الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«أَمَرَنِي رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أو أَمَرَ أنْ يُسْتَرْقَى مِن العينِ».


رواه البخاري برقم: (5738) واللفظ له، ومسلم برقم: (2195)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«يُسترقى»:
بتحتية مضمومة، وفتح القاف مبنيًّا للمفعول. إرشاد الساري، للقسطلاني (8/390).
قال العيني -رحمه الله-:
أي: يُطلَب الرقية ممن يَعْرِف الرقى بسبب العين. عمدة القاري (21/265).
والاسترقاء: طلب الرُّقية. المفاتيح، للمظهري (1/ 204).
والرُّقْيَةُ: العُوذة الَّتِي يُرْقَى بها صاحبُ الآفَةِ؛ كالحُمَّى والصَّرع، وغيرِ ذلك مِن الآفَاتِ. النهاية، لابن الأثير (2/ 254).

«العين»:
نظر باستحسان يَشُوبه شيء من الحسد، ويكون الناظر خبيث الطَّبع، كذوات السموم، فيؤثر في المنظور إليه، ولولا هذا لكان كُل عاشقٍ يصيب معشوقه بالعين. كشف المشكل (2/445).
قال الرازي -رحمه الله-:
يُقال: عَانَهُ مِن بابِ: بَاعَ: أصَابَهُ بِعَيْنِهِ، فهو عَائِنٌ، وذاك مَعِينٌ على النَّقْصِ، ومَعْيُونٌ على التَّمَامِ. مختار الصحاح (ص: 223).


شرح الحديث


قوله: «أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أمر أن يسترقى من العين»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «أو أَمَرَ» شك من الراوي. عمدة القاري (21/265).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«أمر أن يسترقى من العين» أي: يُطلَب الرقية ممن يعرف الرقى بسبب العين، كذا وقع بالشك هل قالت: «أَمَرَ» بغير إضافة أو «أمرني»؟ وقد أخرجه أبو نعيم في مستخرجه عن الطبراني عن معاذ بن المثنى عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه فقال: «أمرني» جزمًا. فتح الباري (10/201).
وقال أبو الحسن السندي -رحمه الله-:
كأنَّ المراد بقولها: «أَمَرَ» أَذِنَ فيه ورخَّص وأباح، أو المراد به: أمر به أمر إرشاد إلى بعض المنافع الدنيوية، وإلا فالظاهر: أنَّ الرقية غير مندوبة، كما يفيده حديث: «الذين لا يتطيرون ولا يسترقون» الحديث -والله تعالى أعلم-، ا. هـ، سندي (كأنَّ أبا الحسن السندي نقله من كلام أبي الطيب السندي؛ له حاشية على الترمذي مخطوط). حاشية السندي على صحيح البخاري (5/ 145).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أن نسترقي» بالنون على بناء الفاعل، وفي نسخة بالياء على صيغة المجهول، أي: نطلب الرقية، أو نستعملها، «من العين» أي: من رَمَدِهَا، أو إصابتها، فاندفع ما قيل: هذا تصريح بأنَّ من أصابته عين من الإنس أو الجن يُستحب أن يرقى، ا. هــ، ولعل المراد برقي العين ما رواه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة: «أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ على نفسه المعوذات، وينفث». مرقاة المفاتيح (7/ 2869).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«أنْ نسترقي» بالنون للمتكلم مع غيره، «من العين»، وقد علمهم رقيتها، وهي الاستغسال، والحث على الرقية لا ينافي حديث السبعين ألفًا الذين لا يرقون ولا يسترقون، بما أسلفناه من أن «لا يسترقون» غير ثابتة كما قاله ابن تيمية، وقد رقى -صلى الله عليه وسلم- نفسه بالمعوذات، والحسنين أيضًا بها. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 524).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«أن نسترقي من العين» فإنها حق، كما ورد في عدة أخبار. فيض القدير (5/ 196).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«من العين» وهذا تصريح بأن من أصابته عين من الإنس والجن يستحب أن يرقى عليه. شرح مصابيح السنة (5/97).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«من العين» أي: بسبب العين؛ وذلك إذا نظر المعيان (أي: خبيث العين الذي يقتل بعينه) لشيء باستحسان مشوب بحسد يحصل للمنظور ضرر بعادة أجراها الله تعالى، وهل ثَمَّ جواهر خفية تنبعث من عينه تصل إلى المعيون كإصابة السم من نظر الأفعى أم لا؟
