الأربعاء 26 رمضان 1446 هـ | 26-03-2025 م

A a

«مَنْ تَوَضَّأَ فأحسنَ وُضُوءَهُ، ثم رَاحَ ‌فوجدَ ‌الناسَ ‌قد ‌صلَّوا، أعطاهُ الله مِثلَ أجرِ من صلاها أو حضرها، لا ينقُصُ ذلك من أجورِهِم شيئًا».


رواه أحمد برقم: (8947) واللفظ له، وأبو داود برقم: (564)، والنسائي برقم: (855)، والحاكم برقم: (754) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (6163)، صحيح سنن أبي داود برقم: (573).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«رَاحَ»:
أي: مشى إليها وذهب إلى الصلاة...، يقال: راح القوم وتروحوا: إذا ساروا أي وقت كان. النهاية، لابن الأثير(2/ 273).


شرح الحديث


قوله: «مَنْ توضأ فأحسن وُضُوءَهُ، ثم رَاحَ ‌فوجد ‌الناس ‌قد ‌صلَّوا»:
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «مَن توضأ» يحتمل أنها شرطية، وجواب الشرط قوله: «كتب له مثل أجر من حضرها»، وهو الظاهر فيها، ويحتمل أنها موصولة، وهو وجه ضعيف فيها، وعلى الأول فجملة «توضأ» جملة فعلية، وفعلها هو فعل الشرط، وقوله: «فأحسن الوضوء» الفاء عاطفة، وإحسان الوضوء: إتقانه، وفعله على الوجه الأكمل المبين في السُّنة، بأن يتوضأ ثلاثًا. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (5/ 1761).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«من توضأ فأحسن» أي: أكمل وأجمل، «وُضُوءَهُ، ثم راح» إلى المسجد؛ «فوجد الناس قد صلوا» أي: فرغوا من صلاتهم في الجماعة. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (3/414).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فوجد النَّاس قد صلوا» وفرغوا من صلاتهم. شرح سنن أبي داود (3/ 586).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«ثم راح» أي: ذهب. شرح المصابيح (2/ 130).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«من توضأ فأحسن وضوءه، ثم راح» أي: ذهب إلى المسجد، أيَّ وقت كان ... ، «فوجد الناس قد صلوا» فيه إشارة إلى أن المصلين هم الناس، والباقون كالنسناس (النسناس خلق على صورة بني آدم أشبهوهم في شيء وخالفوهم في شيء وليسوا من بني آدم). مرقاة المفاتيح (3/ 881).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «ثم راح» أي: ذهب إلى المسجد أيّ وقت كان لا خصوص آخر النهار. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (4/ 263).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «ثم راح» أي: ثم ذهب إلى المسجد أي وقت كان، فالمراد بالرواح مطلق الذهاب، ويؤيده أن في رواية النسائي: «ثم خرج عامدًا إلى الصلاة».
«قد صلوا» أي: فرغوا من صلاتهم في الجماعة. مرعاة المفاتيح (4/ 103).

