلاثين» يحتمل أن يكون المجموع للجميع؛ فإذا وزع كان لكل واحد إحدى عشرة، وهو الذي فهمه سهيل بن أبي صالح؛ كما رواه مسلم من طريق روح بن القاسم عنه؛ لكن لم يتابع سهيل على ذلك، بل لم أرَ في شيء من طرق الحديث كلها التصريح بإحدى عشرة؛ إلا في حديث ابن عمر عند البزار، وإسناده ضعيف.
والأظهر: أن المراد: أن المجموع لكل فرد فرد، فعلى هذا: ففيه تنازع ثلاثة أفعال في ظرف ومصدر، والتقدير: تسبحون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وتحمدون كذلك، وتكبرون كذلك. فتح الباري (2/328).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
ظاهر هذه الرواية: أن يقول ذلك مجموعًا، ورجحه بعضهم للإتيان فيه بواو العطف، والمختار: أن الإفراد أولى لتميُّزِهِ باحتياجه إلى العدد، وله كل حركة لذلك؛ سواء كان بأصابعه أو بغيرها ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه إلا الثلاث. مرعاة المفاتيح (3/322).

قوله: «فاختلفنا بيننا»:
قال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «فاختلفنا» أي: في كل واحد ثلاثة وثلاثون، أو المجموع، أو أن إتمام المائة بالتكبير أو بغيره. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (5/192).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «فاختلفنا بيننا» ظاهره: أن أبا هريرة هو القائل، وكذا قوله: «فرجعت إليه»، وأن الذي رجع أبو هريرة إليه هو النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى هذا: فالخلاف واقع بين الصحابة؛ لكن بيَّن مسلم عن سُمَيٍّ أن القائل «فاختلفنا» هو سُمَيُّ، وأنه هو الذي رجع إلى أبي صالح، وأن الذي خالفه بعض أهله، ولفظه: قال سُمَيُّ: «فحدثت بعض أهلي هذا الحديث، فقال: وهِمْتَ»؛ فذكر كلامه قال: فرجعت إلى أبي صالح. فتح الباري (2/329).
وقال العيني -رحمه الله-:
والذي ذكره مسلم أقرب؛ لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضًا، فلذلك اقتصر صاحب العمدة (عمدة الأحكام للمقدسي على هذا، لكن مسلمًا لم يوصل هذه الزيادة، فإنه أخرج الحديث عن قتيبة عن الليث بن عجلان، ثم قال: زاد غير قتيبة في هذا الحديث عن الليث، فذكرها، قيل: يحتمل أن يكون هذا الغير شعيب بن الليث، فإن أبا عوانة أخرجه في مستخرجه عن الربيع بن سليمان عن شعيب، ويحتمل أن يكون سعيد بن أبي مريم، فإن البيهقي أخرجه من طريق سعيد، قلتُ: يحتمل أن يكون غيرهما، وقد روى ابن حبان هذا الحديث من طريق المعتمر بن سليمان بالإسناد المذكور فلم يذكر قوله: «واختلفنا» إلى آخره. عمدة القاري (6/ 130).

قوله: «فقال بعضنا: نُسَبِّح ثلاثًا وثلاثين، ونحمد ثلاثًا وثلاثين، ونُكَبِّر أربعًا وثلاثين»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «ونكبر أربعًا وثلاثين» هو قول بعض أهل سُمَيٍّ كما تقدم التنبيه عليه من رواية مسلم، وقد تقدم احتمال كونه من كلام بعض الصحابة، وقد جاء مثله في حديث أبي الدرداء عند النسائي، وكذا عنده من حديث ابن عمر بسند قوي، ومثله لمسلم من حديث كعب بن عُجْرَة، ونحوه لابن ماجه من حديث أبي ذر، لكن شك بعض رواته في أنهنَّ أربع وثلاثون، ويخالف ذلك ما في رواية محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة عند أبي داود ففيه: «ويختم المائة بـ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له...» إلخ، وكذا لمسلم في رواية عطاء بن يزيد عن أبي هريرة، ومثله لأبي داود في حديث أم الحكم، ولجعفر الفِرْيَابِي في حديث أبي ذر. فتح الباري (2/329).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
«وأربعة» في بعضها «أربعًا»، وإذا كان المميز غير مذكور يجوز في العدد التأنيث والتذكير. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (5/192-193).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال النووي: ينبغي أن يجمع بين الروايتين بأن يكبر أربعًا وثلاثين، ويقول معها: لا إله إلا الله وحده ... إلخ.