هو أمر محتمل لا يُقطع بإثباته ولا نفيه. إرشاد الساري (8/390).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
أحاديث إثبات العين وتأثيرها كثيرة مشهورة لا تجحد، ومحاولة تأويلها وإخراجها عن مفهومها الظاهر فاسد وغير مقبول. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (8/539).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
الحق فيه: أن الله -سبحانه- يخلق عند نظر المعاين إليه وإعجابه به إذا شاء ما شاء من ألم أو هلكة، وكما لا يخلقه بإعجابه وبقوله فيه، فقد يخلقه ثم يصرفه دون سبب، وقد يصرفه قبل وقوعه بالاستعاذة، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعَوِّذُ الحسن والحسين بما كان أبوه يُعَوِّذ به ابنيه إسماعيل وإسحاق: «أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهَامَّة (اسم طائر، وهي من طير الليل، وقيل: هي البومة)، ومن كل عين لَامَّة (كل داء ألمَّ بالإنسان من جنون ونحوه)» وقد يصرفه بعد وقوعه بالاغتسال؛ فإنه أمر -صلى الله عليه وسلم- بالغسل، وأمر الذي يسأل الغسل أن يجيب إليه، كما ... في قوله: «وإذا اسْتُغْسِلْتُم» أي: سُئِلْتُم الغسل فأجيبوا إليه. المسالك في شرح موطأ مالك (7/ 436).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد أشكل ذلك (يعني: الإصابة بالعين) على بعض الناس، فقال: كيف تعمل العين من بُعْدٍ حتى يحصل الضرر للمعيون؟
والجواب: أن طَبَائِع الناس تختلف، فقد يكون ذلك من سُمٍّ يصل من عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون، وقد نُقِلَ عن بعض من كان مِعْيانًا أنه قال: إذا رأيتُ شيئًا يُعْجِبُني وجدت حرارة تخرج من عيني، ويُقرب ذلك بالمرأة الحائض تضع يدها في إناء اللبن فيفسد، ولو وضعتها بعد طهرها لم يفسد، وكذا تدخل البستان فتضر بكثير من الغُرُوس من غير أن تمسها يدها، ومن ذلك: أن الصحيح قد ينظر إلى العين الرمداء فيرمد، ويتثاءب واحد بحضرته فيتثاءب...، وقد أجرى الله العادة بوجود كثير من القوى والخواص في الأجسام والأرواح كما يحدث لمن ينظر إليه من يَحْتَشِمُه من الخَجَل، فيرى في وجهه حُمْرَة شديدة لم تكن قبل ذلك، وكذا الاصفرار عند رؤية من يخافه، وكثير من الناس يسقم بمجرد النظر إليه وتضعف قواه، وكل ذلك بواسطة ما خلق الله تعالى في الأرواح من التأثيرات، ولشدة ارتباطها بالعين نُسِبَ الفعل إلى العين، وليست هي المؤثرة، وإنما التأثير للروح، والأرواح مختلفة في طَبَائِعِهَا وقواها وكيفياتها وخواصها، فمنها ما يؤثر في البدن بمجرد الرؤية من غير اتصال به؛ لشدة خُبْث تلك الروح وكيفيتها الخبيثة.
والحاصل: أن التأثير بإرادة الله تعالى وخلقه ليس مقصورًا على الاتصال الجسماني؛ بل يكون تارة به، وتارة بالمقابلة، وأخرى بمجرد الرؤية، وأخرى بتوجه الروح، كالذي يحدث من الأدعية والرقى والالتجاء إلى الله، وتارة يقع ذلك بالتوهُّم والتخيُّل، فالذي يخرج من عين العائن سهم معنوي إن صادف البدن لا وِقَايَة له أثر فيه، وإلا لم يَنْفُذ السهم، بل ربما ردَّ على صاحبه كالسهم الحسي سواء. فتح الباري (10/200-201).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
تأثير العين وإصابتها للمعين -بإذن الله تعالى- حق لا شك فيه، وسببها استحسان الناظر للشيء. منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (5/227).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
في هذا الحديث: مشروعية الرقية لمن أصابه العين. فتح الباري (10/201).