قوله: «أعطاه الله مِثلَ أجرِ من صلاها أو حضرها»:
قال السهارنفوري -رحمه الله-:
«أعطاه» أي: ذاك الرجل، «الله -عَزَّ وَجَلَّ- مثل أجر من صلاها» أي: الصلاة في الجماعة، «وحضرها» أي: حضر صلاة الجماعة. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (3/ 414-415).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«لا ينقص» بفتح الياء وضم القاف، «ذلك مِنْ أجورهم» نسخة: «من أجرهم»، «شَيْئًا» لفظ النسائي: «كتب الله تعالى له مثل أجر من حضرها».
وبوب عليه النسائي: حدُّ إدراك الجماعة، فجعل أن من أتى بالصفات المذكورة في الحديث يكون مدركًا لفضيلة الجماعة كمن أتى أولها، وعلى هذا: فمن أدرك الجماعة قبل السلام بتكبيرة كان أحرى بحيازة جميع الصلاة، وفضل الله واسع، -والله أعلم-. شرح سنن أبي داود (3/ 586).
وقال المظهري -رحمه الله-:
هذا إذا لم يكن منه تقصير بتأخير الصلاة من غير عذر، أما لو أخر حضور الجماعة بغير عذر حتى تفوته الجماعة لم يكن له هذا الثواب. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 247).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وقد روى ابن علية، عن كثير بن شنظير، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: «إذا انتهى إلى القوم وهم قعود في آخر صلاتهم فقد دخل في التضعيف، وإذا انتهى إليهم وقد سلم الإمام، ولم يتفرقوا فقد دخل في التضعيف»، قال عطاء: وكان يقال: إذا خرج من بيته وهو ينويهم، فأدركهم أو لم يدركهم فقد دخل في التضعيف، وهذا الموقوف أصح.
وكذا قال أبو سلمة: من خرج من بيته قبل أن يسلم الإمام فقد أدرك.
ومعنى هذا كله: يكتب له ثواب الجماعة؛ لما نواها وسعى إليها، وإن كانت قد فاتته، كمن نوى قيام الليل ثم نام عنه، ومن كان له عمل فعجز عنه بمرض أو سفر، فإنه يكتب له أجره.
ويشهد لهذا: ما خرَّجه أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، قال: «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم راح فوجد الناس قد صلوا، أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها، لا ينقص ذلك من أجرهم شيئًا».
وخرج أبو داود من حديث سعيد بن المسيب، عن رجل من الأنصار، سمع النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: «إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له، فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضًا، وبقي بعض، فصلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك، فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك». فتح الباري (5/ 20-21).
وقال العيني -رحمه الله-:
إذا قلنا: إنه أدرك فضل الجماعة، فهل يكون ذلك مُضاعفًا كما يكون لمن حضرها من أولها؟ أو يكون غير مضاعف؟ اختُلف فيه على قولين، وإلى التضعيف ذهب أبو هريرة وغيره من السلف، وكذلك إن وجدهم قد سلموا عند هؤلاء، كما جاء في ظاهر حديث أبي داود عن أبي هريرة: «من توضأ فأحسن وضوءه، ثم راح فوجد الناس قد صلوا، أعطاه الله من الأجر مثل أجر من حضرها وصلاها»، وإلى عدم التضعيف ذهبت طائفة أخرى، وإلى هذا يُشير قول أبي هريرة: «ومن فاتته قراءة أم القرآن فقد فاته خيرْ كثير»، واختلفوا هل يكون مدركًا للحكم أو للفضل أو للوقت بأقل من ركعة؟ فذهب مالك وجمهور الأمة وهو أحد قولي الشافعي إلى أنه لا يكون مدركًا شيئًا من ذلك بأقل من ركعة، متمسكين بلفظ: الركعة، وذهب أبو حنيفة، وأبو يوسف والشافعي في أحد قوليه إلى أنه يكون مدركًا لحكم الصلاة. شرح أبي داود (4/ 105).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال السبكي الكبير في الحلبيات: من كانت عادته أن يصلي جماعة فتعذر فانفرد كُتب له ثواب الجماعة، ومن لم تكن له عادة، لكن أراد الجماعة فتعذر فانفرد- يُكتب له ثواب قصده لا ثواب الجماعة؛ لأنه وإن كان قصده الجماعة، لكنه قصد مجرد، ولو كان يتنزل منزلة من صلى جماعة كان دون من جمع، والأولى سبقها فعل، ويدل للأول حديث الباب، وللثاني أن أجر الفعل يضاعف، وأجر القصد لا يضاعف، بدليل «من هم بحسنة كتبت له حسنة واحدة»، قال: ويمكن أن يقال: إن الذي صلى منفردًا ولو كتب له أجر صلاة الجماعة لكونه اعتادها، فيكتب له ثواب صلاة منفرد بالأصالة، وثواب مجمع بالفضل. -انتهى ملخصًا-. فتح الباري (6/ 137).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وهذا المعنى يمكن أن يقال فيه، ويصار إليه بدليل: أنَّ الثواب على الأعمال إنما هو تفضل من الله تعالى، فيهبه لمن يشاء على أي شيء صدر عنه، وبدليل أن النية هي أصل الأعمال، فإذا صحت في فعل طاعة، فعجز عنها لمانع منع منها، فلا بعد في مساواة أجر ذلك العاجز لأجر القادر الفاعل، أو يزيد عليه، وقد دل على هذا قوله -صلى الله عليه وسلم-: «نية المؤمن خير من عمله»، وقوله: «إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم، حبسهم العذر». المفهم (3/ 728).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال أصحابنا: تسقط الجماعة بالأعذار، سواء قلنا: إنها سُنة أم فرض كفاية أم فرض عين؛ لأنا وإن قلنا: إنها سُنة فهي سُنة متأكدة، يكره تركها...، فإذا تركها لعُذر زالت الكراهة، وليس معناه: أنه إذا ترك الجماعة لعذر تحصل له فضيلتها، بل لا تحصل له فضيلتها بلا شك، وإنما معناه: سقط الإثم والكراهة. المجموع شرح المهذب (4/ 203).
وقال العراقي -رحمه الله- مُعلقًا:
وأما قول النووي في شرح المهذب: إنَّ أصحاب الأعذار لا يحصل لهم فضيلة الجماعة، بلا شك، فهو مردود؛ استدلالًا بما ذَكرناه، ومردود نقلًا بما ذكرهُ القفال والروياني والغزالي من حصول ثواب الجماعة لهم -والله أعلم-. طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 298).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
هذه الأحاديث دالة على أنَّ الأعذار المرخصة لترك الجماعة؛ كما تنفي الحرج عن التارك يحصل له فضل الجماعة إذا صلاها منفردًا، وكان قصده الجماعة لولا العذر، وبه صرح الروياني في (تلخيصه) قال: للأخبار الواردة في الباب.
ويشهد له أيضًا حديث أبي هريرة: «مَن توضأ فأحسن وضوءه ثم خرج إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا- أعطاه الله -عَزَّ وَجَلَّ- مثل أجر من صلاها وحضرها، لا ينقص ذَلِكَ من أجرهم شيئًا» رواه أبو داود والنسائي والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، وهو راد على قول النووي في شرح المهذب، حيث قال: إن هذِه الأعذار تسقط الكراهة، أو الإثم، ولا تكون محصلة للفضيلة. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (18/ 139).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أعطاه الله مثل أَجر من صلاها» أي: من أفرادهم، «وحضرها» من أولها، ونقل عن خط السيد السند مير باد شاه -رحمه الله-: إن في نسخة شيخ المحدثين جمال الدين «فحضرها» بالفاء ا.هـ، ولا يخفى عدم صحة الفاء في المعنى، مع أنه مخالف للنسخ المصححة المقروءة على مشايخ السنة. مرقاة المفاتيح (3/ 881).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«أعطاه» أي: الرجل الذي جاء بعد انقطاع صلاة الجماعة، «مثل أجر من صلاها» أي: الصلاة في الجماعة، «وحضرها» أي: حضر صلاة الجماعة. مرعاة المفاتيح (4/ 103).
وقال السندي -رحمه الله-:
ظاهر الحديث: أن إدراك فضل الجماعة يتوقف على أن يسعى لها بوجهه، ولا يقصر في ذلك؛ سواء أدركها أم لا، فمَن أدرك جزءًا منها ولو في التشهد، فهو مُدرك بالأولى، وليس الأجر والفضل مما يعرف بالاجتهاد، فلا عبرة بقول من يخالف قوله الحديث في هذا الباب أصلاً. حاشية السندي على سنن النسائي (2/ 111-112).