وقال غيره: بل يُجْمَع بأن يختم مرة بزيادة تكبيرة، ومرة بـ: لا إله إلا الله على وفق ما وردت به الأحاديث. فتح الباري (2/329).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
هذا الأخير (يعني: مما نقله ابن حجر -رحمه الله-) هو المتعين في وجه الجمع، وأما ما قاله النووي ففيه خروج عن التعليم النبوي.
والحاصل: أن الصواب: أنه يكبر تارة أربعًا وثلاثين، فتكون التكبيرة تمام المائة، ويكبر أحيانًا ثلاثًا وثلاثين، ويختم المائة بـ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... إلخ، كما ورد التعليم النبوي بكل منهما. البحر المحيط الثجاج (13/218).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ولم يذكر في هذه الرواية تمام المائة، وذكره في الرواية الأخرى، وعيَّن أنه التهليل، وفي رواية: أنَّ زيادةَ تكبيرةٍ كمَّلت المائة، وهذا يدل على عدم تعيّن ما تُكُمَّلَ به المائة، بل أي شيء قال من ذلك حصل له ذلك الثواب -والله تعالى أعلم-. المفهم (2/ 214-215).

قوله: «فرجعت إليه، فقال: تقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون منهنَّ كلهنَّ ثلاثًا وثلاثين»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
ذكر مسلم: الخلاف في أعداد الذكر في هذا الحديث وغيره بعد الصلاة، وقول أبي صالح: «إن جميعها ثلاث وثلاثون»، وتفصيل سهيل لها «إحدى عشرة إحدى عشرة»، وقول كعب بن عجرة: «ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة»، وحديث عطاء عن أبي هريرة بمثله، وذكر في التكبير «ثلاثًا وثلاثين، وتمام المائة: لا إله إلا الله...» الحديث، وقد ذكر مثل هذا مالك في موطئه عن أبي هريرة موقوفًا، وقال: وهذا أولى من تأويل أبي صالح: أن ثلاثًا وثلاثين من جميعهن، إذ قد فسر ذلك أبو هريرة في هذا الحديث. إكمال المعلم (2/547).
قال ابن الملقن -رحمه الله-:
قوله: «فرجعت إليه» هو أبو صالح الراوي عن أبي هريرة، وظاهر الحديث أولى من تأويله -كما قاله القاضي-. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (7/304).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «حتى يكون منهن كلِّهنَّ» بكسر اللام تأكيدًا للضمير المجرور. فتح الباري (2/329).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: ما وجه تخصيص هذه الأذكار؟ قلتُ: التسبيح إشارة إلى نفي النَّقَائِص عن الـمُسَمَّى بالتنزيهات، والتحميد إلى إثبات الكمالات له، والتكبير إلى حقيقة ذاته أكبر من أن تدركها الأوهام أو تعرفها الإفهام. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (5/193).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وهل الأفضل أن يجمع بين التسبيح والتحميد والتكبير في كل مرة، فيقولهن ثلاثًا وثلاثين مرة، ثم يختم بالتهليل، أم الأفضل أن يفرد التسبيح والتحميد والتكبير على حِدَة؟ قال أحمد في رواية محمد بن مَاهَان، وسأله: هل يجمع بينها أو يفرد؟ قال: لا يضيق.
قال أبو يعلى: وظاهر هذا: أنه مخير بين الإفراد والجمع.
وقال أحمد -في رواية أبي داود-: يقول هكذا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا يقطعه.
وهذا ترجيح منه للجمع، كما قاله أبو صالح، لكن ذكر التهليل فيه غَرَابة. فتح الباري (7/414-415).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
الأحاديث الآتية من غير طريق أبي صالح واضحة في كونه يسبح ثلاثًا وثلاثين مستقلة، ويكبر كذلك، ويحمد كذلك، فإن قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من سبَّح الله ثلاثًا وثلاثين، وحَمِدَ الله ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثًا وثلاثين...» الحديث واضح في استقلال كل جملة بالعدد المذكور، فينبغي أن يقول كل جملة بمفردها؛ حرصًا على ما اقتضاه ظاهر النص. البحر المحيط الثجاج (13/216).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: كيف تساوي هذه الكلمات مع سهولتها وعدم مشقتها الأمور الصِّعاب الشاقة من الجهاد ونحوه، وأفضل العبادات أحمزها (يعني: أمتنها وأقواها)؟
قلتُ: أداء هذه الكلمات بحقها من الإخلاص سيما الحمد في حال الفقر- من أعظم الأعمال وأشقها، ثم إن الثواب ليس بلازم أن يكون على قدر المشقة، ألا ترى في التلفظ بكلمة الشهادة من الثواب ما ليس في الكثير من العبادات الشاقة، وكذا الكلمة المتضمنة لتمهيد قاعدة خير عام ونحوها.