وقال النووي -رحمه الله-:
وقد نقلوا بالإجماع على جواز الرقى بالآيات وأذكار الله تعالى. شرح صحيح مسلم (14/ 168).
وقال المازري -رحمه الله-:
وجميع الرقى عندنا جائزة إذا كانت بكتاب الله -عزَّ وجلَّ- وذكر الله، وينهى عنها بالكلام الأعجمي، وما لا يعرف معناه؛ لجواز أن يكون فيه كفر أو إشراك. المعلم بفوائد مسلم (3/ 162).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي، أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى. فتح الباري (10/195).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
والفرق بين الرقية التي أمر النبي بها -صلى الله عليه وسلم-، وبين ما كرهه ونهى عنه من رقية العزَّامين وأصحاب النّشُر (جمع نُشْرَةٍ، وهي فك السحر بمثله في الغالب)، ومن يدَّعي تسخير الجن لهم- أن ما أمر به -صلى الله عليه وسلم- وأباح استعماله منها: هو ما يكون بقوارع القرآن، والعُوَذ التي يقع منها ذكر الله -عزَّ وجلَّ- وأسماؤه على ألسن الأبرار من الخلق والأخيار الطاهرة نفوسهم، فيكون ذلك سببًا للشفاء بإذن الله، وهو الطب الروحاني، وعلى هذا كان معظم الأمر في الزمان المتقدم الصالح أهله، وبه كان يقع الاستشفاء واستدفاع أنواع البلاء، فلما عزَّ وجود هذا الصنف من أبرار الخليقة وأخيار البرية؛ فزع الناس إلى الطِّبِّ الجسماني حين لم يجدوا للطب الروحاني نُجُوعًا في العلل والأسقام؛ لعدم المعاني التي كان يجمعها الرقاة والْمُعَوِّذُون والمستشفون بالدعوات الصالحة، والبركات الموجودة فيهم.
وأما التي نهى عنها -صلى الله عليه وسلم- فهي أمور مشتبهة مركبة من حق وباطل، يجمع إلى ظاهر ما يقع فيها من ذكر الله تعالى ما يُسْتَسرُّ به من ذكر الشياطين، والاستعانة بهم، والتعوذ بمردتهم، وإلى نحو هذا المذهب ينحو أكثر من يرقي من الحية، ويستخرج السم من بدن الملسوع. أعلام الحديث (3/2131-2132).
وقال الذهبي -رحمه الله-:
الرقى المذمومة ما كانت بغير العربي ولا يعلم معناها، أما إذا علمت فمستحبَّةٌ. الطب النبوي (ص:275).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
دل هذا الحديث: على ... مشروعية رقية المصاب بالعين بالآيات والأذكار والأدعية المأثورة، ومن ذلك: قراءة المعوّذات، وفاتحة الكتاب، وآية الكرسي، والتعاويذ النبوية يقول: «بسم الله، اللهم أذهب حرها وبردها ووصبها» أخرجه النسائي والحاكم في المستدرك، والوصب -بفتح الواو والصاد-: دوام الوجع ولزومه، ثم يقول بعد هذه الرقية: قم بإذن الله.
وإن كانت دابة نفث في منخرها الأيمن، وفي الأيسر ثلاثًا وقال: «لا بأس، أذهب البأس رَبِّ الناس، اشْفِ أنت الشافي؛ لا يكشف الضر إلَّا أنت»، أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه موقوفًا على ابن مسعود -رضي الله عنه-.