قوله: «لا ينقُصُ ذلك من أجورِهِم شيئًا»:
قال السهارنفوري -رحمه الله-:
«لا ينقص ذلك» أي: إعطاء الله إياه مثل أجورهم «من أجرهم» أي: الجماعة، بل لهم أجورهم كاملة لأدائهم الصلاة بالجماعة، وله مثل أجر أحدهم؛ لسعيه في تحصيل صلاة الجماعة وإن فاتته «شيئًا». بذل المجهود في حل سنن أبي داود (3/ 414-415).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا» من الأجر أو النقص؛ لكمال فضل الله وسعة رحمته. مرقاة المفاتيح (3/ 881).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«لا ينقص ذلك» أي: أعطاه الله إياه مثل أجرهم، «من أجورهم»، وفي أبي داود: «من أجرهم» أي: بالإفراد، وكُتب على هامش عون المعبود: «أجورهم» بعلامة النسخة (أي: وعليها علامة النسخة) يعني: أجر المصلين بالجماعة، «شيئًا» من الأجر أو النقص؛ بل لهم أجورهم كاملة؛ لأدائهم الصلاة بالجماعة، وله مثل أجر أحدهم لسعيه في تحصيل صلاة الجماعة وإن فاتته. مرعاة المفاتيح (4/103).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
أي: أعطى الله الذي جاء بعد انقضاء صلاة الجماعة أجرًا مثل أجر واحد ممن حضرها من أولها، ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، بل لكل واحد من المصلين في الجماعة والمصلي وحده أجر كامل؛ لكمال فضل الله وسعة رحمته، ولعله يعطى بالنية أصل الثواب، وبالسعي ما فاته من المضاعفة.
ويحتمل أن (مِنْ) في قوله: «من أجرهم» بمعنى (عن)، والمعنى: أن أجر ذلك الرجل لا ينقص عن أجر واحد ممن حضرها شيئًا.
فقه الحديث: دلّ الحديث على حصول ثواب الجماعة لمن خرج قاصدًا الصلاة معها ولم يدركها، وعلى أن أجره لم ينقص شيئًا من أجور حاضريها. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (4/ 263).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
لعله يُعطى الثواب لوجهين:
أحدهما: أن نية المؤمن خير من عمله.
والآخر: جبرانًا لما حصل له من التَّحسر لفواتها. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1165).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- مُعلقًا:
والتحقيق: أنه يُعطى له بالنية أصل الثواب، وبالتحسُّر ما فاته من المضاعفة. مرقاة المفاتيح (3/ 881).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
منها: ما بوَّب له المصنف -رحمه الله- (النسائي) وهو أن عن توجه إلى المسجد، وقد أحسن وضوءه، فقد نال أجر الجماعة، وإن وجد الناس قد انتهوا من الصلاة.
ومنها: بيان عظم شأن صلاة الجماعة.
ومنها: فضل من أتم الوضوء باستكمال الواجبات والمستحبات.
ومنها: بيان فضل الله تعالى، وسعة كرمه؛ حيث يثيب كُلًّا بثواب كامل، فلا يزاحم أحد أحدًا فيه، وإن اشتركوا في نوع العمل {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} آل عمران: 74، -والله تعالى أعلم-. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (10/ 618-619).


ابلاغ عن خطا