قال العلماء: إن إدراك صحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحظة خير وفضيلة لا يوازيها عمل، ولا تنال درجتها بشيء، ثم إن نِيَّتَهم أنهم لو كانوا أغنياء لعملوا مثل عملهم وزيادة، ونية المؤمن خير من عمله، فلهم ثواب النِّية، وهذه الأذكار. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (5/ 191-192).
وقال فيصل بن مبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: فضل التنافس في الخير، والحرص على العمل الصالح، وجَبْر خَاطِر من لا يقدر على الصدقة ونحوها، وترغيبه فيما يقوم مقامها من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير. تطريز رياض الصالحين (ص: 104).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
الحديث في فضل التسبيح والتكبير والتحميد إثر الصلاة. إكمال المعلم (2/546).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث: دليل على أن الصحابة -رضي الله عنهم- لشدة حرصهم على الأعمال الصالحة، وقوة رغبتهم في الخير- كانوا يحزنون على ما يتعذَّر عليهم فعله من الخير مما يقدر عليه غيرهم، فكان الفقراء يحزنون على فوات الصدقة بالأموال التي يقدر عليها الأغنياء، ويحزنون على التخلف عن الخروج في الجهاد؛ لعدم القدرة على آلته، وقد أخبر الله عنهم بذلك في كتابه فقال: {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُون} التوبة:92.
وفي هذا الحديث: أن الفقراء غَبَطُوا أهل الدُّثُور... بما يحصل لهم من أجر الصدقة بأموالهم، فدلَّهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على صدقات يقدرون عليها. جامع العلوم والحكم (2/683-684).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال المهلب: في حديث أبي هريرة فضل الغني نصًّا لا تأويلًا إذا استوت أعمالهم بما افترض الله عليهم، فللغني حينئذٍ فضل أعمال البِّر من الصدقة، وإحياء الأَرْمَاق (يعني: النفوس)، وإعانة ابن السبيل، وفك الأسير، والجهاد، وشبه ذلك مما لا سبيل للفقراء إليها ولا قدرة لهم عليها، فبهذا يفضل الغني الفقير، وإنما يفضل الفقير الغني إذا فضل صاحبه بالعمل. شرح صحيح البخاري (2/459).
وقال الدماميني -رحمه الله-:
واعترضه (يعني: المهلبَ) ابنُ المنير: بأن الفضل المذكور فيه خارج عن محل الخلاف؛ إذ لا يختلفون في أن الفقير لم يبلغ فضل الصدقة، وكيف يختلفون فيه، وهو لم يفعل الصدقة، وإنما الخلاف إذا قابلنا مزية الفقير بثواب الصبر على مصيبة السَّغَب (أي: الجوع مع التعب) والشَّظَف (أي: شدة العيش) ورضاه بذلك، بمزية الغني بثواب الصدقات، أيهما يكون أكثر ثوابًا؟ مصابيح الجامع (2/400).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وهذا يدل على أن الذكر أفضل الأعمال، وأنه أفضل من الجهاد والصدقة والعتق وغير ذلك.
وقد روي هذا المعنى صريحًا عن جماعة كثيرة من الصحابة، منهم: أبو الدرداء ومعاذ وغيرهما، وروي مرفوعًا من وجوه متعددة أيضًا.
ولا يعارض هذا: حديث الذي سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عمَّا يَعْدِل الجهاد، فقال: «هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم ولا تُفطر، وتقوم فلا تَفْتُر» الحديث المشهور؛ لأن هذا السائل سأل عن عمل يعمله في مدة جهاد المجاهد من حين خروجه من بيته إلى قدومه، فليس يعدل ذلك شيء غير ما ذكره، والفقراء دلَّهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على عمل يستصحبونه في مدة عمرهم، وهو ذكر الله الكثير في أدبار الصلوات، وهذا أفضل من جهاد يقع في بعض الأحيان، ينفق صاحبه فيه ماله.