ومن رأى شيئًا فاستحسنه وخاف أن يُصاب منه بالعين، وأراد أن يقيه مِن شرِّ عينه؛ فليدع له بالبركة؛ لحديث حزام بن حكيم بن حزام قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خاف أن يصيب شيئًا بعينه قال: اللهم بارك فيه ولا تضره» أخرجه ابن السني. منار القاري (5/227).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«قال: اللهم بارك فيه ولا تضره» الظاهر: أن هذا الخوف وهذا القول إنما كان يظهره في قَالَب التَّشْرِيع للأمة، وإلا فعينه الشريفة إنما تصيب بالخير الدائم، والفلاح والإسعاد والنجاح، فطوبى لمن أصابه ناظره، وهنيئًا لمن وقع عليه باصره. فيض القدير (5/121).
وقال ابن باز -رحمه الله-:
يستدل بحديث عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما-: شرعية الاسترقاء بعد نزول البلاء؛ لأمره -عليه الصلاة والسلام-، ولا يأمر إلا بخير ورشد. الحلل الإبريزية (4/156).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
الرقية من العين والنَّظْرة (وهو الإصابة بالعين)، وغير ذلك باسم الله تعالى وكتابه مرجو بركتهما؛ لأمر النبي -عليه السلام- بذلك، وقد أمر رسول الله -عليه السلام- باغتسال العائن وصب ذلك الماء على العين. شرح صحيح البخاري (9/ 430).
وقال المازري -رحمه الله-:
وصفة الوضوء للعائن عند العلماء: أن يؤتى بِقَدَحٍ من ماء، ولا يوضع القدح في الأرض، فيأخذ منه غرفة فيتمضمض بها ثم يَمُجَّها في القدح، ثم يأخذ منه ما يغسل به وجهه، ثم يأخذ بشماله ما يغسل به كفه اليمنى، ثم بيمينه ما يغسل به كفه اليسرى، ثم بشماله ما يغسل به مرفقه الأيمن، ثم بيمينه ما يغسل به مرفقه الأيسر، ولا يغسل ما بين المرفقين والكفين، ثم قدمه اليمنى، ثم اليسرى، ثم ركبته اليمنى، ثم اليسرى على الصفة المتقدمة والرتبة المتقدمة، وكل ذلك في القدح، ثم داخلة إزاره، وهو الطرف المتدلي الذي يلي حِقْوَهُ الأيمن، وقد ظن بعضهم أن داخلة الإزار كِنَاية عن الفرج، وجمهور العلماء على ما قلناه، فإذا استكمل هذا صبه خلفه من على رأسه، وهذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه، وليس في قوة العقل الاطلاع على أسرار المعلومات كلها، فلا يدفع هذا أن لا يعقل معناه.
وقد اختلف في العائن هل يجبر على الوضوء للمعيون أم لا؟
واحتج من قال بالجبر بقوله في الموطأ: «توضأ له»، وبقوله في مسلم: «إذا اسْتُغْسِلْتُم فاغسلوا»، وهذا أمر يحمل على الوجوب، ويتضح عندي الوجوب، ويبعد الخلاف فيه إذا خُشِيَ على المعيون الهلاك، وكان وضوء العائن مما جرت العادة بالبرء به، أو كان الشرع أخبر به خبرًا عامًّا، ولم يمكن زوال الهلاك عن المعيون إلا بوضوء هذا العائن، فإنه يصير من باب من تعيَّن عليه إحياء نفس مسلم، وهو يجبر على بذل الطعام الذي له ثمن، ويضر بذله، فكيف هذا مما يرتفع الخلاف فيه؟!. المعلم بفوائد مسلم (3/157-158).
وقال الذهبي -رحمه الله-:
اعلم أن الرقى والتعاويذ إنما تفيد إذا أخذت بقبولٍ، وصادفت إجابةً وأجلًا، فالرقى والتعوذ التجاءٌ إلى الله -سبحانه وتعالى-؛ ليَهَبَ الشفاء كما يعطيه بالدواء. الطب النبوي (ص:275).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فوائده:
منها: بيان أنَّ العين حق، يُتَأَذَّى بها، وأن الرُّقى تنفع منها -إذا قدَّر الله ذلك-، فالشفاء بيده -سبحانه وتعالى- لا شريك له، وسبيل الرُّقى سبيل سائر العلاج والطب. البحر المحيط الثجاج (36/93).


ابلاغ عن خطا