فالناس منقسمون ثلاثة أقسام:
أهل ذكر يدومون عليه إلى انقضاء أجلهم.
وأهل جهاد يجاهدون وليس لهم مثل ذلك الذكر، فالأولون أفضل من هؤلاء، وقوم يجمعون بين الذكر والجهاد، فهؤلاء أفضل الناس. فتح الباري (7/406-407).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
فيه: أن العالم إذا سُئِلَ عن مسألة يقع فيها الخلاف بين الأمة أن يجيب بما يلحق به المفْضُول درجة الفاضل، ولا يجيبه بنفس التفاضل خوف وقوع الخلاف. شرح صحيح البخاري (2/459).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وكأنه (يعني: ابن بطال -رحمه الله-) أخذه من كونه -صلى الله عليه وسلم- أجاب بقوله: «ألا أدلكم على أمر تساوونهم فيه»، وعدل عن قوله: نعم، هم أفضل منكم بذلك. فتح الباري (2/331).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وهذا الحديث يتضمن شكوى الفقراء وغِبْطَتَهم للأغنياء، كيف ينالون الأجر بالصدقة، وهم لا يقدرون، فأخبرهم أنهم يثابون على تسبيحهم وتحميدهم وأفعالهم الخير كما يثاب أولئك على الصدقة. كشف المشكل (1/368).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
في حديث الباب: الحضُّ على التسبيح والتحميد في أدبار الصلوات، وأن ذلك يُوَازِي في الفضل إنفاق المال في طاعة الله؛ لقوله: «أفلا أخبركم بما تدركون به من كان قبلكم؟». التوضيح لشرح الجامع الصحيح (29/240).
وقال العز ابن عبد السلام -رحمه الله-:
فائدة في فضل العَمل القاصر: رُبَّ عملٍ قاصرِ أفضل من عمل مُتَعدٍّ كالعرفان والإيمان، وكذلك الحج والعُمرة، والصلاة والصيام، والأذكار وقراءة القرآن. الفوائد في اختصار المقاصد (123).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وفيه: المسابقة إلى الأعمال المحصلة للدرجات العالية؛ لمبادرة الأغنياء إلى العمل بما بلغهم، ولم يُنْكِر عليهم -صلى الله عليه وسلم-؛ فيؤخذ منه: أن قوله: «إلا من عمل» عام للفقراء والأغنياء؛ خلافًا لمن أوَّلَهُ بغير ذلك.
وفيه: أن العمل السهل قد يدرك به صاحبه فضل العمل الشاق...
وفيه: أن العمل القاصر قد يساوي المتعدِّي؛ خلافًا لمن قال: إن المتعدِّي أفضل مطلقًا، نبَّه على ذلك الشيخ عز الدين ابن عبد السلام. فتح الباري (2/331).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وقد اتفق مساق هذه الأحاديث: على أن أدبار الصلوات، أوقات فاضلة للدعاء والأذكار، فيُرْتَجَى فيها القبول، ويبلغ ببركة التفرغ لذلك إلى كل مَأْمُول، وتسمَّى هذه الأذكار: مُعَقِّبات؛ لأنها تقال عَقِيْبَ الصلوات. المفهم (2/215).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
من فوائد هذا الحديث...أن الصحابة -رضي الله عنهم- يستعملون أموالهم فيما فيه الخير في الدنيا والآخرة، وهو أنهم يتصدقون. شرح الأربعين (ص:253).
وقال الشيخ البسام -رحمه الله-:
يؤخذ من الحديث: أن الإنفاق في سبيل الخير سبب رفع الدرجات...، (و) أن الهداية والرزق بيد الله، فهو الذي يقسمها بين عباده، فينبغي أن يُرضى بقسمة الله تعالى. تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (ص:226).
وقال الشيخ أحمد النجمي -رحمه الله-:
(وفيه) أن درجات الجنة لا تنال إلا بالعمل؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ألا أعلمكم شيئًا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم؟ ...» الحديث.
(وفيه) أن المنافسة في أعمال الآخرة محمودة؛ بل مطلوبة ومأمور بها، بخلاف المنافسة في الدنيا فإنها مذمومة. تأسيس الأحكام بشرح عمدة الأحكام (2/280-281).


ابلاغ عن خطا